الخميس، 20 أكتوبر 2022

كيم




* رديارد كيبلنج (1865-1936) شاعر وروائي إنجليزي نال جائزة نوبل في 1907، ولد في الهند وكان يُعرف بـ"شاعر الإمبراطورية البريطانية" فهو مدافع صريح عن الإستعمار، وفي قصيدته الشهيرة " عبء الرجل الأبيض" يحث ذلك الرجل أو أولئك المستعمرين البيض لتحمل عبئهم في ترقية تلك الشعوب التي استعمروها ونصف واحدهم شيطان ونصفه الآخر ذا نزعة طفولية، وفي السودان يعرف كثيرون كيبلنج بسبب قصيدته (فزي وزي) التي دبجها في مديح فرسان البجا/السودانيين، الذين خاضوا المعارك تحت إمرة الأمير عثمان دقنة إبان حروب الثورة المهدية، وفي هذه الرواية، التي صدرت في 1901، يحتل كيم موقع الشخصية الرئيسية، وهو صبي يتيم يتنازعه الولاء بين حبه للهند التي ولد ونشأ فيها وبين واجب انتماءه العرقي الأيرلندي-الإنجليزي، الذي فرضه عليه تورطه في العمل لصالح جهاز الإستخبارت البريطانية في آسيا، وهو يتميز بالذكاء والشقاوة وحب المغامرة، الأمر الذي يدفعه لصحبة راهب بوذي يطوف في أرجاء الهند في رحلة حج أو بحث عن الذات، وتعمر بينهما عرى المحبة ويتخذه الراهب تلميذاً، بل ويتكفل بمصاريف قبوله العالية في ثانوية مرموقة تقدم خدماتها لأبناء الإنجليز والأعيان في الهند، وفي الرواية يلتقي كيم بهنود وإنجليز من طوائف دينية مختلفة، ويستطيع أن يخلب لب كل ذلك الطيف المتنوع من الناس، بسبب معرفته بلغاتهم وطرق حديثهم وأساليب حياتهم ومهاراته في التقمص أو التواصل، ومن خلال هذه الرحلة الروحية والاستخباراتية يقدم كيبلنج سرديته لأديان الهند وأحوالها في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، وقد ظلت روايته هذه مثار جدل وقراءة، لم ينقطعا طيلة المائة عام الماضية، لجهة انحيازه الإيديولوجي المعلن ورفعته الأدبية المُتوَّجة، وفي تقديمه لهذه الترجمة وكما هو دأبه في معظم ترجماته يقدم محمد عناني (1939-2023) مقدمة ضافية يعرض فيها ذلك الجدل وتلك القراءات المختلفة التي حظيت بها الرواية، ويختم مقدمته ناقلاً قول أحد النقاد؛ بأن كيبلنج نجح في رسم صور حية للهند بما فيها من قرويين وحجاج ربانيين ولصوص وشحاذين .. واليوم أصبحت حياة أولئك الناس تقع ضمن اهتمامات البحوث التاريخية الحديثة في إطار نظريات مابعد الإستعمار ومناهضة الإمبريالية.

-------------------

الناشر: المركز القومي للترجمة-القاهرة.

تاريخ النشر: 2011


الأربعاء، 17 أغسطس 2022

جوزف أنطون

 



* (قال لنفسه حين هبت العاصفة فوق رأسه: "على الأقل، أنا أدخل المعركة حاملاً الاسم الصحيح". ومن داخل القبر، سلّمه والده الراية التي كان مستعداً كي يقاتل تحتها، راية ابن رشد، التي عبرت عن الفكر والحجة والتحليل والتقدم وتحرر الفلسفة والتعليم من قيود اللاهوت، والتي جسّدت العقل الإنساني ضد الإيمان الأعمى والخضوع والقبول والبلادة. لم يرد أحد أبداً الذهاب إلى الحرب، ولكن إذا جاءت الحرب إليك، من المحتمل أن تكون أيضاً الحرب الملائمة، حول الأشياء الأكثر أهمية في العالم، ويمكنك أيضاً، إذا كنت ستخوضها، أن تدعى رشدي، وتقف حيث وضعك والدك، في التراث الأرسطي المهيب، تراث ابن رشد، أبي الوليد محمد ابن أحمد ابن رشد)


* المقتطف أعلاه من كتاب سلمان رشدي (جوزف أنطون) الصادر عن منشورات الجمل في 2021 بترجمة أسامة إسبر، والكتاب سيرة لأيام حصاره الطويلة التي استمرت لسنوات طويلة، عقب صدور فتوى الخميني 1989 التي جوّزت قتله وقتل كل من يساهم في نشر روايته الآيات الشيطانية، وقد كتب سلمان رشدي في هذه السيرة عن حياته بصيغة الغائب بدلاً عن صيغة ضمير المتكلم، وكان قد اختار خلال تلك السنوات، لدواعي أمنية، كنية (جوزف أنطون) كاسم مستعار له، تكريماً لجوزيف كونراد وأنطون تشيخوف، وكان إحساسه أنه رجل ميت تبقت له شهور أو سنوات قليلة، لكنه كان مستعداً، كما يكتب، لخوض المعركة وهو يحمل الاسم الصحيح، فوالده المفتون بابن رشد كان قد ترك اسم عائلته الهندي منذ زمن وأصبح اسمه أنيس أحمد رشدي.



الاثنين، 30 مايو 2022

الحنين إلى كتالونيا

 




* في أعقاب التمرد العسكري أو الانقلاب الجزئي الذي وقع في إسبانيا في 1936 اندلعت ماتُعرف بـ"الحرب الأهلية الإسبانية" التي استمرت لثلاث سنوات، وقد انخرط الآلاف من المتطوعين الأوروبيين في المقاومة الشعبية التي انتظمت، بين عدة أحزاب وتيارات سياسية إسبانية، وجاء تدفق أولئك المتطوعين لنُصرة قيم الديمقراطية والإشتراكية التي كانت تُمثلها حكومة الجمهورية الثانية المنتخبة، والتي أراد فرانثيسكو فرانكو أحد قادة الانقلاب أن يقطع الطريق أمام مسيرتها، ليتمكن بعد هزيمة الجمهورية واضعاف المقاومة الشعبية، أن ينجح في مسعاه ذاك ويُصبِح حاكماً لمدة 36 عاماً. وكان جورج أورويل (1903-1950) أحد أولئك المتطوعين، بالرغم من أنه قدم لإسبانيا ليكتب تقاريراً صحفية، لكنه انضم لواحدة من ميليشيات المقاومة، وقد بدأ له ذلك هو الفعل المتاح أو الأمر الصحيح، ويصف في كتابه هذا، وهو تقرير صحفي اتخذ قالب السرد الروائي، يصف برشلونة بأنها كانت مدينة يمسك فيها العمال بمقاليد الأمور، والجميع كانوا يتخاطبون فيما بينهم بكلمة يارفيق، لا سيد ولا مَسُود ولا غني ولا فقير، إذ انمحت الفوارق بين الناس، حتى ليصِّف وجوده أو ماعَرِفه بين الإسبان في المناطق المدنية أو في جبهات القتال، بمثابة تجربة أو حالة أولية لحياة الإشتراكية، بالرغم انها كانت شهوراً صعبة في ظل العوز والبرد القارس الذي ضاعفته الملابس المهلهلة لقوات الميليشيات، كما يصف الافتقار المريع للتدريب وللسلاح لدن هذه الميليشيات، التي كانت تأسست سريعاً من قبل الأحزاب والنقابات المهنية لمواجهة التمرد العسكري، ناقلاً قول أحدهم: (هذه ليست حرباً، إنها مسرحية هزلية تتخللها بعض الوفيات أحياناً). ثم يقول إنه حينما قدم إلى إسبانيا لم يكن مهتماً بالوضع السياسي، وكان كل مايعرفه أن هناك حرباً ضد الفاشية وأنه كان يدافع عن الكرامة الإنسانية، ثم يبسط خريطة الصراع السياسي المكونة من جمهوريين ذوي ميول يسارية وشيوعيين يشكلون الحكومة ونقابات عمالية وأناركيون لم يصوتوا في الانتخابات، ولكنهم اشتركوا في الحرب ضد فرانكو، وكانت أضلاع الصراع أو الحرب في ثلاثة جوانب، حرب ضد فرانكو واخرتين خفية تسعى فيهما الحكومة لتحجيم سلطة النقابات العمالية، والثالثة لتصفية الميليشيات المقاومة بذريعة ضعف الكفاءة العسكرية، ثم يبسط  بعد ذلك تحليله لمواقف حكومات دول مختلفة وصحف أوروبية يسارية ويمينية اشتركت، رغم تباين وجهات نظرها، في خذلان المقاومة الإسبانية، ليقول في ختام كتابه إنه يحمل أسوأ الذكريات عن إسبانيا وأجملها عن الإسبان ذوي العرق النبيل الذين لا ينتمون للقرن العشرين، لجهة أناركيتهم الفطرية أو مقتهم الغريزي للسلطة، متمنياً أن تدحر صفاتهم هذه وطأة الفاشية المقبلة، إذ كان كتابه هذا قد نُشر قبل عام من استيلاء فرانكو على الحكم.

-----------------
الناشر: آفاق للنشر-الكويت
تاريخ النشر: 2021

 

الجمعة، 20 مايو 2022

شكسبير ورفاقه

 



* شكسبير ورفاقه اسم مكتبة شهيرة للكتب الإنجليزية توجد في باريس، أسستها سيلفيا بيتش، وهي أمريكية كانت تعمل ممرضة في منظمة الصليب الأحمر ثم انتقلت إلى باريس لدراسة الأدب الفرنسي، وظلت المكتبة تقدم خدماتها في بيع الكتب ودعم الكُتّاب، منذ افتتاحها في 1919 حتى توقفها في 1941، ثم أعاد أمريكي آخر في منتصف ستينات القرن الماضي الاعتبار لها وأسبق اسم (شكسبير ورفاقه) على مكتبته في باريس تكريماً لها، وفي هذا الكتاب تُدون سيلفيا بيتش ذكرياتها عن المكتبة وعمن التقتهم من كُتّاب ومافعلته من أجل الكتب ودعم الكُتّاب، وهي تقول إنها لطالما رغبت في انشاء مكتبة فرنسية في نيويورك، لأنها أرادت للكُتّاب الفرنسيين الذين يعجبونها أن يكونوا معروفين في بلدها، وبالفعل شرعت في ذلك لكن نقص المال، جعلها تقوم بانشاء مكتبتها في باريس بدلاً عن نيويورك، وتحولت رغبتها من تعريف الأمريكيين بالكُتاب الفرنسيين إلى تعريف الفرنسيين بالكُتّاب الأمريكيين، لكن هذه الرغبة أو المهمة توسعت أكثر وأصبحت (شكسبير ورفاقه) مكان يلتقي فيه المثقفين والفنانين من كل الحقول ودليل ومرشد للتعريف بالكتب والكُتاب في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ومكان يحج اليه السياح الأمريكيين، وكان من رواد المكتبة وأصدقاءها، عزرا باوند وإرنست هيمنجواي وسكوت فيتزجيرالد وأندريا جيد وبول فاليري وجيمس جويس، الذي تعرفت عليه في حفل بأحد بيوت أولئك الرواد، وجاءت أكثر من نصف مذكراتها عنه، إذ توطدت علاقتها به حتى أصبحت بمثابة وكيلته الأدبية وناشرة روايته عوليسس، التي كافحت كثيراً من أجل نشرها بدءاً من ايجاد ناشر لها، وكانت عوليسس ممنوعة في المملكة المتحدة، أو لم تُمنح حقوق طبع بذريعة فحشها، كما قامت بمتابعة طبع المسودات لتقديمها للنشر وارسال الرسائل لعدد من الكُتّاب والقراء، ليشتركوا مسبقاً في شراء الرواية، وقد حظيت رسالتها لجورج برنارد شو برد طريف وساخر، بعد أن لم يستجب لطلبها، واصفاً رواية عوليسس، التي كانت نُشرت متسلسلة أول مرة في مجلة أمريكية، (انها سجل مقزز لطور حضارة مثيرة للاشمئزاز لكنها سجل صادق) ويقول (في أيرلندا يحاولون تنظيف القط بفرك أنفه في قذارته، ولقد جرب السيد جويس العلاج نفسه في الشأن الإنساني، آمل أن ينجح وتثبُت نجاعته) ويخاطب سيلفيا قائلاً ( من الأرجح أنك شابة همجية تفتنها الحماسة والإثارة التي يثيرها الفن على نحو عاطفي) ثم يختم رسالته بالقول إن كنت تتصورين أن أيرلندياً، خاصة من كبار السن، سيدفع 150 فرنكاً في هذا الكتاب، فأنت تعرفين القليل عن أبناء بلدي. وفي المجمل تشرح هذه المذكرات كيف كانت شكسبير ورفاقه أو صاحبتها منارة اشعاع ثقافي وشاهدة على عصر ماتزال أثاره باقية، وقد صدق المترجم في تقديمه حين قال، إن أكثر من عنوان يمكن أن يصلح لهذا الكتاب: سيرة حياة مكتبة أو سيرة حياة رواية أو سيرة حياة عصر.

-------------

الناشر: ترياق للنشر والتوزيع-الرياض

تاريخ النشر: 2021


الاثنين، 9 مايو 2022

رسمتُ خطاً في الرمال

 




* هاني الراهب (1939-2000) روائي وقاص سوري مرموق، نال وهو في الثانية والعشرين من عمره جائزة مسابقة الرواية العربية التي كانت نظمتها دار الآداب البيروتية في 1960 وكانت المهزومون روايته الفائزة بالجائزة أولى أعماله الروائية، لتتوالى بعد ذلك رواياته المُجددة والمُتجددة، وفي هذه الرواية يستدعي شخصية عيسى بن هشام مثقف زمانه وراوي المقامات العربية التي ابتدعها بديع الزمان الهمزاني قبل قرون عديدة خلت، وقد استدعاه محمد إبراهيم المويلحي (1858-1930) في كتابه (حديث عيسى بن هشام) وهنا يستدعيه الراهب بصحبة رفيقه أبو الفتح الإسكندري وشهرزاد راوية ألف ليلة وليلة ورفيقها شهريار، ليقذف بأربعتهم في لجة أحداث القرن العشرين، وقد تَنقّل بهم بين الأرض والسماء طيلة الألف عام الماضية، ناظراً عبرهم لبلاد العرب ومُشخصاً لأحوالهم ومُستخدماً في ذلك، لغة رائقة ومتفجرة تتشوق للعدل والحرية وسرد أسطوري للواقع، حيث نطالع عيسى بن هشام مُعِوزٌاً يلاحق ورقة من فئة المئة دولار كانت طائرة في الهواء، ولم يستطع الامساك بها إلا بعد أن استطالت يده لألف متر، ليذهب بعدها للعمل أستاذاً في جامعة نفيطية س، التي كان الجمل يقضم في كتب مكتبتها ويتجول حراً في أبهاء الجامعة، وقد استخدمت واحدة من تلك النفيطيات شهريار، الذي كان شاغله في السابق توحيد المسلمين أو العرب وتحرير القدس الشريف، استخدمته ليعمل رئيساً لجهاز المطوعين/المُخبرين، وقد تم تزويد جهازه بأحدث تقنيات الكشف التى تستطيع ان تعلم حتى بما يجول في السريرة، وكانت من ضمن مهامه بعد ترؤسه لجهاز المطوعين أن يمنع تدوال كتاب ألف ليلة وليلة بذريعة فحشه وفجوره، لنرى شهرزاد تتبرم من تبدل حال شهريار الذي لم يكتف بذلك المنع بل وفرض عليها الحجاب، فتتوق للفكاك وتلتقي بالخنساء وشجرة الدر وحتشبسوت وبلقيس وزرقاء اليمامة وزليخة وسميراميس، حيث يجتمعن كل مرة عند واحدة منهن ويطلقن أحلامهن وألسنتهن، بعيداً عن عيون الخليفة وعسس شهريار، وقد كشفت تلك الأسطرة للواقع واستدعاء شخصيات عديدة خيالية وحقيقية، في هذه الرواية، عن إبداعية هاني الراهب المتمكنة، كما كشفت أكثر عن هذا الواقع وعن حقائقه المتفسخة.

-------------

الناشر: دار الكنوز الأدبية-بيروت/لبنان

تاريخ النشر: 1999

الثلاثاء، 22 مارس 2022

الرجل الذي أحب الكلاب

 

اسم الرواية: الرجل الذي كان يحب الكلاب

المؤلف: ليوناردو بادورا

المترجم: بسّام البزّار

الناشر: دار المدى للإعلام والثقافة والفنون

تاريخ النشر: 2018



* ليون تروتسكي أو لييف دافيدوفيتش تروتسكي ثوري أوكراني/سوفيتي ومُنظر سياسي، كان أحد أهم قادة الثورة البلشفية في 1917 في روسيا/الاتحاد السوفيتي، ومن أشهر مؤلفاته الثورة المغدورة والثورة الدائمة، أغتيل في المكسيك في 1940، بواسطة شيوعي إسباني كانت جندته المخابرات السوفيتية ودربته لتنفيذ هذه المهمة، وفي هذا الكتاب الذي استند على الكثير من الخيال وعلى الكثير من الحقائق، يقدم المؤلف سرديته لتلك الجريمة، وقد كتب في تذييله أو في شكره الذي جاء في خاتمة الكتاب ( يجب التنويه إلى أن ما ألّفت هي رواية، على الرغم من الحضور المرهق للتاريخ في كل واحدة من صفحاتها )، وفي الرواية لا نحدس وحسب ماالذي حدث؟ فطموحها أو طموح المؤلف أكثر من ذلك، وهو يكتب متمنياً أن تُبين لنا روايته كيف انحرفت الطوباوية، ولماذا فسدت المثالية؟ ولعل تلك المعرفة أو ذلك الاستقراء قد تحقق عبر هذه الرواية الشيقة، التي تتداخل فيها حيوات ثلاثة رجال، ليون تروتسكي ورامون ميركادير قاتله والراوي إيبان كارديتاس مارتوريل، لتتشكل بذلك خطوط حكاياتها الثلاث، وتبدأ الأولى في 1929 حين نُفي تروتسكي من بلده ليذهب إلى تركيا، ثم يتواصل منفاه/عزله وكفاحه الذي لم يفتر في فرنسا والنرويج ثم في المكسيك، وتبدأ الحكاية الثانية في 1938 يوم عُرض على رامون، الذي تحول إسمه لجاك مورنارد ثم إلى فرانك جاكسون، مهمة أغتيال تروتسكي، فيرحل إلى روسيا ليُكمِل فيها تدريبه وإلى أمريكا ثم إلى المكسيك، التي يسجن فيها 20 عاماً بعد تنفيذه الاغتيال، فينتقل بعد الإفراج عنه إلى موسكو ليعيش برفقة زوجته، العميلة التي دبرت المخابرات لقاءه بها، ثم ينتقل في أخريات عمره، حنيناً لموطن أو مكان ميلاد أمه، إلى كوبا، وهناك يلتقى  بإيبان مارتوريل في 1977 لتبدأ الحكاية الثالثة، وإيبان شيوعي كوبي ساخط ومتوقف عن الكتابة، وهو الذي يروي حكاية هذا الكتاب، وقد تتخللت هذه الحكايات الثلاث وقائع وأحداث انتهكت فيها حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية، وتعرضت حياة جموع من الناس بل وشعوب بأكملها للإنتهاك والموت والخيانة، كتصفية ستالين لكل رفقاء الثورة وشيوع أجواء الخوف بين مواطني الإتحاد السوفيتي، أو إشاراتها لماحدث في الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) التي تدخلت فيها موسكو واستغلت فيها صراعات الشيوعيين الإسبان لصالح صُنع هيبتها بين الدول الأوروبية، وليس لنُصرة قضية الإشتراكية أو الديمقراطية، وقد جَبُنت الحكومات الأوروبية يومها في مواجهة ذلك أو غضت الطرف، كما غضته يوم غزو روسيا/ستالين لفنلندا، وغزو ألمانيا/هتلر لبولندا، ليعقب ذلك غزو النازيين لمعظم الدول الأوروبية، وفي ختام تذييله/شكره ذاك يضيف المؤلف أمنيته الأخيرة: أن تثير الرواية الشفقة، وهذا ماسيحس به قراء وقارئات هذه الرواية، وهم يرون كيف حوّل زعيم معتوه ونظام فاسد الناس إلى جلادين ثم إلى ضحايا يثيرون الشفقة.



الأربعاء، 23 فبراير 2022

لماذا انفصل جنوب السودان؟

 




* لماذا انفصل جنوب السودان؟ عنوان كتاب جديد صدر عن دار مدارك للطباعة والنشر في الخرطوم في 2021، وجاء في مقدمته (من الواضح أن المؤلف أصابته خيبة أمل حين أختار الجنوبيين الإستقلال وكان اختيارهم غلاباً. ولكنه لا يلقي باللائمة على الجنوبيين على تلك النتيجة، فعلى مر الأزمان وعبر تاريخ السودان ظل ساسة الشمال وقادته العسكريون يختارون مراراً وتكراراً سياسات تُنفّر الجنوبيين) وكان محمد إبراهيم خليل مؤلف هذا الكتاب رئيساً للمفوضية التي أشرفت على الإستفتاء الذي أُجري في 9 يوليو 2011، وهو رجل قانون معروف وأول عميد سوداني لكلية القانون بجامعة الخرطوم، وكان تعيينه رئيساً لمفوضية الإستفتاء قد لاقى تقديراً كبيراً من الناخب الجنوبي، كما يكتب محجوب محمد صالح في تقديمه للكتاب، وفي تعليقه أو في تقديم آخر للكتاب كتب فرانسيس دينق ( الكتاب نتيجة بحث دقيق وأسلوب كتابة فائقة المتانة وملهمة ثقافياً، وقد جاء في أوانه. وإلى ذلك فأن الكتاب ذو شأن بتحديات ديوان الدولة وبناء البلدان لا في السودانين الإثنين فحسب، وإنما في مناطق أدنى شرق أفريقيا وما وراءها). وليجيب الكتاب على السؤال: لماذا انفصل جنوب السودان؟ يعود المؤلف بالتحليل المؤجز لتاريخ علاقة الشمال بالجنوب، منذ النوبة الوثنية وظهور الإسلام في السودان وقيام الممالك الإسلامية، مروراً بتاريخ الاسترقاق خلال فترات التركية والمهدية والمحتل الإنجليزي، كما يناقش المؤلف الأطر القانونية والإدارية التي حكمت قانون الأحوال الشخصية والمعاملات المدنية والقانون الجنائي في السودان، خلال فترتي الإنجليز والحكومات الوطنية، ثم ينظر في الاتفاقيات والتجارب الدستورية التي قامت للتمهيد للإستقلال وللحكم ولإحلال السلام أو لتحقيق التعايش السلمي بين السودانيين، خلال الـ 55 عاماً التي اعقبت الإستقلال وحتي قيام مفوضية الاستفتاء وانفصال/استقلال جنوب السودان في 2011. عثمان النصيري مترجم الكتاب رجل قانون ومسرحي ومترجم، يقيم ويعمل في المملكة المتحدة، درس القانون في جامعتي الخرطوم ولندن، وعمل في المسرح القومي بالسودان وفي إذاعة البي بي سي واخرج عدداً من المسرحيات، وهو مترجم كتاب (حكم القانون) لمؤلفه الإنجليزي القاضي لورد توم بينغهام الذي صدرت طبعته العربية في 2010 عن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي في أمدرمان.