الأربعاء، 27 مايو 2015

السياسة والجندر في السودان



إسم الكتاب: السياسة والنوع الاجتماعي (الجندر) في السودان

الإسلاموية، الاشتراكية، والدولة
المؤلفة: سوندرا هيل
ترجمة وتحرير: شمس الدين الأمين ضو البيت
الناشر: مركز سالمة لمصادر ودراسات المرأة/ الخرطوم
سنة النشر: 2011م






عرض: أسامة عباس


* بخلاف الرأي السائد عن امتلاك الشيوعيين والإسلاميين في السودان لرؤيتين متعارضتين تجاه النساء، ترى مؤلفة هذا الكتاب أن الحزبين كانت لهما نفس الرؤية أو ذات النظرة للنساء، إذ قام كلاهما، الحزب الشيوعي السوداني والجبهة الإسلامية القومية "المؤتمر الوطني" بمَوضَعة النساء لخدمة أهداف حركتيهما الذكوريتين. ولما كان فحصُ الباحثين في مجالات النوع الاجتماعي (الجندر) وجد، كما تقول المؤلفة، إن الدولة والأحزاب السياسية تخدم أجندتها الخاصة من خلال استغلالها للهويات الاجتماعية والثقافية للنساء، يصبح السؤال المركزي لخطاب النوع الاجتماعي (الجندر) هو: كيف تتجاوب النساء، يتأقلمن مع أو يتجاهلن، يَعَدن توجيه أو يُخربن، مشاريع الدولة والأحزاب السياسية لتشكيل سلوكهن وحياتهن وطرائق تفكيرهن؟ طالما هنَّ أيضاً فاعلات اجتماعيات ولسن متلقيات سلبيات. 


* لا تخفي المؤلفة قلقها أو الكشف عن مآزقها الأخلاقية والمنهجية، المتمثلة في قضايا الثقافة والامبريالية والمركزية العرقية والطبقة، لكنها تتوقع أن تثير مآزقها/تجاربها هذه، وهي الأوروأميركية، الأسئلة القلقة حول القدرة التطبيقية للمنهجين الأنثربولوجي والنسوي، اللذين تتبعهما، عند عبورهما لحواجز العرق والطبقة والتخوم الثقافية. أما مآزقها الشخصية، وهي التي امتدت علاقتها بالسودان لخمسة وثلاثين عاماً، فتتمثل في الإخلاص والخيانة والهجران، لنجد نماذج هذا القلق/الكشف في نقدها للمركزية والنسوية الغربيتين وفي مناقشتها لعدد من النسويات الشرق أوسطيات، وفيما كتبته عن السودان واليسار السوداني الذي ارتبطت في علاقات شخصية مع بعضٍ من رجاله ونسائه، وفي مقابلاتها لعدد من النساء الإسلاميات، لتقول إنها في أحيان كثيرة لم تكن تعرف إن كان فيما تقدمه من وجهات نظر ناقدة بمثابة خيانة.


* صدرت الطبعة الانجليزية من هذا الكتاب سنة 1996م، لذلك تقوم المؤلفة في مقدمتها لهذه الطبعة العربية "المحررة" بالإخبار عما حدث من تغير في مسارها البحثي، كما قّدمت نقدها الذاتي للكتاب، ذاكرة عدداً من النقاط، كتركيزها على الإتحاد النسائي السوداني والحركة الإسلامية النسائية، غافلة بذلك عن غيرهما من المنظمات، ناظرة لذلك التركيز كقصور في التعريف لـ(السياسة) وكنعرة عنصرية، منعها مع غيرها من السودانيين عن النظر، لأنشطة أخرى ذات طابع تحرري وتنظيمي غير "السياسية" من التي تقوم بها النساء ولغير السودان الشمالي. كذلك تذكر إغفالها لنشاط النساء البارز بين الجماعات الداعية للسلام في مناطق الصراعات الدموية في جنوب السودان وجبال النوبة وفي دارفور، ولنشاط النساء في المنفى من الجنوبيات والشماليات.


* بالنسبة للمؤلفة يشترك الشيوعيون مع الإسلاميين بوضع المرأة في مكان الصدارة من "التغيير" وكمستودع للثقافة، باعتبار تحرير المرأة كان في واجهة النضال السياسي للشيوعيين، كما وضع الإسلاميون النساء والأسرة في المركز من الثقافة كأداة لإحياء الثقافة الإسلامية "الأصيلة"، لتقول إنه وفي سياق "سياسات التأصيل" هذه، اقترب كل من العلمانيين والاسلاميين من الجوهرانية، ببحثهما عن الجماهير السودانية "الحقيقية" والجذور "الأصلية" للإسلام السوداني. أيضا قامت المؤلفة بالنظر والتحليل في علاقة الحزب الشيوعي السوداني بالاتحاد النسائي رفيقة السفر كما سمته، قائلة إنها كانت علاقة استخدام للنساء كاحتياطي عمالة للثورة أو كـ (كورس إغريقي) لها، فالحزب لم يناصر أو ينخرط في أي نشاط تغييري جذري يهدف لإيجاد حلول للأدوار الاجتماعية النوعية الجندرية، حتى في داخل منظماته الخاصة، مع أنه كان أول من فتح عضويته للنساء في السودان.


* لا تنظر المؤلفة للإسلاميين أو الإسلاموية، في السودان، باعتبار أولئك المدافعين عنها في الجبهة الإسلامية القومية "المؤتمر الوطني" وحسب، فهي تضم إليهم مَنْ في حزب الأمة، عائدة لنهاية ثمانينات القرن الماضي، حينما تحالف الصادق المهدي وحسن الترابي زعيم الإسلاميين يومها، في حكومة "الوفاق الوطني" التي كانت بمثابة توجه إسلامي بدا ينطلق، يدعمه النشاط التجاري لحزب الإسلاميين. لتصير هذه العلاقة المتطورة بين الإسلام والتجارة، هي الوسيلة لإعداد البنية التحتية للطبقة الوسطى الجديدة من الإسلاميين، لتجد فيها النساء الإسلاميات بانيات الثقافة الإسلامية "الأصيلة" حظهن من الرفاه الاجتماعي، مع تحكم الحزب/الدولة في سياسات وصول النساء للمزايا والنفوذ على المستويين الخاص والعام.




الثلاثاء، 12 مايو 2015

في ساعة العلامات



اسم الرواية: في ساعة العلامات

المؤلف: جمال محجوب
المترجمة: راشدة رجب
المراجع: يسري إبراهيم
الناشر: المركز القومي للترجمة-القاهرة
سنة النشر: 2013





عرض: أسامة عباس



* عقب إندلاع انتفاضات العالم العربي في 2010 قامت صحيفة التليجراف الإنجليزية باختيار ثماني روايات رأتها تُسلط الضوء، أو تكشف عما يحدث في مجتمعات الشرق الأوسط الثائرة، وضمن تلك الاختيارات كانت رواية (في ساعة العلامات) وبالطبع أرادت الصحيفة باختياراتها هذه، أن تُقرب لقراءها صورة ذلك العالم الذي اندلعت فيه الانتفاضات، واليوم لم تخمد هذه الانتفاضات أو يتوقف تصاعُد أحداثها وتداعياتها المُزلزلة، كما أن الرواية، التي صدرت أصلا في اللغة الإنجليزية قبل عشرين عاما، تُرجمت قبل عامين إلي اللغة العربية، فما الذي تدورحوله الرواية، أو بالاحرى ما الذي تكشف عنه (في ساعة العلامات) وقد مر اليوم ما يقترب من القرن ونصف على تلك الأحداث التي جاءت حولها الرواية.


* تجئ الرواية في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر، منذ أن أعلن المهدي مهديته/الثورة ضد الاتراك الحاكمين يومها للسودان، إلى أن انهارت دولة المهدية في سنة 1899 لكن القارئ يمكن أن يمتد بالزمن إلى الأمَام مائة عام أخرى، ففي الفصل الأخير يتم شنق (حاوي) أحد شخصيات الرواية الرئيسية، وهي حادثة تحيل إلى ما حدث في منتصف ثمانينات القرن العشرين، عندما أعدم جعفر محمد نميري المفكر الاسلامي محمود محمد طه، فالإثنان حاوي وطه، يتمتعان بذات السلوك الصبر والزهد والحكمة ويرددان نفس الأقوال، لكن الشبه بين الزمانين، الماضي والحاضر، لايقتصر على ذلك، فالعلامات تبزغ من خلال الأحداث وحياة الناس وفي أقوال الشخصيات الرئيسية، على امتداد الرواية.  


* نقرأ من مفتتح الرواية (كان الغبار يهب بقوة في السهل الجاف العظمي كورقة تلتف من العالم الخلفي. رجل يسير وحيداً. في المدن والقرى التي تتلوى خلفه ...) إنه عبد الله التعايشي هائما يبحث عن إجابات لما يدور في رأسه، فسمع بالرجل : (سيدي مكتوب في أحلامي أنك المنتظر) ومثله حاوي ذو الذهن المتقد الذي ترك مجالس الدرس وطفق يجول ويبحث في البلدان، ثم عاد يوماً في أسمال بالية يطرق باب صديقه القديم يسأله عن مَنْ يسمي نفسه بالمهدي، ليُصقَع صديقه رجل الدين ويجيب سائلا: أأتيت بعد كل هذه السنوات لأجل هذا المحتال؟!. إلا أن الفرق بين الباحثيين كبير، فالتعايشي تبدل حاله وأصبح حاكماً إلى أن قتله أعدائه الانجلير، أما حاوي الهاجس بصلاح الدين والدنيا، صار ناصحاً للحكام وقاضياً في شئون العباد، إلي أن مات مشنوقاً بين أهله بتهمة الزندقة.


* جموع من الفقراء/المؤمنيين تزحف في الصحراء لتلحق بالمهدي في الأبيض وفي أمدرمان، فقراء لم ينقص فقرهم في زمان الأتراك ولا بعد تحرير الخرطوم، وانتقال زمام الحكم إلى المهدي، وخليفته من بعده عبدالله التعايشي، فقراء يخوضون الحرب، في جهة الشرق والشمال، بايمانهم ولنصرة الدين بلا زاد أو عتاد، لكن الحرب، كما يقول الكدرو أحد شخصيات الرواية، كانت بين الأمس والغد، بعد أن شاهد 
آليات الجيش الانجليزي في وادي حلفا لبناء خط السكة الحديد. وفي أمدرمان كان الشيخ حاوي ينتظر معركة كرري في ترقب وخوف، لأنها كانت فرصة، ليس لطرد الانجليز وليس لأن المهدي قال ذلك، بل فرصة لأهله: هل سيتعلمون كيف يستمعون إلى بعضهم البعض، كيف يمكنهم تحقيق العدل، كيف يحكمون أرضا واسعة كهذه، وهم يحتاجون إلى الوقت.

* جاء في نهاية الكتاب/الرواية مسرد حوى عدداً من الكلمات التي أعتبرت غريبة، مثل عنقريب وجِبَّة وقُرّاصة وراكُوبة وغيرها من الكلمات، لكن مايثير الاستغراب ليس وجود المسرد، بل الأخطاء التي صاحبت كتابة بعض كلماته، ولم تقتصر هذه الأخطاء علي ذلك وحسب، إذ شملت معظم أسماء الأعلام والشخصيات والمناطق التي وردت بالرواية، مثل شيكان وكرري والقلابات وشمبات ولبب مسقط رأس المهدي وأسماء عبدالله التعايشي والأميرين علي ود حلو ومحمد عثمان أبو قرجة وغير ذلك كثير، وهو ما كان يمكن حله بسهولة، عبر الاستعانة بأياً مِن مَنْ يعلم بهذه الأعلام، مصريا كان أم سودانيا! ولكن لابأس.. فنحن أنفسنا لم نستطع أن نُوجِد في السودان مؤسسة ثقافية تضطلع بمثل هذه المهمة الجليلة، التي يضطلع بها (المركز القومي للترجمة) في القاهرة، كنشره واصداره، كمثال، لهذه الرواية.