الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

الظلم في العالم العربي


اسم الكتاب: الظلم في العالم العربي والطريق إلى العدل
المؤلفين: عمل جماعي
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت
تاريخ النشر: 2018




 عرض: أسامة عباس

(إن غياب العدل عن مكان ما، تهديد بغيابه عن كل مكان)
مارتن لوثر كينغ

* في ديسمبر 2016 قامت منظمة (الإسكوا) التابعة للأمم المتحدة بنشر تقريرها (الظلم في العالم العربي والطريق إلى العدل) في موقعها الإلكتروني، ولكنها عادت بعد يوم واحد من نشره لحجبه من الموقع، بسبب الضغوط التي قيل أنها مُورست عليها، من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومصر، كما رشح يومها في الأخبار، وقامت المنظمة بالتبرؤ من نسبة التقرير لها، بيد أنها تَركتْ لمُعديه الحق في نشره، على ألا يصدر ممهوراً بشعار المنظمة، ليكون الظلم الذي يُندد به التقرير قد وقع على التقرير نفسه، في تأكيد لا يحتاجه أحد، على فداحة الظلم المزدوج الذي يقع في العالم العربي، مرة في وقوعه ومرة ثانية في حجب كل مايشير إليه، لكن نشر التقرير بإسم منظمة الأمم المتحدة كان ليكون سابقة، للمنظمة، في الإدانة أو الجهر، بفساد التعاون أو علاقة الإرتهان القائمة بين الحكومات العربية والقوى الخارجية، وبعدم مشروعية وجود دولة إسرائيل، التي تقوم على أساس ديني، إذ تُمكِّن أي يهودي من أي مكان من الحصول على جنسيتها والتمتع بالحقوق الكاملة، خلافاً لغير اليهود الموجودين أصلاً في إسرائيل/فلسطين الذين يُعتبرون، وفق القانون، مواطنون من الدرجة الثانية، في انتهاك صريح لأحكام ميثاق الأمم المتحدة المُحرِمة للتمييز، وخروج شاذ عن شكل الدولة الوطنية/القومية القائمة اليوم.

* يُبين التقرير أن اللامساواة بين الناس في الدخل وفي الثروة، هي واقع قاتم يرخي بسدوله على معظم بلدان العالم العربي، مقدماً إحصاءات عديدة، وفق معايير متنوعة، حول خدمات الصحة والتعليم والحق في العمل، تكشف عن التفاوت، في انتشار هذه الخدمات وفي الحصول عليها، بين المدن والأرياف وبين الفقراء والأغنياء، مع ازدياد حدة أثر هذا التفاوت، بسبب التجاهل أو التواطؤ، على النساء والأطفال والشباب والمسنون والأشخاص ذوو الإعاقة واللاجئون والوافدون، ويزيد نقص المشاركة السياسية في السلطة من تفاقم هذا التفاوت/الظلم، ليصل إلى حد الاضطهاد السياسي والقيود على الحريات الدينية والعنف ضد الفئات المختلفة، كالشيعة في الخليج والأكراد في العراق وسوريا والأقباط والأخوان المسلمون في مصر، مع عدم حصولهم على المناصرة اللازمة من المجتمع أو حتى من نخبه التي تخاف غضب السلطات، بالرغم من أن المجتمعات العربية حافلة بالتنوع، كما يقول التقرير، لكن الحكومات لم تعمل على إشاعة ثقافة التنوع ليكون ضمن مفهوم المواطنة، بل لقد عمدت لتصوير هذه الاختلافات أو هذا التنوع كتهديد أمني يستوجب القمع وذريعة تبرر الاضطهاد.

* لم تفلح الدولة العربية التي نشأت بعد خروج المستعمر، في بناء أنظمة حكم تكفل العدالة وتحقق المساواة وتحمي الناس من الظلم والحرمان، وقد ورثت ذات جهاز الحكم الاستعماري بمؤسساته الإدارية والأمنية والعسكرية، وأصبحت بعض الدول/النخب التي حكمت وكأنها وسيط بين الشعب الذي يريد التحرر والرفاه الاقتصادي وبين المستعمر الذي خرج ويريد الحفاظ على مصالحه، بينما آلت الدول التي قاومت الإستعمار، بسبب خوفها من الانقلابات ودسائس القوى الأجنبية، إلى دولة بوليسية تخاف الديمقراطية، لتصير النتيجة الماثلة دولاً عربية مستبدة فاقدة للشرعية، بعد أن ضيعت حقوق المواطن وغيبت مفهوم المواطنة الذي يرتكز على تحقيق العدل وعلى حماية حقوق الإنسان الإقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والمدنية، وفشلت في الدفع بعجلة التنمية من أجل الرفاه العام، وتحول هم الدولة أو النخب التي تسيطر على جهاز الحكم، باختلاف عقائدها السياسية أو الدينية، إلى السعي بكل السبل لإدامة فترة حكمها، بعد أن جمعت بين السلطة والمال والفساد، الأمر الذي يعد اليوم السبب الرئيسي في ضعف النمو الاقتصادي وفي سوء توزيع الدخل والثروة في العالم العربي، صاحب المعدلات العليا للفساد في العالم.

* يرتبط وجود الظلم وغياب العدالة في العالم العربي بعوامل خارجية، يرى التقرير إنه يصعب فصلها عن العوامل الداخلية، وقد كانت الأوضاع الداخلية في بلدان العالم العربي، في كثير من الأحيان، من صنع التدخل الاستعماري، فينظر التقرير عائداً لنشأة منظمة الأمم المتحدة ولمحكمة العدل الدولية، وقد كانت المناقشات التي دارت يوم إنشاء المنظمة في 1945 أن توجد مؤسسة بمعايير موحدة للعدالة تنطبق على مختلف الشعوب وتحقق المساواة بين جميع دول العالم، لكن ومنذ البداية، انتصرت رؤى الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية التي أرادت مؤسسة بنظام تراتبي هرمي، غير عابئة برؤى الدول المتوسطة والصغيرة التي كانت تريد منظمة أو نظاماً دولياً يحمي سيادتها ومصالحها، فاستمر ذلك التصور المتعالي أو المتجبر الذي خيم على المؤتمر التأسيسي يومذاك إلى يومنا هذا، ليرافق مسيرة المنظمة ومؤسستي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في نظرتهم إلى الدول الضعيفة، وأصبحت هذه المؤسسات تحت سيطرة الولايات المتحدة الأميركية مؤسسات ضغط وتطويق أقتصادي وافقار، مثلهما مثل المحكمة الجنائية التي أنشئت حديثاً في 2002، وتواجه اليوم الإتهامات بعدم حياديتها، خاصة تجاه العالم العربي وأفريقيا، وقد كان الغرض من إنشاء تلك المؤسسات تقديم النصح والدعم للدول الضعيفة، ونشر الأمن وحفظ السلام في العالم وبين بلدانه، لكنها صارت مؤسسات/وسائل للسيطرة وليس لتقديم العون.

* ويختم التقرير/الكتاب فصوله بتقديم أربعة أهداف استراتيجية متداخلة، يصعب تحقيق أحدها دون الآخر، وتُمثل غاية وسبيل لاسترداد الكرامة، وهي: (عقد اجتماعي جديد يحترم كرامة الإنسان) تتوافق على صوغه كل الأطراف، ولايفرضه طرف على طرف، عقد يعيد صياغة العلاقة بين السلطة والشعب، وفقاً لاختيار الشعوب لشكل الحكم، وثانياً في (استقلال حقيقي لاشكلي) يتم بوجود هياكل ومؤسسات وطبقة سياسية تضع مصلحة الوطن والمواطن فوق أي اعتبار خارجي، ثم في تحقيق (العدل في فلسطين) لأن عدم تحقق العدالة فيها سيبقي المنطقة في مهب الحروب، كما أن إسرائيل بسعيها لتفتيت العالم العربي وامتلاكها للسلاح النووي، لاتشكل خطراً على الفلسطينيين وحدهم، بل على أمن كل العرب، واخيراً في (النمو والرفاة الاقتصادي) إذ لايكتمل تحقيق العدالة إلا بتحرير كل الناس من الخوف والعوز وإتاحة الفرص المتكافئة لهم جميعاً، ليساهموا في بناء وتنمية اقتصادات بلدانهم ويجنوا ثمار هذه التنمية، ولتحقيق هذه الأهداف/الغايات يقدم التقرير ستة شروط يُفصِّلها تحت عناوين: إنهاء النزاعات والحروب الأهلية/ إصلاح ثقافي/ إصلاح عسكري وسياسي واقتصادي/ التكامل العربي/ علاقات سليمة مع دول الجوار والتكتلات الإقليمية/ إصلاح منظومة العلاقات الدولية.


الأحد، 15 سبتمبر 2019

حروب الترابي



الناشر: دار الحضارة للنشر-القاهرة
تاريخ النشر: 2016




* صديق محيسي صحفي وكاتب سوداني عمل منذ ستينات القرن الماضي في الصحافة السودانية، ثم انتقل في ثمانيناته للعمل في الصحافة الخليجية، وهو متخصص في قضايا القرن الأفريقي، كما له عدد من الدراسات والمقالات عن تيار الإسلام السياسي في السودان، وفي هذا الكتاب ينظر لمسيرة الدكتور حسن عبدالله الترابي (1932-2016) باعتبارها مسيرة شخصية مشؤومة كانت مسئولة بشكل مباشر (وبقدر طاقة الفرد على أن يكون سبباً في الكارثة العامة) عن عدد من الفتن الوطنية، ولتأكيد هذه الفرضية يعود المؤلف إلى فترة نشوء تيارات الإسلام السياسي في خمسينات القرن، وبزوغ نجم الترابي في ثورة أكتوبر 1964 ليصبح بعدها القائد الأوحد لتيارات الإسلام السياسي، وهو الذي لم يكن عضواً في واحدة من تلك التيارات، مستيعناً في ذلك بتعليمه الغربي وثقافته الدينية، ليبدو وكأنه نموذجاً حديثاً لرجل الدين، رغم أن المؤلف يقدح في شأن تلك المعرفة بالدين وبالثقافة الغربية، وفق تحليله لكتابات ومواقف الترابي ولكتابات جاءت حوله، ليرى إن الأمر يعود في شأن بزوغ نجمه، لحركيته السياسية ولقدراته في التنظيم والتواصل ولمهاراته الخطابية/الدرامية، بل ولإستعانته بالمكر والتلون والتقلب في المواقف. 

الأربعاء، 4 سبتمبر 2019

الحارس في حقل الشوفان



الناشر: دار المدى للإعلام والثقافة-بغداد/بيروت/دمشق
الطبعة الثالثة: 2017




* جاء في موقع ويكيبيديا أن الجدل حول هذه الرواية لم يتوقف منذ صدورها في الولايات المتحدة الأميركية في1951 بين متحمسين لها ومعارضين، وأنها أكثر الروايات تعرضاً للطعن وأكثرها تدريساً في المدراس الثانوية، وهي بالفعل رواية فاتنة وكاشفة لجهة حبكتها البسيطة ولغتها الموحية والحوارات الذكية، التي يديرها هولدن كولفيلد مع شخصيات الرواية الأخرى، ويُعظِم من سحر تلك الفتنة الاستطرادات/الانتقالات السلسة والساخرة التي تكاد لاتُفلِت كل مايقع امام ناظر أو يجول بخاطر كولفيلد، الشخصية الأساسية في الرواية، وهو مراهق في السابعة عشر من عمره كاره لمجتمعه ولأفراده الغارقين في الغباء والزيف، وتاتي الرواية لتنقل أيام تسكعه خلال عطلة عيد الميلاد، بعد أن تم طرده من المدرسة بسبب فشله الأكاديمي، لكنه رغم هذا الفشل فصيح في التعبير عن مشاعره وفي كشفه للزيف المحيط بكل ماحوله، وجاء في الغلاف الأخير لهذه الطبعة (كانت الرواية في الأصل موجهة للقراء البالغين، لكنها أصبحت ذات شعبية كبيرة بين القراء المراهقين بسبب محاورها الرئيسية مثل اليأس والعزلة خلال مرحلة المراهقة) وكتب غالب هلسا (1932-1989) في تقديمه لهذه الترجمة؛ كثيراً ماتقارن هذه الرواية برواية جيمس جويس (عوليس) بسبب التحولات التي أطلقتها في كتابة الرواية في الغرب، وقد كانت رواية (الحارس في حقل الشوفان) البداية والنموذج لكتابة أولئك الغاضبين الأميركيين، الذين كانوا قد رفعوا شعار (كلنا هولدن كولفيلد) للتعبير عن تبنيهم لهذه الرواية.


الأحد، 4 أغسطس 2019

الشعب الدعاة






* جملة الشعب الدعاة المقترنة بالخرطوم إشارة تكريمية للفلاتة أو الفلاني الذين ساهموا في نشر الإسلام في السودان، وقد راجت عنهم في بلاد غرب أفريقية العبارة القائلة (بأن شرف الخرطوم منتزع من بلاد التكرور) كما يجئ هذا الكتاب، الذي ضم 22 مقالة وبحث، لكُتَّاب مختلفين، تُخبر عن قبيلة/شعب الفلاتة وسلطناتهم الإسلامية التي قامت في غرب أفريقيا ودورهم الدعوي/الديني في السودان، كمقالة د. حسن عيسى جاءت في كتابه (الدعوة الإسلامية في غرب أفريقيا وقيام دولة الفولاني) أو كبحث الأمين أبو منقا عن تأثير عثمان بنفوديو (1754-1817) في سودان وداي النيل، وبحث بروفسير يوسف فضل حسن الذي جاء بعنوان ( أثر الشيخ عثمان دانفوديو على دعوة المهدية في سودان وادي النيل النيل) وفيه يشير لرسالة مبايعة أحد أنجال الشيخ دانفوديو للإمام المهدي، وإلى أن والد الخليفة عبد الله التعايشي كان احد اتباع الشيخ دانفوديو الذي تحدث كثيراً في كتاباته عن المهدي المنتظر، وبذلك تهيئت البيئة لانتظاره وتصديقه خاصة في مناطق غرب السودان، وفي تقديمه يكتب مؤلف/مُعد هذا الكتاب الدكتور عبد الله عبد الماجد إبراهيم ( إن المثقف السوداني مدعو اليوم لمعرفة تاريخ هذا الشعب ونضاله وارتباطه بشعب سودان وادي النيل بجدية وموضوعية..) صدر هذا الكتاب في 2001 عن مؤسسة الرسالة في بيروت.

الخميس، 18 يوليو 2019

من حقيبة الذكريات




الناشر: وقف عبد الله الطيب للنشر والتوزيع

الطبعة الثالثة: 2015




* الدكتور عبد الله الطيب (1921- 2003) أحد أبرز أعلام الثقافة والنقد في السودان، وفي ذكرياته هذه نُطالِع أسباب/دعائم هذا البروز الذي تحقق له، وقد نقل الكثير عن حياته منذ المرحلة الإبتدائية مروراً بالمتوسطة، ثم قبوله بمنحة مجانية، بسبب نبوغه، في التجهيزي/كلية غردون التذكارية، التي أصبحت فيما بعد جامعة الخرطوم، وبطريقته الفذة، التي يعرفها كثيرون في الاستطراد، جال المؤلف، فيما يشبه مسحاً أنثربولوجياً، ناقلاً بعضاً عن حياة السودانيين في الشمال، في الفترة من ثلاثينات القرن الماضي حتى منتصفه، لكن الكتاب تَركَّز أكثر على سنوات تعليمه، مقارناً بين المدرسة والخَلْوَة وطريقة التعليم فيهما، مُفضلاً طرق الأولى المتواترة والقديمة في التعليم، خاصة في علوم الدين واللغة العربية، وتَحدَّث المؤلف عن مُعلِميه في مراحل تعليمه المختلفة، ناقداً طرق بعضهم في التدريس خاصة من السودانيين، كما أشار كثيراً لروح من التنافس، تصل إلى حد الحسد والبغضاء، كانت متفشية بين الطلاب، وأخَبَّر أيضاً عن نغمته على أساليب العقاب المهينة التي كانت تُتَّبع في المدارس، وقد استمرت هذه الأساليب حتى سنواته الأولى في كلية غردون، قائلاً إن إتِّباعها لم يكن غرضه شيئاً غير كسر أنَفة الطالب. وكانت الطبعة الأولى لهذا الكتاب صدرت في 1983 عن دار جامعة الخرطوم للنشر.

الأربعاء، 17 يوليو 2019

الأمير الصغير






*  أنطوان دو سانت إكزوبيري (1900-1944) شاعر وكاتب فرنسي، كان يعمل قائداً لطائرات البريد، ألف مجموعة من الكتب نالت رواجاً في كأفة أرجاء العالم لم ينقطع إلى يومنا هذا، لما تتسم به كتابته من بساطة وعمق تكاد دلالاته لاتنتهي، كبريد الجنوب وسيرة رحلاته (أرض البشر) وقصته هذه، التي يعتذر فيها للأطفال عن إهدائه لها لصديقه الكبير في السن الذي كان ذات يوم طفل، وفي القصة يقول الراوي إنه عندما كان في السادسة من عمره عَرَضَ على رجال بالغين رَسْمه وسألهم: هل تخيفكم لوحتي؟! تعجب الرجال وسألوه: ولماذا تخيفنا صورة قبعة؟! فأعاد رسم المظهر الداخلي للأفعى التي ابتعلت فيلاً، لأنه عرف إن الكبار يحتاجون للشرح لكي يفهموا الرسم، واتجه بعد أن ترك الرسم، مُتَّبعاً نصيحتهم، للاهتمام بأشياء أخرى كالتاريخ والحساب والجغرافيا ودراسة اللغة، واصبح عندما يُقابل أحداً يبدو ذكياً، وهو نادراً مايلتقي أحداً، كان يتحدث معه عن البريدج والغولف والسياسة وربطات العنق، ولايتحدث معه مطلقاً عن الأفاعي أو الغابات العذراء أو النجوم، فيسعَد ذلك الذكي بلقاءه رجلاً عاقلاً، لكنه يقول إن الجغرافيا ساعدته كثيراً عندما امتهن قيادة الطائرات، في التمييز من أول نظرة بين الصين والأريزونا، وذلك أمراً مفيداً إذا ما تاه المرء في الليل، وفي يوم أصاب طائرته عطل فهبط في الصحراء، وكانت أقرب نقطة مأهولة بالسكان تبعد عنه مسافة ألف ميل، فنام ليلته تلك وحيداً على رمل الصحراء، حتى أيقظه في الصباح صوت طفل، قادم من زيارة كواكب أخرى لزيارة كوكب الأرض، يطلب منه أن يرسم له خروفاً، فارتبك قليلاً وهو الذي كان الكبار قد ثبّطوا من عزمه في السادسة من عمره عن امتهان الرسم.

الأحد، 14 يوليو 2019

السودان ومصر


الناشر: مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية
تاريخ النشر: 2006




* في الـ25 من أبريل الماضي وقف ثُواراً سودانيون أمام مقر السفارة المصرية في الخرطوم منددين بالتدخل المصري في الشأن السوداني، وقبل 34 عاماً إبان إنتفاضة مارس/أبريل 1985 كان ثواراً سودانيون قد وقفوا ذات الموقف أمام السفارة المصرية في الخرطوم، وقبل 62 عاماً، في الديمقراطية الأولى (1956-1958) توقفت مفاوضات السودان ومصر  سنة 1957 حول ترحيل أهالي وادي حلفا بعد بناء السد العالي، لتستأنف ببنود أكثر تنازلاً في 1959 بعد إنقلاب إبراهيم عبود، وإضافةً لكل ذلك يورد هذا الكتاب الكثير من مثل هذه المواقف والحوداث، التي تُشير بوضوح إلى أن مصر لاترغب في أن ينعم السودان بنظام ديمقراطي، وحده القادر على تحقيق تطلعات السودانيين وبناء وحدة السودان الوطنية، فهي ترى، أي مصر، أن السودان الديكتاتوري/الشمولي، المُرتَهن دائما والضعيف أمام التدخل الأجنبي، يحقق مصالحها ويؤمن عمقها الجنوبي الإستراتيجي أكثر من السودان الديمقراطي الند والقوي، ضاربة بمصالح السودان والسودانيين الإستراتيجية عرض الحائط، بالرغم من الحديث المتكرر عن خصوصية العلاقة بين البلدين، في هذا الكتاب يتحدث المؤلف عن خلل هذه العلاقة، من واقع معرفته بمصر وخبرته الدبلوماسية الطويلة فيها، وقد تلقى دراسته الجامعية بها في خمسينات القرن الماضي، وعمل خلال مشواره الدبلوماسي الطويل مرتين بالقاهرة، مرة في الديمقراطية الثانية (1964-1969) والمرة الأخرى في فترة الديمقراطية الثالثة (1985-1989) مُشيراً للعوائق، المصرية والسودانية، التي تقف في طريق هذه العلاقة، كما قدم رؤيته المستقبلية الشاملة للكثير من المقترحات في سبيل تطويرها، إيماناً منه بأهمية هذه العلاقة للبلدين وحاجة كل منهما للآخر.

الخميس، 11 يوليو 2019

علاقات الرق


الناشر: دار الثقافة الجديدة-القاهرة
تاريخ النشر: 1995




* علاقات الرق واحدة من الممارسات المُشينة التي وقعت في هذا العالم، ولاتزال مُخَلَّفاتها تُسمم علاقات الكثير من البشر، وقد كان لبلادنا نصيبها غير القليل من هذه المُخَلَّفات، إذ وُجِدّت علاقات الرق والاسترقاق، كما سنقرأ في هذا الكتاب، في كأفة أرجاء السودان، ليطال العار المُسترَقين ومُلاك الرقيق على حد سواء، ولاسبيل لنا اليوم، نحن أحفادهما، سوى التحديق في نار هذه الحقيقة ومواجهتها حتى نَصْرَع (مُخلفات الماضي في العنجهية وفي مركب النقص، في المباهاة بالحسب وفي الحقد والانتقام المؤجل، في النسيان المُخدِر المُريح والذاكرة القلقة الواخزة، في الاستعلاء وفي الاحتقار المكتوم، في الوقار المنافق وفي الاستهتار الصّلِف، في الثقة الزائفة وفي الشك المرتاب) كما يقول محمد إبراهيم نقد (1930-2012 ) الذي يرى أو يفترض إن علاقات الرق مع علاقات الأرض/ الفكر الصوفي والطرق الصوفية/ الكيانات الإثنية والتكوينات الإجتماعية ونسق المعتقدات للقبائل النيلية وعلاقة النسق بمعتقد التوحيد، يراها هي المؤسسات أو العوامل الأربعة المُهمة التي ساهمت في سودان 1500- 1900 عصر التَشكُل والتكوين، وقد جَمَعَ الكتاب مُجمل الوثائق المتوفرة والمتعلقة بعلاقات الرق في المجتمع السوداني، منذ ممالك السودان المسيحية مروراً بسلطنات الفونج ودارفور ثم فترة المهدية وحكم المستعمرين الإنجليز، مع تعليق المؤلف الفاحص على هذه الوثائق، وإذا غابت فترة حكم التركية من الكتاب، بالرغم من أنها الفترة التي تُمثل ذروة نشاط تجارة الرقيق التي كانت في السودان، فذلك لأن أكثر وثائق هذه الفترة مُحتجزة في مصر ويُمنع الإطلاع عليها، رغم أنها وثائق تتعلق بوقائع وقعت في السودان، كما يقول المؤلف الذي يتساءل ساخراً عن أسباب هذا المنع: أهو أمني؟ أم هو سياسي؟ أم للصيانة والجرد السنوي! وقد اشتمل الكتاب على أكثر من مائة وثيقة، جاءت عقب تعليق/بحث المؤلف، لتحتل أكثر من نصف الكتاب.

الأربعاء، 10 يوليو 2019

تنهيدة المغربي الأخيرة


الناشر:  دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر
تاريخ النشر: 2016




* تنهيدة المغربي الأخيرة اسم للوحتين، جاءت الأولى حول مغادرة سلطان غرناطة الأخير لقصر الحمراء في الأندلس، وجاءت الثانية التي قامت برسمها أورورا داغاما بمثابة اتحاد لروحَّيهما هي وإبنها موريس الزغبي، ذي العمر المُتضَاعِف الذي كانت حياته تتسارع ليبدو وهو في الخامسة والثلاثين وكأنه في السبعين من عمره، إذ لم يبقَّ في بطن أمه سوى أربعة اشهر ونصف، وهو الذي يتولى في الرواية سرد حكايته وحكاية اسرته المُنقسِمة والمُحطَّمة ذات الأصول المتنوعة، والتي كانت تعمل في تجارة التوابل، يحكي موريس عائداً لجده فرانسيسكو داغاما وزوجته إبيفانيا وولديهما إيرس وكامونز وزوجتيهما كارمن وإيزابيلا جدته التي ماتت مبكراً، لتنشأ أورورا طفلة متمردة وكارهة لجدتها وعمها وزوجته، فتُنفِس عن غضبها في العبث بمقتنيات المنزل، وفي عرض هواجسها ورؤاها في الرسم المُعَرِّض والفاضح لأسرار أسرة داغاما، وتلتقي وهي في الثامنة عشرة من عمرها بإبراهام الزغبي ذي الستة والثلاثين عاماً، المُنحدر من أسرة يهودية انتقلت إلى الهند بعد سقوط غرناطة، فتتزوجه رغم معارضة أسرتها، ويقوم هذا الزوج بتولي أعمال الأسرة وتطويرها متجاوزاً تجارة التوابل، ليعمل في كل شيء مماهو مشروع وغير مشروع من الأعمال، وتتفرغ أورورا لهوايتها وتصبح واحدة من العلامات البارزة في فن الرسم، ويلتف حولها المريدون وجامعو اللوحات وهواة الفن، وتصادق الكثير من الرجال والنساء في عالم الصحافة والسياسة، ونقرأ نحن من خلال الرواية أو من خلال تاريخ هذه الأسرة، مايمكن وصفه بالمعادل الموضوعي لكثير من أحداث الهند في مائة عام القرن العشرين، عبر تأثير جبروت أسرة رأسمالية، لنرى كيف يمكن أن يُشكل الفساد قوة مُهلِكة تكاد لاتُهزم ولاينجو منها أحد، ويصبح التشبيه أو الوصف المتوهج لماهية قوة الفساد كإله، الذي قال به الرسام فاسكو ميراندا أحد شخصيات الرواية، أقل مما هي عليه قوة الفساد في الواقع، كما يقول الراوي موريس المغربي الإبن المُتوجِع والأخير المتبقي من أسرة فرانسيسكو داغاما.

الثلاثاء، 9 يوليو 2019

فاوست


الناشر: دار المدى للإعلام والثقافة والفنون
الطبعة الثالثة: 2014





* الدكتور فاوست أو المعلم جيورجيوس سابليكوس شخصية حقيقية وجدت في ألمانيا في أواخر القرن الخامس عشر، درس اللاهوت وتعلم فنون السحر ونُسجت حول حياته كمُهرطِق وساحر الكثير من القصص، وصلت إلى حد المبالغات، ليتحول فيما بعد إلى أسطورة ترمز للرجل الذي باع روحه للشيطان، وقد تناولت حياته عدة كتب ومجموعة أعمال إبداعية، نظرت إليه بحسب معتقداتها الدينية وتياراتها الفكرية، لينتشر صيته في سائر دول أوروبا، وفي هذه المسرحية مُستفيداً من كل ذلك التراث، يقذف يوهان فولفغانغ جوته (1749-1832) بفاوست في لجة حياة ملؤها الصراع والتوق للمستحيل، تجيء بين الأرض والسماء، وأبطالها قوى بشرية ومخلوقات أسطورية وظواهر طبيعية، وبرفقة مفستوفليس/الشيطان، بعد عقده لميثاق الدم القاضي بتنفيذ كل مايطلبه الشيطان مقابل أن يمتلك روحه، يأتي فاوست بأفعال عظيمة يفوق أثرها تلك التي يُحرِّض عليها الشيطان، مثلاً، في الثقافة الإسلامية الشعبية، كأن يتدخل في مصائر ممالك ويُقدِّم عملات نقدية زائفة، في حفل مسحور، لحل أزمة الامبراطور مع دائنيه ورعاياه، ويشترك معه في حرب ضد آخر، فيقطِعه الامبراطور بعد كسبه الحرب أرضاً تحت البحر، يصير ملكاً عليها وقد عَمَّرها بمعونة عمال الجن، وفي المسرحية يكون فاوست نداً لمفستوفليس/الشيطان، بل ويفوقه بقوة روحه واستعداده غير المحدود للمغامرة، وفي دراسته/مقدمته لهذه الترجمة يقول عبد الرحمن بدوي (1917-2002) من حُسن طالع جوته أنه ليس عربياً، وإلا لكان صِيحَ في وجهه سارق! سارق! وكانت عُدّت تحفته (فاوست) سرقة! لأن هيكل المسرحية وفصولاً كثيرة ومشاهد عديدة، لها مايناظرها في كتب لمؤلفين سابقين، لكن العبرة كما يقول، ليست في التشابه، بل في ذلك التوليف والتركيب ومااُودِع فيه من معاني وأفكار، أكدت سر عظمة جوته والمكانة العالية التي تحتلها مسرحيته فاوست.

السبت، 22 يونيو 2019

إنتفاضات السودان المدنية




اسم الكتاب: الانتفاضات المدنية في السودان الحديث
المؤلفة: ويللو بيريدج*
الناشر: منشورات بلومسبري- لندن/نيويورك
تاريخ النشر: 2015






عرض: أحمد آدم**


* مثلت ثورة أكتوبر 1964 في  السودان حدثاً فريداً، إذ تحدت فرضيتين كانتا مهيمنتين وسط الباحثين، الفرضية الأولي أن الأنظمة في الشرق الأوسط وأفريقيا لا يمكن ازاحتها سوى بانقلاب عسكري، والفرضية الثانية أن الأحزاب السياسية بهذه الدول لم يكن لها دوراً مؤثراً في النصف الثاني من القرن العشرين، كما تقول المؤلفة، لتقدم في كتابها هذا تحليلاً دقيقاً للظروف التي جعلت السودان قادراً على انتاج هاتين الظاهرتين السياسيتين الفريدتين، أي ثورتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985، مُشيرة لسلمية المظاهرات في أكتوبر، وقائلة بإن ما يثير الاهتمام هو، هتافات الثورة غير الدينية، رغم وجود قيادات ضمن الثورة أصبحوا فيما بعد في قيادة الإسلام السياسي في السودان، وذهبت لتحليل هذه الظاهرة، بالنظر للكيفية التي فسرت بها النخبة المتعلمة ثورة أكتوبر كحدث قومي، ولذلك تم تجاوز الفروقات الأيديولوجية بين المتظاهرين مؤقتا، من أجل الهدف الرئيسي وهو اسقاط نظام عبود.


* بدأ نظام إبراهيم عبود، لأول مرة في السودان، الاعتقال التحفظي ومنع أي أنشطة سياسية لا تدعم توجهاته، كما تقول الكاتبة، وإن عبود لجأ لدرجة من الاكراه والقمع للبقاء، بسبب ضعف قاعدته الجماهيرية، إذ تم اعدام مجموعة من سلاح المشاة في ديسمبر 1959 لمحاولتهم الانقلاب على النظام، وحُلت في عام 1961 نقابة السكة حديد السودانية وتم اغلاق جامعة الخرطوم نتيجة للمظاهرات التي قام بها الطلبة، لتقول إن المقارنة بين ما فعله عبود وما فعله نميري والبشير من بعده تكاد تكون معدومة، لكن تلك الأحداث كانت بدعة سياسية في زمنها، فإطلاق الرصاص على الطالب أحمد القرشي، والذي أتى كجزء من مواجهات طويلة بين طلاب جامعة الخرطوم والعسكر، كان حدثا محفزا، سرعان ما قاد للمظاهرات التي أدت في النهاية لاقتلاع النظام، وتقول إن هناك وجهات نظر مختلفة تم تقديمها لتفسير السقوط السريع لنظام عبود، فثمة من يقول إنه ورغم المظاهرات الضخمة جدا التي أعقبت استشهاد القرشي، لم يكن سقوط النظام مضمونا، ولكن الشيء الذي عجل بنهاية النظام هو اعلان العصيان العام. وثمة من ذهب الى أن سقوط النظام بسبب الضغط الذي قوبل به عبود من "الضباط الأحرار"، في الوقت الذي يعتقد فيه اخرون أن الجنرال العجوز قرر الاستقالة من تلقاء نفسه لزهده في السلطة، لكن الكاتبة تقول إنه يجب أن نضع في الاعتبار أن عبود لم يستسلم مباشرة، فالقرار الأول الذي قام به كان القاء القبض على اثنين من القضاة الذين شاركوا في المظاهرات التي أدت لإعلان العصيان المدني، وتعلق على سلمية الثورة بقولها أن ثورة أكتوبر نجحت وبشكل كبير في تبني استراتيجية غير عنيفة، ولكن من الصعب تصنيفها كثورة سلمية بشكل مطلق، إذ  أخذت الثورة طابعا عنيفا في منعطفات رئيسية، ولكن لا يمكن أن نقول أن العنف هو الذي لعب الدور الحاسم في اجبار النظام على التنازل عن السلطة، فقيادات الثورة من الأحزاب السياسية، النقابات، والمهنيين لم يشجعوا استخدام العنف ضد النظام ومنسوبيه، وربما يعود ذلك الى أنهم يأتون من نفس الخلفيات الاجتماعية ذات الامتيازات التي أتى منها نظام عبود، وليس من مصلحتهم تشجيع أي نوع من أنواع الفوضى التي تؤدي الى العنف.


* في الفصل الثاني المعنون (انتفاضة 1985: هل دمر نميري نفسه؟) تعود الكاتبة لبدايات ثورة مايو، ناظرة لإنقلاب جعفر محمد نميري في 1969 كنتيجة لإخفاقات ثورة أكتوبر، وفشل النظام البرلماني الذي تم تأسيسه في تبني أي استراتيجيات سياسية تقدمية، بالإضافة لعدم قدرته على تحقيق السلام في الجنوب، ثم تستعرض التاريخ الدموي لنظام نميري في سنوات السبعينات، والذي تمثل في الاعدامات السياسية، وأحداث الجزيرة أبا وغيرها، قائلة بإن الطبيعة الدموية للنظام ساهمت في تأخير الانتفاضة عليه. وتعزو الكاتبة الانتفاضة للأزمات المتلاحقة التي حاقت بالنظام منذ بداية الى منتصف الثمانينيات. وقد كانت الأزمات الاقتصادية في جزء منها نتيجة لعوامل خارجية، مثل ارتفاع أسعار النفط، وانخفاض الطلب على موارد السودان الخام، بالإضافة لضغوطات صندوق النقد الدولي لاجبار الدول الأفريقية ودول الشرق الأوسط على تبني سياسات اقتصادية تقشفية. ولكن التدهور كان أيضا بسبب عوامل داخلية، مثل الفساد والسياسات الاقتصادية الخاطئة التي ركزت على انشاء مشاريع تنموية ضخمة وطموحة، دون وجود رأس المال الكافي لتسييرها، وفي نفس الوقت تَجاهُل المشاريع الزراعية الموجودة أصلا، ليمنع هذا التدهور الاقتصادي الحكومة من القدرة على التعامل مع المجاعة التي حدثت بين 83 و85 إذ رفض نميري الاعتراف بها، وقد مات بسببها الالاف ونزح الالاف للخرطوم، ليواجهوا بـ(كشات) أمن نميري لإجبارهم على العودة لمناطقهم.


* تَخَلُص الكاتبة الى أن التدهور الاقتصادي هو الذي أشعل شرارة الانتفاضة التي أدت لسقوط النظام، يضاف الى ذلك عدم قدرة نميري على التعامل مع ثورة الجماهير، وأيضا فقدانه لكل حلفاءه السياسيين، بعد أن أصبح نظام نميري نظام الرجل الواحد، بالإضافة لتدهور صحته، والذي جعله غير قادر على اتخاذ قرارات سليمة، على سبيل المثال اعلان الشريعة وما صاحبها من أحداث، كإعدام الأستاذ محمود محمد طه، لتقول ربما يكون نميري هو الذي ساهم في اسقاط نفسه، ولكن الأحزاب السياسية، النقابات المهنية، والاتحادات الطلابية هي التي حددت الطريقة التي سقط بها، بعد أن قامت في التنسيق فيما بينها لاستعادة الديمقراطية. تلاحظ الكاتبة أن الخطاب الديني ظهر بصورة أوسع في انتفاضة أبريل 1985 مقارنة باكتوبر 1964، بعد أن وضع نميري الدين في مركز الحياة السياسية وذلك بإعلانه الشريعة الإسلامية، الشيء الذي أجبر المعارضين على انتقاده من وجهة نظر دينية.


* وفي تحليلها للبنية الاجتماعية لقوى الانتفاضة ترى الكاتبة أن الانتفاضة احتضنت أعداد كبيرة من الطبقات الاجتماعية التي تأثرت بشريعة نميري، مع الوضع في الاعتبار أن الخرطوم شهدت درجة كبيرة من النزوح خلال الـ21 سنة التي تلت ثورة أكتوبر، فمجموعة من شهداء الانتفاضة كانوا من مناطق مهمشة في الخرطوم، مثل مايو والحاج يوسف، وهي الأحياء التي شهدت، في غالبها، هجرات من الهوامش السودانية نتيجة للجفاف والمجاعة، والحرب في مناطقهم، وكانت النخبة  الحاكمة أطلقت تسميات تحقيرية لوصف سكان المناطق "العشوائية" بالقول انهم (شماسة) كما استهدفتهم حكومة مايو بشكل منظم في سنواتها الأخيرة، عبر ماسموها حملة (الانضباط العام) للقبض على "العطالى" في مناطق الخرطوم الطرفية وارسالهم لمناطق الزراعة، وقد خرج هؤلاء بأعداد كبيرة خلال الانتفاضة، وساهموا في سقوط نميري، لكن لم يكن هناك أي تمثيل لهذه الفئة الاجتماعية المدينية الجديدة في قيادة الانتفاضة، بالرغم من أن بعض قادة الانتفاضة كانوا متعاطفين بصدق مع مأزق سكان "العشوائيات" لكنهم لم يستطيعوا أن يخلقوا تضامن صادق معهم، وأن الشيوعيين السودانيين كانوا ماركسيين كلاسيكيين، ولم يكن بمقدورهم قبول أن هذه الكتلة البروليتارية المدينية المحرومة، يمكن أن تكون طبقة ثورية محتملة، ولم يكن قادة الانتفاضة من الطبقة الوسطى قادرين على ردم الهوة بينهم وبين ثوار "العشوائيات" سوى بشكل سطحي فقط، بهذا المعنى وبالرغم من أن الانتفاضة قد احتضنت أناس من خلفيات اجتماعية ومناطق جغرافية متباينة أكثر من ثورة أكتوبر 1964 لكن الانتفاضة أعادت انتاج عدد من إخفاقات أكتوبر.



* في الفصل الثالث المعنون (الشيوعيون، الإسلاميون، البعثيون، والطائفيون: الأحزاب السياسية في 1964 و 1985) تتناول الكاتبة دور الأحزاب السياسية، قائلة بإن الباحثين في شئون الشرق الاوسط يجادلون بأنه لم يكن هناك دورا مؤثرا للأحزاب السياسية في النصف الثاني من القرن العشرين على مستوى دول الاقليم، وينطبق نفس الحال على المحللين في الشئون الأفريقية، الذين يقولون إن الأحزاب السياسية كظاهرة لم تحدث سوى بعد الموجة الليبرالية في 1990 لكن الكاتبة ترى ان ثمة عوامل يجب وضعها في الاعتبار قبل أن نقلل من دور الأحزاب السياسية في السودان، مثل أن الانتفاضتين نجحتا في إعادة ديمقراطية حزبية تعددية، ولو أنها كانت لفترة قصيرة، وهذا يعني أن الأحزاب السودانية لم تغب لفترة طويلة من الممارسة السياسية كرصفائها من دول الاقليم، بالإضافة الى أن النظامين العسكريين اختارا في فترات من حكمهم أن يشركوا بعض من الأحزاب السياسية في السلطة، مما جعلها مواصلة في التأثير في الحياة السياسية، وتقول إن التحليل الدقيق لانتفاضة 64 و85 يوضح الفرضية الخاطئة أن اليسار، وخصوصا الحزب الشيوعي، كان القوة الأكثر تأثيرا، فهو لم يكن الحزب الأكثر تأثيرا في جامعة الخرطوم، وهي المؤسسة التي احتضنت ثورة أكتوبر، كما تفند ادعاءات بعض مناوئ الحزب الشيوعي في أنه كان ضد أكتوبر، وهو قد وضع دعمه الثقيل خلف الثورة عندما اندلعت المظاهرات، فكان ضمن مجموعة متنوعة من الأحزاب والقوى الاجتماعية المختلفة التي دفعت الانتفاضة الى الأمام، لتضيف بإن قوة الحزب الشيوعي في 1964 كانت أكبر منها في 1985 لأنه كان لا يزال يعاني من ضربات نميري المتلاحقة، بينما كان البعث هو الحزب العلماني الذي ساعد في تحريك المعارضة بشكل كبير في 1985 وذلك لأن الحزب كان مدعوما بشكل مباشر من حزب البعث العراقي.


* وبالنسبة للأحزاب المحافظة التي تبني شرعيتها على شكل أو اخر من الإسلام السياسي، سواء كان اسلاما متجذرا تاريخيا مثل الختمية والانصار، أو اسلام حديث مثل الأخوان المسلمين، ترى الكاتبة أن هذه الأحزاب ساهمت بدرجات مختلفة في تحريك المعارضة في الانتفاضتين. وتقول الكاتبة بالرغم من دور الأخوان المسلمين في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في أكتوبر 1964 ولكن لا يمكن أن نقول أن أي من هذه الأحزاب خلق ثورة أكتوبر، لكنها كلها، كما في حالة الحزب الشيوعي، لعبت دورا مهما في دعم المظاهرات عند اندلاعها. وتشير الى انه في أكتوبر 64 تحالفت قوى سياسية مختلفة حتى تمت الاطاحة بالنظام، على العكس من أبريل 1985عندما كانت هناك دلائل كثيرة تشير الى الانقسام بين القوى السياسية، خصوصا أن تنظيم الجبهة الإسلامية القومية كان حليفا أساسيا لنميري قبل سقوطه بأسابيع.


* في الفصل الرابع المعنون (’القوى الحديثة‘: الطلاب، المهنيين، والنقابات العمالية في 1964 و1985) تقوم الكاتبة بتحليل المؤسسات المختلفة المرتبطة بالقوى الحديثة، قائلة بإن طلاب الجامعات والمدارس الثانوية هم من أشعلوا شرارة الثورة، ولكن الخريجين المهنيين هم من أعطى الثورة شكلها، بمشاركة نقابات العمال التي جاءت متأخرة نسبيا في الحراك، وتعزو ذلك الى أن نقابات العمال الرئيسية كنقابة السكة حديد وتجمع مزارعي مشروع الجزيرة كانوا في المدن الإقليمية كعطبرة وبعيدين عن مكان اندلاع الثورة، في حين أن دور المهنيين فرضه وجودهم في حيز الحدث فالمحاضرين في الجامعة كانوا قريبين من الطلاب عند اندلاع الثورة، والدكاترة انضموا في لحظة وصول القرشي للمستشفى، والقضاة والمحامين كانت مراكزهم في الخرطوم، لتقول إن التمثيل المكثف للمهنيين لايعطي صورة عادلة عن مشاركة العمال في المدن، أو مساهمتهم في النضال ضد عبود خلال الست سنوات التي كان فيها في السلطة، في حين أن المهنيين كان لهم دور مميز في الثورة نفسها، ولكن اتحادات العمال كانت أكثر الأجسام التي لها سجل مستمر في النضال ضد نظام عبود، وأيضا النضال ضد الاستعمار والنظام البرلماني الذي خلفه. وتخلص الكاتبة الى أنه ليس هناك حزبا سياسيا وحيدا احتكر القوى الحديثة خلال الثورة، وترى الكاتبة أن وضعية النقابات العمالية داخل القوى المعارضة للنظام كانت محدودة مقارنة بالمهنيين. وهذا يذكرنا بأن الثورة كانت قيادتها محتكرة في نطاق ضيق وهو نطاق المهنيين، المنحدرين من خلفيات شمالية نيلية، الشئ يشير برأيها الى أن مفهوم "القوى الحديثة" يستبعد أعداد كبيرة من السودانيين، ليبقى الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة القاضي عبد المجيد امام، الذي تعود خلفيته الى جبال النوبة في جنوب كردفان، فهو الذي قاد مظاهرات القضاة في أكتوبر 1964 ولكن بابكر عوض الله هو الذي أصبح رئيسا للقضاء بعد الثورة بدلا عن عبدالمجيد امام الذي كان في طليعة المظاهرات.


* الفصل الخامس (القوات المسلحة: هل كانت في حماية الشعب) تتناول فيه الكاتبة دور القوات المسلحة وتقوم بتصنيف ثلاث مجموعات مهمة داخل الجيش، الأولى هي قيادة الجيش الموالية للنظام، والمجموعة الثانية تتكون من صغار الضباط الراديكاليين المنضوين لخلايا سياسية داخل الجيش، والثالثة تكونت من الضباط الكبار أو الرتب الوسيطة، والذين لم يكونوا جزءا من قيادات الجيش ولعبوا دور الوسيط بين المجموعة الأولى والثانية، وتشير لدور الفئة الوسيطة وليس الفئة الراديكالية، هي التي حددت الدور الذي لعبه الجيش في الثورة، إذ كانت هذه الفئة تفهم دور الجيش كمؤسسة قومية، فلم ترضخ لضغوطات النظام أو ضغوطات الحزبيين، سواء من اليمين أو اليسار، لتقول بإن هناك تشابه، الى حد ما كان، بين تدخل العسكر في الانتفاضتين. في الحالتين لم تكن التنظيمات السياسية داخل الجيش – الضباط الأحرار في 64 والإسلاميين في 85 قادرين أو راغبين في القيام بانقلاب عسكري. ولكن استخدموا الانتفاضتين في التهيئة لانقلاباتهم بعد سنوات قليلة. قام الضباط الاحرار بانقلاب مايو 69 والاسلاميون بانقلاب 89 لتخلص الكاتبة في هذا الفصل الى أنه لا يمكن أن نقول بأن الجيش أو الشرطة قاموا بصناعة أكتوبر أو أبريل، وان كان الأسلوب الذي تعاملوا به مع المظاهرات حدد النتيجة النهائية.


* الفصل السادس (النظام الانتقالي 1964-1965: هل كان فرصة ضائعة؟) ترى الكاتبة في هذا الفصل أن تحديات الفترة الانتقالية أظهرت الصدوع داخل الجسد السياسي السوداني، بسبب أن النخبة الراديكالية المدينية فشلت في أن تربط الغالبية العظمى من سكان الريف بأجندتها، وقد ساعد ذلك حزب الأمة أن يطرح رؤية بديلة للقومية السودانية وبالتأكيد للثورة نفسها، رغم أن أنصاره لم يلعبوا أدوار مهمة في أحداث أكتوبر الحاسمة، ولكن هجراتهم الكبيرة في فبراير غيرت طبيعة ما نظر اليه كثورة مدينية، كما فشلت النخبة الراديكالية المدينية في تقديم أي رؤية ثورية جاذبة للجنوبيين، الذين أسسوا جبهة الجنوب، ممايعني ضمنيا أنهم مفصولين من اتحاد النقابات وجبهة الهيئات، وهذا يوضح النواقص الاجتماعية والإقليمية للمؤسسات المرتبطة بثورة أكتوبر والتي لم تستطع تحويل شعاراتها لحقائق على أرض الواقع.


* في الفصل السابع (الفترة الانتقالية 1985-1986 وعناد الإسلام السياسي) ترى الكاتبة أن الفترة الانتقالية كانت مليئة بالخلافات، من جهة كان هناك خلاف بين الجيش والمهنيين، ومن جهة أخرى كان هناك خلاف بين المهنيين والأحزاب، بالإضافة لخلافات المهنيين فيما بينهم، لتقول إنه وبعد سماع كلمة سوار الدهب في 6أبريل بانحياز الجيش للشعب، تجاهل ممثلي حزب الأمة والاتحادي الاجتماع المزمع عقده مع المهنيين وذهبوا لزيارة قيادة الجيش لمباركة خطوتهم في الاستيلاء على السلطة، مما وفر سياقاً ملائماً للعسكر ليحلوا محلهم كقيادات للفترة الانتقالية، وقبل ذلك كانت أكثر نقاط الخلاف اثارة للجدل بين الأحزاب والمهنيين كانت حول مدة الفترة الانتقالية، فممثلو اتحاد المهنيين طالبوا بمدة خمسة سنوات للفترة الانتقالية، وكان رأيهم أن هذه المدة ضرورية لكنس كل الاثار السالبة للنظام السابق، ولتأسيس قاعدة لسودان حر ديمقراطي تعددي، وممثلو الأحزاب السياسية رفضوا هذه المدة، وبعد مفاوضات مضنية قبل المهنيون بتقليل المدة، وتقول الكاتبة أن المهنيين تعلموا من درس أكتوبر أن عودة سريعة للانتخابات تعني أن تأثيرهم في الحياة السياسية سيختفي سريعا.


* الفصل الثامن المعنون (انتقام مايو: ثورة الانقاذ، يونيو 1989) تقدم فيه الكاتبة تحليلا وافيا لبنية نظام الانقاذ، وتقول إن أكثر سبب لاستمرار نظام الانقاذ هو التعامل القاسي مع "القوى الحديثة"، فمباشرة بعد الانقلاب قامت حكومة الانقاذ بحل النقابات العمالية الرئيسية واتحادات المهنيين واعتقال قياداتهم، ليصل عدد العمال الحكوميين الذين تم فصلهم من عملهم منذ وصول الانقاذ للسلطة 73,640 وهو ضعف عدد المفصولين في الفترة من 1904حتى 1989 وفي تحليلها لدور الطلاب في مناهضة النظام، ترى الكاتبة أن القطاع الطلابي هو الفرع الوحيد من فروع "القوى الحديثة" الذي لم يستطع النظام السيطرة عليه.


* في خاتمة الكتاب تطرح الكاتبة تساؤلات عن إمكانية نجاح انتفاضة في المستقبل وتقول أنه بالتأكيد يمكن أن تنجح انتفاضة، دون حتى أن يتم حل الصراع بين المهمشين والأقاليم المركزية، وأيضا الصراع بين من ينادون بتطبيق الشريعة ومن يرفضونها، وهذا ما حدث في انتفاضتي 1964 و 1985 لكنها ترى إنه دون القدرة على تأسيس أرضية سياسية مشتركة تستوعب هذه المجموعات المتنافسة، فان الانتفاضة الثالثة من المحتمل أن تعيد انتاج إخفاقات الانتفاضتين السابقتين، وتؤسس ديمقراطية هشة، يمكن اسقاطها بنظام سلطوي يشبه نظام عبود، نميري، والبشير. لذلك يجب أن يتعلم أصحاب الحنين لاكتوبر وأبريل من اخفاقاتهما، وفي نفس الوقت أن يحاولوا إعادة ايجابياتهما، كما تقول الكاتبة.


---------------------------------

* أستاذة للتاريخ بجامعة نيوكاسل ببريطانيا

** كاتب سوداني 

الجمعة، 10 مايو 2019

ما بعد الشيوخ



الناشر: مركز أوال للدراسات والتوثيق-بيروت
تاريخ النشر: 2014






* نعم لم تتحقق إلى اليوم نبوءة هذا الكتاب، وكان قد توقع عند صدور طبعته الإنجليزية في 2012 انهيار ممالك الخليج خلال خمسة أعوام، لكن قراءته تُخبر إلى أي حد تُمثل المملكة العربية السعودية والأمارات وقطر وبقية مشيخات الخليج العربي، آخر ماتبقى من نماذج، في التاريخ، للممالك الاستبدادية التي كانت سائدة في القرون الوسطى، إذ ينظر الكتاب لوضعها كدول شاذة، يبرز تاريخها كأسر متحاربة ظلت تحت الحماية البريطانية ثم الأمريكية، منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا، ليظل هذا التدخل الأجنبي المباشر هو الضامن الوحيد لوجود هذه الدول/المشيخات، فالأمارات العربية المتحدة مثلاً، والتي تُشكِلها اليوم كل من أبوظبي/ دبي/ الشارقة/ رأس الخيمة/ الفجيرة/ عجمان/ أم القوين، لم توجد كاتحاد إلا بعد أن لوحت بريطانيا في سبعينات القرن الماضي بنفض يدها عن حمايتها، وهي التي كانت تدفع منذ القرن التاسع عشر لزعماء القبائل/الأمارات أموالاً عبارة عن إيجار لاستخدام اراضيهم كمهابط وقواعد عسكرية لحماية طريق تجارتها في الهند وفي حربها التنافسية مع فرنسا، ولتأكيد فرضية انهيار هذه الممالك ينظر الكتاب في نظم قوانينها الهجين بين الأسرية/الأقطاعية والحديثة، لتبقى قدرة التحكم النهائية في يد الأسر الحاكمة، كما ينظر في الاساليب المالية والادارية التي اتبعتها هذه المشيخات للبقاء، وللمخاطر التي تمثلها الضغوط المتصاعدة الداخلية والخارحية. كريستوفر ديفيدسون مؤلف الكتاب أكاديمي بريطاني عمل في راس الخيمة لعدد من السنوات وله كتابان عن دبي وابوظبي.

الثلاثاء، 2 أبريل 2019

أثقلُ من رضوى



الناشر: دار الشروق المصرية
تاريخ النشر: 2013




* رضوى اسم جبل يقع بالقرب من المدينة المُنوَّرة كانت العرب تضرب به المثل في الرسوخ فتقول (أثقلُ من رضوى) وفي هذا الكتاب سيرة لهذا الرسوخ تشرحه مُصارعة المؤلفة للمرض وتوقها للشفاء، حتى تلحق بالثُوار الذين كانوا في ميدان التحرير، إبان ثورة يناير المصرية، يجمع الكتاب بين الذكريات واليوميات مُورِداً تفاصيلاً مما عاشته رضوى عاشور (1946-2014) في الفترة من 2010 وحتى 2013 مع استعانتها بحكايات متفرقة من مجمل تاريخ حياتها، وتَوَزّع الكتاب بين فترة مرضها ونضالها ضمن حركة 9 مارس المصرية التي كانت تدافع عن إستقلال الجامعات، لكنه يتركز أكثر على الثورة والحديث عن ملاحم الثوار في المواجهات الدامية مع القوات الأمنية، التي استمرت حتى بعد سقوط حسني مبارك، وهو يشبه مايحدث اليوم في مدن السودان المنتفضة، ويُوَاجه بذات البسالة والتضامن التى كانت ديدن الثوار المصريون، تقول المؤلفة إن مادفعها للدمج بين المذكرات واليوميات، هو تفكك التمييز المستقر لهما كأساليب كتابية، بعد انتشار أشكال الكتابة البرقية أو المستفيضة على الشبكة الإلكترونية، كالتغريدة/ الحالة/ المذكرة/ المدونة والتعليق، وتتمنى أن يكون فيما كتبته عوناً لتقصي الباحثين، وتختم كتابها قائلة بإنها من حزب النمل، أي ضمن أولئك الشغيلة والثوّار والحالمين الذين يمقتون الهزيمة. رضوى عاشور أستاذة جامعية وكاتبة مصرية نشرت عدد من الكتب مثل روايات سراج/ ثلاثية غرناطة/ أطياف، وكتب نقدية كالحداثة الممكنة وصيادو الذاكرة.

الأحد، 17 مارس 2019

بيت عبد الخالق



الناشر: دار عزة للنشر والتوزيع-الخرطوم
تاريخ النشر: 2019





* أزمة اليسار السوداني العريض ليست فكرية أو أزمة برنامج، فملامح أفكاره موجودة في فضاء خطاب التغيير والتحول لسودان جديد لدى كثيرين، لكن الحزب الشيوعي السوداني ذي الصيغة الماركسية اللينينية الذي بناه عبد الخالق محجوب، صار عقبة أمام انضمام هؤلاء الكثيرين ذوى المنحى اليساري، تلك هي فرضية هذا الكُتيب ولتأكيدها يعود المؤلف لبداية تكوين الحزب في منتصف أربعينات القرن الماضي، ولتأثير عبد الخالق محجوب خلافاً لزعيميه الأولين عبد الوهاب عبد التام وعوض عبد الرازق، اللذان كانا يتحدثان بدرجات متفاوتة عن ضرورة تحالف الحزب مع آخرين أو انفتاحه أكثر على المجتمع السوداني، ليقول المؤلف إن تلك الصيغة الماركسية اللينينية، أوجدت ثلاثة مشاكل ساهمت في انحسار مشروع الحزب الشيوعي السوداني وهي: مشكلة الموقف من البرجوازية الوطنية ذات التعليم والتأثير الأكثر التي شكلت القاعدة العريضة للحركة الاتحادية، ومشكلة الموقف من الديمقراطية باتباعه الموقف الماركسي اللينيني التقليدي المعادي للديمقراطية البرلمانية، رغم اشتراكه في أكثر من برلمان، كما فشل الحزب في صيغة الجبهة الديمقراطية التي كان يستخدمها، في مفارقة غريبة، لممارسة نشاطه وسط الطلاب ذوي الوعي السياسي الأكثر تقدما، بينما طرح نفسه وسط الجماهير ذوي الوعي السياسي الأكثر انخفاضاً، كحزب شيوعي، ليصبح بسبب هذه المشاكل الثلاث، كما يقول المؤلف، أقل تأثيراً أو وعاءاً أضيق من أن يستوعب قوى اليسار العريض. محمد محمود مؤلف هذا الكتيب باحث وأستاذ جامعي ومدير مركز الدراسات النقدية للأديان.