الاثنين، 18 ديسمبر 2017

دراسة في الولاءات


الطابعون: شركة مطابع السودان للعملة المحدودة
الطبعة الأولى: 2006



* عربي يحكي قصته .. سيرة لحياة إدوراد سليم عطية (1903-1964) واشتباكاتها في لبنان والسودان وإنجلترا، أو دراسة في سيره قُدما بين الولاءات، كما يشير الجزء الثاني لعنوان الطبعة الإنجليزية (عربي يحكي قصته: دراسة في الولاءات) الذي أسقطته هذه الترجمة، وهو الجزء الشارح والمفتاحي لقراءة هذا الكتاب/السيرة، وقد ولد عطية في أسرة تنتمي لطائفة من الأقليات المسيحية السورية أو اللبنانية، إذ لم تكن لبنان حينها قد إنفصلت عن سوريا، وكانت تلك الأقليات تنظر للأوروبيين، خاصة الإنجليز، بأعتبارهم الفضاء الطبيعي الذي ينتمون إليه، والقادر في ذات الوقت على حمايتهم من الغالبية المسلمة ومن الأتراك الحاكمين يومها للشام، وفي ذاكرتهم لاتزال تخيم مآسي المجزرة الشهيرة التي طالت المسيحيين في 1860وقد نفذت أشباح تلك المآسي المُروعة لوجدان الصبي إدوارد، فنشأ يَكِّن عداءاً لكل ماهو عربي ومسلم، ونظر للإنجليز كمخلصين وكفضاء ينتمي إليه، الأمر الذي دفعه عبر مسيرة كفاح طويلة في سلم التعليم، للحصول على شهادة أوكسفورد حتى ينال استحقاق ذلك الانتماء الإنجليزي، لكن بعودته للسودان، الذي عاش فيه ردحاً من طفولته، للعمل مدرساً بكلية غردون، بدأت مهامه الوظيفية تتبدل من مُدرِس إلى ضابط استعلامات/مخابرات، وتتحول ولاءاته من محبة الإنجليز إلى بغضهم، ثم لاحترام نظامهم وإلى اعتناق القومية العربية، ثم تحوله إلى الإشتراكية، كما سنقرأ في هذا الكتاب. سيف الدين عبدالحميد مترجم هذا الكتاب تخرج في كلية الآدب-جامعة الخرطوم 1984 وعمل ضابطاً أدارياً ثم مترجماً، وقد نُشرت قبلاً ترجمته هذه  متسلسلة في 2004 و 2005 بجريدة الصحافة السودانية.

الجمعة، 8 ديسمبر 2017

آراء وأفكار من الخرطوم



الناشر: مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي-أمدرمان
تاريخ النشر: 2005





* بالفعل هذا كتاب فريد من نوعه، كما جاء في مقدمته، فهو يضم محاضرات كانت قدمت في الخرطوم خلال عقدي الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي بدار الثقافة، الذي أنشأه الانجليز إبان حكمهم، يخبرنا حسن أبشر الطيب في تقديمه أن هذه المحاضرات كانت هدية صديقه وعمه السيد أمير الصاوي عبد الماجد تعبيرا عن إعجابه بما يكتب، ليحفظها بالتالي هذا العم وإبن الأخ ومركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، بضمها مصونة في هذا الكتاب، بعيدا عن غياهب الضياع. أولي المحاضرات وهي التي أفتتحت بها دار الثقافة جاءت عن (البعد الإنساني للثقافة) كانت ألقيت في 30 مايو 1940وقدمها سير دوجلاس نيوبولد السكرتير الأداري يومها في السودان، ولا تزال قيمتها التنويرية قائمة إلى اليوم، إذ يطلب فيها نيوبولد من الثقافة أو المثقف التسامح والظرف والخيال والبساطة. 

* وفي محاضرة أخرى يتحدث إدوارد سليم عطية عن الاتحاد السوفيتي مشيدا بصموده أمام الغزو الألماني في 1941 مقارنا في محاضرة ثانية بين الديمقراطية في أمريكا الرأسمالية والديمقراطية في روسيا "الاشتراكية" رافضا ذلك الحديث المتواتر يومها عن ديمقراطية في أمريكا ودكتاتورية في الاتحاد السوفيتي، فبرايه ذلك مجرد خداع، وفي محاضرة ثالثة تحدث عن برلين والقدس كقضيتين، سيسبب عدم حلهمما كارثة محققة، وكانت برلين يومها متنازعة بين عدة دول، لتبقى القدس التي يرى عطية أن حلها في ترك العرب واليهود لحالهم دون تدخل من أحد، بيد أنه يفرق بين اليهودي والصهيوني، قائلا بإن العرب في ظل هذا التدخل وضعفهم مواجهون بمهمة حاسمة يقوم عليها وجودهم ووجود اليهود أنفسهم. 

* شمل الكتاب 40 محاضرة جاءت حول مواضيع متنوعة مثل أهداف التعليم/ النجوم/ العلاقات بين مصر والسودان/ السياسة الاقتصادية الاستعمارية في أفريقيا/ عمر الخيام ورباعياته/ الري في الماضي والحاضر، تحدث فيها كثر مثل محمد أحمد المحجوب/ عبد الحميد السيد/ جي بي سيجال/ البرت حوراني وآخرين. وجاء الكتاب في 512 ضاما حواشي تعريفية لكل أصحاب هذه المحاضرات.

السبت، 18 نوفمبر 2017

بناء هوية وأسلوب حياة




*  يخوض هذا الكتاب في دراسة اشكالية التحولات الاجتماعية في المناطق التي تسمى بالعشوائية بأطراف العاصمة المثلثة، متخذا مجتمع حي البركة، الذي كان يسمى قبل تخطيط المنطقة في عام  ١٩٩٢ بكرتون كسلا، نموذجا لدراسته، حيث قام المؤلف/الباحث محمد بخيت بإيجار منزل لمدة عام في حي البركة، لانجاز هذا الكتاب الذي جاء بعنوان (بناء هوية واسلوب حياة في المناطق العشوائية متعددة الإعراق - دراسة حالة مجتمع حي البركة في الخرطوم، السودان) وصدر بدعم المؤسسة الألمانية للبحوث ببرلين في 2015 ، ويظهر بسبب تلك المعايشة لتفاصيل الحياة اليومية للذوات موضوع الدراسة، تمكنه من تقديم دراسة متميزة استعان فيها الكاتب بمنجزات ومناهج العلوم الانسانية وأيضا مقارنة حالة السودان،  بحالة بلدان جنوب الكرة الأرضية والتي تشهد تجارب مماثلة. سار الباحث في اتجاه بناء مقاربة فكرية/ميدانية لمجتمع شهد تحولات اجتماعية كبيرة في العقود الأخيرة. يرى الكاتب أن  نموذج حي البركة يمكن تعميمه على مجمل الأحياء “العشوائية” في العاصمة، وفي الكتاب يطرح الباحث  الأسئلة التالية: ما الذي يحدث لمجموعة أقليات عرقية/دينية نزحت وهاجرت من مناطق  نائية  أفقرت مواردها  واستقرت في منطقة عشوائية تقع على أطراف العاصمة الخرطوم؟ ما الذي يحدث لهم عندما يتعرضون لضغط الطبقة الوسطى المدينية لتبني اسلوب حياتها…وما هي بدائلهم؟ هل سيتبعون خطوات جيرانهم في أحياء الطبقة الوسطى ، أم هل سيبحثون عن اسلوب حياة وهوية جديدة ــ ولو كان ذلك ، كيف تمكنوا من خلقها؟




عرض: أحمد آدم


* يتألف الكتاب من ثمانية فصول، في المقدمة يتحدث الكاتب عن تاريخ نشأة السكن العشوائي في خرطوم ما بعد الأستقلال. ويقول إن الخرطوم شهدت موجات هجرة  من مختلف أنحاء السودان وذلك لتوفر فرص العمل، وتركز الخدمات بها.  الموجة الأولى من المهاجرين وصلت الخرطوم بين عامي ١٩٦٠ و١٩٨٠ ومعظمهم كانوا شماليين، مع نسبة بسيطة من الجنوب والغرب. معظم الشماليين كانوا متعلمين وقد اختاروا أن يعيشوا في المناطق الطرفية ، أو في قرى بالقرب من حدود العاصمة. المهاجرين من الجنوب والغرب استقروا في مناطق غير مخططة على حافة المناطق الصناعية. قامت الحكومة بعدها باجبارهم على مغادرة هذه المناطق وتخطيط سكن لهم (درجة - رابعة) في ضواحي الخرطوم ، وكان هذا السكن نواة لما يعرف حاليا بمنطقة الوحدة الوطنية. 
الموجة الثانية من المهاجرين وصلت الخرطوم بين عامي ١٩٨٠ و ٢٠٠٠ ، هذه المجموعة نزحت بسبب الحرب الأهلية في الجنوب والصراعات العرقية والجفاف والتصحر في دارفور.  يوضح الكاتب أن حوالي مليوني شخص نزحوا من مناطقهم الأصلية واستقروا في الخرطوم. منهم من وجد أراضي خالية داخل العاصمة ، ومنهم من فضل أن يعيش في المناطق الطرفية ، بالقرب من المناطق التي كانت عشوائية في السابق والتي قامت الحكومة بتخطيطها لاحقا، ولكن الغالبية منهم استقرت في مناطق عشوائية.

* تزامنت النواة الأولى للأحياء العشوائية في الخرطوم مع تأسيس المنطقة الصناعية بالخرطوم بحري في ١٩٦٢حيث قام حوالي مائة شخص من عمالها ببناء رواكيب بالقرب منها، ثم تبعتهم مجموعات أخرى، لكن سكان الأحياء المجاورة للمنطقة الصناعية تضايقوا من وجود هذه الرواكيب وضغطوا  الحكومة المحلية لإجبار سكان الأحياء العشوائية على المغادرة. وهذا ما قامت به الحكومة لاحقا حيث أجبرتهم في عام ١٩٧١ على مغادرة المنطقة التي استقروا بها والتحرك الى الأطراف الجنوبية الشرقية من المنطقة الصناعية، إذ قامت الحكومة بتخطيط مربعات، في منطقة قريبة من قرية الحاج يوسف، بيد أن معظمهم لم يكونوا قادرين على تأمين قطعة أرض فيها، فقاموا  بخلق منطقة عشوائية جديدة، خلف المنطقة المخططة حديثا، فبدأ توافد الناس من الغرب والجنوب، الى  جانب كل الناس المجبرين على مغادرة مناطقهم في العاصمة. هذه الزيادة المضطردة في عدد سكان المنطقة أجبرت الحكومة على تخطيط مزيد من المناطق التي كانت تعتبرها عشوائية. وذلك بإضافة أربعة مربعات أخري في عام ١٩٧٤. وأيضا مربعات جديدة في عام ١٩٨٠. اخر اضافة كانت في عام ١٩٩٢ عندما قررت الحكومة اضافة مربعات جديدة سمتها (البركة). وهو الحي موضوع الدراسة.

* كانت سياسات الحكومة تجاه المناطق العشوائية،  كما يري الباحث، تتحرك وفق وعي الطبقة الوسطي المديني  ورغبتها في فرض هوية اسلامية - عربية عليهم، مما أدى لنشوب المواجهة بين سكان الأحياء العشوائية من جهة والحكومة و سكان الأحياء العاصمية المخططة من جهة أخري، ولم تكن مواجهة من اتجاه واحد، خضع فيها سكان العشوائيات لسياسات الحكومة، ولكنها كانت مواجهة معقدة جدا استعان فيها سكان الأحياء العشوائية بخبرتهم ومعرفتهم التي أتوا بها من مناطقهم الأصلية ليستطيعوا تنظيم أنفسهم على أطراف العاصمة.  على سبيل المثال مواد البناء التي يستخدمونها وطريقة البناء هي الطريقة التي أتوا بها من مناطقهم الأصلية وهي طريقة سريعة وقليلة التكلفة مكنتهم من مواجهة سياسات الحكومة المستمرة في تدمير مساكنهم وترحيلهم من مكان لاخر.

 يقول الكاتب أنه يجب أن نضع في الاعتبار طبيعة التحديات التي واجهت سكان العشوائيات اذا أردنا أن نفهم كيف أن  حياتهم وهويتهم قد تغيرت في المكان الجديد. هذه التحديات تمثلت في محاولة التكيف مع البيئة الجديدة، خصوصا أن الغالبية العظمى من سكان المناطق العشوائية أتوا من مناطق مثل فيها الرعي والزراعة مصدر رزقهم الرئيسي.

* كان البحث عن عمل يأتي في قائمة أولويات سكان المناطق العشوائية  بعد تأمين السكن، مما يعني تفاوضهم مع الفضاء المديني، بأشكاله التنظيمية المختلفة و الذي يسيطر عليه أخرون يملكون الموارد المادية والرمزية، فلا يبقى أمامهم سوى العمل في الشرطة أو الجيش، وهي غالبا ما تكون في الرتب السفلى، زائدا العمل في المجال غير الرسمي، حيث نجد النساء يعملن في بيع الشاي أو الأطعمة أو المشروبات الكحولية ، والأخيرة غير مضمونة العواقب نسبة لأن الشرطة غالبا ما تقوم بحملات تفتيش  للأماكن التي تتم فيها صناعة الكحول، إضافة لفرص أخرى تكون من نصيب الشباب الأصغر سنا، تتمثل في استخدام الركشة كوسيلة مواصلات..  

* في الفصل الثالث يتناول الكاتب البنية الاجتماعية لمجتمع البركة، قائلا بإنه قام بعمل استبيان وسط سكان الحي عن الطريقة التي يعرفون بها أنفسهم والاخرين الذين يشاركونهم نفس المكان، كان هناك اجماع وسط سكان حي البركة أنهم عادة ما يستخدمون هويتهم العرقية كأساس للتصنيف، فكثير من الناس تتم مناداتهم بأسماء مجموعاتهم العرقية (فوراوي،نوباوي،دينكاوي). لكن الكاتب يوضح أنه عندما زادت خبرته في الفضاء الاجتماعي المدروس وجد أن عددا كبيرا من سكان الحي رغم تحديد هويتهم على أساس العرق، لكنهم يمارسون حياة يومية ولهم قيم وتصورات مختلفة تماما عن حياة المجموعة العرقية التي ينتمون لها، وعادة ما تكون القواسم المشتركة قليلة جدا بين الأفراد الذين ينتمون لمجموعة عرقية واحدة. ويذهب الكاتب الي أن العرق في الأحياء العشوائية أصبح له معنى مختلف عن معناه في المناطق التي حضر منها النازحون، على سبيل المثال ينضوي تحت مظلة الفور مجموعات عرقية مختلفة من غرب السودان، قد تختلف هذه المجموعات تماما عن الفور في لغتها وطريقة حياتها ولكن حتى توسع مجموعة قبائل غرب السودان من مواردها في المنطقة يقوموا بتعريف أنفسهم كفور. يوضح الباحث أن مصطلح (اسلوب الحياة) له القدرة علي عكس الحياة الاجتماعية داخل مجتمع البركة بشكل عملي ونظري. حيث يمكن التفريق بين الهوية المنطوقة، والتي يستخدمها الناس كعلامة أولي، والهوية المعاشة التي يمكن من خلالها رؤية علامات اجتماعية أخرى على مستوى الممارسات الاجتماعية للأفراد والجماعات. في هذا الفصل يطور الكاتب مثلث تخطيطي يمثل مجموعة (أساليب الحياة) المختلفة في حي البركة والتداخل بينها، يقترح الباحث أن أساليب حياة سكان حي البركة يمكن تقسيمها الى ثلاث مجموعات، المجموعة الأولي سماها الكاتب (أسلوب حياة الجيل الأول) ، المجموعة الثانية (أسلوب حياة المتعلمين) ، والمجموعة الثالثة (أسلوب (حياة الجيل الثاني).  حيث يمثل كل رأس من رؤؤس المثلث أسلوب حياة محدد، مثل الكاتب لأسلوب حياة الجيل الأول بالزعامات الدينية والقبلية، والجيل الذي ينتهج أسلوب المتعلمين  بالمعلمين والتجار، والجيل الثاني بالأطفال المشردين والعصابات التي تسمى عصابات النيقرز.

* يأتي الفصل الرابع للحديث عن اسلوب حياة الجيل الأول في حي البركة، قائلا بإنه يحاول بقدر الامكان أن يعيش حياة تشبه حياة أجدادهم، فحياتهم ونشاطاتهم الاجتماعية تتمحور حول التداخل مع أقرانهم من نفس المكان، الاصول العرقية والمعتقدات، وهم يفضلون الحديث بلغاتهم بدل الحديث باللغة العربية في كل سانحة ممكنة. كما يحافظ هذا الجيل على علاقات قوية بأرض المولد، سواء بالسفر المتواصل، عندما تسمح الظروف، أو باستضافة من يحضر من الأقارب الى الخرطوم. 

* في الفصل الخامس يتحدث فيه الكاتب عن مجموعة  ثانية تنتهج  (اسلوب حياة المتعلمين) وهي خليط من الجيل الأول والثاني، إذ تشترك في أنها تلقت تعليما مكنها من من الحصول على وظائف مرموقة  وبالتالي موارد اقتصادية واجتماعية، كما أنها متأثرة بالحياة في أرجاء العاصمة المثلثة خارج مجتمع البركة، وهي تحاول أن تنسخ اسلوب حياة الطبقة الوسطى العاصمية وتعيد انتاجه في حي البركة، ليس فقط على مستوى جلب الخدمات المدينية، التعليم، أو الموارد لمجتمع البركة، ولكن أيضا ثقافة الطبقة الوسطى الشمالية، كالحديث باللغة العربية بلهجة العاصميين، وأيضا التدين على طريقة العاصميين. وهذه الطبقة المتعلمة تعتقد أن طريقة الحياة التقليدية في مناطقهم الأصلية هي طريقة متخلفة، فنعطي بالتالي أهمية كبيرة للتعليم الرسمي لأنها رأت معاناة الجيل الأول مع المؤسسات الحكومية وأيضا مع أحياء العاصمة الأخرى منذ وصولهم للعاصمة، كما ترى هذه المجموعة ضرورة أن يكونوا جزءا من معادلة السلطة في حي البركة، كقادة وصناع قرار، سواء في اللجان الشعبية المحلية ، أو مجالس ادارات المدارس وغيره.

* يخصص الكاتب الفصل السادس للمجموعة الثالثة وهي الأجيال الأصغر سنا والتي شيدت نمط حياة مختلف، إذ ليس له روابط قوية بأجزاء العاصمة الأخرى، وقد سمحت لهم التكنولوجيا الحديثة ووسائط الاتصالات بالاطلالة على ثقافة الشباب على مستوى العالم ، فتأثر هذا الجيل  بالراب، الريقي ، الموسيقى الكنغولية، الافلام الأمريكية والهندية، والمصارعة الأمريكية.  كذلك  أعاد هذا الجيل اختراع نفسه محليا، على سبيل المثال، في شكل موسيقاهم المحلية المتأثرة بالراب في الاسلوب وفي طريقة حياتهم المتأثرة بالهيب هوب في اللبس والسلوك. وقد نما اسلوب حياتهم في فضاءات ابتدعها واحتكرها الشباب فقط. حيث يلتقون في ، المحطة، مقهى الشيشة، والحفلات، وهي اماكن كما يخبرنا الباحث، مهمة جدا لفهم وتحليل الطريقة التي شيد بها هذا الجيل نمط حياته المختلفة ، حيث يتلاقون ويتعلمون فيها من بعضهم البعض، وأنها هذه المواقع أيضا دليل على دينامية وجودهم كجزء من حي البركة، وفي نفس الوقت قدرتهم على الحفاظ على طريقة حياة تميزهم عن الاخرين. 

* وفي الفصل السابع يتحدث الكاتب عن طريقة تبني سكان حي البركة لمجموعة من المؤسسات والممارسات والقيم من اصول مختلفة واعادة خلقها محليا، لتصبح ملكهم، والتي يبدأ تبنيها عادة عند مجموعة ذات نمط حياة محدد وتنتقل تدريجيا للمجموعات الأخرى، قد يستغرق الانتقال زمن طويل جدا، وقد لا ينجح الانتقال أحيانا، فتبقى الممارسة عند مجموعة محددة دون أن تتبناها باقي المجموعات، فعلى سبيل المثال ثقافة الهيب هوب تعتبر خاصة بالشباب فقط. 
عملية تبني قيم ومؤسسات جديدة هي عملية متحركة باستمرار، وكمثال لذلك الكيفية التي تحول فيها صراع النوبة ، الذي ادخل الخرطوم حوالي العام ١٩٧٥ في منطقة حمد النيل، ليتحول من ممارسة داخل مجموعة عرقية محددة (النوبة) للمحافظة على عاداتهم وتقاليدهم التي أتوا بها، لمكان يجذب مجموعات مختلفة. حيث أن الصراع جزء من طقوس ما بعد الحصاد، ، إذ كان يتم وسط أبناء النوبة على نفس نهجه في مناطقهم الاصلية، بتقسيم المتصارعين علي أساس المجموعات العرقية في جبال النوبة، ثم اكتسب الصراع شعبية كبيرة، بعد انتقاله من منطقة حمد النيل في أم درمان لمنطقة الوحدة في الحاج يوسف، ليقوم منظموه في التسعينات ببناء خيمة خاصة له، وفرض رسوم على الجمهور،  وبعد نجاح الفكرة قرر القائمون تأسيس رابطة للمصارعة وتقسيم المتصارعون على أساس الأندية وليس على أساس العرق، وأصبح المصارع يلعب من أجل المال وارضاء جمهور فريقه بدلا من اللعب من أجل مجموعته العرقية كما كان في السابق، ليصبح الصراع ، ليس فقط، أكثر الرياضات شعبية في الأحياء العشوائية، ولكن أيضا رياضة قومية تمثل كل القطر.
  * الفصل الأخير يخصصه الكاتب للحديث عن بناء واعادة بناء الهوية ونمط الحياة موضحا أن سكان حي البركة في تفاعلهم اليومي مع البيئة من حولهم  يلتقون بهويات مختلفة. قد تكون هذه الهويات تنتمي لمناطقهم الأصلية، أو تنتمي للأحياء العاصمية المجاورة، أو من العالم الخارجي عن طريق التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة. فسكان البركة  كما يخبرنا الكاتب يتحركون بحرية بين هذه الخيارات المطروحة. وذلك بتعديل  عناصر ما من هوية معينة وضمها لهويتهم. وفي نهاية المطاف يخترعون هوية جديدة (من خلال نمط حياتهم المعاشة) تتأسس على كل الخيارات المختلفة المتاحة لهم. فاختراع الهوية الاجتماعية لحي البركة وللأحياء الشعبية بصفة عامة هو نتيجة تفاعل مستمر بين مجتمعهم المحلي والعوالم الخارجية، لتكون النتيجة النهائية هي نوع من هوية اجتماعية متفردة ومختلفة عن كل العوالم التي ساهمت في وجود الأحياء الشعبية. ويختم الباحث بالقول أن عملية توطين هذه العناصر في الأحياء الشعبية هي مثال مهم عن ما يحدث في مختلف المجتمعات في السودان أو الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية بشكل عام، وفقا لذلك يقول أن الهوية الاجتماعية للسودان حاليا، لا يمكن اختزالها في الثنائية التبسيطية (عرب مقابل أفارقة) ولكنها هوية في حالة خلق مستمر.

---------------------------
ahmedadam@planetmail.com

السبت، 21 أكتوبر 2017

تاريخ السودان

اسم الكتاب: تاريخ السودان الحديث
المؤلف: روبرت أو كولينز
المترجم: مصطفى مجدي الجمال
الناشر: المركز القومي للترجمة-القاهرة
تاريخ النشر: 2015




عرض: أسامة عباس

* قبل 61 عاماً نال السودان استقلاله، وكان المتوقع أن ينمو ويتطور، بعد أن عاد أمر حكمه لأهله، لكن ذلك لم يحدث، بسبب نُخب وقيادات كانت تتحرك دائما بدافع من الانتصار للذات وليس للدفاع عن الوطن، كما يظهر في هذا الكتاب، الذي نظر فيه روبرت أوكلي كولينز، مُستعيناً بتفاصيل كثيرة في رواية حكايته السياسية، لتاريخ السودان طيلة المائتين عام الماضية، أي منذ حكم التركية السابقة مروراً بالمهدية والإنجليز، ثم الحكومات المدنية والعسكرية التي تعاقبت عقب الاستقلال على الحكم، لتشترك جميع هذه الحكومات، في عجزها عن إدارة العلاقة أو الصراع بين المركز والأطراف البعيدة، مُفضلة حلولا أحادية/فوقية سياسية وعسكرية ودينية/اسلامية، لتحكم كيفما أتفق، تاركة أطرافاً، أو السودان بأكمله اليوم، تحت مطحنة الفقر وشبح التفتت وسعير الحرب. 

* لم تلتقط نُخب جيل الاستقلال في 1956 أو لم تكترث أصلا، لتلك الإشارات التحذيرية التي برزت قبل "رفع العلم" إذ نشبت الخلافات منذ تكوين (مؤتمر الخريجين) في 1938 حيث انقسامهم في الولاء بين السيدين علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي، وبين أنهم يمثلون أنفسهم كمتعلمين، أمام السلطة الإستعمارية، أم يمثلون السودان بأكمله؟َ! وجاءت لجنة سودنة الوظائف بما يشوبها من قصور، لتزيد الطين بلة، بسبب تشكلها السريع وتحكم حزب واحد في إجراءاتها، والتي حصل فيها الجنوبيون على تسعة وظائف فقط، من أصل ثمانمئة وظيفة تمت سودنتها، لتتأكد مخاوفهم من أن الشماليين حكاماً مستعمِرين مثل الإنجليز، ثم اشتعلت عقب الاستقلال بين السيدين وبين الخريجين الخلافات، التي أصبحت طابع الحياة السياسية وديدن قيام الحكومات واسقاطها، حتى وقع إنقلاب الفريق إبراهيم عبود في 17نوفمبر 1958 قاطعاً مسيرتها المتعسرة، لتعود بذات الطريقة عقب الإطاحة به في ثورة أكتوبر 1964.

* فوقع في 25مايو 1969 إنقلاب جعفر نميري الذي قام بتعطيل الحياة السياسية، وضرب الأنصار بالنيران في الجزيرة أبا ومطاردة الإمام الهادي حتى قتله، ثم أعلن بعد عام الحرب على الحزب الشيوعي السوداني وقام باعدام عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرن في 1971 وسجن الكثير من الشيوعيين، ليصبح بعد ذلك حاكماً مطلقاً، يُبدل في السياسات والأشخاص، فتفاقمت في فترة حكمه (1969-1985) الأزمات السياسية والأقتصادية، وانتقلت الحرب في جنوب السودان إلى أطوار جديدة، خاصة بعد نفض يده من اتفاقية أديس أبا 3مارس 1972 واستلام الدكتور/العقيد جون قرن دي مبيور في 1983 لزمام المبادرة من الحركات الجنوبية المختلفة التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم، حتى سقط النميري مُخلفا وراءه أعباءاً ثقيلة، قوامها ازدياد حدة الفقر والتهميش وقوانين سبتمبر الإسلامية الأحادية، التي لم تستطع حلها حكومات الانتفاضة (1985-1989) المتعاقبة.

* وفي صبيحة 30يونيو 1989 وقع إنقلاب الجبهة الإسلامية القومية ليقطع الطريق أمام إنفاذ (مبادرة السلام السودانية) وتجميد قوانين سبتمبر تمهيداً لإنعقاد المؤتمر الدستوري في سبتمبر 1989، وليفرض بقوة السلاح هوية عربية إسلامية على كأفة السودانيين، ويقوم بقتل وسجن وتشريد الالاف من السودانيين، ثم يعلن السودان بلداً مفتوحاً، دون تأشيرة، للمجاهدين الأفغان والعرب، ويقوم بعقد "المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي" في أبريل1991، الذي ضم المئات من الإسلاميين الراديكاليين، بغرض تصدير الثورة الإسلامية من الخرطوم لكأفة أرجاء الأرض، ويصبح حسن الترابي الخطيب الشعبي الذي يحاضر في أنحاء العالم، ساعياً لتوحيد الجماعات والحركات الإسلامية ولتقريب الشقة بين السنة والشيعة، ويدعو للتحاور بين أهل الكتاب من المسيحيين والمسلمين، وفي السودان بلده، يقتل النظام الذي أنشأه ويُشرِد، الملايين في الجنوب، بدعوة أنهم غير مسلمين، ويقتل ويشرد الملايين كذلك في دارفور.

* واليوم .. بعد أن استقل جنوب السودان، هربا من جحيم هذه السياسات القاصرة ليقع في جحيم سياسة جنوبية قاصرة هي الأخرى، تنزف دارفور التي أفرد لها المؤلف الفصل الأخير من روايته/كتابه، قائلا بإن الصراع في دارفور يُمثل اليوم آخر حلقات الصراع المأساوي الذي استمر لأكثر من أربعين عاما، أي أكثر من خمسين عاما اليوم، بين السودان وتشاد وليبيا، بغرض السيطرة على الحوض الكبير لبحيرة تشاد، وقد أدى هذا العنف ليصبح زُراع محاصيل البقاء وأصحاب قطعان الماشية نازحين ينتظرون إحسان المجتمع الدولي، ليختم بتلك العبارة المُرعبة (سيصبح الدارفوريون "فلسطينيي" أفريقيا). ويعود السودانيون، بعد فشل الإسلاميين في فرض هوية عربية إسلامية، وقطعهم الطريق أمام تطور هوية سودانية فريدة في 1989، يعودوا للبحث المراوغ عن الهوية السودانية بين العروبة والأفريقية، مما يدفع لأن يصبح السودانيين متلقين بائسين لأسوأ مافي العالمين العربي والأفريقي، بدلا من الاستفادة من أفضل مافيهما، الأمر الذي كان قد جعلهم في الماضي متفردين بين البشر.

الخميس، 5 أكتوبر 2017

تفاوض بلا مفاوضين


اسم الكتاب: أوسلو 2  سلام بلا أرض
المؤلف: إدوارد سعيد
الناشر: دار المستقبل العربي-القاهرة
تاريخ النشر: 1995




عرض: أسامة عباس

* مرت أكثر من عشرين عاماً على صدور هذا الكتاب، لكن ملاحظاته حول ذلك التفاوض الفلسطيني الاسرائيلي لاتزال ثاقبة، ليس للفلسطينيين وحدهم، بل لغيرهم، إذ يمكن النظر إليها ككشاف ولإثارة الأسئلة حول التفاوض أو النضال من أجل وطن يسع الجميع، وفي البال أن تلك "الحكومات" التى تحكمنا لاتستحق وصف أقل من أنها محتلة، مثلها مثل الكيان الصهيوني، إضافة لوقوع جلها رهينة سلطة الولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة الذراع الطويلة في فلسطين وفي مجمل صراعات الشرق الأوسط. والمعروف أن إدوارد سعيد كان قد نفض يده باكرا من ذلك التفاوض، رغم ايمانه بضرورة التعايش السلمي وألا سبيل غير التفاوض بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وقد دعى منذ ثمانينات القرن الماضي لحل الدولة الواحدة لهم، ولكن أي دولة أو أي تفاوض هذا الذي يجب أن يكون؟! ذلك مايخوض فيه هذا الكتاب.

* في سنة 1991 انطلقت في أوسلو النرويجية المحادثات السرية ليتمخض عنها في 13سبتمبر 1993 اعلان المبادئ الاسرائيلي الفلسطيني، لكن سعيد يصفه أو يصف الاحتفال الذي جرى له في واشطن بالعرض المسرحي، الذي أُريد له أن يوحي بأن السلام قد حل، في أحد أشهر بؤر الصراع المستعصية في العالم، بينما كانت نتيجته ضرراً ليس فقط بالنسبة للفلسطينيين، الذين زادت معاناتهم على ماكانت عليه، بل وبالنسبة للاسرائيليين -كشعب- على المدى الطويل، إذ أن القادة الذين شاركوا في الاتفاق تحت إمرة الولايات المتحدة الأمريكية من الفلسطينيين أو الاسرائيليين أو الأوربيين، شاركوا دون مبادئ حقيقية ودون رؤية أمينة وشجاعة لما يحدث في الواقع، وتبعتهم في التهليل لما حدث وسائل الإعلام، ليقول إن الأسوأ من كل ذلك أن عدداً من المثقفين والباحثين خانوا رسالتهم وخبرتهم ومعرفتهم، حين أحجموا عن اتخاذ موقف يتجاوز التسبيح بحمد "عملية السلام".

* يُعيب إدوارد سعيد على المفاوض الفلسطيني قلة خبرته ومعرفته، إذ لايمتلك معلومات دقيقة ومفصلة لما يريد التفاوض حوله أو وثائق وخرائط حول التغييرات التي أحدثتها اسرائيل في فلسطين، ليكون بالتالي مشلولا في حجاج المفاوضات، واصفا اسلوب فريق التفاوض بسوء التنظيم والافتقار إلى خبراء حقيقيين، هذا غير وقوع الفريق تحت قبضة ياسر عرفات، حيث لا يستطيع البت في كل تفصيلة، أثناء التفاوض، دون الرجوع اليه. قائلا بإن الفريق المفاوض لم يكن يمثل كافة المصالح الوطنية للفلسطينيين، في الداخل والخارج، إذ اقتصر على المصالح البلدية أو المحلية، أي اطلاق يد ياسر عرفات، المغلولة أصلا، لحكم قطاع غزة والضفة، مقارناً بما لم يحصل عليه الفلسطينيون من تعويضات، منذ بدء الاحتلال الاسرائيلي، بتلك التعويضات التي دُفعت بعد احتلال الكويت، الذي دام سبعة أشهر، من قبل العراق.

* ظلت سياسات الولايات المتحدة الرسمية تجاه الشرق الأوسط، كما هي، لم تتغير طيلة الخمسين عاما الماضية، أو السبعين بتاريخ اليوم، فما يهم أولئك القادة هو التدفق الآمن للبترول وسلامة وأمن اسرائيل، كما يقول سعيد، ليقول بخطل ذلك الظن الذي يعشعش في أذهان كثير من القادة والمثقفيين الليبراليين العرب، من أن غرض تلك السياسات بالفعل هو السلام، داعيا لرفض هذه الصيغة الامريكية للسلام ولضرورة اتخاذ مواقف شجاعة، مثلما فعل الفيتناميون والكوبيون ومثلما صمد المؤتمر الافريقي بقيادة نيلسون مانديلا، بيد أنه يدعو للنظر في أمريكا أخرى ليست تلكم التي يمثلها الطاقم الحاكم في واشطن، عائباً على العرب ضعف معرفتهم بالولايات المتحدة، إذ لاتوجد في جامعاتهم كراسي علمية أو دراسات أكاديمية حول الولايات المتحدة، كما تفعل هي أو اسرائيل حول العرب، ليتكون في الأذهان الجمعية للعرب، بسبب هذا الافتقار للمعرفة، ذلكم الرأي الشائع عن كون أمريكا محض شر مطلق.

* ليقول نتيجة ذلك الضعف كان حصاد هذه المفاوضات، حصول الفلسطينيين علي صلاحيات حكم محدودة على مناطق معزولة، تتحكم فيها اسرائيل، التي حصلت، باقرار فلسطيني، على احتلال الأراضي الفلسطينية، قائلا إن هذه الاتقافية الملفقة هي كارثة حقيقية، تجعل من الأفضل لو لم يدخل الفلسطينيون في التفاوض، لأن اسرائيل لم تكن تستطيع القول أنها حققت السلام مع الفلسطينيين، لو لم يقم شخص مثل عرفات على توقيع وثيقة سلام، ليقول إن الفلسطينيين لم يعرفوا تقاليد الحكم الملكي في العصر الحديث، لكن الخضوع والتعظيم الذي يتلقاه ياسر عرفات يجعله يشك في ذلك، الأمر الذي يدفع ليس للقول بإن هذا عرفات زعيمنا ولابد من الولاء له، أو حتى المطالبة باستقالته لعدم كفاءته، بل العمل بكأفة السبل لأن لا تتكرر في المستقبل، مثل هذه المأساة، والاصرار على أن يتمتع أي زعيم لنا، بصفة احترام الذات، إضافة لمعرفته الحقيقية باسرائيل وبالولايات المتحدة.

الاثنين، 25 سبتمبر 2017

الحرب القذرة

الناشر: دار ورد للطباعة والنشر والتوزيع-دمشق
تاريخ النشر: 2003






* أحداث وتفاصيل مرعبة في هذا الكتاب تتعلق بالحرب الأهلية التي دارت في الجزائر (1992-2002) يودعها حبيب سويدية، وهو مظلي سابق عمل في القوات الخاصة بالجيش الجزائري أثناء تلك الحرب، وفي شهادته/كتابه هذا لايريد، كما يقول، تبرئة الإرهابيين الإسلاميين أو اتهام الجنود والضباط المهنيين والشرفاء الذين كانوا مهمشين في الجيش، لكن ولكي يعم السلام لابد من مواجهة حقيقة كذب الجنرالات وتواطؤهم مع بعض الشخصيات السياسية لتصفية المعارضة واحتواء الغضب الشعبي، ليضعوا يدهم بهدوء على الاقتصاد. وفي تقديمه للكتاب يشيد القاضي الايطالي المتخصص في قضايا الفساد وانتهاك حقوق الإنسان فرديناندو أمبوزيماتو بهذه الشهادة مشيراً لعلو مصداقيتها التى تؤكدها دقة مايرويه من تفاصيل، لايمكن اختلاقها، وتطابقها مع ما ظل ينقله مراقبون مهتمون لسنين بالواقع الجزائري، خاتماً تقديمه بضرورة تكوين لجنة دولية غير سياسية من خبراء أقوياء الحجة للتثبت من أحداث خرق حقوق الإنسان، دون اعتبار ذلك تدخلاً، بل ضرورة يفرضها التضامن مع الضحايا. 

الأحد، 24 سبتمبر 2017

نزع مادية ماركس



الناشر: المركز القومي للترجمة-القاهرة
تاريخ النشر: 2014






* الماركسية كنظرية في الأدب والثقافة العامة أقرب للتصديق من كونها برنامج سياسي لتغيير المجتمع، هذه كلمات ليونارد جاكسون وتلك هي الفكرة المركزية التي يدور حولها كتابه، فالنظرية الأدبية المسيطرة اليوم منذ عقود، ليست مرضية كنظرية فهي لاتفسر شيئا ولاتقدم أي تطبيقات تقنية مفيدة، حينما نقارنها بالنظريات في العلوم، كما أن مكانة الماركسية أو مثقفيها في هذه النظرية، وهي أصلا سياسية، محددة أو مثالية، بتركهم ذلك المبدأ الاساسي المتمثل في العامل الاقتصادي الذي بمقدوره أن يفسر الكثير، وللتأكيد على فرضية قابلية الماركسية كنظرية ثقافية، وليست "سياسية"، من أجل التغيير، يناقش المؤلف مقولات مثل قوة العمل وقيمته ونظرية القيمة الزائدة قائلا بميتافيزيقيتها، إذ لا يمكن برأيه تقديم تنبؤات صائبة استتادا عليها في الاقتصاد، لكنه يدافع عن أهمية تلك القراءة الاقتصادية للمجتمع، في انتاج نظرية للأدب، خاصة في قولها بالبنية الإجتماعية صانعة الوعي واللاوعي التي يحددها الاقتصادي، وأن مايتخلل الاجتماع البشري من تناحر مرده الصراع الطبقي، وليس الطبيعة الانسانية، معتبرا (رأس المال) لكارل ماركس (عمل نافذ من أعمال الأدب الأوربي وليس العلم الأقتصادي)، ناظرا في متن ماكتبه عدد من الكتاب/النقاد الأوربيين مثل لوكاش وباختين والتوسير ومشيل فوكو وريموند ويليامز، قائلا بنزعهم مادية ماركس رغم استنادهم عليه، ليصبح ماقاموا به (ثورة في الرؤوس) أي ذلك النشاط الذي كان يزدريه كارل ماركس.

الجمعة، 22 سبتمبر 2017

تاريخ ومتحف السودان


الناشر: جمعية الآثار للجميع
تاريخ النشر: 2013 النشر: 2013







* لا يغني هذا الكاتالوج عن زيارة متحف السودان في الخرطوم، لكنه بالتأكيد يقدم لمحات ليست قليلة عن تاريخ السودان منذ العصور القديمة وحتى مملكة الفونج (1504 - 1820) إذ يشمل، بالإضافة لصور فوتوغرافية عالية الجودة لكثير مما يحتويه المتحف من آثار ومنحوتات، مقالات تعريفية قصيرة عن الحضارة السودانية التي خلفت تلك الآثار، جاءت في اللغة العربية والانجليزية تحت عناوين:  ( مملكة الفونج/ ممالك العصور الوسطى/ التغير الثقافي في وداي النيل/ نظام الكتابة لدى السودانيين القدماء/ الأهرام الكوشية/ مملكة كوش مروي/ مملكة كوش من نبتة إلى مروي/ إستخدام الحجر في كوش/ السودان في مصر/ تعدين الذهب في السودان الشمالي/ المصريون في السودان والنوبة/  مملكة كرمة الكوشية/ حضارة المجموعة ج/ المجموعة الحضارية أ ) صدر الكاتالوج  عن جمعية الآثار للجميع، وهي جمعية أعضاءها آثاريون هواة يتقاسمون الإهتمام المشترك بتراث العالم الثقافي، وتأمل أنه ومن خلال توزيع هذا الكاتالوج، في جميع أنحاء العالم، أن يزيد الوعي العام بثراء التراث الثقافي للسودان باعتباره واحدا من أجمل البلدان.


الخميس، 21 سبتمبر 2017

الإبادة الثقافية



الناشر: شركة العبيكان للنشر-الرياض
تاريخ النشر: 2017





* في سنة 1622 قتل المستوطنين الإنجليز 157 شخصا من الهنود الحمر، بدس السم في طعام حفل السلام الذي أقيم بعد مفاوضات لوقف الحرب، التي كانت تنشب مرارا، بين الهنود السكان الأصليين لأمريكا وبين الإنجليز الذين كانوا يسكنون في مستوطنة جيمس تاون، أحد أشهر مستوطنات الهجرة الأولى التي تأسست في 1607 من قبل شركة فرجينيا اللندنية، والسبب في تلك المجزرة برأي المؤلف أن نخبة جيمس تاون كانوا من شدة كرهم للهنود لايرون أن التعايش السلمي خيارا حقيقيا، فمن أين إذن يأتي هذا الكره؟! ذلك مايخوض فيه هذا الكتاب، بتقديمه لما يسميه بالإبادة الثقافية التي قوامها النزعة المحلية التي تنكفي على بيئتها، غير عابئة بما يحيط حولها في العالم أو جاهلة به، ليصل هذا الجهل واللامبالاة إلى الخوف من الآخر المجهول، فيتم عند الأزمة والخطر، سواء كان الخطر حقيقيا أو غير حقيقيا، شيطنة هذا الآخر، بواسطة مؤسسات الحكم أو وسائط الإعلام، التي هي نفسها غارقة في تلك المحلية إضافة لإرتباطها بمصالحها، لتكون النتيجة مباركة مايقع على هذا الآخر المجهول الشيطاني من مصائب دون الإحساس بالذنب، وللتدليل على هذا الافتراض أو القول بالإبادة الثقافية، يتناول المؤلف أربعة تجارب تاريخية  للتمييز والاستبعاد تمت لشعوب، كالهنود في الولايات المتحدة الأميركية ولليهود في روسيا والفلسطينيين في إسرائيل والتبت في الصين.

الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

الدولة والثورة


الناشر: روافد للنشر والتوزيع-القاهرة
تاريخ النشر: 2014




* تمر في هذا العام ذكرى مرور 100 عام على صدور هذا الكتاب، الذي صدرت طبعته الأولى في نوفمبر 1917 ولا تزال الأحلام أو المهام التي قال بها تنتظر الإنجار، أي انعتاق رقبة العمال/الفقراء من قيد الرأسمالية، ففيه ينظر لينين إلى الدولة، كنتاج لتطور المجتمع، فهي إذن ليست قوة مفروضة على المجتمع من خارجه، بل  قوة أو الة في يد الأقلية المستثِمرة لقمع الأكثرية المستثَمرة، مناقشا لمفهوم (ديكتاتورية البروليتاريا) أي احتلال أكثرية الشعب لـ قوة/جهاز الدولة لحين اضمحلال الدولة، ناظرا في تجربة كومونة باريس يوم أسقط العمال الفرنسيين المسلحين السلطة القائمة في 1871 وقاموا بحل جهازي الجيش والشرطة واستعاضتهم عن ذلك بالشعب المسلح، واختيار جميع موظفي الدولة عن طريق الانتخاب مع إمكانية سحبهم في أي وقت كان، مستعينا في ذلك النظر بشذرات عديدة مما كتبه انجلز وماركس في: أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة، البيان الشيوعي، مسألة المساكن، الثامن عشر من برومير ورسائل لماركس وأنجلز متبادلة مع آخرين.



الأحد، 3 سبتمبر 2017

نهاية الرواية بداية السيرة



* يتناول هذا الكتاب المترجم عن الانجليزية قضايا وظواهر جديدة، أو بالأحرى قضايا وظواهر لا تتم مناقشتها عادة في ساحة الكتابة والنقد بالصحافة العربية، وإذا ما تمت لا تتم بهذه الطريقة، ذات الطابع الخفيف المستند على المعلومات الكثيرة والمتنوعة، والتي لا تتورع، في النظر وفي الكتابة، عن إبداء الرأي الشخصي وتقديم المشاهدات اليومية والملاحظات الحادة أو الحميمة واللمحات السريعة الكاشفة، كالتي تظهر في هذا الكتاب. نُشرت معظم فصول هذا الكتاب، الذي تنوعت موضوعاته وتوزعت قوالبه التحريرية بين المقال والشهادة الأدبية والبروفايل والحوار والتقرير، في مجلات ثقافية وصحف ومواقع الكترونية أمريكية، عدا فصل واحد تقرير عن " بداية نهاية عصر الكتاب الورقي " أعده مترجم الكتاب بناءا على مقالات وتقارير جاءت في الصحافة الغربية، ليجمعها المترجم /المؤلف السعودي حمد العيسي في كتاب بعنوان (قضايا أدبية : نهاية الرواية وبداية "السيرة الذاتية" وقضايا أخرى مترجمة) من أربعة عشرة فصلا مصحوبة بتعليقه وتقديمه التعريفي لكل فصل.




عرض: أسامة عباس


* ولكن، ما يعكر صفو العلاقة التي يمكن أن تنشأ مع هذا الكتاب، ذلكم التدخل أوالتلخيص المُبتسِر الذي يقوم به المترجم، وهو يقول صراحة - بعد أن يُثبت تعليقه بين ثنايا النص وليس على هامشه - إنه قام بالتصرف في هذا النص أو ذاك. ويظهر التدخل أبتداءً من عنوان الكتاب، أو في جملته الرئيسية (..نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية..) وهو عنوان فصل جاء في كتاب المترجم، في الأصل مراجعة لكتاب عن السير والمذكرات، نُشرت بمجلة النيويوكر الأسبوعية، بعنوان (But Enough About Me) مع عنوان ثان (What does the popularity of memoirs tell us about ourselves?) ليكن ذلك العنوان الذي ثبته المترجم علي المراجعة ومن ثم عنوانا لكتابه، تلخيصا نهائيا لفكرة ( نهاية الرواية ..) التي يمكن لقارئ أن يصل إليها تأويلا، بعد قراءة المراجعة، لكن المترجم بعنوانه هذا، يجعلها خلاصة ناجزة، المراجعة لم تقل بها.

*  وكذلك في الفصل أو البروفايل التعريفي الذي أعده الكاتب والروائي الهندي (بانكاج مشيرا) عن الروائي المصري علاء الدين الأسواني لمجلة الأحد بصحيفة نيويورك تايمز بعنوان ( Where Alaa Al Aswany Is Writing From) ليختار بدلا عنه عنوان (تفكيك علاء الأسواني) في إشارة لرفضه وغيظه من بعض ما جاء من أحاديث للاسواني حول الدين والأدب وبدو الصحراء - بدو السعودية كما في النص الانجليزي - التي لا تعجب المترجم، فيظهر غيظه، بل ويدفع بملاحق أخرى تأتي عقب بروفايل بانكاج مشيرا، للتعريف بحجم وقيمة الأسواني كما يقول المترجم، وهي عبارة عن ترجمة لمراجعات ظهرت في الصحافة الأوربية تقلل من قيمة أعمال الأسواني.

* أما في  فصل " لعنة الابداع عند الكاتبات "  فيقول المترجم انه قام بحذف بعض أجزاء من المقال لأن المجتمعات العربية متخلفة وليس لها القدرة علي إستيعاب ما جاء فيها، كما يقدم النصح في كيفية قراءة ما تبقي من مقال (.. نود التأكيد على ضرورة القراءة بتمعن نظرا إلى دقة وحساسية معظم الكلمات والعبارات التي أستخدمها المؤلف في المقالة التي ترجمناها بدقة متناهية) لأن الحذف الذي يجريه المترجم /الرقيب في هذا الفصل، يجعل منه مقالا أو كتابة ناقصة لايمكن قراءتها أو حتي متابعتها، إذ يقوم بوضع نقاطا هكذا .........  بعد كل فقرتين أو ثلاثة، في إشارة للسطور المحذوفة، التي تصل في بعض المرات إلى أكثر من فقرة كاملة، وقد تكرر هذا الصنيع ثلاث مرات، دون أن يرد لباله أن السؤال - هنا - الذي يواجه المترجم أو كتابه، ليس تخلف المجتمعات العربية وعدم قدرتها على الاستيعاب، بل هو : هل ما يطالعه القارئ في هذا الكتاب هو ما كتبه كُتّاب تلك الكتابات؟! والمقال في الأصل تلخيص لنتائج بحث علمي بعنوان (المرض النفسي والنشاط الأبداعي عند الكاتبات) نشر في المجلة الأمريكية للطب النفسي.

* ومن فصول الكتاب، نقرأ في البروفايل " تفكيك علاء الأسواني " الذي دبجه بانكاج مشيرا، وصف للأسواني (.. هو صاحب جسم ضخم مع صدرعريض، شخص جذاب ولطيف ومهذب، يأتي إلى الصالون من مكتبه المنزلي في منطقة "غاردن سيتي" القريبة، وهي منطقة خططتها ثم بنتها بريطانيا بصورة أنيقة وفخمة، حيث إنه يجمع ممارسة طويلة من طب الأسنان مع مهنة أدبية ناجحة بشكل متزايد) ولايترك الكاتب في هذا البروفايل، شاردة أو واردة من كل ما يتعلق بالاسواني وبصالونه الأدبي وبساطة أثاثه، وما دار فيه من نقاش، والزوار الذين بدوأ أناسا بسطاء ومن محبي ملاحقة المشاهير ويريدون أن يروا بأم أعينهم الأسواني بشحمه ولحمه، ذلك الروائي العربي الأكثر مبيعا - كما يكتب - أما البقية من الموجودين في الصالون فإما أنهم كُتّاب طموحين أو طلبة يتوقون للحديث عن الأدب والسياسة. حتى عبدالناصر في صورته بالبزة العسكرية المعلقة على الجدران لم يفلت من قلم بانكاج، حيث يصفه بـ (.. الزعيم القومي العلماني الدكتاتور، الذي كان رمز الوحدة العربية والعالم الثالث قبل هزيمته في حرب الأيام الستة في عام 1967 مع إسرائيل، ومن ثم تنكر خلفاءه له) كما يصف الجو العام السياسي في مصر وينقل أراء الأسواني السياسية، والأراء السلبية لكُتّاب عرب فيما يكتبه، ويشير لروايته عمارة يعقوبيان وأسلوبها التفسيري المباشر وعدد ما باعت من نسخ، ولوالده عباس الاسواني ومايراه فيه من تأثير عليه، وو ... حتى ليبدو - كاتب البروفايل - وكأنه لم يبق شيئا، ناسجا بواسطة تلك المعلومات والتفاصيل الكثيرة، كتابة، تكاد تظن أنها أضاءت الأسواني وما حوله كله، بيد أنها تنجح في أن تطبع صورته التي صنعتها في ذهنك، ربما للأبد.

* أما في فصل " نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية " المراجعة التي كتبها دانيال مندليسون لكتاب (تاريخ كتب السيرة الذاتية) فتبدأ بايراد سخرية سيغموند فرويد الذي رفض عرضا أمريكيا لكتابة سيرته، في عام 1929م، لأن في كتب السيرة والمذكرات كذب وزيف وخداع - كما يقول - وان حياته الظاهرية مرت بهدوء، أما الداخلية لمن عرفوه بشكل أفضل فكانت أكثر تعقيدا قليلا ... كما أن الاعتراف المُعبر والأمين عن الحياة يتطلب الكثير من التهور الطائش للبوح الفضائحي، ليختم فرويد رده - حسب مندليسون -  أن مُقدم الخمسة آلاف دولار المعروض يعتبر أقل من واحد في المائة من المبلغ اللازم لإغرائه بدخول مثل هذه الفضائحية الطائشة.

* هذه الحكاية أو رأي فرويد الذي استهل به مندليسون مقالته، هو ما يحاول تفنيده في مراجعته لكتاب ( تاريخ كتب السيرة الذاتية ) إذ يقول إن هذه التعرية واحدة من التهم التي وجهت لكتب السيرة ولمؤلفيها على مر القرون، شارعا بعد ذلك في مراجعة الكتاب وباحثا في تاريخ بداية هذا النوع من الكتابة وتطوره والتحولات التي حدثت فيه، ومناقشا عددا من كتب السيرة والمذكرات، عائدا لمذكرات أوغسطينوس القديس في عام 371 م وما قبلها واعترافات جان جاك روسو في عام 1782 م مرورا بمذكرات في القرنين التاسع عشر والعشرين وحتي في سنواتنا هذه، بالولايات المتحدة الأمريكية.

* كما يتحدث عن الحقيقي والزائف في المذكرات، بعد الدفع بمذكرات وسير لا تُعد - يتم الإشارة لبعضها - لاقت رواجا شعبيا هائلا، ليتبين لاحقا أن أحداثها لم تقع، ومع ذلك لم يتوقف الاهتمام بها، والأصل في كتب السيرة والمذكرات أن أحداثها قد وقعت بالفعل، ليقول أن السؤال هو: عن كيف يُفهم الأدب؟ وماهو الفرق بين السرد الخيالي وغير الخيالي؟ وما معنى الحقيقة /الخيال / الواقع نفسه؟. وأن ما لم يناقشه مطلقا مؤلف كتاب (تاريخ كتب السيرة الذاتية) هو: ( لماذا الآن على وجه الخصوص، يوجد الكثير من الخلط بين الواقع والخيال) ويتابع مُشيرا لشغف الجمهور بتلفزيون الواقع الذي قوامه أناس حقيقون وليسو ممثلين محترفين. ويختم مندليسون، الذي كان أول كتاب نشره هو سيرة ذاتية كما يخبرنا في بداية مراجعته هذه، بالقول: ربما العيب ليس في المذكرات وإنما في الذاكرة.

* وأخيرا .. لولا ذلك التدخل الفظ، لكان يمكن لهذا الكتاب ذو الاختيارات الطريفة أن يكون شُرفة أو لمحة واضحة، نستطيع عبرها أن ننظر، لنوع من الموضوعات المختلفة ولأساليب في الكتابة الثقافية تجمع بين البساطة في العرض والجرأة في الطرح، لانجدها كثيرا في الصحافة الثقافية الصادرة في العالم العربي.

28/1/2012

الأربعاء، 30 أغسطس 2017

المثقف الهاوي



*  يجيء هذا الكتاب في 191 صفحة من القطع الكبير، وهو عبارة عن حوارات أجريت مع الكاتب والناشط الثقافي والسياسي إدوارد سعيد الأميركي من أصل فلسطيني، قام بها دايفيد بارساميان. وترجمه من الإنجليزية علاء الدين أبو زينة، لينشر في 2007 ضمن سلسلة المشروع القومي للترجمة، إحدى مؤسسات المجلس الأعلى للثقافة في مصر، بالاشتراك مع دار الآداب البيروتية. ومن كتب إدوارد سعيد الكثيرة نذكر: الاستشراق، الثقافة والامبريالية، مسألة فلسطين وتغطية الإسلام، والتي ترجمت إلى عدد كبير من لغات العالم. ولد سعيد في القدس في 1935م وأتم تعليمه الإبتدائي والثانوي فيها وفي مصر، لينتقل في خمسينيات القرن الماضي إلى الولايات المتحدة الأميركية، للدراسة ثم العيش والعمل فيها استاذاً للأدب الانجليزي والمقارن في كل من جامعات: هارفرد، ستانفورد، برنستن، جونز هوبكنز ثم جامعة كولومبيا في نيويورك.





عرض: أسامة عباس


* في تقديمه لهذا الكتاب يقول د. محمد شاهين: ( لقد قدّم لنا إدوارد سعيد مساهمة جليلة في مجال الثقافة شهد العالم له بها، بدءاً من محاضراته التي دعي لإلقائها في هيئة الإذاعة البريطانية، وهي سلسلة المحاضرات التي دعي لإلقائها مشاهير العالم من أمثال برتراند رسل، ونشرت فيما بعد تحت عنوان «صور المثقف» والتي دعى فيها المثقف إلى أن يجهر بالحقيقة في وجه السلطان، وإلى أن يكون المثقف هاوياً لا مهنياً، بمعنى أن يكون حراً..) وقد قسمت حوارات هذا الكتاب إلى ستة محاور ( حل الدولة الواحدة/  انتفاضة العام 2000: النهوض الفلسطيني/ ما يريدونه هو صمتي/ أصول الارهاب/ منظور فلسطيني حيال الصراع مع إسرائيل/ على موعد مع النصر). ويعرف كلّ من قرأ لإدوارد سعيد موقفه لحل القضية الفلسطينية، وهو : التعايش بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب، وهو الموقف الذي ظل يتحدّث به طيلة العقدين الأخيرين من حياته، إذ توفي سنة 2003م بعد صراع استمر لأكثر من عقد من الزمان مع مرض السرطان، ونال بسببه - ذلك الموقف - نقمة عدد من الفلسطينيين والإسرائليين على حدٍّ سواء. وكان عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني لأكثر من عقد من الزمان، إذ قدّم استقالته منه في عام 1991م، كما كان رافضاً لاتفاق اوسلو، لأنه ورط الفلسطينيين -كما يقول- بقبول الشروط الإسرائيلية، وكان ( ببساطة مجرّد إعادة تغليف للاحتلال الإسرائيلي).

* ويكتب دايفيد بارساميان في مقدمة كتابه: (دفع إدوارد سعيد ثمناً باهظاً بسبب مكانه البارز في مشهد القضية الفلسطينية فوصُم بأنه "بروفيسور الرعب" ودعته قائمة الدفاع اليهودية بالنازي، وتم إحراق مكتبه في كولومبيا. وتلقى هو وأفراد عائلته تهديدات بالموت لا حصر لها..). وفي إجابته على سؤال حول حظر كتبه من قبل حكومة عرفات يقول سعيد بأنها تباع بشكل مستتر، ثم يسخر من وزير الثقافة الفلسطيني، الذي جاء مرسوم حظر الكتب تحت اسمه، لكنه عاد بعد عام ليطلب من سعيد الترتيب لاتفاق يستطيعون بموجبه نشر كتبه في الضفة الغربية، فيسأل سعيد حينها محاوره بارساميان « قل لي ما معنى ذلك! فأنا لا أستطيع فهمه ». وحول موقفه من التعايش بين الفلسطينيين واليهود، يقول: (...أصبحت أكثر اقتناعاً بحقيقة ان اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين منضفرون ديمغرافياً على نحو يتعذر تغييره.. المكان يبدو صغيراً جداً، بحيث لا يمكنك فيه أن تتجنّب الطرف الآخر كلية. ثانياً يقوم الإسرائيليون بتشغيل الفلسطينيين في بناء وتوسيع مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي واحدة من أغرب المفارقات على الإطلاق. كما يعمل الفلسطينيون في المطاعم داخل إسرائيل..).. إلى أن يقول : (وتجدر ملاحظة أن الناس في جنوب أفريقيا لم يتمكنوا من تكريس وإدامة التمييز العنصري في بلاد أكبر بعشرين مرة وفي زمن أطول. وهكذا يبدو من غير المحتمل أن تتمكّن إسرائيل المحاطة بالدول العربية من جميع الجهات، من إدامة ما لا يعدو كونه في نهاية المطاف سياسة تمييز عنصري تجاه الفلسطينيين..). ويستشهد بقول أحد اليهود (إن التاريخ برمته لم يشهد حالة يستسلم فيها شعب ببساطة ويسمح لشعب آخر بالاستيلاء على أرضه).

* وحول السؤال لتغيير الوضع بالنسبة للخطاب الجماهيري في العالم الغربي يقول سعيد: يجب العمل لتعبئة مجتمع هذا البلد - أميركا - من المؤيدين للقضية الفلسطينية (والسعي الأصيل والمخلص تجاه السلام وإجراء المصالحة بين الفلسطينيين وبقية العرب وبين الإسرائيليين)، ومتابعة الإعلام الأميركي وحثه بالرسائل المتواصلة ليغير من طريقته في التعاطي مع القضية الفلسطينية، لأنه ينظر للعرب على أنهم شيء بغيض ومزعج، متطابقاً في ذلك مع الحس الشعبي الإسرائيلي. كما يجب أن يعمل أولئك المؤيدون على نزع الشرعية عن الاحتلال الذي لا يزال قائماً، مستخدمين في ذلك نفس الطرق التي اتبعت لمناوأة سياسة الفصل العنصري، حتى تصبح إسرائيل غير قادرة أن تظل قائمة بشكل فاعل. وعن الدور الفلسطيني لإيصال صوته إلى العالم، يرى سعيد أنه ليس عالياً (لأن وزن القوة الإسرائيلية هائل جداً بحيث لا يترك للفلسطينيين أي فرصة، ليس هناك عمل منظّم على الجانب الفلسطيني، ولا يوجد سوى بضعة مواقع الكترونية تستطيع الدخول إليها..).

* وفي محور آخر يسأله بارساميان عن النظرة المزدوجة تجاهه، والتي قال بها المفكر الأميركي ناعوم شومسكي، إذ يثمنون من ناحية مساهمة إدوارد سعيد في النقد الأدبي إلى حدّ التبجيل، مع بقائه (هدفاً للذم وتشويه السمعة الدائمين) يقول سعيد: (إن هذا الوضع شديد الشبه بوضعه هو - يعني شومسكي - وهو لغوي عظيم معروف جداً. وقد تم الاحتفاء به وتكريمه لذلك، لكنه يتعرّض للنقد حيث يعتبرونه معادياً للسامية ومن عبدة هتلر. وقد بلغ النقد من هذا النوع حداً جنونياً سواء ضده أو ضدي، حتى لقد أصبح يبعث على الضحك) ليختم حديثه في هذا المحور بإجابته على السؤال: هل دور المثقف هو المعارضة بالتحديد؟ قائلاً: (..أظن أن الأمر ينبغي أن يكون كذلك. أنا شديد الإيمان بوعي الفرد وهذا هو الأصل في كل الجهد الإنساني. لا يمكن للفهم الإنساني أن يحدث على مستوى جمعي إلا بعد ان يحدث اولاً على المستوى الفردي. لكن وعي الفرد في عصرنا قد جرى قصفه، إن لم نقل ايضاً خنقه بواسطة كميات هائلة من المعلومات المنظمة والمحزومة. والتي تهدف أساساً إلى توليد نوع من القبول وعدم المساءلة والسلبية الجمعية.. ضمن هذا الإطار، فإن دور المثقف هو أن يعارض، وأنا أفكر بهذا على أنه دور نحتاجه بشكل قطعي، بل بشكل يائس..).

* وفي محور أصول الارهاب يجيب على السؤال حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر قائلاً: "بوصفي نيويوركيا" إنها حادثة مروّعة تبعث على الصدمة، مشيراً إلى أن استهداف «مركز التجارة العالمي» قلب الرأسمالية الأميركية و«البنتاغون» مكاتب إدارة المؤسسة العسكرية الأميركية، كان مقصوداً، لكن الحادثة (لم تكن ترمي إلى إثارة أي جدل أو حوار، لم يكن ما تم جزءاً من أية مفاوضات ومن الواضح أن النية لم تكن تتجه إلى ابلاغ اية رسالة عبر العملية، لقد تحدث الحدث عن نفسه وهو أمر غير عادي). لكنه يقول إن الحادثة جاءت عقب جدل طويل حول تورّط الولايات المتحدة الأميركية في التدخل في شؤون العالم الإسلامي، والدول المنتجة للبترول والعالم العربي والشرق الأوسط. ليزيد في القول إن هناك عالمين، الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وليس بينهما الكثير من التماس، إضافة لحاجز اللغة والدين. كما يشير لرؤية العرب والمسلمين ذات المنظورين للولايات المتحدة، نظرة إلى الولايات المتحدة الأميركية الرسمية صاحبة الجيوش والتي تتدخل باستمرار وتدعم حكام الكثير من مناطق العرب والمسلمين واقفة بذلك ضد تطلعات شعوبها. ونظرة أخرى يبدون فيها اهتماماً بالغاً بالولايات المتحدة الأميركية. بل ويرسلون أبناءهم للدراسة فيها، إلى ان يقول: (والآن مع وجود هذه الصورة التي هي أقرب إلى مزيج متهور من ممارسة العنف والسياسات التي لا تتمتع بأي قبول جماهيري على الإطلاق، فإنه ليس صعباً على الديماجوجيين، خاصة أولئك الذين يزعمون التحدث باسم الدين - وهو الإسلام في هذه الحالة - ان يشنو حملة عنيفة ضد الولايات المتحدة..).

* وفي المحور الأخير (على موعد مع النصر) يسأله بارساميان ما الذي بعث هذه الجرأة في الامبرياليين اليوم؟ أو الظالمين، يقول إدوارد سعيد (أحد الأسباب هو غياب حركة مضادة معبّأة بدأب ومنظمة بقوة، إنني لا أظن القول كافياً بأن ذلك يحدث بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي إنني أظنه أيضاً فشلاً للطبقة المثقفة.. لقد اختفت فكرة المعارضة من مشهد السياسة الرسمية وتم ايداعها الآن في مكان آخر.. ولا أظن بأي شكل من الأشكال أن المعارضة شيء يجب أن يضطلع به المثقفون النجوم أو أناس من القمة، بل على العكس تماماً).


17/3/2009

الأحد، 27 أغسطس 2017

حوارات ومصرع الإنسان الممتاز







 
* يمثل عبد الله أحمد البشير (بولا) في سماء الثقافة والتنوير في السودان أيقونة ناصعة ومشعة، بما قدمه من مساهمة عالية وكاشفة في حركة النقد والكتابة التي تحمل هم أسئلة الفن والتشكيل في اشتباكهما مع أسئلة الحقوق والمجتمع، كما يحفظ له تلاميذه/أصدقاؤه، وقد عمل عبدالله بولا مُدرّساً للفنون في المدارس الثانوية، ثم في كلية الفنون الجميلة بالخرطوم، يحفظون له حرارة صداقته واشعاع تنويريته، وفي هذين الكتابين اللذين قامت رفيقة دربه بتحريرهما والتقديم لهما تظهر هذه التنويرية، وجاء الكتاب الأول ضاماً مقالات كانت نشرت متسلسلة بجريدة الأيام في صفحة ألوان الفن والأدب تحت عنوان (بداية مشهد مصرع الإنسان الممتاز) والإنسان الممتاز الذي تنظر المقالات لنهايته، هو ذلك الذي يتمتع بالحقوق اعتباراً لمايمتاز من صفات معطاة له وليس باعتباره انساناً، بيد أن المقالات تدور حول التشكيل ومقارعة أراء مجموعة من التشكيليين السودانيين بغرض تحليل وتفكيك بنية/مؤسسة الامتيار القامعة للبشر والمؤبدة لاستمرار اللامساواة بينهم، أما الكتاب الثاني فضم إثني عشر حواراً، نشرت معظمها في صحف ومجلات سودانية، ستة منها أجريت مع المؤلف والستة الأخرى أجراها المؤلف مع فنانين وكتاب هم محمد وردي ومحمد الأمين والفنان التشكيلي عبد الباسط الخاتم والموسيقي أنس العاقب والناقد والكاتب السوري منير العكش، وقد صدر الكتابان في 2017 الأول مصرع الإنسان الممتاز الذي كانت صدرت منه طبعة خاصة محدودة عن مؤسسة الشارقة للفنون قبل ثلاثة أعوام، وصدر الكتاب الثاني (حوارات) عن مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي-أمدرمان.

السبت، 26 أغسطس 2017

تاريخ أمريكا الشعبي

المؤلف: هوارد زين
المترجم: شعبان مكاوي
الناشر: المركز القومي للترجمة-القاهرة
تاريخ النشر: 2009




* في هذا المجلد يُقدم هوارد زن رواية أخرى لتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، تسلط الضوء على الهنود الحُمر والعبيد الأفارقة والخدم البيض، متبنياً وجهة نظرهم في رؤية هذا التاريخ، قائلاً بإن تاريخ الولايات المتحدة يخفي صراعاً حاداً بين المنتصرين والمهزومين وبين الضحايا والجلادين، مُخالفاً بذلك الرواية الرسمية التي تقول إن أمريكا هي أرض النعيم وطليعة العالم الحر، ورافضاً النظر لما يسمونهم بالأباء المؤسسين لدستور الولايات المتحدة وكأنهم يمثلون الجميع وأن هناك بالفعل شيئاً اسمه "الولايات المتحدة"، ناظراً للمستوطنين الإنجليز كورثة لذات مافعله كولومبس والاسبان بحق الهنود الحُمر في أمريكا اللاتينية، بإبادتهم لهنود (بواتن) و (بيكوت) في أمريكا الشمالية، وقمعهم للفقراء من الأفارقة والبيض، ومقدماً تاريخاً جديداً لـ "الثورة الأميركية" قوامه أولئك الفقراء والفلاحين الذين أشعلوا التمرد تلو التمرد رفضاً للضرائب ومصادرة الأراضي وظلم الأغنياء، مجبرين الأغنياء وقادة المستعمرات على خوض الحرب ضد إنجلترة التي كانوا خاصعين لها، كما يتحدث عن الحرب ضد فيتنام التي خاضتها الولايات المتحدة، وكانت فيها الغلبة للبشر  المنظمين على التكنولوجيا الحديثة المنظمة التي كانت بيد الأميركيين، كما يقول، ثم يتابع في تأريخه المضاد حتى العام 2000 حيث الحرب ضد "الإرهاب". ولد هوارد زن مؤلف هذا الكتاب بالولايات المتحدة/نيويورك في 1922 وتوفي في 2010، من مؤلفاته: فنانون في زمن الحرب، العصيان والديمقراطية، هيروشيما نهاية الصمت، ماركس في سوهو.

موت فوضوي صدفة


المؤلف: درايو فو
المترجم: توفيق الأسدي
الناشر: دار المدى للثقافة والنشر-دمشق
الطبعة الثانية: 1999




* في ميلانو انفجرت قنبلة فتم القبض على عامل سكة حديد "فوضوي" خضع لاستنطاق وحشي دام لثلاثة أيام، فسقط من غرفة التحقيق في الطابق الرابع على الأرض، ثم استمرت بعد ذلك التحقيقات لتطال 1400 شخص، تتضح لاحقا براءتهم وضلوع رسميين ورجال من سلك الشرطة في تلك الفوضى، بغرض تكبيل حركة الاحتجاجات الواسعة التي انطلقت في جميع أنحاء إيطاليا سنة 1969. على خلفية هذه الأحداث تقوم المسرحية، التي لعبت أدوارها سبع شخصيات، خمسة من رجال الشرطة برتب متفاوتة وصحفية وأبله يظهر في عدة شخصيات، مجنون وقاضي ونقيب وأسقف، يمثل الشخصية الرئيسية في المسرحية، وهو في غاية الذكاء والنزق، يدير حوارات طريفة تبدو مختلة من غير معني، لكنها تجئ في سياق مايقع في المسرحية من أحداث وماحدث بالفعل في الواقع، فيصبح محاوره ضيق الصدر ومشلولا غير قادر على التركيز والانتباه، ويقدم ما يريده الأبله من معلومات، تكشف بالتالي لقارئ/مشاهد المسرحية مايقع من مفارقات. داريو فو ممثل ومخرج وكاتب مسرحي إيطالي يدمج (في تهريجه الملحمي القضايا التاريخية والدينية والاجتماعية والسياسية معا، منتجا عرضا كوميديا ذا جاذبية شعبية وفكرية) نال في عام 1997 جائزة نوبل في الآداب، كأحد المهرجين/المسرحيين القلائل الذين نالوا هذه الجائزة.


الجمعة، 25 أغسطس 2017

الكوشي التائه


المؤلف: ميرغني أبشر
الناشر: المصورات للنشر والطباعة والتوزيع-الخرطوم
تاريخ النشر: 2017





* يفتح هذا الكتاب الصغير أكثر من كوة للنظر في غوامض تاريخ السودان الوسيط، بما يتبعه من مناهج لهذا النظر، وفي نظرته لأصل الفونج مؤسسي مملكة سنار (1504-1821) الذي تتنازعه عدة روايات، كأنهم من أصل أموي أو أصل شلكاوي ورواية ثالثة من البرنو ورابعة تنسبهم الى النوبة، لكن المؤلف لايقبل بكل هذه الروايات، قائلا بارتباط نسبهم لملوك الشمس الكوشيين، معتمدا في ذلك على تحليل لغوي وثقافي لعدد من الوثائق والحكايات، وقد وضع المؤلف كمدخل لكتابه الآية (20) من سورة المائدة (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ) ثم يسأل: متى كان قوم النبي موسى ملوكا قبل سليمان وداؤود؟ وأين؟ قائلا بقراءته في "وثيقة اللغة والمنقول الثقافي" أن معنى بلاد الواوات، الاسم القديم للسودان، هو: أرض التأمل والإلهام، حيث اجتماع آلهة الأولمب السنوي، كما جاء في موسوعة هوميروس، ثم يقول بإن كل المعارف والمعلومات الأركيولوجية التي جمعت وتراكمت على مر السنين، حول مملكة سليمان، أكدت صعوبة ملائمتها مع الرواية التوراتية القائلة بان أصول إسرائيل في كنعان/فلسطين، مما يدفع بإمكان أن تكون هذه الأصول في عمائر حوض النيل الكوشية، ويقول كذلك بلا إسلامية سلطنة الفونج، أو صورية الإسلام فيها، إذ لم يوجد في سنار مسجد جامع إلا بعد مرور مائة وواحد وأربعين عاما من قيام السلطنة، وان الكثير من العادات والطقوس غير الإسلامية ظلت باقية بعد ذلك التاريخ

---------------------------

* ميرغني أبشر مؤلف هذا الكتاب باحث وكاتب درامي من مواليد منطقة فتوار/بربر في 1970م.

الخميس، 17 أغسطس 2017

أطفال منتصف الليل



   * بعيدا عن الضجة المُضَلِلة التي صاحبت اسم سلمان رشدي في العالم العربي والإسلامي، تُمثل رواية (أطفال منتصف الليل) عملا ممتعا وكاشفا بامتياز، وقد صدرت ترجمتها العربية عن دار التكوين ومنشورات الجمل في 2009، لمترجمها عبد الكريم ناصيف، وكانت صدرت قبلاً ترجمة ناصيف لها في 1985 في دمشق، لكن بعد أن انتشرت ضجة التحريم والتكفير، اختفت الرواية وقل الحديث عن الروائي، ليظهر بدلاً عن ذلك، عاليا، اسم سلمان رشدي الروائي، كمرتد، وهي الرواية التي أظهرت جليا اسم مؤلفها في العالم الأدبي، عندما صدرت أول مرة عن دار نشر إنجليزية، وكانت الاوساط الأدبية البريطانية بشرت به قبل ذلك الصدور ضمن (معالم نثر بريطاني مغاير بفضل أسماء جديدة انحدرت من عوالم الهجرة والمستعمرات السابقة خاصة الهند وباكستان والبنغلاديش..) كما نشرت له غرانتا، المجلة البريطانية الأدبية العريقة التي تأسست عام 1889، مقاطع من ذات الرواية في 1979.








عرض: أسامة عباس 

  
   * كتب الشاعر عباس بيضون: ( كنت من الذين قرأوا "أطفال منتصف الليل" من ترجمة عبد الكريم ناصيف السوري، الصادرة يومذاك عن وزارة الثقافة السورية بعد أن وقعت في يدي بالصدفة.. لا أعرف من قرأ من الروائيين رواية رشدي. لكني أحدس أنهم لم يكونوا قليلين. لا أعرف كيف كان تأثير رواية رشدي في الرواية العربية. هذا سؤال صعب، لكن أظنه كان ملحوظاً على بعض النتاجات، أذهب إلى أن عمل رشدي هذا ليس مما يمر مرور الكرام، إنه عمل صادم ومثير ومذهل ولا أحسب أن في وسع من يقرأه أن يتحرر بسهولة منه، لست أريد أن أتتبع ذلك لكن عن نفسي أقول إن روايتي الوحيدة المنشورة "تحليل دم" تحمل كثيراً أو قليلاً طابع الأسلوب الرشدوي).
                                                                       
    * وفي الرواية، يُمثل سليم الخيط الأساس الذي يشكل نسيجها وحوله تلتقي أحداثها وترتبط بلا فكاك حياته مع تاريخ الهند، ويُطلع باداما على الصحفات المنجزة من روايته التي يقوم بكتابتها، لنقرأ نحن في ذات الآن رواية (أطفال منتصف الليل) حكاية الهند واستقلالها وانفصال باكستان، أو رواية سلمان رشدي المولود في 1947 عام استقلال الهند وعام ولادة سليم أحمد سينا، بطل الرواية، الذي ولد عقب إعلان جريدة التايمز الهندية عن تقديم جائزة لمواليد صبيحة الاستقلال، ومعه يولد ألف طفل لم ينجُ منهم سوى خمسمائة وواحد وثمانين طفلاً، سوف تجهز على بعضهم لاحقاً أجهزة الدولة المختلفة، بواسطة جهاز نزع الأمل، ويحكي سليم لباداما كيف كان أولئك الألف طفل يلتقون في رأسه، ولهم في ذات الوقت حيواتهم وحكاياتهم التي تحدث في الرواية، مثل شيفا عدوه اللدود والساحرة بارفاتى، زوجته في ما بعد، ورغم أن الإخبار بمولد سليم يجيء عند منتصف الرواية، إلاّ أنه يتولى منذ الصفحة الأولى رواية حكاية (أطفال منتصف الليل).

*  ويحكي عائداً إلى جده لأمه، آدم عزيز الذي أكمل دراسته في الطب بألمانيا ورجع ليصدم بحال الحياة في الهند، حتى يلتقي بزوجته، في مشهد فريد يخبر عن براعة سلمان رشدي الأدبية وحدة سخريته وتهكمه، وقوة العادات والتقاليد وقدرتها على سحق الحياة وكتم أنفاس الإنسان، فقد مرضت ابنة الإقطاعي وتم استدعاء الدكتور آدم عزيز لمعاينة المريضة، فوجد مجموعة من النسوة العاملات بالمنزل وهن يحملن ملاءة كبيرة في وسطها ثقب قطره سبع بوصات، فلم يفهم عزيز في بداية الأمر ماذا يحدث، وسأل: أين المريضة؟! ويجيبه والدها، إنها هناك.. فتقدم عزيز وإذا بالنسوة حاملات الملاءة يتوجهن نحو الفراش الذي فوقه تستلقي المريضة، فسأل مرة أخرى مشيراً إلى النسوة والملاءة: ما هذا؟! فيجيبه الوالد: إنك رجل أجنبي، أتظن أنه يمكنك أن تجري فحصك مباشرة على جسد ابنتي، عليك أن تحدد الموضع الذي تريد فحصه، لتقوم النسوة بتوجيه ثقب الملاءة نحو الموضع المراد فحصه.

* وهكذا وجد الدكتور آدم عزيز العائد من ألمانيا نفسه منصاعاً لرغبة والد مريضته، وأصبح في كل مرة يعود فيها المريضة يجد النسوة والملاءة المثقوبة، وصار بمستطاعه عبر الثقب ذي السبع بوصات أن يطوف بعينيه على كامل جسد المريضة، بل ووقع في الحب، ومثله مثل مريضته صار أشد شوقاً لتلك الزيارت ومنتظراً لذلك اليوم الذي سوف يتم فيه استدعاؤه لمرض يمكن أن يصيب الوجه، فقد كان ذلك هو الجزء الوحيد الذي لم يره من جسدها.. أما الوالد فقد بدأ يغض الطرف عن هذه الزيارات وراح ينظر لتلك العلاقة العاطفية التي نمت وتطورت من خلف الحجاب. وعلى امتداد الرواية نجد الكثير من هذه الإستعارات الأدبية والمجازات الذكية، التي تخبر في ذات الوقت، عن ضغط الواقع في مفارقاته الموجعة والساخرة وسريان أحداثه اليومية على بني الهند أو كافة بني الإنسان.


26/4/2010

الأربعاء، 16 أغسطس 2017

ماركس شاعر الجدل



    
* ينظر كثيرون لكارل ماركس باعتباره فيلسوفا اجتماعيا وحسب، تدور أفكاره ونظرياته حول الاقتصاد السياسي كما جاءت في كتابه الشهير (رأس المال). ولكن فرانسيس وين في كتابه هذا، يُحاجج ليُظهر أبعادا أدبية لماركس ولكتابه رأس المال، إذ يسأل: (ماهو عدد الأشخاص الذين خطر لهم أن يدرجوا كارل ماركس في قائمة الكُتَاب والفنانين العظماء؟) ليقول إن كثيرين من قراء رأس المال اليوم وفي (حقبتنا مابعد الحداثية هذه) ربما يرون في سرده المتشظ وتقطعه الجذري (ضربا من الشواش والاستغلاق).  








عرض: أسامة عباس


* صدرت النسخة العربية لهذا الكتاب عن مكتبة العبيكان بالمملكة العربية السعودية في 2007 لمترجمها ثائر ديب، ينقسم الكتاب الذي جاء في 159 صفحة إلى مدخل وثلاثة فصول هي (الحمل / الولادة / الحياة اللاحقة) وفي المدخل الذي جاء بعنوان ( التحفة المجهولة ) يُخبر المؤلف أن كارل ماركس كان قد طلب من صديقه فريدريك إنجلز قبيل تقديمه مخطوطة الجزء الأول من رأس المال للناشر في 1867، والتي كان من المفترض تقديمها منذ 1846، طلب منه أن يقرأ قصة التحفة المجهولة لبلزاك، قائلا عنها أنها قصة مفعمة بالسخرية المبهجة، والقصة عن رسام عظيم أمضى عشرة سنوات في رسم لوحة، أراد لها أن تكون ثورة في الفن بتقديم أكمل تمثيل للواقع، لكن زميلي الرسام لم تعجبهما اللوحة عند رؤيتها، الأمر الذي أزعج "فرنهوفر" الرسام ودفعه لحرق لوحاته وإلى الانتحار. ويتابع المؤلف قوله بأن المفارقة المبهجة هي: أن وصف بلزاك لتلك اللوحة هو وصف كامل للرسم التجريدي في القرن العشرين، أي أن بلزاك كان يُقدم في القرن التاسع عشر، للفن الذي عُرف وانتشر في القرن العشرين، وأن ماركس كما يقول فرانسيس مثل فرنهوفر كان حداثيا وما وصفه الشهير للانخلاع في (البيان الشيوعي) إلا استباق لما رسمه ت.س إليوت في رجال مجوفين ومدينة وهمية ، ولما قاله ييتس (عن الأشياء التي تتداعى وعن المركز الذي لايقوى على الثبات).

* ويجيء الفصل الأول ( الحمل) متابعا لسيرة ماركس ولسيرة كتابه، مشيرا إلي أن رأس المال يُصنف عادة كعمل في الاقتصاد، مع أن ماركس لم يلتفت لدراسة الاقتصاد السياسي إلا بعد سنوات كثيرة من اشتغاله في مجالي الأدب والفلسفة. وقد كانت له في حياته الباكرة مطامح أدبية، إذ كتب ديوان شعر ومسرحية شعرية ورواية بعنوان (سكوربيون وفيليكس) أنجزها مفتونا برواية لورنس ستيرن (ترايسترام شاندي). ولكن ماركس طرح تلك التجارب جانبا مُقرا بهزيمته (فجأة، كأنما بلمسة سحرية - بل كانت اللمسة في البداية ضربة ساحقة - وقع بصري على عالم الشعر الحقيقي النائي مثل أرض الجن النائية، وتقوضت إبداعاتي جميعا وتلاشت...) لذلك لم يكن غريبا، كما يري المؤلف، أن يتحدث المال نفسه في (رأس المال) كيما يُبرر استغلال عمل الأطفال في المصانع.

* ويمتد فصل (الحمل) متابعا لحياة ماركس وعائلته التي هدها الفقر والمرض، وتأثير ذلك على تأخر صدور رأس المال، مرة بسبب نقص معرفة ماركس، كما يشير ماركس بنفسه، في بعض حقول المعرفة، الشيء الذي دفعه ليجلس في قاعة المطالعة بالمتحف البريطاني ويقرأ في كتب الاقتصاد والأعداد القديمة من مجلة الأيكونومست، وتارة لانقطاعه عن الكتاب والدخول في سجالات صحفية وجدالات عنيفة، لأنه يرى، أن الكذبة من الاشتراكيين – إن لم يُفَضحوا – أشد جذبا للجمهور من الملوك الحقيقيين.

* أما في الفصل الثاني (الولادة) فيتحدث المؤلف مناقشا بعضا من أفكار واكتشافات ( رأس المال) حول السلعة وقيمتيها الاستعمالية والتبادلية والعمل، واصفا تأمل ماركس حولهما بالمسهب والمتخطى للواقع باطراد، محاكيا رواية (تريسترام شاندي) لصاحبها ستيرن رائد ذلك الأسلوب المهلهل والمفكك والممتلئ بالتناقضات وضروب السرد المتكسرة والأطوار الغريبة، كما هو الحال في(رأس المال) ليسأل: (ولكن ماذا عن مكانة رأس المال الأدبية ذاته؟) قائلا بأن أحد الموانع ربما يكون في بنية الكتاب المتعددة الطبقات والصعب التصنيف، ليناقش أراء بعض القليلين من الذين تحدثوا عن (رأس المال) كعمل من أعمال الأدب، مثل الناقد المكسيكي لود فيكو سيلفا الذي تحدث عن الرأسمالية فيه ، كمجاز واستعارة وأنها صيرورة اغتراب تبعد الحياة، من الذات إلى الموضوع، ومن القيمة الاستعمالية إلى القيمة التبادلية، من الإنساني إلي الوحشي. وطبقا لهذه القراءة كما يقول المؤلف، يصبح الأسلوب الأدبي الذي اتبعه ماركس في كتابه، ليس مجرد قشرة خارجية ( بل يغدو اللغة الملائمة الوحيدة التي يمكن التعبير من خلالها عن طبيعة الأشياء الخادعة. ومشروعا كيانيا " أنطولجيا " لايمكن تقييده بحدود وأعراف جنس قائم كالاقتصاد السياسي أو الانثروبولجيا أو التاريخ. باختصار، فإن رأس المال هو عمل" فذ ، نسيج وحده " بكل ما للكلمة من معنى. فليس ثمة مايشبهه من قريب قبله ولا بعده، وربما كان ذلك هو السبب وراء ما لاقاه على الدوام من إهمال أو إساءة تفسير).

* وجاء الفصل الثالث والأخير ( الحياة اللاحقة ) متحدثا عن الترجمات المختلفة التي ظهرت في اللغات الاوربية، مثل اللغة الروسية التي جاءت كأول ترجمة للغة أوربية في سنة 1872، أي بعد خمسة سنوات من صدور الكتاب في اللغة الألمانية، لتليها الترجمة الفرنسية التي جاءت على حلقات، وبعد أربعة محاولات لم يقبلها ماركس، ليرى المحاولة الخامسة حسنة بوجه عام، قائلاً :( وجدت نفسي مضطرا لأن أعيد كتابة مقاطع كاملة بالفرنسية، لجعلها مقبولة ومستساغة). أما الترجمة الانجليزية فقد جاءت بعد وفاة كارل ماركس. كما تناول الفصل ردود الفعل والمواقف والنظرات التي جاءت عقب صدور الكتاب، في حينه أو في زماننا هذا، والتي لم تنظر في معظمها، طيلة المائة وأربعين عاما التي أعقبت صدوره، بحسب محاججة فرانسيس وين في كتابه هذا، للجانب الأدبي منه، رغم أن كارل ماركس كان ( ينظر إلى نفسه على أنه فنان مبدع ، شاعر الديالكتيك . وقد كتب إلى إنجلز في تموز 1865 : " والآن ، فيما يتعلق بعملي ، سوف أفضي إليك بالحقيقة الواضحة. مهما تكن العيوب القائمة في كتاباتي ، فإن مزيتها تكمن في أنها كلٌ فنيٌ " . ولقد تطلع إلى الشعراء والروائيين أكثر مما تطلع إلى الفلاسفة أو المحللين السياسيين باحثا لديهم عن تبصرات في دوافع البشر ومصالحهم المادية...)


18/4/2010

الثلاثاء، 14 مارس 2017

حديث صقلية



اسم الرواية: أطراف حديث في صقلية
المؤلف: إليو فيتوريني
المترجم: حسين محمود
الناشر: المركز القومي للترجمة-القاهرة
تاريخ النشر: 2012




عرض: أسامة عباس

* في ملاحظة تبدو تهكمية جاءت في نهاية الكتاب يقول المؤلف إن صقلية في إطار هذه المحادثة/الرواية ليست صقلية إلا بحكم الظروف، وقد بدا اسمها أقرب إلى سمعه وأفضل من إيران أو فنزويلا، وإن جميع المخطوطات بظنه يتم العثور عليها داخل زجاجات، وبالنسبة لنا نحن القراء، يمكن لصقلية أن تكون أيَّ مكان في هذا (العالم المُهان) كما يقول الراوي، وفي تقديمه للرواية يقول المترجم إن الرمزية التي وسمتها كانت الطريقة أو الأسلوب الذي لجأ إليه إليو فيتوريني، في أربعينات القرن الماضي يوم نُشرت الرواية، للهروب من بطش الرقابة إبان إيطاليا الفاشية، مقترحاً لقراءتها مذهبين أو مدخلين أحدهما النظر لتلك الرمزية كتأويل لمقاومة الفاشية، والثاني تبعاً لواقعية الحلم المرتكزة علي رؤى وهلوسات الراوي. 

* لاتوجد في الرواية مخطوطات يجب البحث عنها، لكن ذلك الإنتقال السريع والفُجائي للمقابلات التي تتم للراوي/سيلفسترو والحوارات الموحية المقتضبة والغريبة التي يديرها، مع أمه أو أخيه الذي عَلِم في الحلم بموته في الحرب، وكذلك في الأُسلوب المقتصد والجاف في كتابة/تصوير مايحدث دون الإخبار فعلياً بمايحدث، كل ذلك جعل من الرواية تبدو وكأنها تبعث مثل تلك الرسائل المخفية في زجاجات يلقيها موجُ البحر علي الشاطئ، وبالحصول على زجاجة وأخرى، أو بالتقدم في قراءة الرواية، يمكن فهم نسيج الحكاية وتقديم أفضل تفسير ممكن للأحداث. 

* تحت تأثير غيظ مجرد كان سيلفسترو يترنج والأيام تمضي والسنين تمر والسماء تمطر والمياه تتسرب إلي داخل حذائه المقطوع، ثم تأتيه رسالة أبيه فيقوم بدفع 250 ليرة من جملة راتبه البالغ 300 ليرة لشراء تذكرة ذهاب وعودة، ولانعرف إن كان خطَّط لزيارة أمه، أم أنه وجد نفسه هكذا معها في صقلية. تحت تأثير غيظٍ مجرد بسبب ضياع الجنس البشري كان يسافر، وفي القطار يستمع لحوار ذي الشوارب ودون الشوراب، رَجُلَيِّ الأمن، ويردد العالم مُهان والناس يعانون، بعد نزولهما يلتقي باللومباردي الكبير فيسأله هل شممت الرائحة؟ فيجيب سيلفسترو أي رائحة؟ يضحك الرجل والذين معه قائلين ألم تشم الرائحة؟ يضحك معهم حين يفهم أنهم يقصدون بالسؤال عن الرائحة ذي الشوراب ودون الشوراب. ثم يتحدث اللومباردي الكبير قائلاً إنه ليس في سلام مع الناس، وأنه يتمنى لو كان له ضمير حي وواجبات أخرى غير تلك الواجبات القديمة التي صارت معتادة.

* عند منتصف الرواية يزداد توتُّرُها وتبدو الجمل مقتضبة ومكررة لحد الإرهاق، أو مثل الطرْق المتواصل، ويختلط الحلم بالواقع في براعة، لا تكشف فقط عن قدرات المؤلف، بل تكشف أكثر عن القتامة وتنقل لنا الإحساس الخانق بأن العالم مُهان والبشر يعانون. يسأل سيلفسترو أمه التي تقوده معها إلى حيث تقوم بحقْن الناس في بيوتهم، مما يعانون؟ فترد في هدوء شئ من الملاريا أو شيئ من السل. وفي كل منزل تذهب إليه يسألها أهل المريض كم حقنةً عليه أخذُها؟ وهل سيشفى؟ لا ترد الأم على أي سؤال، وإنما تسأل هل أطعمتموه؟ فيجيبون سنطعمه خلال هذا اليوم أو غدا، فالناس فقراء كما تقول لإبنها بعد أن تسحبه خلفها لزيارة مريض آخر وتتردد نفس العبارات.


* يفلت سيلفسترو من قبضة أمه ليلتقي في الشارع بـ السنّان/الرجل الذي يبحث عن من يمكن أن يسِنَّ له مقصاً أو مديةً فلا يجد، حينها يقدم له سيلفسترو مطواة، يقوم السنّان بسنها له ويأخذه فرحاً إلى صديقه، قائلا لقد وجدت عنده مايمكن سنّه! فيأخذهما ذلك الصديق فرحاً إلى صديق ثالث ليحتفلوا جميعاً بسيلفسترو، كرجل يعاني من أجل العالم، في جلسة شرب، لكن سيلفسترو لا يعجبه الحال فيخرج متجها إلي بيت أمه، فيرى أنواراً غير تلك التي يعرفها، إذ كانت أنوار الموتى، ويجد نفسه منقاداً لصوتٍ لأخيه الذي مات في الحرب، ثم ينام ويستيقظ ولازال الوقتُ ليلاً، وعندما خرج من بيت أمه مسافراً، كانت الغربان تنعق في السماء والناس حوله يتساءلون لماذا هو يبكي؟ تابع سيره والناس حوله يتزايدون ويتساءلون إلى أن وصل حيث تمثال المرأة البرونزية العارية في الصرح التذكاريّ وأخذ ينظر إليها ويتفحّص جمالها وهي تبتسم والصقليون الذين حوله يتساءلون: وهل هو كثير أن نعاني؟.