الأربعاء، 30 أغسطس 2017

المثقف الهاوي



*  يجيء هذا الكتاب في 191 صفحة من القطع الكبير، وهو عبارة عن حوارات أجريت مع الكاتب والناشط الثقافي والسياسي إدوارد سعيد الأميركي من أصل فلسطيني، قام بها دايفيد بارساميان. وترجمه من الإنجليزية علاء الدين أبو زينة، لينشر في 2007 ضمن سلسلة المشروع القومي للترجمة، إحدى مؤسسات المجلس الأعلى للثقافة في مصر، بالاشتراك مع دار الآداب البيروتية. ومن كتب إدوارد سعيد الكثيرة نذكر: الاستشراق، الثقافة والامبريالية، مسألة فلسطين وتغطية الإسلام، والتي ترجمت إلى عدد كبير من لغات العالم. ولد سعيد في القدس في 1935م وأتم تعليمه الإبتدائي والثانوي فيها وفي مصر، لينتقل في خمسينيات القرن الماضي إلى الولايات المتحدة الأميركية، للدراسة ثم العيش والعمل فيها استاذاً للأدب الانجليزي والمقارن في كل من جامعات: هارفرد، ستانفورد، برنستن، جونز هوبكنز ثم جامعة كولومبيا في نيويورك.





عرض: أسامة عباس


* في تقديمه لهذا الكتاب يقول د. محمد شاهين: ( لقد قدّم لنا إدوارد سعيد مساهمة جليلة في مجال الثقافة شهد العالم له بها، بدءاً من محاضراته التي دعي لإلقائها في هيئة الإذاعة البريطانية، وهي سلسلة المحاضرات التي دعي لإلقائها مشاهير العالم من أمثال برتراند رسل، ونشرت فيما بعد تحت عنوان «صور المثقف» والتي دعى فيها المثقف إلى أن يجهر بالحقيقة في وجه السلطان، وإلى أن يكون المثقف هاوياً لا مهنياً، بمعنى أن يكون حراً..) وقد قسمت حوارات هذا الكتاب إلى ستة محاور ( حل الدولة الواحدة/  انتفاضة العام 2000: النهوض الفلسطيني/ ما يريدونه هو صمتي/ أصول الارهاب/ منظور فلسطيني حيال الصراع مع إسرائيل/ على موعد مع النصر). ويعرف كلّ من قرأ لإدوارد سعيد موقفه لحل القضية الفلسطينية، وهو : التعايش بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب، وهو الموقف الذي ظل يتحدّث به طيلة العقدين الأخيرين من حياته، إذ توفي سنة 2003م بعد صراع استمر لأكثر من عقد من الزمان مع مرض السرطان، ونال بسببه - ذلك الموقف - نقمة عدد من الفلسطينيين والإسرائليين على حدٍّ سواء. وكان عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني لأكثر من عقد من الزمان، إذ قدّم استقالته منه في عام 1991م، كما كان رافضاً لاتفاق اوسلو، لأنه ورط الفلسطينيين -كما يقول- بقبول الشروط الإسرائيلية، وكان ( ببساطة مجرّد إعادة تغليف للاحتلال الإسرائيلي).

* ويكتب دايفيد بارساميان في مقدمة كتابه: (دفع إدوارد سعيد ثمناً باهظاً بسبب مكانه البارز في مشهد القضية الفلسطينية فوصُم بأنه "بروفيسور الرعب" ودعته قائمة الدفاع اليهودية بالنازي، وتم إحراق مكتبه في كولومبيا. وتلقى هو وأفراد عائلته تهديدات بالموت لا حصر لها..). وفي إجابته على سؤال حول حظر كتبه من قبل حكومة عرفات يقول سعيد بأنها تباع بشكل مستتر، ثم يسخر من وزير الثقافة الفلسطيني، الذي جاء مرسوم حظر الكتب تحت اسمه، لكنه عاد بعد عام ليطلب من سعيد الترتيب لاتفاق يستطيعون بموجبه نشر كتبه في الضفة الغربية، فيسأل سعيد حينها محاوره بارساميان « قل لي ما معنى ذلك! فأنا لا أستطيع فهمه ». وحول موقفه من التعايش بين الفلسطينيين واليهود، يقول: (...أصبحت أكثر اقتناعاً بحقيقة ان اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين منضفرون ديمغرافياً على نحو يتعذر تغييره.. المكان يبدو صغيراً جداً، بحيث لا يمكنك فيه أن تتجنّب الطرف الآخر كلية. ثانياً يقوم الإسرائيليون بتشغيل الفلسطينيين في بناء وتوسيع مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي واحدة من أغرب المفارقات على الإطلاق. كما يعمل الفلسطينيون في المطاعم داخل إسرائيل..).. إلى أن يقول : (وتجدر ملاحظة أن الناس في جنوب أفريقيا لم يتمكنوا من تكريس وإدامة التمييز العنصري في بلاد أكبر بعشرين مرة وفي زمن أطول. وهكذا يبدو من غير المحتمل أن تتمكّن إسرائيل المحاطة بالدول العربية من جميع الجهات، من إدامة ما لا يعدو كونه في نهاية المطاف سياسة تمييز عنصري تجاه الفلسطينيين..). ويستشهد بقول أحد اليهود (إن التاريخ برمته لم يشهد حالة يستسلم فيها شعب ببساطة ويسمح لشعب آخر بالاستيلاء على أرضه).

* وحول السؤال لتغيير الوضع بالنسبة للخطاب الجماهيري في العالم الغربي يقول سعيد: يجب العمل لتعبئة مجتمع هذا البلد - أميركا - من المؤيدين للقضية الفلسطينية (والسعي الأصيل والمخلص تجاه السلام وإجراء المصالحة بين الفلسطينيين وبقية العرب وبين الإسرائيليين)، ومتابعة الإعلام الأميركي وحثه بالرسائل المتواصلة ليغير من طريقته في التعاطي مع القضية الفلسطينية، لأنه ينظر للعرب على أنهم شيء بغيض ومزعج، متطابقاً في ذلك مع الحس الشعبي الإسرائيلي. كما يجب أن يعمل أولئك المؤيدون على نزع الشرعية عن الاحتلال الذي لا يزال قائماً، مستخدمين في ذلك نفس الطرق التي اتبعت لمناوأة سياسة الفصل العنصري، حتى تصبح إسرائيل غير قادرة أن تظل قائمة بشكل فاعل. وعن الدور الفلسطيني لإيصال صوته إلى العالم، يرى سعيد أنه ليس عالياً (لأن وزن القوة الإسرائيلية هائل جداً بحيث لا يترك للفلسطينيين أي فرصة، ليس هناك عمل منظّم على الجانب الفلسطيني، ولا يوجد سوى بضعة مواقع الكترونية تستطيع الدخول إليها..).

* وفي محور آخر يسأله بارساميان عن النظرة المزدوجة تجاهه، والتي قال بها المفكر الأميركي ناعوم شومسكي، إذ يثمنون من ناحية مساهمة إدوارد سعيد في النقد الأدبي إلى حدّ التبجيل، مع بقائه (هدفاً للذم وتشويه السمعة الدائمين) يقول سعيد: (إن هذا الوضع شديد الشبه بوضعه هو - يعني شومسكي - وهو لغوي عظيم معروف جداً. وقد تم الاحتفاء به وتكريمه لذلك، لكنه يتعرّض للنقد حيث يعتبرونه معادياً للسامية ومن عبدة هتلر. وقد بلغ النقد من هذا النوع حداً جنونياً سواء ضده أو ضدي، حتى لقد أصبح يبعث على الضحك) ليختم حديثه في هذا المحور بإجابته على السؤال: هل دور المثقف هو المعارضة بالتحديد؟ قائلاً: (..أظن أن الأمر ينبغي أن يكون كذلك. أنا شديد الإيمان بوعي الفرد وهذا هو الأصل في كل الجهد الإنساني. لا يمكن للفهم الإنساني أن يحدث على مستوى جمعي إلا بعد ان يحدث اولاً على المستوى الفردي. لكن وعي الفرد في عصرنا قد جرى قصفه، إن لم نقل ايضاً خنقه بواسطة كميات هائلة من المعلومات المنظمة والمحزومة. والتي تهدف أساساً إلى توليد نوع من القبول وعدم المساءلة والسلبية الجمعية.. ضمن هذا الإطار، فإن دور المثقف هو أن يعارض، وأنا أفكر بهذا على أنه دور نحتاجه بشكل قطعي، بل بشكل يائس..).

* وفي محور أصول الارهاب يجيب على السؤال حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر قائلاً: "بوصفي نيويوركيا" إنها حادثة مروّعة تبعث على الصدمة، مشيراً إلى أن استهداف «مركز التجارة العالمي» قلب الرأسمالية الأميركية و«البنتاغون» مكاتب إدارة المؤسسة العسكرية الأميركية، كان مقصوداً، لكن الحادثة (لم تكن ترمي إلى إثارة أي جدل أو حوار، لم يكن ما تم جزءاً من أية مفاوضات ومن الواضح أن النية لم تكن تتجه إلى ابلاغ اية رسالة عبر العملية، لقد تحدث الحدث عن نفسه وهو أمر غير عادي). لكنه يقول إن الحادثة جاءت عقب جدل طويل حول تورّط الولايات المتحدة الأميركية في التدخل في شؤون العالم الإسلامي، والدول المنتجة للبترول والعالم العربي والشرق الأوسط. ليزيد في القول إن هناك عالمين، الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وليس بينهما الكثير من التماس، إضافة لحاجز اللغة والدين. كما يشير لرؤية العرب والمسلمين ذات المنظورين للولايات المتحدة، نظرة إلى الولايات المتحدة الأميركية الرسمية صاحبة الجيوش والتي تتدخل باستمرار وتدعم حكام الكثير من مناطق العرب والمسلمين واقفة بذلك ضد تطلعات شعوبها. ونظرة أخرى يبدون فيها اهتماماً بالغاً بالولايات المتحدة الأميركية. بل ويرسلون أبناءهم للدراسة فيها، إلى ان يقول: (والآن مع وجود هذه الصورة التي هي أقرب إلى مزيج متهور من ممارسة العنف والسياسات التي لا تتمتع بأي قبول جماهيري على الإطلاق، فإنه ليس صعباً على الديماجوجيين، خاصة أولئك الذين يزعمون التحدث باسم الدين - وهو الإسلام في هذه الحالة - ان يشنو حملة عنيفة ضد الولايات المتحدة..).

* وفي المحور الأخير (على موعد مع النصر) يسأله بارساميان ما الذي بعث هذه الجرأة في الامبرياليين اليوم؟ أو الظالمين، يقول إدوارد سعيد (أحد الأسباب هو غياب حركة مضادة معبّأة بدأب ومنظمة بقوة، إنني لا أظن القول كافياً بأن ذلك يحدث بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي إنني أظنه أيضاً فشلاً للطبقة المثقفة.. لقد اختفت فكرة المعارضة من مشهد السياسة الرسمية وتم ايداعها الآن في مكان آخر.. ولا أظن بأي شكل من الأشكال أن المعارضة شيء يجب أن يضطلع به المثقفون النجوم أو أناس من القمة، بل على العكس تماماً).


17/3/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق