السبت، 22 نوفمبر 2014

أين المسرح الشعري العربي؟!





اسم الكتاب: المسرح الشعري العربي- الأزمة والمستقبل
المؤلف: د. مصطفى عبد الغني
الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت
تاريخ النشر: يوليو 2013م




عرض: أسامة عباس


*  يحاول هذا الكتاب أن يجيب على السؤال: "ما مستقبل المسرح الشعري العربي؟!" لأن هذا المسرح غاب أو غُيب، كما يرى المؤلف، ولأن الدراما الشعرية هي أنسب الاشكال للتعبير عن الهموم الكبيرة في تاريخ الأمم، كما يقول. ويتحدث عن الفرق بين الشعر المسرحي والمسرح الشعري، ليقول أن الاول يهتم باللغة الشعرية وتُهيمن فيه الغنائية على الحوار والحبكة والصراع الدرامي، بينما المسرح الشعري يكون الشعر فيه وسيلة للتعبير عما يجول في أعماق الشخصيات وليس هدفا أو غاية، وذلك كما يرى هو الفرق بين المسرحية الشعرية التقليدية التي كتبها الرواد والمسرحية الشعرية المعاصرة، التي كُتبت في النصف الثاني من القرن العشرين مُستخدمة تقنيات جديدة استطاعت انتاج خطاب ودلالات تنسجم مع حراك المجتمع.



*  يقول د. عبد الغني، ان بدايات "المسرح الشعري العربي" لم تكن بأحمد شوقي، إنما كانت بـ "التحفة الرشيدية" لأبراهيم الأحدب 1868 و"المروءة والوفاء" 1876 و" الخنساء أو كيد النساء" 1877 لخليل اليازجي. ويذكر أن هناك ما يزيد على مائتي مسرحية شعرية، تُوردها المعاجم، في الفترة مابين "1848 – 1975" لكنه لا يحكُم عليها، لأن هناك قصائد وشعرا مسرحيا بينها، إضافة للقيمة المتدنية للكثير من هذه المسرحيات وضياع بعضها، ليرى أن الخوض في تقييمها اشكاليا، فيقوده هذا ليعود غافلا لذلك "السؤال القديم": هل عرفت الثقافة العربية المسرح أم لم تعرفه؟! ويشرع في اعادة تعريف للمقامة وخيال الظل والتشخيص والارتجال.



*  ينظر المؤلف لـلمسرح عبر ثلاثة مراحل تمتد في الفترة من منتصف القرن التاسع عشر وحتى ثمانينات القرن الماضي، قسمها على النحو التالي: المرحلة الأولى في الفترة من 1847 - 1918 وتركزت في لبنان وسوريا ثم مصر بعد رحيل بعض رواد المسرح الشوام إليها، وإتسمت هذه المرحلة بالدعوة للقيم الدينية والوطنية واستدعاء التراث مع الوفاء له أكثر من الوفاء للمسرح واستلهام هذا التراث. ثم المرحلة الثانية التي امتدت في الفترة من 1940 وحتى 1967 والتى تميزت بتوجهها السياسي النضالي ضد المستعمر الاوربي، وأن الهواة، باستثناء مصر، هم من كانوا يقومون بأمر المسرح في جميع البلدان العربية. والسمة الثالثة  ظهور المسرح التجاري، والرابعة كانت اعتبار تقليد المسرح الأجنبي مقياسا لرقي المسرح.



*  أما المرحلة الثالثة  فتمتد من 1960  حتى 1980 لكن حديث المؤلف عنها يصل حتي نهاية القرن، ويجئ متناثرا - كما في المرحلة السابقة - حول بلاد الشام ومصر والعراق والمغرب العربي وحدها "1"، بالرغم من قوله ان هذه المرحلة تميزت باستواء عود المسرح في كل بلاد العالم العربي واكتمال بنيانه الفني والفكري. كما تركزت كتابته عن المسرح والمسرحية بشكل عام وليس المسرحية الشعرية، ويرى أن المسرح أصبح جريئا في معالجة قضايا مجتمعه الاجتماعية والسياسية، كذلك برز اقبال الجمهور على المسرح ليصير بذلك، المسرح ("حاجة" اجتماعية قبل ان يكون لذة فنية) أما السمة الأخيرة فهي تأصيل المسرح العربي بعد توسع المعرفة بالمسرح الأجنبي وظهور اقتراحات المسرحيين العرب لمسرح عربي وظهور المهرجانات المسرحية.



* وفيما تبقى من هذا الباب، ينتقل المؤلف للحديث عن المسرح الشعري ذاكرا ثلاثة كُتاب فقط، هم عبد الرحمن الشرقاوي، علي أحمد باكثير وصلاح عبد الصبور، ناظرا لعمل الأخير كأفضل ما توصلت إليه المسرحية الشعرية من تطور، مُعتبرا فترة إولئك الثلاثة هي نهاية المد وبداية حركة الجزر المستمرة إلى اليوم، والتي يُحدد ملامحها في: غياب "النص المسرحي" المعتمد على أصول الدراما، فهي نصوص تنتهي مع نهاية العرض وتُبرز المخرج والممثل وليس الدراما والاهداف الفكرية، كما يتم توليفها تحقيقا لقيمة التقنية وليس لقيمة الكلام، زائدا تُغير العلاقة بين الجمهور والمسرح، مع قلة العدد، إذ أصبح المسرح بالنسبة لهذا الجمهور "كمالية فنية" وليس ليُطالب بالتغيير. ويختم " لقد تطور فن الأداء المسرحي ومن ناحية أخرى تراجعت الكتابة للمسرح" رغم أن مايحدث في المنطقة هو حدث درامي كبير عامر بالرموز والاشارات.



*  ويأتي الباب الثاني عن مجموعة مختارة من كُتاب المسرحية الشعرية، ناظرا إليهم المؤلف بما سماه بـ "عين الطائر" التي ترصد "المشهد الافقي" أي من يُمكن لذلك الطائر من مكانه العالي أن يراهم، ويجئ إولئك الكُتاب المُختارون من ذات الحقبة، أي في مرحلة الجزر هذه، لكن المؤلف يستثنيهم كحالات فردية بنسب متفاوتة من حالة الجزر، في إشارة لـ "الحراك الفاعل  الدال عبر الزمن"!. وهم المصريون محمد عناني، مهدي بندق، مصطفي عبد الغني، فاروق جويدة، أحمد سويلم، محمد فريد أبو سعدة، محمد عبد العزيز أبو شنب، أحمد تيمور والعراقي معد الجبوري. وعبر اخيتار المولف لهذه الأسماء وتحليله  لنصوصهم، يريد التأكيد علي البعد السياسي، الذي يراه سمة المسرحية الشعرية العربية في هذه المرحلة، مع ارتباطها بالتاريخ والتراث، ليقول أن السياق العام لـ "العصر والدلالة" تجعله يقول بهذه القراءة أو هذا التصور، أي سياسية هذه النصوص.



*  ويُتابع في الباب الثالث " تجليات المشهد الأخير" ناظرا لمشهد المسرحية الشعرية "الرأسي" في العالم العربي ويقول أن هناك أزمة دراما في المسرح العربي اليوم، رغم اقراره بوجود بعض النصوص التي لايستطيع تجاهلها، ناظرا لها ليرى كيف عَبّرت، سلبا أو إيجابا، عن الحراك الحضاري الذي يشهده القرن الحادي والعشرون، ليقول أنها نصوص تعلو فيها القيم الاجتماعية والفكرية أكثر من الفنية، لكنه يغض الطرف عن هذا، ويجد التبرير في أن المسرح أكثر ارتباطا بهذه القيم الاجتماعية والفكرية من أشكال إبداعية أخرى، مثل الرواية والقصة. ثم يتناول بالتحليل ست أعمال فحسب، خمسة منها لكُتاب مصريين، وهي مسرحيات " مقتل هيباشيا الجميلة" لمهدي بندق، "الخديوي" لفاروق جويدة، "المؤتمر الأخير لملوك الطوائف" لخالد محي الدين البرادعي، "اللعبة الأبدية" لمحمد الفارس، "الفلاح الفصيح" لفتحي سعيد وأخيرا " بقعة ضوء تسقط- مظلمة" لشعبان يوسف.



*  أما الباب الرابع " الأزمة والطريق إلى المستقبل" فقد جاء في جزأين: "صور الانحسار" والتي يراها المؤلف في: ندرة هذه المسرحية وعدم التفريق بين المسرحية الشعرية والشعر المسرحي، ثم في قلة اهتمام الاعلام والتلفزيون خاصة بهذا الحقل، إضافةً لغلبة الغناء والغلو في العامية على الدراما في نصوص اليوم وعدم وعي كاتبيها ببحور الشعر العربية. والجزء الثاني " البحث عن المستقبل" الذي يراه - المستقبل- في التنبه لأسباب الانحسار تلك، وفي فهم تحولات العالم السياسية والاجتماعية والثقافية، زائدا دور النقد الأدبي والممثل والمؤلف ومؤسسات المسرح. ليتحدث بعد ذلك عن ملامح في المسرح الشعري اليوم وما يجب الانتباه إليه، كالتعدد والدينامية والبناءالدرامي والوعي لعلاقة المسرح بالانواع الادبية الجديدة واستخدام اللغة المستتد للرؤية، والانتباه للعلاقة بين النظام والفوضى، والتجريب الذي يجب أن يكون - كما يرى- أقرب إلى فهم ما يجري حولنا وليس بشكل مطلق. ليختم بالدعوة لضرورة الاهتمام باللغة العربية وإدخال دراسة المسرح الشعري في المدارس.



*  وجاءت "الخاتمة" حول مشهد المسرح الشعري اليوم، بالاشارة إلى سبعة ملامح سالبة يراها المؤلف تحكم هذا المشهد، والملامح هي: غياب الهوية مقابل التاريخ، السياسي والميثولوجي، السياسي والتراث، الغنائية لا الدراما، الشعبية والشعرية، النص والفرجة، المسرح الشعري والندرة. واستند المؤلف في متابعة تجليات هذه الملامح على المشهد المصري وحسب.. ليقفز إلى الذهن هذا السؤال: هل استطاع الكاتب أو هذا الكتاب، أن يُحيط بذلك الحقل الواسع " المسرح الشعري العربي" في الحدود التي تُمكِنه من الإجابة عن سؤال مستقبل هذا المسرح في بلدان العالم العربي؟! لعل الإجابة هي: لا لم يتم ذلك، لأن هذا الكتاب كما يُشير عنوانه ليس عن المسرح الشعري في مصر، وهو ما كان يتحدث عنه الكاتب في هذا الكتاب.


هامش:
 1- السودان وحده - على سبيل المثال - يزخر بالعديد من المسرحيات الشعرية باللغة العربية، التي لم يذكرها هذا الكتاب - رغم أن المؤلف يقول بوصوله لمسرح" الفاشر" التي تبعد 802 كيلومتر عن الخرطوم في سبيل بحثه عن هذا المسرح - مثل، مصرع تاجوج/ خراب سوبا/ المك نمر/ التي كُتبت جميعها ومُثلت في ثلاثينات القرن الماضي، ثم مسرحيات: صور العصر/ الرجل بين زوجتين/ سعاد/ بامسيكا/ ثلاثية نكبة البرامكة/ نبتة حبيبتي/ سولارا/ أحلام الزمان/ رؤيا الملك/ يوسف بن تاشفين/ الشاعر واللعبة/ ومسرحية مأساة يرول التي أفتتحت بها أعمال الدورة السابعة لملتقى الشارقة للمسرح العربي في 2010م.





الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

أيقونات سودانية






اسم الكتاب: حوارات مع أيقونات سودانية في الفكر والإبداع
في فضاء الإمتاع والمؤانسة
المؤلف: معاوية جمال الدين*
الناشر: مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي- أم درمان
سنة النشر: 2013





عرض : أسامة عباس


* يجمع هذا الكتاب، حوارات مع رموز ثقافية كبيرة في السودان، قدّمت إسهاماتها المُعتبرة في تشكيل ثقافة ووجدان الكثير من السودانيين، وهي إسهامات توزعت بين حقول إبداعية وثقافية مختلفة، في الأدب والفكر والنقد والموسيقى. أجريت الحوارات في الفترة الممتدة من 1982 وحتى 1998، وتأتي أهمية هذا الكتاب، الذي صمم غلافه ونسّقه داخلياً التشكيلي معمر مكي؛ من استرسال معظم المُحاوَرين، في الإخبار عن زوايا مختلفة من حياتهم العامة والشخصية.

* يسأل المؤلف/المُحاوِر في معظم الأحيان مُحاوريه أسئلة محددة في كلمات واضحة ومباشرة، فهو يبدأ مثلاً في حواره مع الطيب صالح بالسؤال: (طال انتظارنا لصدور رواية جديدة.. هل يكتب الطيب صالح الآن رواية جديدة؟ ولمَ هذا الغياب الطويل؟)، ليجيب الطيب صالح، بعد أن تحدث عن أسباب غيابه، قاذفاً بما سيصير مفاجأة انتظرها كثيرون أثناء حياته وربما لا يزال ينتظرها بعضهم إلى اليوم، وهي أنه يكتب جزءاً ثالثاً من "بندر شاه". وقد أشار مقدما الكتاب؛ كمال الجزولي ومصطفى الصاوي؛ إلى تلك السمات التي طبعت أسئلة المُحاور، وطريقته في طرحها، لتنتج من ثَم تلك الإجابات، التي نسجت هذا الكتاب.

* يتحدث الدكتور عبد الله الطيب، عن قصيدة التفعيلة، التي يرفضها رغم كتابته قصيدة "الكأس التي تحطمت" على وزن التفعيلة، سنة 1946، كما يذكر له المحاور، ثم يجول الحوار في الحديث عن اللغة العربية الفصحى، والعامية، وجدل علاقتهما، وعلاقة الفصحى بمتحدثي اللغة العربية المختلفين. كذلك يُخبر الحوار مع الشاعر صلاح أحمد إبراهيم، عن أيام وجوده في باريس، بعد استقالته من منصبه سفيراً للسودان في الجزائر، أيام حكم جعفر نميري، ومحاولته إصدار صحيفة باسم "البديل"، لتأسيس منبر يشترك فيه الجميع لصياغة برنامج سياسي مدروس ومفصل، يلتف حوله المواطنون، قائلاً إنه فشل في ذلك.

* وفي الحوار مع منصور خالد، تركزت أسئلة المؤلف حول شخصيته وطفولته ومراحل دراسته وأصدقائه ومُدرِّسيه. وجاء الحوار مع محمد المكي إبراهيم حول موضوع واحد، هو إنشاء لجنة استشارية لاتحاد أدباء آسيا وأفريقيا في اجتماع الاتحاد الذي عقد في نوفمبر 1988 بتونس، وكان هناك حديث عن ترشيح سلمان رشدي لعضوية تلك اللجنة، ولم يتم ذلك بسبب اعتراض محمد المكي إبراهيم، رئيس وفد اتحاد كتاب السودان في المؤتمر، لأن سلمان رشدي - كما يرى المكي - أصدر كتاباً مسيئاً للإسلام "آيات شيطانية". ليسأله المحاور بعد ذلك عن المسيء في الرواية، وعن غضبة آية الله الخميني المضريَّة على المؤلف للدرجة التي جعلته يهدر دمه.

* أما الحوار الأخير في الكتاب، فجاء مع المغني والموسيقي محمد وردي، مُخبراً فيه عن قصة أغنيته "أول غرام"، وعن ملهمات أغانيه. يقول وردي إن له ملهمة واحدة، هي ملهمة "ليالي اللقاء"، ولكن في غنائه بالنوبية هناك أكثر من ملهمة. كذلك أخبر المغني عن أغنيات أخرى. كذلك شمل الكتاب حوارين آخرين؛ مع القاص والمترجم علي المك، ومع الشاعر محمد المهدي المجذوب، إضافة إلى ثلاث رسائل كان بعث بها علي المك إلى أمين مكي مدني، وصور فوتوغرافية عولجت إلكترونياً للشخصيات التي حاورها مؤلف الكتاب.

* صحفي سوداني مقيم في كندا

الخميس، 6 نوفمبر 2014

رسائل غرامشي إلى أمه



اسم الكتاب: رسائل السجن
رسائل أنطونيو غرامشي إلى أمه 1926-1934
المترجم: سعيد بوكرامي
الناشر: طوى للثقافة والنشر والاعلام - لندن
تاريخ النشر: 2014م






عرض: أسامة عباس


* أنطونيو غرامشي (1891-1937) مناضل وفيلسوف من قيادات الحزب الشيوعي الايطالي، قضي في السجن - بأمر موسليني - أكثر من عشر سنوات، أدت إلى موته بعد خروجه عليلاً، لكنه ترك وراءه 2848 صفحة مكتوبة بخط اليد، خلافاً لما أراده المُدعى العام الذي قال في خطابه في المحاكمة: ( يجب علينا أن نوقف هذا الدماغ عن العمل عشرين سنة!) هي مدة الحكم التي كان يجب أن يقضيها غرامشي في السجن، وقد اشتهرت هذه الصفحات بـ "كراسات السجن".

* يُعد هذا الكتاب " رسائل السجن - رسائل أنطونيو غرامشي إلى أمه " جزءا بسيطا من تلك الاوراق التي هُربت يومها من قبضة الجلاد ومن أيطاليا بعد وفاة غرامشي، وهي المرة الأولي التي تُترجم فيها إلى اللغة العربية، لكن كانت قد تُرجمت قبلا فصولا من "كراسات السجن" في مجلد واحد شمل محاور : (قضايا التاريخ والثقافة / ملاحظات حول السياسة / فلسفة الممارسة). كما ترجمت مؤخراً رسائل لغرامشي إلى زوجته وابنيه وشقيقاته وشقيقه وإلى أصدقائه.

* تُفيض هذه الرسائل حباً وحناناً وقوة ومعرفة، وفيها يطلب من أمه ان تُخبره بأحوال الجميع وبكل شي ويستحثها لتكتب له الرسائل وأن تستحث الاخرين ليكتبوا له. ويكتب: (قولي للجميع أنه ما من داع للاحساس بالعار بسببي ويجب أن نكون أسمى من العقلية الضيقة والخسيسة للبلدان الصغيرة) فالامر كما يردد: ( يحتاج الصبر والصبر وأمتلك الاطنان منه)، ويشرح لها انه مسجون بسبب السياسة ولا دخل لاستقامته بهذا الامر، ولا بضميره فيما يتعلق ببراءته او إدانته. ثم يُحدثها قائلا: تعلمين كيف نتعامل مع الأطفال الذين يتبولون في الفراش، نهددهم بالحرق بواسطة شوكة اللهب، ليقول لها: تخيلي أن في إيطاليا يُوجد طفل كبير جدا، يُهدد بالتبول في فراشه، وانه - أي غرامشي - مع عدد قليل آخر، يُمثلون رأس الشوكة الملتهب لزجر هذا المزعج ومنعه من تلويث الفراش النظيف.

* كما تُظهر الرسائل استفادة غرامشي القصوى من كل معلومة ترد في رسائل أهله إليه، ففي رسالة مؤرخة بتاريخ 6 يونيو1927م يعرف من أمه خبر ضم عدد من البلديات إلي منطقة " غيرلارزا " فيقول لها يجب أن تكتب بهذه الطريقة، حتي ان شملت رسائلها أخبارا تبدو لها غير مفيدة، ليشرع بعد ذلك على ضوء خبر الضم هذا، في الحديث عن المدراس وكيفية تنظيمها وعن كيفية حركة الأطفال اليها، لتُظهر الرسالة كذلك معرفة غرامشي بذالك الواقع ورغبته في معرفة ما استجد فيه، إذ يسأل أمه: هل ستفرض ضرائب موحدة؟ وهل الضرائب التي سيدفعها أهل "غيرلارزا " مُلاك الأراضي ستوزع على القرى الصغيرة؟ وغيرها من الأسئلة.

* جاء الكتاب في 101 صفحة وشمل 33 رسالة امتدت من الفترة 1926 وحتى 1934، أضافة لمسرد تاريخي تتبع  حياة ونشاط غرامشي منذ ولادته في 1891 وحتي تاريخ وفاته في 1937، كذلك ضم الكتاب خمس صور، الأولي لأمه جيوسبينا مارشياس وصورتين لزوجته مع ولديهما وأخرى لها وحدها. وصورة رابعة لقبر أنطونيو غرامشي في روما والصورة الاخيرة لسجن تورينو، الذي لم تستطع حيطانه أن تطفئ نور هذا الرجل الفذ.

بروفيسورات اليأس





اسم الكتاب: أساتذة اليأس 
النزعة العدمية في الأدب الأوربي
المؤلفة: نانسي هيوتسن
المترجم: وليد السويركي
الناشر: هيئة أبوظبي للثقافة والتراث- كلمة
سنة الطبع: 2012






عرض: أسامة عباس


" معرفة الإنسان لا تكفي لاحتقاره "
بنجامين كونستان


* في اسلوب بسيط عامر بالسخرية والتحليل والمعلومات، تُحاجج المؤلفة أفكاراً مثل العدمية والمعنى والدفاع عن المجتمع والانصراف عنه، مُتناولة كُتابا وكاتبات تراهم مملثون لذلك اليأس وتلك العدمية، وهي لاتُنكر حبها بعضهم أو عُلو صيتهم في العالم الأدبي، لكنها تريد كما تقول، استخلاص الرسالة الفلسفية التي يحملها هؤلاء الكُتاب، ولماذا تمارس رسالتهم كل هذا السحر في أوربا المعاصرة، وذلك من خلال ثلاثة أجيال من الكتاب الاوربيين، ولدوا في القرن العشرين، كصموئيل بيكيت وإميل سيوران وإمري كيريتش وميلان كونديرا وألفريدا يلينيك وميشيل ويلبيك وغيرهم.


* منذ قرنين سار تطور الفكر الأوربي في طريقين يبدوآن متضادين هما: الطوباوية والعدمية أو الثورية والكلبية، ليكون رأي أصحاب الطريق الأُول، الطوباويين/الثوريين (لخيار هو) أن يضع المثقف ذكاءه في خدمة الثورة ولأجل عالم أفضل، بينما يري العدميون/الكلبيون أنه (ما من خيار) لأن أفعال البشر عبثية وكل الآمال محكومة بالفشل، لتقول هيوتسن إن بنية الطريقين واحدة، بسبب هذا الاطلاق الذي كان السبب في نجاحهما لدى الجمهور، بيد أن العدمية في أوربا المعاصرة، بدت وكأنها حقيقة الشرط الانساني وليست مجرد موضة أدبية وفلسفية.


* ترى المؤلفة أن العدمية إرتكزت على ثلاث مُسَلّمات هي، النخبوية والانانة، إذ يسير البشر في كتلة متجانسة يتزوجون وينجبون ويتسلون بحماقة، لكن أستاذ اليأس الحقيقي يحيا متوحدا ويحتمل عزلته. والمُسَلّمَة الثانية هي الاشمئزاز من الانثوي. والثالثة احتقار الحياة الأرضية وجميع نشاطات البشر الفانين المعتادة، لذلك ينأى العدمي غالبا عن السياسة. وتسأل هيوتسن متى بدأ هذا الشعور بالانفصال بين الذات والعالم؟ لتجيب أن لحظة ميلاده كانت في القرن السابع عشر، عندما تبدلت النظرة إلى العالم، من المُؤسَس على الإلهي والخارق للطبيعة، إلى الطبيعي والبشري، وحينما تَكشَفَ أن كوكبنا مجرد كوكب بين الكواكب الأخرى. ولتبدأ بعض الأصوات الأدبية المعزولة، يومها، في التعبير عن هذا المصير التراجيدي للانسان.


* تُخبر المؤلف عن عرض مسرحي لتوماس بيرنهارد كانت حضرته في 2003 حيث امتلأت القاعة بالمتفرجين، وقد استغربت إنجذابهم لذلك الحوار الدائر بين شقيقتين محافظتين وشقيقهم الساخط عليهما وعلى كل شئ، الشقيق الذي كان سيطرد من البيت على الفور في الحياة "الواقعية". لتسأل إلام يعود هذا التباعد الذي يتسع، بين ما نرغبه من تضامن وعطاء وديمقراطية، وبين مانستهلكه ك"ثقافة" من انتهاك وعنف وعزلة ويأس؟!. لتقول إن نزعة التحديث وسيطرة الانسان على عالمه، بدل أن تتقدم ساءت الأمور، لنشهد بالتالي ولادة العدمية الحديثة مع  بودلير، الذي كان في السابعة والعشرين من عمره عند فشل ثورة 1848 في فرنسا، ثم تتالت الحروب وأصوات الرجال الكاتبين،  لتستقر العدمية، في موقعها الذي لم تغادره، منذ شوبنهاور (1788- 1860) كأقوى مدرسة فكرية في أوربا الغربية.


* وتضيف ماتقول أنها كانت تود ألا تقوله: (ثمّة فرق بين النساء والرجال)، فمعظم النساء ينجبن ويمضين زمنا مع الأطفال، بينما لايمضي الرجال ذلك الزمن معهم، ليتبع هذا امتلاك النساء لعلاقة مختلفة، بالزمن وعلاقته بقابلية الانسان للفناء والموت. ولما كان معظم الذين كتبوا من الرجال أو من النساء اللواتي يشبهنهم، فقد وُجِدت أنساق الفلسفة الموجودة اليوم، والتي تأسست على نسيان الطفولة والطفل والولادة، ولم تُتح لخبرات النساء تلك، لتصير إلى إنشاء خطاب وبناء أنساق فلسفية ودينية. ولتصبح بالتالي (الذات التي يتحدث عنها الخطاب الفلسفي، ليست بلا جنس محدد فحسب، بل بلا عمر كذلك. انها ذات راشدة دائما، كآدم وحواء خُلقا للتو...).


* تفتتح هيوتسن قراءتها للكُتاب الذين تراهم ممثلين للعدمية، بالحديث عن أرثر شوبنهاور الذي تُسميّه (بابا عدم) فهي تراه الأب الروحي لإولئك الكُتاب، وتبدأ بهذه الجملة (لايولد المرء عدميا ولكنه يصبح كذلك) وتكتب تحليلا ساخرا لأفكاره زاخراً بالمعلومات عن طفولته وشبابه وكهولته، وتتبع ذات الاسلوب مع صموئيل بيكيت الذي ذكر أنه يملك ذكريات عن حياته حينما كان في بطن أمه، ولاتُكذّب هيوتسن ذلك، لكنها تسأل ساخرة ماهي تلك الحياة؟! وتقول إننا لانكاد نجرؤ على الاعتراض أن هذه الصورة، هي بالضرورة، إعادة تركيب لاحقة، وتتابع كاتبة، لكن الرعب من الأماكن المغلقة ظل يلازم بيكيت، وسنعثر عليه في أكثر من عمل من أعماله المنذورة للشهرة.


* وتكتب عن إميل سيوران (المتشائم الأوربي الأشهر) إبن رومانيا وتذكر يوجين يونسكو الذي كان مثله، إبن أم مكتئبة، لتسأل (ترى، لماذا الأمهات الرومانيات سوداويات إلى هذا الحد؟!) ولما كان نصف الكُتاب الذين تتناولهم ينتمون لفضاء الامبراطورية النمساوية-المجرية، كسيوران وبيرنهارد وكيرتيش وكونديرا وألفريدا يلينيك، فانها تشرع في رسم صورة لذلك الفضاء، ثم تذكر قول سيوران حول احساسه بالضجر منذ أن كان طفلا، لتسأل ( هل هناك ماهو غير عادي أكثر من أن يشعر طفل في الخامسة بالضجر؟) إذن هو طفل نابغة من أطفال العدمية، وستكون مهمته طيلة العقود الثمانية، التي عاشها سيوران، الانتباه الدائم لهذا العدم.


* وعلى هذا المنوال تتابع هيوتسن كِتابها في قراءة كُتابها المختارين، مستفيدة من مؤلفاتهم وسيرهم الذاتية ومراسلاتهم وبعض كتبهم  التي حرص بعضا منهم ممن يكتبون بأكثر من لغة، بألا يُعاد نشرها في لغة ثانية، وتختم، أن جزءا كبيرا من هذه السوداوية هو (ادعاء أدبي) لأن أغلب هؤلاء الكُتاب أقل كرهاً للبشر في حياتهم مما هم عليه في كتبهم، كذلك نرى بذل ذلك الجهد والوقت الهائلين في تجويد أعمالهم، كما أن اليائس بحق لايُبشر بشئ، فقط يغرق في الصمت تاركا نفسه تنزلق نحو الموت، لتقول (ان الشكل يستخدم كترياق ضد سُم الرسالة الظاهرة. وفيما يتبنى الكاتب موقفا يزدري الجموع، فانه يُقدِم في الآن نفسه ثمرة عمله لتلك الجموع نفسها " ومن غيرها يمكن تقديمها إليه؟").




الاثنين، 3 نوفمبر 2014

رحلة خديجة صفوت إلى الصين




اسم الكتاب: رحلة فتاة سودانية إلى الصين

المؤلفة: خديجة صفوت
الناشر: دارالسويدي للنشر والتوزيع/ المركز الأفرو آسيوي للمرأة والثقافة
سلسلة ارتياد الآفاق - رحالات شرقيات
سنة النشر: 2006







عرض: أسامة عباس



* صدر هذا الكتاب "أفراح أسيا" أول مرة سنة 1966م وهو ثمرة رحلة قامت بها المؤلفة  سنة 1956، ضمن أول وفد نسائي من عشر سودانيات، إلى الصين، بدعوة من الاتحاد النسائي الديمقراطي الصيني. وقد ثَبّتَت المؤلفة في الصفحة الأولي من كتابها قصيدة لبابلو نيرودا من ديوانه "رياح آسيا" يقول مطلعها: ( في قرية الصين المحررة/ أبصرتُ كل شئ/ ولم يقصوا علي شيئا/ وكان الأطفال من حولي/ لايفسحون لي المجال لكي أسير/ وأكلت أرزهم/ وأكلت ثمارهم/ واحتسيت خمرهم/ خمر الأرز الشاحب).

* كتب نوري الجراح المشرف على سلسلة "ارتياد الأفاق" في مقدمته لهذا الكتاب: ( المثير للاهتمام أن الكاتبة، ومنذ أواسط الستينات، عنيت بكتابة أدب الرحلة، في وقت كانت كتابة اليوميات عن الأسفار وخلال الأسفار حكرا على الرجال). وللمؤلفة كتاب آخر في الرحلة، هو "ستار الصمت" حول أفريقيا البرتقالية، جاء بعد رحلة لها في دول غينيا وموزبيق وزيمبابوي. أما هذا الكتاب فهو ليس كتابة يوميات بالشكل المتواتر الذي نعرفه، حيث يسجل الزائر/ السائح وصفا ظاهريا أو حياديا للعمران ومايراه أمامه من مشاهد، رغم وجود القليل من ذلك، لكنها يوميات/ كتابة تُقدم لمحات ليست قليلة، عن الصين قبل حكم الشيوعيين عام 1949 وعما اتجهت إليه بعد ذلك التاريخ.


* عَرّفَ الكِتّاب بالصين الجديدة مستندا في ذلك، على حزمة كبيرة من المعلومات والتفاصيل، إذ لم تكتف المؤلفة بوصف ما تشاهده وحسب، بل أنها في معظم الأحيان تترك مثل ذلك النوع من الوصف، لتُسهب مُسترسلة في الأخِبار بالتواريخ والملاحم التي عَمّرت تلك المدن التي زارتها، عاقدة للمقارنات المدعومة بالاحصاءات، في أكثر من مجال، بين ما كان عليه الحال قبل 1949 وما صار عليه بعد ذلك. وجاء الكتاب عامرا بالمحبة والانحياز الكامل، إذ كُتب إبان أجواء الستينات المُتفائلة وحركات التحرر الوطني، حيث الأمل معقود والتحول يسير لخلق حياة جديدة للشعوب التي طردت لتوها المستعمر، لكن الكتاب لايخلو من حقيقة، ليست حقيقة الأرقام والاحصاءات والملاحم التي نقلتها المؤلفة عن الصين يومها، بل حقيقة المعجزة التي يمكن أن يصنعها البشر عندما يتضامنون.

                                               2
* زارت المؤلفة خلال رحلتها ثلاثة مدن هي ووهان المدينة المثلثة التي تضم "ووتساغ/ ووهان/ هانكاو" وتقع علي نهر اليانجس الذي كان قبل الثورة بمثابة رعب للسكان بسبب فيضاناته المدمرة، لكن تم التحكم في سريانه بواسطة السدود، ليصير مصدر وفرة وليس رُعبا وكارثة. أما الثانية فهي بكين التي تعد أقدم مدن الصين البالغ عددها 4541 مدينة، إذ أنشئت قبل ثلاثة آلاف عام، وتصف المؤلفة الشوارع التي تمر بوسط المدينة بانها واسعة تكاد تسع عشر سيارات لتسير معا. والمدينة الثالثة هي شانقهاي التي تعرضت للقمع والظلم تحت حكم البريطانيين والفرنسيين واليابانيين وحاكم الصين تشانج كاي تشيك، وهي المدينة التي انطلقت فيها شرارة الثورة وتأسس فيها الحزب الشيوعي الصيني عام 1921م.

* تُشير المؤلفة إلى كيف بدأ التحول في الصين الشعبية من سيادة الاقطاع إلى شراكة الكوميونات في اعمار البلاد، إذ اعتمدت الثورة علي الفلاحين الذين يمثلون أكثر من 80%، مُورِدة رؤية أحد قادة الصين "صن يات صن" الذي يقول: ( إذا كانت الثورة تحتاج الى فلسفة فلابد من اكتشاف عقل الفلاح الباطن والظاهر) لتظهر نماذج المزارع التعاونية التي يشرف علي كل منها مكتب يقدم الخبرات العلمية ويشتري جزءا من المحاصيل المنتجة. لتقول صفوت ان الكوميون (ليس هو الوحدة الاقتصادية التي تدير المؤسسات الانتاجية وحسب وإنما هو الجهاز المحلي الحاكم للشئون الاقتصادية والثقافية والعسكرية في المنطقة او الاقليم).


* تابعت صفوت في كتابها، التحول في الصين من خلال تأثيره علي حياة النساء والأطفال والفلاحين، مُقدِمة بالأرقام تطور الزراعة والصناعة والصحة والتعليم، وتحكي عن مدرسة ابتدائية تضم قاعات للموسيقى والرسم والرياضة والميكانيك والفلاحة والكيمياء، كما تحكي عن مستشفى الولادة الذي اتبع طريقة للوضوع دون ألم. وتخبر أيضا بـ "معهد الأقليات القومية"، توجد بالصين 50 قومية، الذي يُعني بتطوير اللغات القومية وتقديم البحوث في تاريخ تلك القوميات، وعلي الطالب ان يتعلم في المعهد اللغة الهانية باعتيارها اللغة الرسمية التي يتحدث بها 93% من سكان الصين، إضافة لتعلم لغة قومية أخرى. كما تُحبر عن عدد من المؤسسات الانتاجية، كمصنع السيارات الذي يحتل مساحة  350 متر مربع، والمؤسسات الثقافية، مثل قصور الصيف والأطفال والعمال، الصانعة لذلك التحول. 



المؤلفة في سطور


خديجة صفوت أكاديمية سودانية وباحثة في حقل الاقتصاد السياسي والتنمية والقضايا النسوية، لها العديد من الاصدرات بالانجليزية والعربية والبرتغالية والفرنسية، من أعمالها المترجمة للعربية كتب " الإسلام السياسي ورأس المال الهارب" و " النسوقراط - تأنيث التاريخ وإفقار سوق العمل: الاقتصاد السياسي لوأد البنات" و "الطرق الصوفية والأحزاب الحديثة في السودان" كما شاركت صفوت في وضع "الموسوعة العالمية للمرأة" التي صدرت عن "دار راتليدج" في كل من نيويورك ولندن وسيدني.