السبت، 21 أكتوبر 2017

تاريخ السودان

اسم الكتاب: تاريخ السودان الحديث
المؤلف: روبرت أو كولينز
المترجم: مصطفى مجدي الجمال
الناشر: المركز القومي للترجمة-القاهرة
تاريخ النشر: 2015




عرض: أسامة عباس

* قبل 61 عاماً نال السودان استقلاله، وكان المتوقع أن ينمو ويتطور، بعد أن عاد أمر حكمه لأهله، لكن ذلك لم يحدث، بسبب نُخب وقيادات كانت تتحرك دائما بدافع من الانتصار للذات وليس للدفاع عن الوطن، كما يظهر في هذا الكتاب، الذي نظر فيه روبرت أوكلي كولينز، مُستعيناً بتفاصيل كثيرة في رواية حكايته السياسية، لتاريخ السودان طيلة المائتين عام الماضية، أي منذ حكم التركية السابقة مروراً بالمهدية والإنجليز، ثم الحكومات المدنية والعسكرية التي تعاقبت عقب الاستقلال على الحكم، لتشترك جميع هذه الحكومات، في عجزها عن إدارة العلاقة أو الصراع بين المركز والأطراف البعيدة، مُفضلة حلولا أحادية/فوقية سياسية وعسكرية ودينية/اسلامية، لتحكم كيفما أتفق، تاركة أطرافاً، أو السودان بأكمله اليوم، تحت مطحنة الفقر وشبح التفتت وسعير الحرب. 

* لم تلتقط نُخب جيل الاستقلال في 1956 أو لم تكترث أصلا، لتلك الإشارات التحذيرية التي برزت قبل "رفع العلم" إذ نشبت الخلافات منذ تكوين (مؤتمر الخريجين) في 1938 حيث انقسامهم في الولاء بين السيدين علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي، وبين أنهم يمثلون أنفسهم كمتعلمين، أمام السلطة الإستعمارية، أم يمثلون السودان بأكمله؟َ! وجاءت لجنة سودنة الوظائف بما يشوبها من قصور، لتزيد الطين بلة، بسبب تشكلها السريع وتحكم حزب واحد في إجراءاتها، والتي حصل فيها الجنوبيون على تسعة وظائف فقط، من أصل ثمانمئة وظيفة تمت سودنتها، لتتأكد مخاوفهم من أن الشماليين حكاماً مستعمِرين مثل الإنجليز، ثم اشتعلت عقب الاستقلال بين السيدين وبين الخريجين الخلافات، التي أصبحت طابع الحياة السياسية وديدن قيام الحكومات واسقاطها، حتى وقع إنقلاب الفريق إبراهيم عبود في 17نوفمبر 1958 قاطعاً مسيرتها المتعسرة، لتعود بذات الطريقة عقب الإطاحة به في ثورة أكتوبر 1964.

* فوقع في 25مايو 1969 إنقلاب جعفر نميري الذي قام بتعطيل الحياة السياسية، وضرب الأنصار بالنيران في الجزيرة أبا ومطاردة الإمام الهادي حتى قتله، ثم أعلن بعد عام الحرب على الحزب الشيوعي السوداني وقام باعدام عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرن في 1971 وسجن الكثير من الشيوعيين، ليصبح بعد ذلك حاكماً مطلقاً، يُبدل في السياسات والأشخاص، فتفاقمت في فترة حكمه (1969-1985) الأزمات السياسية والأقتصادية، وانتقلت الحرب في جنوب السودان إلى أطوار جديدة، خاصة بعد نفض يده من اتفاقية أديس أبا 3مارس 1972 واستلام الدكتور/العقيد جون قرن دي مبيور في 1983 لزمام المبادرة من الحركات الجنوبية المختلفة التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم، حتى سقط النميري مُخلفا وراءه أعباءاً ثقيلة، قوامها ازدياد حدة الفقر والتهميش وقوانين سبتمبر الإسلامية الأحادية، التي لم تستطع حلها حكومات الانتفاضة (1985-1989) المتعاقبة.

* وفي صبيحة 30يونيو 1989 وقع إنقلاب الجبهة الإسلامية القومية ليقطع الطريق أمام إنفاذ (مبادرة السلام السودانية) وتجميد قوانين سبتمبر تمهيداً لإنعقاد المؤتمر الدستوري في سبتمبر 1989، وليفرض بقوة السلاح هوية عربية إسلامية على كأفة السودانيين، ويقوم بقتل وسجن وتشريد الالاف من السودانيين، ثم يعلن السودان بلداً مفتوحاً، دون تأشيرة، للمجاهدين الأفغان والعرب، ويقوم بعقد "المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي" في أبريل1991، الذي ضم المئات من الإسلاميين الراديكاليين، بغرض تصدير الثورة الإسلامية من الخرطوم لكأفة أرجاء الأرض، ويصبح حسن الترابي الخطيب الشعبي الذي يحاضر في أنحاء العالم، ساعياً لتوحيد الجماعات والحركات الإسلامية ولتقريب الشقة بين السنة والشيعة، ويدعو للتحاور بين أهل الكتاب من المسيحيين والمسلمين، وفي السودان بلده، يقتل النظام الذي أنشأه ويُشرِد، الملايين في الجنوب، بدعوة أنهم غير مسلمين، ويقتل ويشرد الملايين كذلك في دارفور.

* واليوم .. بعد أن استقل جنوب السودان، هربا من جحيم هذه السياسات القاصرة ليقع في جحيم سياسة جنوبية قاصرة هي الأخرى، تنزف دارفور التي أفرد لها المؤلف الفصل الأخير من روايته/كتابه، قائلا بإن الصراع في دارفور يُمثل اليوم آخر حلقات الصراع المأساوي الذي استمر لأكثر من أربعين عاما، أي أكثر من خمسين عاما اليوم، بين السودان وتشاد وليبيا، بغرض السيطرة على الحوض الكبير لبحيرة تشاد، وقد أدى هذا العنف ليصبح زُراع محاصيل البقاء وأصحاب قطعان الماشية نازحين ينتظرون إحسان المجتمع الدولي، ليختم بتلك العبارة المُرعبة (سيصبح الدارفوريون "فلسطينيي" أفريقيا). ويعود السودانيون، بعد فشل الإسلاميين في فرض هوية عربية إسلامية، وقطعهم الطريق أمام تطور هوية سودانية فريدة في 1989، يعودوا للبحث المراوغ عن الهوية السودانية بين العروبة والأفريقية، مما يدفع لأن يصبح السودانيين متلقين بائسين لأسوأ مافي العالمين العربي والأفريقي، بدلا من الاستفادة من أفضل مافيهما، الأمر الذي كان قد جعلهم في الماضي متفردين بين البشر.

الخميس، 5 أكتوبر 2017

تفاوض بلا مفاوضين


اسم الكتاب: أوسلو 2  سلام بلا أرض
المؤلف: إدوارد سعيد
الناشر: دار المستقبل العربي-القاهرة
تاريخ النشر: 1995




عرض: أسامة عباس

* مرت أكثر من عشرين عاماً على صدور هذا الكتاب، لكن ملاحظاته حول ذلك التفاوض الفلسطيني الاسرائيلي لاتزال ثاقبة، ليس للفلسطينيين وحدهم، بل لغيرهم، إذ يمكن النظر إليها ككشاف ولإثارة الأسئلة حول التفاوض أو النضال من أجل وطن يسع الجميع، وفي البال أن تلك "الحكومات" التى تحكمنا لاتستحق وصف أقل من أنها محتلة، مثلها مثل الكيان الصهيوني، إضافة لوقوع جلها رهينة سلطة الولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة الذراع الطويلة في فلسطين وفي مجمل صراعات الشرق الأوسط. والمعروف أن إدوارد سعيد كان قد نفض يده باكرا من ذلك التفاوض، رغم ايمانه بضرورة التعايش السلمي وألا سبيل غير التفاوض بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وقد دعى منذ ثمانينات القرن الماضي لحل الدولة الواحدة لهم، ولكن أي دولة أو أي تفاوض هذا الذي يجب أن يكون؟! ذلك مايخوض فيه هذا الكتاب.

* في سنة 1991 انطلقت في أوسلو النرويجية المحادثات السرية ليتمخض عنها في 13سبتمبر 1993 اعلان المبادئ الاسرائيلي الفلسطيني، لكن سعيد يصفه أو يصف الاحتفال الذي جرى له في واشطن بالعرض المسرحي، الذي أُريد له أن يوحي بأن السلام قد حل، في أحد أشهر بؤر الصراع المستعصية في العالم، بينما كانت نتيجته ضرراً ليس فقط بالنسبة للفلسطينيين، الذين زادت معاناتهم على ماكانت عليه، بل وبالنسبة للاسرائيليين -كشعب- على المدى الطويل، إذ أن القادة الذين شاركوا في الاتفاق تحت إمرة الولايات المتحدة الأمريكية من الفلسطينيين أو الاسرائيليين أو الأوربيين، شاركوا دون مبادئ حقيقية ودون رؤية أمينة وشجاعة لما يحدث في الواقع، وتبعتهم في التهليل لما حدث وسائل الإعلام، ليقول إن الأسوأ من كل ذلك أن عدداً من المثقفين والباحثين خانوا رسالتهم وخبرتهم ومعرفتهم، حين أحجموا عن اتخاذ موقف يتجاوز التسبيح بحمد "عملية السلام".

* يُعيب إدوارد سعيد على المفاوض الفلسطيني قلة خبرته ومعرفته، إذ لايمتلك معلومات دقيقة ومفصلة لما يريد التفاوض حوله أو وثائق وخرائط حول التغييرات التي أحدثتها اسرائيل في فلسطين، ليكون بالتالي مشلولا في حجاج المفاوضات، واصفا اسلوب فريق التفاوض بسوء التنظيم والافتقار إلى خبراء حقيقيين، هذا غير وقوع الفريق تحت قبضة ياسر عرفات، حيث لا يستطيع البت في كل تفصيلة، أثناء التفاوض، دون الرجوع اليه. قائلا بإن الفريق المفاوض لم يكن يمثل كافة المصالح الوطنية للفلسطينيين، في الداخل والخارج، إذ اقتصر على المصالح البلدية أو المحلية، أي اطلاق يد ياسر عرفات، المغلولة أصلا، لحكم قطاع غزة والضفة، مقارناً بما لم يحصل عليه الفلسطينيون من تعويضات، منذ بدء الاحتلال الاسرائيلي، بتلك التعويضات التي دُفعت بعد احتلال الكويت، الذي دام سبعة أشهر، من قبل العراق.

* ظلت سياسات الولايات المتحدة الرسمية تجاه الشرق الأوسط، كما هي، لم تتغير طيلة الخمسين عاما الماضية، أو السبعين بتاريخ اليوم، فما يهم أولئك القادة هو التدفق الآمن للبترول وسلامة وأمن اسرائيل، كما يقول سعيد، ليقول بخطل ذلك الظن الذي يعشعش في أذهان كثير من القادة والمثقفيين الليبراليين العرب، من أن غرض تلك السياسات بالفعل هو السلام، داعيا لرفض هذه الصيغة الامريكية للسلام ولضرورة اتخاذ مواقف شجاعة، مثلما فعل الفيتناميون والكوبيون ومثلما صمد المؤتمر الافريقي بقيادة نيلسون مانديلا، بيد أنه يدعو للنظر في أمريكا أخرى ليست تلكم التي يمثلها الطاقم الحاكم في واشطن، عائباً على العرب ضعف معرفتهم بالولايات المتحدة، إذ لاتوجد في جامعاتهم كراسي علمية أو دراسات أكاديمية حول الولايات المتحدة، كما تفعل هي أو اسرائيل حول العرب، ليتكون في الأذهان الجمعية للعرب، بسبب هذا الافتقار للمعرفة، ذلكم الرأي الشائع عن كون أمريكا محض شر مطلق.

* ليقول نتيجة ذلك الضعف كان حصاد هذه المفاوضات، حصول الفلسطينيين علي صلاحيات حكم محدودة على مناطق معزولة، تتحكم فيها اسرائيل، التي حصلت، باقرار فلسطيني، على احتلال الأراضي الفلسطينية، قائلا إن هذه الاتقافية الملفقة هي كارثة حقيقية، تجعل من الأفضل لو لم يدخل الفلسطينيون في التفاوض، لأن اسرائيل لم تكن تستطيع القول أنها حققت السلام مع الفلسطينيين، لو لم يقم شخص مثل عرفات على توقيع وثيقة سلام، ليقول إن الفلسطينيين لم يعرفوا تقاليد الحكم الملكي في العصر الحديث، لكن الخضوع والتعظيم الذي يتلقاه ياسر عرفات يجعله يشك في ذلك، الأمر الذي يدفع ليس للقول بإن هذا عرفات زعيمنا ولابد من الولاء له، أو حتى المطالبة باستقالته لعدم كفاءته، بل العمل بكأفة السبل لأن لا تتكرر في المستقبل، مثل هذه المأساة، والاصرار على أن يتمتع أي زعيم لنا، بصفة احترام الذات، إضافة لمعرفته الحقيقية باسرائيل وبالولايات المتحدة.