الخميس، 31 مايو 2018

متشردا في باريس ولندن



الناشر: منشورات الجمل-بغداد و بيروت
تاريخ النشر: 2010





* ينقل هذا الكتاب صورا للبؤس والظلم ربما يظن كثيرون أنها غير موجودة، خاصة في مدينتين مثل باريس ولندن، وقد عاش المؤلف قرابة العامين حياة متشرديها ومتسوليها في نهاية عشرينات القرن الماضي، ففي باريس، بعد أن فقد عمله في تقديم الدروس الإنجليزية، بدأ ماله ينقص إلى فرنكات ثم فرنك واحد ثم لا شيء، فقام برهن ملابسه حتى يجد مايقيم أوده، ويجد بعد جهد الفرصة للعمل غاسلا للصحون، مخبرا عن التراتبية أو تلك الفروق الهائلة بين غاسل الصحون والنادل والمتدرب والطاهي، والفرق في القذارة و"النظافة" بين مكان اعداد الطعام وطاولات تقديمه في الفنادق، مشيرا لعدم فهمه في وجود هذا العدد الكبير من الفنادق، وبالتالي هذه المهن ذات الأفق المسدود، خاصة غاسل الصحون، وفي لندن يحكي عن عدد من المشردين الذين تسكع بينهم لعدة أميال بين الكنائس والملاجيء لتناول وجبة طعام أو لارتشاف كوب شاي مع قطع من الخبز، ساخرا من تصور الإنجليز عن أن المشردين لايحبون العمل وأنهم أفرادا خطرين، مع أنهم مسالمين بل ومغلوبين على أمرهم، أو أنهم سكيرين، في حين أن سعر أقل قدر مما يسكر، من البيرة، ليس في حوزتهم، متحدثا عن شروط حياتهم البائسة وتصوره لطرق حلها، بدلا عن تبديد حياتهم وطاقاتهم في المشي لساعات طويلة. جورج أروريل (1903-1950) أو إريك آرثر بلير صحافي وكاتب إنجليزي من أشهر أعماله روايتي 1984 ومزرعة الحيوانات، وسعدي يوسف شاعر عراقي ترجمت أشعاره للعديد من اللغات وترجم الكثير من الكتب للعربية. 


الاثنين، 21 مايو 2018

كوكو سودان كباشي


الناشر: دار ميريت المصرية
تاريخ النشر: 2004




*   في رحلة طيران قادمة من أمستردام إلى القاهرة تلتقي خالدة إسماعيل برودلفو فرديناندو الهندي المكسيكي ذي الدماء المخلتطة، القادم ليبحث عن جده رجل الدين المصري، مرافق الأورطة السودانية/المصرية التي حاربت في المكسيك منتصف القرن التاسع عشر، وفي الرواية تمسك خالدة مصطفى إسماعيل المحامية بتلابيب خيطي السرد، ونعرف في الخيط الأول (أوراقي) أنها وحيدة أبيها المدللة حتى كبرت وجاءت عمتها، بعد وفاة والدها، لتعيش معها تنظم لها حياتها وتقترح عليها العرسان، ثم عملها في مكتب محاماة يديره أحد أصدقاء والدها، وعلاقتها بصديقتها وزميلتها في العمل نهال التى كانت تحرضها للإشتراك في واحدة جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، وهناك في الخيط الثاني أوراق الشيخ عثمان حفني المكتوبة في اللغة العربية، وقد دفع بها رودلفو  إليها لتقرأها وتفك طلاسمها العصية عليه، لمعرفة مكان وأهل جده الشيخ أوثمانو، ومن هنا يبدأ تبدل حال خالدة أو تكتشف شاغل حياتها، إذ غرقت في الأوارق وعلمت بماوقع من حروب واستعباد لم تكن تظن بوجودهما، أو أنه يمكن أن تربطها بكوكو سودان كباشي وأنجلو حبيب الله ورفاقهما الجنود/المسترقون أواصر. 


السبت، 19 مايو 2018

هجرة النوبيين





* في سنة 1959 فرضت الحكومتين المصرية والسودانية على النوبيين في شمال السودان وجنوب مصر، الهجرة من أرضهم وموئل حياتهم، التي اندثرت تحت مياه السد العالي في 1964، وفي هذا الكتاب سنعرف الكثير من الحقائق والمعلومات حول هذه المأساة أو هذا الخيار الصعب، بدءا من استقبال النوبيين في السودان لقرار التهجير، ومشاعرهم وصراعاتهم حول اختيار البديل المقترح، وكيف ولماذا اختيرت خشم القربة بدلا عن المناطق الأخرى. حسن دفع الله (1924-1974) مؤلف هذا الكتاب إداري مرموق كان مفتشا إداريا/معتمدا للتهجير في مركز وداي حلفا في الفترة من 1958 وحتى 1964 وقد بدأ فصول كتابه بوصف منطقة وادي حلفا وماحولها من قرى وسمات أهلها وطقوس حياتهم وسبل عيشهم، مرورا بسير العمل في اللجان الرسمية والشعبية التي تكونت لتتولى مهام عمليتي التهجير والتوطين، ومراحل بناء منازل ومنشأت حلفا الجديدة وقراها لاستقبال النوبيين، وحصر نخيلهم وأراضيهم السكنية والزراعية لتعويضهم عما فقدوه من وسائل عيش في حلفا القديمة، نهاية بحزم أمتعتهم وانتقالهم مع ماشيتهم ودواجنهم في قطارات السكة حديد إلي خشم القربة، حتى استقبالهم الشعبي المؤثر في كل المدن التي مرت بها هذه القطارات، وتكلفة كل من عمليتي التهجير والتوطين. ورغم انتقال المؤلف لموقع عمل آخر قبل اكتمال تفويج المهجرين، لكن الكتاب أدرج المشكلات التي ظهرت بعد التهجير، إذ زار المؤلف حلفا الجديدة بعد اكتمال عمليات التوطين، ودفع بتصوراته لحل هذه المشكلات، ليقدم الكتاب بذلك سابقة شارحة للنظر في قضية الهجرة أو التهجير، ويترك وثيقة غنية تمنح الفرصة للقراءة والتحليل. صدرت ترجمة الكتاب، الذي نشر أصلا في اللغة الإنجليزية، عن مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية بأمدرمان في 2002.


الجمعة، 11 مايو 2018

الجريمة والعقاب


اسم الرواية: الجريمة والعقاب
المؤلف: دوستويفسكي
المترجم: حسن محمود
الناشر: آفاق للنشر والتوزيع-القاهرة
تاريخ النشر: 2016




عرض: محمد عمر*

* في الجريمة والعقاب التساؤل عن حق الكفاءة الفردية امام المصير الاجتماعي هو أحد التساؤلات المتعددة للرواية، فهناك أولا الشخصية الروائية راسكولنيكوف الطالب عدو المجتمع ذو الأصول الوضيعة، والذي وجد فرصة لان يشعر بتفوقه الذهني الذي يراه انه حق الفرد في مقابل الحق الاجتماعي، لأنه ليس نتاج لتطور اجتماعي ولكنه طفرة فردية تجعله قادر على صنع قدره بالقفز عاليا من أسفل السلم الاجتماعي والوصول لأعلاه. هنا تتشكل ذهنية الجريمة الكاملة في وعي راسكولنيكوف والتي يكتبها أولا في شكل مقال صحفي ثم يطورها لكي تصبح فعل حقيقي عند قتله للمرابية العجوز القملة التي تمتص دم الناس ولا فائدة ترجي منها حسب تعبيره. لكن راسكولنيكوف في موقع اخر من الرواية يتراجع امام المواضعة الأخلاقية الاجتماعية في حالة صونيا البغي صغيرة السن والتي تمارس الدعارة لأجل ان تؤمن الطعام لإخوتها الصغار، يهينها راسكولنيكوف ويتهمها بالوضاعة والاكل من ثديها، لكن صونيا التي تقع في حبه تبرر نفسها امامه بانها لا تفعل ذلك الا مضطرة لكي تحافظ على حياتها وحياة اخوتها، في الأخير تعتزل صونيا طريقها القديم وتنذر نفسها لخدمة المسيح والتي تراها في النفي الاختياري للعيش قرب راسكولنيكوف في سجنه الثلجي البعيد.

* يظهر سؤال الكفاءة الاجتماعية مرة اخري لكن بشكل حق الوراثة كما في شخصية سفدريجايلوف، هنا فان الغني صاحب النبالة بالوراثة والذي يريد ان يمتلك أي شيء تتمناه رغباته الذاتية يمثل موقع عدو للمجتمع الذي ليس لديه القدرة على مسائلته او التأثير عليه، هنا فان سفدريجايلوف المدعوم بسطوة الحق الوراثي التقليدي يستطيع ان يفعل مباشرة بدون ان يفكر حول شرعية رغباته، لكنه ينهزم امام دونيا اخت راسكولينكوف والتي تمثل المقابل الاجتماعي لحق التفوق الفردي المطلق عند القرينين. فدونيا تدخل اولا في جدال حامي مع اخيها راسكولنيكوف والذي يتهمها بان تهين نفسها بالزواج من رجل غني لأجل انقاذ وضع اسرتها الفقير، لكن دونيا تجادل بان اختيارها للزواج من رجل غني ليس ضد ارادتها، بل ارادتها هي استغلال فرصتها لأجل تحسين شرطها وشرط اسرتها الاجتماعي، بالطرق الشرعية وعبر الاقتران برجل غني. يتكرر مشهد الجدل الحامي لدونيا مع القرين الاخر سبيدرجالوف والذي يقوم بالإغلاق عليها داخل غرفته بشرطين: الاول ان تخضع لرغباته، والثاني ان تقتله باستعمال مسدس وضعه امامها، في الحالتين يريد من دونيا اثبات ان الشرط الفردي لتحقيق الرغبة هو أمكان الحياة الوحيد، لكن دونيا تظهر مرة اخري كمتكلم اجتماعي للعصر الجديد، فهي ترفض كلا الخيارين التي يعرضهما عليها، فهي حرة في ان تمنح نفسها لمن تشاء ولن تخضع لمن لا ترغب به، كما انها لا تملك الحق في قتله، بعد مجادلة عنيفة ومثيرة ينهزم سبيدرجالوف امام إصرار دونيا ويتركها تذهب لحال سبيلها. في القرينين اكتملت الجريمة والتي حدثت بسبب ممارسة حق التفوق الفردي على الاجتماعي، لكن ما العقاب المناسب لكلا منهما؟

* يختلف مصير العقاب للقرينين راسكولنيكوف وسفدريجايلوف. ففي حين ان راسكولنيكوف تهزمه صورة الفعل التي يمثلها حالة المحقق بيتروفيتش الذي يكشف نواياه تنفيذ جريمة مكتملة بتحليل مقاله عن الجريمة الكاملة، والذي بخبرته النفسية المتفوقة ولكن المندمجة في الدور الاجتماعي يترك راسكولنيكوف يقرر بنفسه كيفية مواجهه صورة الفعل الاجرامي، هنا فان راسكولنيكوف تخضعه قوة صورة الفعل ومحاسبة الجانب الأخلاقي للوعي. وكما يتنبأ المحقق بيتروفيتش فان راسكولنيكوف سيطلب ببساطة ان يتم إنزال العقاب عليه، فمقابل الجريمة يوجد العقاب العادل الذي هو الشرط الوحيد لاستمرار الحياة. لكن مصير العقاب لسفدريجايلوف صاحب الامتياز الذي يمثل سطوة العالم القديم يختلف، فالامتياز القديم لا أحد بمقدوره عقابه لأنه مؤسس في زمن خارج عن زمن المعاصرة، هنا فان القديم لابد ان تنتهي ليسمح للزمن الحديث بالظهور، زمن دونيا (اخت راسكولنيكوف) الحداثة وفعل تبرير المصلحة وطلب الربح، هنا ينتهي زمن القتلة الذين يقتلون بدافع الفكرة او الرغبة في القتل لا أكثر، وينتهي سفدريجايلوف بيده بان يفجر راسه صباحا في ميناء السفن وهو يصرخ امام الحارس: "وداعا، انني ذاهب الى امريكا"!

* في الأخير فان رواية الجريمة والعقاب عمل روائي غني كثيف يمكن دائما قراءته واستخراج صورة نقدية منه، لكنها صورة لن تمثل أكثر من قطعة فسيفساء صغيرة في كامل ضخامة العالم الروائي، لذلك فصورة الناقد لا تستطيع ان تحل بديل عن قراءة الرواية، والتي تكون مجرد قطعة جانبية امام انفتاح كامل المشهد العصي على التصور الا من قبل قارئه الأصل.

------------------------
* كاتب وباحث
omer1@gmail.com



الاثنين، 7 مايو 2018

الصراع بين المهدي والعلماء


الناشر: هيئة الخرطوم للصحافة والنشر
الطبعة الثالثة: 2014 






* وصف الرائد مكي شبيكة هذا الكتاب حين صدوره أول مرة في 1968 بالبحث المبتكر، لجهة بحثه في صراع المهدي الديني/الفكري مع معارضيه، بدلا عن ذلك التركيز المتواتر عند الباحثين على الناحية السياسية من أحداث صراعه/حروبه مع الحكم التركي، وبرأي المؤلف يشرح هذا الصراع أو يشير لطبيعة وجدان الجمهور السوداني ذي المنحى الصوفي/الشيعي، الذي استطاع المهدي التعامل معه والتغلغل إليه، بينما فشلت جهود جمهرة العلماء الأزهريين المرتبطين بالحكم التركي والمنطلقين من وجهة نظر سُنية لا تعتقد في فكرة المهدي المنتظر، في صرف السودانيين، المستعدين للتغيير والثورة بسبب جور التركية، عن الالتفاف حول المهدي، وقد أبرز المؤلف وجهتي نظر هذا الخلاف أو الصراع في مظانه المختلفة من رسائل وكتابات أولئك العلماء والمهدي، كذلك شمل الكتاب فصل بعنوان (المهدية والكبابيش: نحو مشروعية المعارضة) أضافه المؤلف في الطبعة الثانية للكتاب، وجاء كبعد آخر لاهتمامه بالمهدية كما يقول، ولعدم قبوله بتلك البحوث التاريخية الكثيرة التي نظرت في كل احتجاج واجه المهدية كجزء من متاعبها، وليس كمعارضة مكتملة الاركان ومستحقة الاسم والمشروعية.