الاثنين، 27 أكتوبر 2014

جحا الرسام السوداني







عرض: أسامة عباس

(1)

 * يأتي نشر هذا الكتاب (الرسام السوداني - موسى قسم السيد كزام - جحا) لمؤلفه التشكيلي علاء الدين الجزولي، ليسد نقصاً فاضحاً في المكتبة السودانية ، لهذا النوع من الكتب المصورة ، ذات القطع المختلف والتصميم الانيق، التي تحوي صوراً ونصوصاً توجد جنباً الى جنب، يكمل كل منهما الآخر ويتألف منهما الكتاب، ليكون بالتالي اكثر اقتراباً من العمل التشكيلي أو الظاهرة التشكيلية السودانية، البصرية أصلاً، عبر وسيلتيّ الصورة والكلمة.

* صدر الكتاب عن الاتحاد العام للفنانين التشكيليين السودانيين في 2010م ضمن مشروعه للمكتبة التشكيلية، التي نُشر فيها قبلاً، كتابيّ التشكيلي محمد عبدالرحمن حسن، المصوران،عن التشكيليَيَن صلاح المر وعمر خيري. ويشتمل الكتاب الذي جاء في 229 صفحة،  على أربع مقدمات، للتشكيليَيَن د. محمد عبدالرحمن ابوسبيب ود. حسن موسى ومقدمتين للمؤلف.وعدد من الصور شغلت نصف مساحة الكتاب وحوار صحفي طويل أجراه المؤلف مع الرسام جحا، إضافة لإضاءة حوله ورثاء له كتبهما المؤلف. وبعضاً من الوثائق وسيرة لحياة جحا(1931-2007) في سطور دعمت بصور. وقام بالاخراج الفني للكتاب التشكيلي عبدالرحمن نورالدين وبتصوير صوره كل من المؤلف والمصور الفوتغرافي علم الهدى حامد وبتصميم خطوط الغلاف التشكيلي تاج السر حسن وبالتدقيق اللغوي الشاعر محجوب كبلو.

(2)

  * جاء الحوار - بالكتاب - في عامية وسط السودان ،دون تحريره في لغة عربية فصيحة ،كانت سوف تتيح له فرصاً أكبر لقراءته ، فالمؤلف/ المحاور نفسه يسأل محاوره في صفحة "61" عن كلمة، صعُب عليه فهم معناها، جاءت في معرض اجابته عن أحد الأسئلة. لكن يبدو أن المؤلف كان عامداً على نقل الحوار بحذافيره، تاركاً إياه على سجيته أو في تلقائيته. التلقائية التي ساعدت المحاور/ المؤلف أثناء إدارته للحوار مع جحا، إذ يقول في تمهيده للحوار(..اعتمدت على خطة ومنهج في الحوار استخدمت فيهما، لغته هو، أي اللغة التي تناسبه أكثر من غيرها، وتساعد على نجاحي في المهمة التي لم تكن سهلة، وذلك بإستنطاقه وهو على سجيته وبأسلوب في الحوار مكنه من حرية التعبير ومن تداعي أفكاره وتدفق سرده لسيرة حياته). ولكن لم يكن من داع، لترك تلك التلقائية أو بقاء الحوار على سجيته،عند إعداده للنشر، كما نجد في صفحة "103" حيث يستدرك المؤلف بعد تقديمه لسؤال جديد، أنه لم يتستنفذ بعد، إمكانية توليد أسئلة أخرى من إجابة محاوره على السابق، فنجده يترك جملة سؤاله الجديد واستدراكه ذلك على حالها، ودون ان يعود مرة أخرى للسؤال. وكان من الممكن مستفيداً من مزايا التحرير الصحفي في إعادة ترتيب الأسئلة، تقديماً وتأخيراً ضماً وقطعاً أو حتى حذفاً، بغرض إزالة أي لبس وتشويش أو عدم تناسق يمكن أن يحدث، أي كان من الممكن أن يقوم بحذف ذلك السؤال.


احدي رسومات بنات علب الحلاوة للتشكيلي جحا


(3)

* يُخبر الحوار الذي أجراه المؤلف مع الرسام، أن (جحا) أو موسى قسم السيد كزام، كما هو اسمه، قد حصل على هذه الكنية، من والده الذى كان حكاءً وصاحب نوادر يتحلق الناس حوله، فالتصقت كنيته بأبنه موسى الذي أصبح مشهورا وصار الناس ينادونه باسم (حجا) دون أن يعرفوا أسمه الحقيقي. وأنه ولد بأمدرمان وترك الخلوة بعد بقائه فيها لمدة ستة أشهر، ولم يمكث في المدرسة سوى شهرين، أخرجه والده منها، لأن بعض أقربائه أخبروه بأن المدرسة مفسدة للعيال. وقد كان جحا مثل والده وأقربائه يعمل نساجا، إلى أن رأى يوما في حديقة الحيوانات بالخرطوم، وهو في الرابعة عشرة من عمره، إمراة إنجليزية تستعد لرسم أحد النائمين بالحديقة، فاقترب منها غير مكترث لزجرها المتكرر له، حتى توطدت علاقته بها، فشرع من يومها يكافح لتعلم الرسم عن طريق نسخ الصور من المجلات المصرية. وعندما صار بارعا في رسم الوجوه، ترك مهنة النساجة وأصبح يكسب رزقه من رسمها، الذي صار يدر له مالا أكثر مما يكسبه من عمله في النساجة. وبات الناس ورواد المقاهي وأصحابها، يعرفونه ويطلبون رسمه. وأصبحت الشركات تقصده، طالبة مهارته في الرسم للترويج عن بضاعتها، كشركات كريكاب والأفريقية لصناعة الحلاوة في السودان والشبراويشي للعطور في مصر، لتظهر تلك الرسوم الشهيرة لبنات علب الحلاوة وللسيد علي الميرغني وبنت السودان. وليصبح عدد ماأنجزه من صور غير معروف، كما يقول في إجابته على سؤال المؤلف، لكنه ظل يرسم منذ 1948م بمعدل صورة كل خمسة أيام. فيسأله المؤلف إن كان لا زال يرسم بذات المعدل؟ فيجيبه جحا: أنه منذ عامين صار يرسم صورة كل ستة أيام. وكان الحوار قد أجري معه في العام 2000م.

* كما رسم جحا الكثير من رجال الصوفية وشيوخ الدين، تلبيةً لطلبات مريديهم. وكان البعض من أولئك الشيوخ يرون رسمه ويستحسنون عمله، بل ويمدونه بصور جديدة ليقوم برسمها، في تأكيد واعتراف بموهبته وقبول لرسمه. وله مع بعض الشيوخ قصص وحكايات، مثل حكايته مع الشيخ البرعي، الذي التقاه في سوق أمدرمان، وكان البرعي يرغب في رؤيته، فأخبره جحا برغبته في الحصول على صورة فوتوغرافية له، فلم يمانع البرعي، فطلب منه أن يذهبا في الحال الى الاستديو ، فوافق الشيخ على الذهاب ، الشئ الذي لم يتوقعه جحا، كما قال لمؤلف الكتاب، إذ كان يظنه لن يذهب. فيسأله المؤلف : ولماذا طلبت تصوير الشيخ البرعي بالذات ؟ فيجيبه جحا: لأن نجمه كان في صعود وصورته التي بحوزتي، يظهر فيها وهو صغير السن.



رسم للشيخ قريب الله قام به التشكيلي جحا


* كذلك قام جحا برسم الإمام المهدي عدة مرات وفي اوضاع مختلفة دون أن يراه بطبيعة الحال ، كما لا توجد للمهدي صورة فوتوغرافية ، فيسأله المؤلف كيف تم له ذلك؟ ليقول جحا بأنه كان يضع بجانبه أثناء رسمه للمهدي صوراً، لعبد الرحمن المهدي، الصادق، الصديق والهادي، فيأخذ ظلال هذا وطول ذلك ووجه ذاك. ويضيف أن وجه الامام المهدي كان طويلا بعض الشيء. فيسأله المؤلف: كيف عرفت ذلك؟ ليحيبه جحا: لقد سمعت الناس يقولون ذلك عنه في سيرته. أيضا قام جحا بنحت صورة المهدي على جبل كررى، كما أفاد بذلك للمؤلف. واشترك في فيلم الخرطوم لمخرجه بازل ديردن، بتصميمه لملابس المهدي وسافر للمملكة المتحدة حتى يقوم بإلباس الممثل لورنس أوليفييه الذي قام بدور المهدي، تلك الملابس.

* وقد غطى الحوار الذي شغل قرابة الأربعين صفحة من الكتاب، الكثير عن حياة حجا ونشاطه واشتغاله بالرسم والسحر أو الحوى واختراعاته. وحفلت إجاباته بعدد من الأراء المثيرة للنقاش والجدل والكثير من الأحداث والمعارف ، التى كونها عبر انتقاله وسفره بين عدة مهن وبلدان، حيث زار الهند ومصر والمملكة المتحدة وصادق عددا من الناس سودانيين ومصريين ويمنيين وهنودا وأوربيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق