الاثنين، 30 مايو 2022

الحنين إلى كتالونيا

 




* في أعقاب التمرد العسكري أو الانقلاب الجزئي الذي وقع في إسبانيا في 1936 اندلعت ماتُعرف بـ"الحرب الأهلية الإسبانية" التي استمرت لثلاث سنوات، وقد انخرط الآلاف من المتطوعين الأوروبيين في المقاومة الشعبية التي انتظمت، بين عدة أحزاب وتيارات سياسية إسبانية، وجاء تدفق أولئك المتطوعين لنُصرة قيم الديمقراطية والإشتراكية التي كانت تُمثلها حكومة الجمهورية الثانية المنتخبة، والتي أراد فرانثيسكو فرانكو أحد قادة الانقلاب أن يقطع الطريق أمام مسيرتها، ليتمكن بعد هزيمة الجمهورية واضعاف المقاومة الشعبية، أن ينجح في مسعاه ذاك ويُصبِح حاكماً لمدة 36 عاماً. وكان جورج أورويل (1903-1950) أحد أولئك المتطوعين، بالرغم من أنه قدم لإسبانيا ليكتب تقاريراً صحفية، لكنه انضم لواحدة من ميليشيات المقاومة، وقد بدأ له ذلك هو الفعل المتاح أو الأمر الصحيح، ويصف في كتابه هذا، وهو تقرير صحفي اتخذ قالب السرد الروائي، يصف برشلونة بأنها كانت مدينة يمسك فيها العمال بمقاليد الأمور، والجميع كانوا يتخاطبون فيما بينهم بكلمة يارفيق، لا سيد ولا مَسُود ولا غني ولا فقير، إذ انمحت الفوارق بين الناس، حتى ليصِّف وجوده أو ماعَرِفه بين الإسبان في المناطق المدنية أو في جبهات القتال، بمثابة تجربة أو حالة أولية لحياة الإشتراكية، بالرغم انها كانت شهوراً صعبة في ظل العوز والبرد القارس الذي ضاعفته الملابس المهلهلة لقوات الميليشيات، كما يصف الافتقار المريع للتدريب وللسلاح لدن هذه الميليشيات، التي كانت تأسست سريعاً من قبل الأحزاب والنقابات المهنية لمواجهة التمرد العسكري، ناقلاً قول أحدهم: (هذه ليست حرباً، إنها مسرحية هزلية تتخللها بعض الوفيات أحياناً). ثم يقول إنه حينما قدم إلى إسبانيا لم يكن مهتماً بالوضع السياسي، وكان كل مايعرفه أن هناك حرباً ضد الفاشية وأنه كان يدافع عن الكرامة الإنسانية، ثم يبسط خريطة الصراع السياسي المكونة من جمهوريين ذوي ميول يسارية وشيوعيين يشكلون الحكومة ونقابات عمالية وأناركيون لم يصوتوا في الانتخابات، ولكنهم اشتركوا في الحرب ضد فرانكو، وكانت أضلاع الصراع أو الحرب في ثلاثة جوانب، حرب ضد فرانكو واخرتين خفية تسعى فيهما الحكومة لتحجيم سلطة النقابات العمالية، والثالثة لتصفية الميليشيات المقاومة بذريعة ضعف الكفاءة العسكرية، ثم يبسط  بعد ذلك تحليله لمواقف حكومات دول مختلفة وصحف أوروبية يسارية ويمينية اشتركت، رغم تباين وجهات نظرها، في خذلان المقاومة الإسبانية، ليقول في ختام كتابه إنه يحمل أسوأ الذكريات عن إسبانيا وأجملها عن الإسبان ذوي العرق النبيل الذين لا ينتمون للقرن العشرين، لجهة أناركيتهم الفطرية أو مقتهم الغريزي للسلطة، متمنياً أن تدحر صفاتهم هذه وطأة الفاشية المقبلة، إذ كان كتابه هذا قد نُشر قبل عام من استيلاء فرانكو على الحكم.

-----------------
الناشر: آفاق للنشر-الكويت
تاريخ النشر: 2021

 

الجمعة، 20 مايو 2022

شكسبير ورفاقه

 



* شكسبير ورفاقه اسم مكتبة شهيرة للكتب الإنجليزية توجد في باريس، أسستها سيلفيا بيتش، وهي أمريكية كانت تعمل ممرضة في منظمة الصليب الأحمر ثم انتقلت إلى باريس لدراسة الأدب الفرنسي، وظلت المكتبة تقدم خدماتها في بيع الكتب ودعم الكُتّاب، منذ افتتاحها في 1919 حتى توقفها في 1941، ثم أعاد أمريكي آخر في منتصف ستينات القرن الماضي الاعتبار لها وأسبق اسم (شكسبير ورفاقه) على مكتبته في باريس تكريماً لها، وفي هذا الكتاب تُدون سيلفيا بيتش ذكرياتها عن المكتبة وعمن التقتهم من كُتّاب ومافعلته من أجل الكتب ودعم الكُتّاب، وهي تقول إنها لطالما رغبت في انشاء مكتبة فرنسية في نيويورك، لأنها أرادت للكُتّاب الفرنسيين الذين يعجبونها أن يكونوا معروفين في بلدها، وبالفعل شرعت في ذلك لكن نقص المال، جعلها تقوم بانشاء مكتبتها في باريس بدلاً عن نيويورك، وتحولت رغبتها من تعريف الأمريكيين بالكُتاب الفرنسيين إلى تعريف الفرنسيين بالكُتّاب الأمريكيين، لكن هذه الرغبة أو المهمة توسعت أكثر وأصبحت (شكسبير ورفاقه) مكان يلتقي فيه المثقفين والفنانين من كل الحقول ودليل ومرشد للتعريف بالكتب والكُتاب في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ومكان يحج اليه السياح الأمريكيين، وكان من رواد المكتبة وأصدقاءها، عزرا باوند وإرنست هيمنجواي وسكوت فيتزجيرالد وأندريا جيد وبول فاليري وجيمس جويس، الذي تعرفت عليه في حفل بأحد بيوت أولئك الرواد، وجاءت أكثر من نصف مذكراتها عنه، إذ توطدت علاقتها به حتى أصبحت بمثابة وكيلته الأدبية وناشرة روايته عوليسس، التي كافحت كثيراً من أجل نشرها بدءاً من ايجاد ناشر لها، وكانت عوليسس ممنوعة في المملكة المتحدة، أو لم تُمنح حقوق طبع بذريعة فحشها، كما قامت بمتابعة طبع المسودات لتقديمها للنشر وارسال الرسائل لعدد من الكُتّاب والقراء، ليشتركوا مسبقاً في شراء الرواية، وقد حظيت رسالتها لجورج برنارد شو برد طريف وساخر، بعد أن لم يستجب لطلبها، واصفاً رواية عوليسس، التي كانت نُشرت متسلسلة أول مرة في مجلة أمريكية، (انها سجل مقزز لطور حضارة مثيرة للاشمئزاز لكنها سجل صادق) ويقول (في أيرلندا يحاولون تنظيف القط بفرك أنفه في قذارته، ولقد جرب السيد جويس العلاج نفسه في الشأن الإنساني، آمل أن ينجح وتثبُت نجاعته) ويخاطب سيلفيا قائلاً ( من الأرجح أنك شابة همجية تفتنها الحماسة والإثارة التي يثيرها الفن على نحو عاطفي) ثم يختم رسالته بالقول إن كنت تتصورين أن أيرلندياً، خاصة من كبار السن، سيدفع 150 فرنكاً في هذا الكتاب، فأنت تعرفين القليل عن أبناء بلدي. وفي المجمل تشرح هذه المذكرات كيف كانت شكسبير ورفاقه أو صاحبتها منارة اشعاع ثقافي وشاهدة على عصر ماتزال أثاره باقية، وقد صدق المترجم في تقديمه حين قال، إن أكثر من عنوان يمكن أن يصلح لهذا الكتاب: سيرة حياة مكتبة أو سيرة حياة رواية أو سيرة حياة عصر.

-------------

الناشر: ترياق للنشر والتوزيع-الرياض

تاريخ النشر: 2021


الاثنين، 9 مايو 2022

رسمتُ خطاً في الرمال

 




* هاني الراهب (1939-2000) روائي وقاص سوري مرموق، نال وهو في الثانية والعشرين من عمره جائزة مسابقة الرواية العربية التي كانت نظمتها دار الآداب البيروتية في 1960 وكانت المهزومون روايته الفائزة بالجائزة أولى أعماله الروائية، لتتوالى بعد ذلك رواياته المُجددة والمُتجددة، وفي هذه الرواية يستدعي شخصية عيسى بن هشام مثقف زمانه وراوي المقامات العربية التي ابتدعها بديع الزمان الهمزاني قبل قرون عديدة خلت، وقد استدعاه محمد إبراهيم المويلحي (1858-1930) في كتابه (حديث عيسى بن هشام) وهنا يستدعيه الراهب بصحبة رفيقه أبو الفتح الإسكندري وشهرزاد راوية ألف ليلة وليلة ورفيقها شهريار، ليقذف بأربعتهم في لجة أحداث القرن العشرين، وقد تَنقّل بهم بين الأرض والسماء طيلة الألف عام الماضية، ناظراً عبرهم لبلاد العرب ومُشخصاً لأحوالهم ومُستخدماً في ذلك، لغة رائقة ومتفجرة تتشوق للعدل والحرية وسرد أسطوري للواقع، حيث نطالع عيسى بن هشام مُعِوزٌاً يلاحق ورقة من فئة المئة دولار كانت طائرة في الهواء، ولم يستطع الامساك بها إلا بعد أن استطالت يده لألف متر، ليذهب بعدها للعمل أستاذاً في جامعة نفيطية س، التي كان الجمل يقضم في كتب مكتبتها ويتجول حراً في أبهاء الجامعة، وقد استخدمت واحدة من تلك النفيطيات شهريار، الذي كان شاغله في السابق توحيد المسلمين أو العرب وتحرير القدس الشريف، استخدمته ليعمل رئيساً لجهاز المطوعين/المُخبرين، وقد تم تزويد جهازه بأحدث تقنيات الكشف التى تستطيع ان تعلم حتى بما يجول في السريرة، وكانت من ضمن مهامه بعد ترؤسه لجهاز المطوعين أن يمنع تدوال كتاب ألف ليلة وليلة بذريعة فحشه وفجوره، لنرى شهرزاد تتبرم من تبدل حال شهريار الذي لم يكتف بذلك المنع بل وفرض عليها الحجاب، فتتوق للفكاك وتلتقي بالخنساء وشجرة الدر وحتشبسوت وبلقيس وزرقاء اليمامة وزليخة وسميراميس، حيث يجتمعن كل مرة عند واحدة منهن ويطلقن أحلامهن وألسنتهن، بعيداً عن عيون الخليفة وعسس شهريار، وقد كشفت تلك الأسطرة للواقع واستدعاء شخصيات عديدة خيالية وحقيقية، في هذه الرواية، عن إبداعية هاني الراهب المتمكنة، كما كشفت أكثر عن هذا الواقع وعن حقائقه المتفسخة.

-------------

الناشر: دار الكنوز الأدبية-بيروت/لبنان

تاريخ النشر: 1999