الأربعاء، 4 نوفمبر 2020

هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي السوداني



اسم الكتاب: هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي السوداني

اعداد وتحرير: د. صديق الزيلعي

الناشر: مركز آفاق جديدة-المملكة المتحدة

تاريخ النشر: 2016





عرض: هشام مكي حنفي


* هذا الكتاب (هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي السوداني) من إعداد و تحرير د. صديق الزيلعي و هو أكاديمي و كاتب سوداني متخصص في العلوم السياسية، تخرج من كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم ثم نال درجتي الماجستير و الدكتوراة من جامعة مانشستر. وقد جاء الكتاب في 480 صفحة من القطع الكبير، وهو مجهود ضخم ضم 27 ورقة تناولت تشابكات السياسة والفكر في السودان على مدى العقود الفائتة، السؤال المحوري الذي قدمه المحرر دار حول إمكانية تجديد الحزب الشيوعي السوداني في ظل المتغيرات العالمية والمحلية المتمثلة في نهاية التجربة الاشتراكية والنقد الذي قدم للتجربة وللنظرية الماركسية ثم النقلات الكبيرة التي حدثت في حقل العلوم السياسية بالإضافة للتطور الفكري والنظري والعلمي والتكنولوجي وجملة متغيرات العصر. الكتاب صدر متزامناً مع الذكرى السبعين لتأسيس الحزب الشيوعي (1946- 2016)، وقد استخدم المحرر العبارة السابقة بخصوص الذكرى كعنوان جانبي إضافة لقوله في مقدمة الكتاب "تمر هذا العام الذكرى السبعون لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني وهي ذكرى هامة تستدعي وقفات متعددة. وقد قمنا بإرسال دعوات و وجدنا استجابة فاقت توقعاتنا ... وصارت أقرب لمؤتمر علمي حول قضية تجديد الحزب الشيوعي"، هكذا قيم د. الزيلعي حصيلة الاستجابة للمساهمة في الكتاب بوصفها أقرب لمؤتمر علمي وهو محق فكثير من الأوراق لها قيمة فكرية عالية وغالبية المشاركين هم باحثون أكاديميون أصحاب مساهمات متميزة في حقول المعرفة المختلفة.


* يبدأ الكتاب بمقدمة (توطئة) تستعرض الأوراق المنشورة ضمنه، ثم ورقة افتتاحية للمحرر نفسه بمثابة تأطير نظري تناول فيها قضية التجديد وبعض ما اعتبره مواقف تجديدية للحزب الشيوعي السوداني، ثم بعض مظاهر الجمود والسلفية الشيوعية وقضايا أخرى وصولاً إلى الخلاف حول اسم الحزب. 

المساهمات اللاحقة في الكِتاب كانت لعدد 25 من الكُتاب السودانيين المرموقين ذوي المساهمات المشهودة في مجالات السياسة والفكر، وقد استكتب د. الزيلعي هذه المجموعة من الكُتاب للرد على السؤال المحوري للكِتاب (هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي السوداني؟). تراوحت استجابة الأوراق من حيث الالتزام بالموضوع المطروح للنقاش ما بين الإجابات المباشرة والإجابات الفلسفية العميقة التي تناولت الأمر كمكون ضمن عناصر فسيفساء السياسة السودانية. وما بين الإجابات الصمدية المنطلقة من حيز الانتماء إلى تلك المنفتحة على آفاق التفكير الحر. كذلك حوى الكتاب ورقة هي عبارة عن تلخيص لحصيلة نشاطين استقصائيين الأول كان نتائج استبيان تم توزيعه على مجموعة من الشيوعيين والديمقراطيين والنشاط الآخر ورشة عقدت خلال مايو 2016 لمناقشة قضية تجديد الحزب وما يتعلق بها من أسئلة، لم يوضح المحرر أسماء القائمين على الدراسة ربما لظروف السرية في ذلك الوقت.


* معظم مساهمات الكتاب متميزة وذات قيمة عالية، منها على سبيل المثال لا الحصر مساهمة الراحل بروفيسور الطيب زين العابدين الذي يقول عن فكرة الكتاب القائمة على إشراك كتاب من وجهات فكرية وسياسية مختلفة بل ومتناحرة "أعجبتني الفكرة التي تدل على نضوج سياسي ظللنا نفتقده لسنوات طويلة ... خاصة بين الأحزاب العقائدية المتشاكسة" ومساهمة د. النور حمد التي يقول فيها "إن اللافتات القديمة التي تقسمت تحتها قوى اليسار لم تعد صالحة كأطروحات و لا كأوعية تنظيمية" و يقدم فيها عوضاً عن ذلك دعوة جريئة لتوحد القوى التي يعدها في اليسار والتي هي كما عددها الحزب الشيوعي، وحزب البعث، والحزب الناصري، وتنظيم الجمهوريين، والمستقلين، والتنظيمات الجهوية المطالبة بانتزاع الحقوق. و مساهمة د. عمرو عباس التي أشار فيها لصعوبة الكتابة عن الحزب الشيوعي لبعض الأسباب الموضوعية بالإضافة لحساسية الحزب الشيوعي السوداني العالية تجاه النقد. و مساهمة د. أحمد عثمان عمر التي ناقش فيها بعض أفكار الراحل محمد إبراهيم نقد التي كان قد سبق نشرها في خمس مقالات على صحيفة البيان الإماراتية. وكذلك ورقة د. محمد محمود ذات القيمة التاريخية و النظرية العالية والتي أرجو أن يطلع عليها ويقف عندها كل الشيوعيين واليساريين السودانيين بل وكل مهتم بالشأن السياسي في السودان، و قد تطرق فيها لجذور النزاع داخل الحزب بين الرؤى اليسارية المنغلقة والرؤى الأكثر انفتاحاً التي كانت تحلم بتشكيل تنظيم يسار عريض يتبنى القضايا الأساسية والجوهرية للشعب السوداني خلافاً للشكل اللينيني، وانتهى مؤلف الورقة إلى "أن أزمة اليسار السوداني ... ليس بأزمة فكرية أو أزمة برنامج، بل أزمة ذات طبيعة عملية و مباشرة .... أزمة وعاء تنظيمي جامع يصوغ عناصر برنامج الحد الأدنى الذي يجذب و يفجر طاقات أكبر عدد من التقدميين"، كذلك مساهمة د.  صديق الزيلعي المعنونة ب (مقدمة في نقد المركزية الديمقراطية) وهي تلامس جوهر المعوقات التي تعيق محاولات تجديد الحزب في الواقع. 


* اشتمل الكتاب كذلك على مقالات للبروفيسور فاروق محمد إبراهيم و الراحل الأستاذ التجاني الطيب و الصحفي الذي رحل مؤخراً الأستاذ خالد العبيد الذي تطرق في مساهمته لعلاقة الحزب الشيوعي بالمنظمات الجماهيرية الملتفة حوله متخذاً اتحاد الشباب نموذجاً و تناول حالات الشد والجذب الذي يطبع هذه العلاقة والأستاذ عبد العزيز الصاوي وبعض أعضاء اللجنة المركزية للحزب وآخرين.

الكتاب مهم جداً ويمثل إضافة فعلية للأدبيات السياسية السودانية كما يمثل مرجع محترم لدارسي العلوم السياسية، يميز الكتاب سلاسته ربما لحيوية المناقشة وتمكن الكاتبين.