الثلاثاء، 14 مارس 2017

حديث صقلية



اسم الرواية: أطراف حديث في صقلية
المؤلف: إليو فيتوريني
المترجم: حسين محمود
الناشر: المركز القومي للترجمة-القاهرة
تاريخ النشر: 2012




عرض: أسامة عباس

* في ملاحظة تبدو تهكمية جاءت في نهاية الكتاب يقول المؤلف إن صقلية في إطار هذه المحادثة/الرواية ليست صقلية إلا بحكم الظروف، وقد بدا اسمها أقرب إلى سمعه وأفضل من إيران أو فنزويلا، وإن جميع المخطوطات بظنه يتم العثور عليها داخل زجاجات، وبالنسبة لنا نحن القراء، يمكن لصقلية أن تكون أيَّ مكان في هذا (العالم المُهان) كما يقول الراوي، وفي تقديمه للرواية يقول المترجم إن الرمزية التي وسمتها كانت الطريقة أو الأسلوب الذي لجأ إليه إليو فيتوريني، في أربعينات القرن الماضي يوم نُشرت الرواية، للهروب من بطش الرقابة إبان إيطاليا الفاشية، مقترحاً لقراءتها مذهبين أو مدخلين أحدهما النظر لتلك الرمزية كتأويل لمقاومة الفاشية، والثاني تبعاً لواقعية الحلم المرتكزة علي رؤى وهلوسات الراوي. 

* لاتوجد في الرواية مخطوطات يجب البحث عنها، لكن ذلك الإنتقال السريع والفُجائي للمقابلات التي تتم للراوي/سيلفسترو والحوارات الموحية المقتضبة والغريبة التي يديرها، مع أمه أو أخيه الذي عَلِم في الحلم بموته في الحرب، وكذلك في الأُسلوب المقتصد والجاف في كتابة/تصوير مايحدث دون الإخبار فعلياً بمايحدث، كل ذلك جعل من الرواية تبدو وكأنها تبعث مثل تلك الرسائل المخفية في زجاجات يلقيها موجُ البحر علي الشاطئ، وبالحصول على زجاجة وأخرى، أو بالتقدم في قراءة الرواية، يمكن فهم نسيج الحكاية وتقديم أفضل تفسير ممكن للأحداث. 

* تحت تأثير غيظ مجرد كان سيلفسترو يترنج والأيام تمضي والسنين تمر والسماء تمطر والمياه تتسرب إلي داخل حذائه المقطوع، ثم تأتيه رسالة أبيه فيقوم بدفع 250 ليرة من جملة راتبه البالغ 300 ليرة لشراء تذكرة ذهاب وعودة، ولانعرف إن كان خطَّط لزيارة أمه، أم أنه وجد نفسه هكذا معها في صقلية. تحت تأثير غيظٍ مجرد بسبب ضياع الجنس البشري كان يسافر، وفي القطار يستمع لحوار ذي الشوارب ودون الشوراب، رَجُلَيِّ الأمن، ويردد العالم مُهان والناس يعانون، بعد نزولهما يلتقي باللومباردي الكبير فيسأله هل شممت الرائحة؟ فيجيب سيلفسترو أي رائحة؟ يضحك الرجل والذين معه قائلين ألم تشم الرائحة؟ يضحك معهم حين يفهم أنهم يقصدون بالسؤال عن الرائحة ذي الشوراب ودون الشوراب. ثم يتحدث اللومباردي الكبير قائلاً إنه ليس في سلام مع الناس، وأنه يتمنى لو كان له ضمير حي وواجبات أخرى غير تلك الواجبات القديمة التي صارت معتادة.

* عند منتصف الرواية يزداد توتُّرُها وتبدو الجمل مقتضبة ومكررة لحد الإرهاق، أو مثل الطرْق المتواصل، ويختلط الحلم بالواقع في براعة، لا تكشف فقط عن قدرات المؤلف، بل تكشف أكثر عن القتامة وتنقل لنا الإحساس الخانق بأن العالم مُهان والبشر يعانون. يسأل سيلفسترو أمه التي تقوده معها إلى حيث تقوم بحقْن الناس في بيوتهم، مما يعانون؟ فترد في هدوء شئ من الملاريا أو شيئ من السل. وفي كل منزل تذهب إليه يسألها أهل المريض كم حقنةً عليه أخذُها؟ وهل سيشفى؟ لا ترد الأم على أي سؤال، وإنما تسأل هل أطعمتموه؟ فيجيبون سنطعمه خلال هذا اليوم أو غدا، فالناس فقراء كما تقول لإبنها بعد أن تسحبه خلفها لزيارة مريض آخر وتتردد نفس العبارات.


* يفلت سيلفسترو من قبضة أمه ليلتقي في الشارع بـ السنّان/الرجل الذي يبحث عن من يمكن أن يسِنَّ له مقصاً أو مديةً فلا يجد، حينها يقدم له سيلفسترو مطواة، يقوم السنّان بسنها له ويأخذه فرحاً إلى صديقه، قائلا لقد وجدت عنده مايمكن سنّه! فيأخذهما ذلك الصديق فرحاً إلى صديق ثالث ليحتفلوا جميعاً بسيلفسترو، كرجل يعاني من أجل العالم، في جلسة شرب، لكن سيلفسترو لا يعجبه الحال فيخرج متجها إلي بيت أمه، فيرى أنواراً غير تلك التي يعرفها، إذ كانت أنوار الموتى، ويجد نفسه منقاداً لصوتٍ لأخيه الذي مات في الحرب، ثم ينام ويستيقظ ولازال الوقتُ ليلاً، وعندما خرج من بيت أمه مسافراً، كانت الغربان تنعق في السماء والناس حوله يتساءلون لماذا هو يبكي؟ تابع سيره والناس حوله يتزايدون ويتساءلون إلى أن وصل حيث تمثال المرأة البرونزية العارية في الصرح التذكاريّ وأخذ ينظر إليها ويتفحّص جمالها وهي تبتسم والصقليون الذين حوله يتساءلون: وهل هو كثير أن نعاني؟.