السبت، 28 فبراير 2015

الرسم على الهامش




اسم الكتاب: الرسم على الهامش
المؤلف: عبد الله محمد الطيب
الناشر:  دارسيبويه للنشر / بيرمنغهام-بريطانيا
تاريخ النشر: 2014م





عرض: أسامة عباس



* منذ سنوات طويلة كان عبد الله م الطيب، وهو بعد طفل، يرسم على هامش كتاب المدرسة، واليوم وقد تجاوز الستين من عمره يرسم في ذلك الهامش الذي إنسحبت إليه حياتنا الثقافية. وإذا ما استطاع هذا الهامش أن يبتلع ما كان يمكن أن يكون مؤسسة ثقافية في السودان، فإنه لم يستطع أن يُطفئ شغف هذا الفنان وعذوبته أو يُخفف من عناده، مثله مثل ذلك الطفل الذي يذكره في هذا الكتاب، طفل دفع أمه، بسسب إزعاجه وضجيجه، أن تقرر ذات صباح: (أسمع! بعدين لمن يفِكُوكُم من المدرسة، تمشي دكان جدك تنتظر أبوك وترجعوا سَوَا) ولم يَسَلَّم جده ولا دكانه من شغب الطفل وبحثه، ليحصل في ذلك الدكان على مجموعته الأولى من المجلات المصورة والكتب غير المدرسية وغيرها من اللقِيات.


* لا يحكي هذا الكتاب سيرة المؤلف، فهو يُخبر منذ البداية، إنها ليست سيرة ذاتية، لكنه استعان بلمحات كثيرة من سيرته، لإضاءة مشهد علاقته بالرسم والتشكيل وانخراطه في العمل الثقافي العام، منذ أن كان طالباً في المرحلة الثانوية، لينقل عبر هذه الإضاءة، العتمة التي يعمل فيها التشكيلي وتأملاته في الواقع الثقافي متقاطعاً مع السياسي في الفترة من أواخر السبعينات والثمانينات في السودان، متمنياً أن يتصدي أخرون، من مواقع مغايرة للرؤية، لتقديم شهاداتهم عن بعض ماذكر. أيضا شملت هذه التأملات/الشهادة، بعضاً من تجاربه في تدريس الرسم وعرض لوحاته، في كل من مصر وليبيا والسعودية، وأخباراً عن نشاطه التشكيلي في السودان وفي دول أخرى مثل الكويت وتيشكوسلفاكيا السابقة واليابان وألمانيا وفرنسا. 



* يحكي عن علاقة أمه بالرسم على الملاءات والمفارش ومراقبته وهو طفل لما تفعل، ويكتب عن مدينة طفولته القضارف واصفاً صيفها وألعابهم فيه ومايصنعونه من البقايا والمخلفات، ناظراً لأطفال هذا الزمان الذين حرمتهم أفلام الكرتون وألعاب الفيديو من أن يصنعوا بأنفسهم شخصياتهم ومغامراتهم. وبعين الرسام يحكي عن الحريق وتركه اللعب مع أقرانه، ليركضوا في إتجاه الدخان، حيث مشهد ألسنة اللهب المتدرجة ألوانها وصخب حركة الجموع الدرامية ورذاذ الماء المندفع من عربة المطافي، ويكتب عن الخريف وسُحُبه المُتشكِلة وزهوره وخروجهم في المرحلة الثانوية برفقة أستاذهم لرسم التلال المحيطة بمدينة القضارف، ليسأل:(أين ثورة التعليم من هذا؟!.. في جمعية الفنون بالثانوي تعلمنا الكثير).


من أعمال المؤلف

* من خلال تجربته الشخصية، متنقلا بين الحاضر والماضي، ينظر المؤلف لمعاناة التشكيلي في السودان، ليقول لم تكن كلية الفنون في السبيعنات تشبه أيا من المؤسسات التعليمية الأخرى، فهي كما سمتها إحدي قريباته يوم قبوله بها (كلية العلوم المختلفة) بما أتاحته من حرية لطلابها القادمين من مشارب مختلفة، مقارنا ذلك بما يحدث اليوم في الكلية. ويكتب عن قلة أو عدم وجود صالات عرض يؤبه لها، تتيح الفرصة لعرض أعمال التشكيليين، متحدثا عن تجربته الفاشلة مع صالة المركز الثقافي الفرنسي لعرض أعماله المتراكمة لديه منذ سنوات، ليقول بشروعهم، مجموعة من التشكيلين، في انشاء جمعية ثقافية حتي تقوم صالة عرض لتعفي من هذا الهوان. كما يخبر عن انجازهم لصالة عرض، طواها اليوم التغول والاهمال، بالمجلس القومي للثقافة بواسطة لجنة الفنون التشكيلية والمعمار، ابان عمله بالمجلس في الثمانينات. 


* لا يوفر المؤلف توجيه سهام نقده عن أحد، لا مؤسسات ثقافية ولا تنطيمات سياسية، اشتبكت مسيرة حياته ورؤاه بمسيرتها ورؤاها وتأثيرها في السودان، ليقول، وقد عمل مصمما بجريدتي الصحافة والأيام في السبيعنات والثمانينات من القرن الماضي، إنه شهد كيف يتم اعداد كادرها المطيع في زمن الشمولية. وعن اضمحلال دور الثقافة ومؤسستها يحكي تجارب من عمله بالمجلس القومي للثقافة. حتي "الجبهة الديمقراطية" التنظيم الطلابي الذي كان طبيعيا أن ينضم إليه، كما يقول، لم ينج من نقده ليسأل (هل كانت ديمقراطية حقاً؟). أما التنظيم الآخر "الاخوان المسلمون" الذي لم يكن خياره إذ نفر منهم منذ أن كان في المرحلة المتوسطة، كما يقول، وقد اتخذ بعض منسوبيهم من المدرسين من الحصص الدراسية ونشاط الطلاب ساحة للتبشير الايديولجي، ليقول، اليوم مع استلام المتأسلمين لمقاليد الحكم، صار ذلك التبشير غير الأخلاقي، منهجاً في كافة المدارس، يتم عبره إعداد النشء ليصيروا كوادراً للحركة الاسلامية.


* جاءت بالكتاب مستنسخات لقرابة الخمسين لوحة تشكيلية من أعمال المؤلف الجديدة، لكن الطباعة الرديئة لهذه الأعمال، وإزدحام الصفحة الواحدة، ذات القطع الصغير، بأكثر من عمل، يصل في بعضها أن توجد في الصفحة ثلاثة أعمال، أضاع فرصة أن يكون هذا الكتاب متعة مبهجة أكثر للنظر وللعقل، لكنه مع ذلك يُشكل إضافة مُعتبرة للمكتبة التشكيلية السودانية الفقيرة أصلا لهذه الكتب.




الأحد، 22 فبراير 2015

ربيع ثورة أكتوبر




اسم الكتاب: ربيع ثورة أكتوبر 1964م

المؤلف: د.عبد الله علي إبراهيم
الناشر: هيئة الخرطوم للصحافة والنشر
تاريخ النشر: 2013م









عرض: أسامة عباس  



(يُقال إنه كُتب على الذي يجهل تاريخه أن يعيده)

د.عبد الله على إبراهيم


* يريد هذا الكتاب دفع الافتراء عن ثورة اكتوبر 1964م التي حدثت في السودان، ناظراً في معرض هذه المُدافعة لانقلاب17 نوفمبر1958م باعتباره النطفة التي أخذت منها كل الطُغم اللاحقة قسماتها الدميمة، بدأً بسن الانقلاب لـقانون دفاع السودان 1958م المُروِّع والذي استنسخه كلٌ من، قانون أمن الدولة 1973م وقانون الأمن الوطني 1991م الحالي، وغير ذلك من القوانين والسياسات والأفعال. ويقول المؤلف إن فساد منهج المعارضة، جعل الكثيرين يغفرون لطغمة نوفمبر، إذ تبنت هذه المعارضة، بسبب تهافتها على السلطة، فكرة أن مايحدث من النظام الحالي ونظام نميري الأسبق جديداً وبدعةً، كذلك نظرت هذه المعارضة لثورة أكتوبر كمجرد أداة لتغيير النظم وليس كموضوع للوعي السياسي وحدث تاريخي يصعب فهمه بغير تحليل نظام نوفمبر. 


أكتوبر ليست صدفة


* القول بإن أكتوبر قامت صدفةً؛ واحد من الافتراءات والتخرصات التي يريد الكتاب دحضها، فذلك (من الظلم الصريح، أو الكسل المفرط) كما يكتب المؤلف، والصدفة نفسها بنت الضرورة، والثورة كانت لابد أن تقوم، في أكتوبر أو شهر آخر، والنظام كان قد شارف نهايته، بسبب جهد سياسي معلوم بُذل بقصد التغيير. ليقول إن أكتوبر بما تمخض عنها من حكومة شعبية جذرية، دفعت المعارضين من نادي الحاكمين في السودان لمناصبتها العداء منذ عامها الثاني، وإذ سموا أكتوبر صدفة (فلأنها ربما كانت أجمل من توقعاتهم وأذكى فوادا وأرحم بالمحكومين..)


* ويقدم مساهمة الحزب الشيوعي السوداني في ذلك التبشير والتحضير للثورة، ذاكراً إنها مساهمة يزعم لنفسه حضوراً فيها ومعرفةً بها وهي مما يليه، تاركاً الآخرين من القوى الأخرى، بعد الكف عن شُح النفس بنسبة الثورة إلى مجهول تاريخي، أن يشرحوا مساهمات قواهم المقدرة. وجاءت هذه المساهمة في خمسة محاور، هي: اقتراح الحزب الشيوعي على المعارضة والشعب خطة الإضراب السياسي في1961م، خروجه من جبهة أحزاب المعارضة، حفزه القوى الشعبية لاستعادة منابرها النقابية، دخول الحزب في انتخابات المجلس المركزي، ثم ترتيب وضعه الداخلي.


افتراءات وتخرصات


* قرنت الثقافة السلبية ذكرى اكتوبر بـ"التخريب" لا "التغيير"، فهي أفسدت الخدمة المدنية بالتطهير، وحلت الإدارة الأهلية، وأن شهيدها الأول أحمد طه القرشي مات صدفةً، وذلك ما يدحضه الكتاب بتأكيد، اشتراك القرشي في التظاهر ونسبته للحزب الشيوعي السوداني. وعن التطهير في الخدمة المدنية يدعو المؤلف عند النظر إلى الفساد أن ننظر إلى جهة المصالح والقوى التي يدعمها، وليس للطُهر الذي يُشاع عن هذا أو ذاك من الأفراد الحاكمين، ففي كنف نظام عبود نشأتْ طبقة استخدمت نفوذها في جهاز الدولة وعلاقاتها العالمية، لتتغول على حقوق الفقراء وتراكم رأسمالها. ثم يسأل هل كان التطهير للخدمة المدنية في أكتوبر جزافياً؟ وإجابته هي لا، عائداً لأعداد من صحافة تلك الأيام، ناقلاً أخباراً للجان تحقيق في الفساد لعدد من المؤسسات في الخرطوم وفي غيرها من المدن، كاتباً أن التطهير كان للخدمة المدنية وليس للخصوم بتلك الخدمة.


  * في سنة 1965م قدم الشفيع أحمد الشيخ إبان توليه وزارة شؤون الرئاسة في حكومة أكتوبر مذكرة لحل الإدارة الاهلية، ليُصار بسبب هذه المذكرة إلى لعن الثورة واليسار، رغم أن الحل تم في نظام نميري. ويُخبر المؤلف بتلك المذكرة التي جاءت في خمسة أبواب، منها مقدمة تاريخية عن الإدارة الأهلية قالت بغربتها عن واقع حياة الناس منذ الأتراك ثم إبان سنوات المستعمر الانجليزي الذي سخّرها لخدمته، وأُرفقت صحبة المذكرة شكاوى عديدة من مناطق مختلفة تُخبر بجورها. ثم ينظر المؤلف في نظام الإدارة الأهلية، قائلاً بأن التباكي عليه دائماً ما يصدر من صفوة الحكم والإداريين، الذين لامداخل لهم للمحكومين من أهل الريف سوى الإدارة الأهلية، مثلما فعل الإنجليز، وأنها وجهة نظرة واحدة تجاه الإدارة الأهلية، تلك التي يقدمها المتباكون، إذ لم يكتب بعد تاريخ الناقمين عليها من المواطنيين.


أكتوبر بعيون غربية


 * هي عيون الدكتور الأميركي كليف تومسون استاذ القانون ومدير معهد الدراسات الأفريقية بجامعة ويسكونسن- ماديسون، كان محاضراً بجامعة الخرطوم إبان اندلاع ثورة اكتوبر، كما يخبر المؤلف، ألَّف كتاباً عنها على ضوء معايشته لها ويومياته ومقابلاته لقرابة السبعين شخصاً من قادة أكتوبر ومن غيرهم. كما قام تومسون بتصميم كورس دراسي، انعقد في خريف 2006م، على ضوء الكتاب لطلابه في مادة القانون الأفريقي بجامعة ويسكونسن، فثورة أكتوبر في نظر تومسون (هي غاية الغايات لجامعة مطلبها من القانون تنزيل العدالة على الأرض).