الاثنين، 14 ديسمبر 2020

سيرة نصر حامد أبوزيد


الناشر: الكتب خان للنشر والتوزيع-القاهرة

تاريخ النشر: 2010


* في مايو 1992 تقدم نصر حامد أبوزيد (1943-2010) بأوراقه لقسم اللغة العربية بجامعة القاهرة لنيل درجة أستاذ، تقدم وفي جعبته عدد من البحوث وكتابين كان قد ذاع صيتهم بين المثقفين، بيد أن لجنة الترقيات رفضت ترقيته، بسبب ضغط واحد من أعضاءها، عبد الصبور شاهين الاستاذ الجامعي والخطيب في أحد المساجد المصرية، ليتطور الأمر بعد خطبة شاهين الدينية في جامع عمرو بن العاص بمصر القديمة، ويصل لإعلان نصر أبوزيد الباحث الأكاديمي مرتداً من قبل المحكمة، وأنه يجب التفريق بينه وبين زوجته، مما دفعهما هو وزوجته الدكتورة ابتهال يونس لمغادرة مصر في 1995، وفي هذا الكتاب قامت إستر نيلسون، أستاذة دراسات دينية أمريكية، بعد أن قرأت مقالاً عن قضية/قصة نصر حامد أبوزيد، في جريدة النيويوركر الأميركية، قامت بالتواصل معه والاقتراح عليه ليقوم بكتابة كتاب عن نفسه، يوضح فيه مسار رحلته البحثية، وليس فقط حول الأحداث التي أدت إلى نفيه، ليثمر تعاونهما معاً في انتاج هذه السيرة، وفيها يعود أبوزيد لسنوات طفولته في قحافة/طنطا، متحدثاً عن نشأته فيها وعن والده ووالدته ذات المراس الصعب وحفظه للقرآن منذ كان في الثامنة من عمره، ليقول إنه كان تلميذاً متفوقاً وإنه كان يقرأ لأصدقاء والده الذين لايعرفون القراءة، لكنهم مع ذلك كانوا يصوبون له أخطاءه ويشرحون له السياق الذي تأتي فيه أخبار الجريدة، ليقول أن ذلك عَلّمَه مبكراً أن معرفة القراءة لاتجعل الإنسان مباشرةً مثقفاً أو حكيماً، ونبهه لضرورة انطلاق أو ارتباط الباحث بواقع الناس ومجابهته لأسئلة العصر، وفي مجاله الدراسات الإسلامية، يحكي حامد أبوزيد عن تردده، في بواكير حياته الأكاديمية، في التخصص باحثاً في قسم الدراسات الإسلامية، وهو الذي كان يعرف، كيف خُنق من قبل في هذه القسم صوت، كل من علي عبد الرازق وطه حسين ومحمد أحمد خلف، فمشكلة الدراسات الإسلامية في كل العالم الإسلامي، أن بحوثها مجرد وعظ، كما يقول، وأنها لا تريد تطبيق قواعد البحث العلمي على دراسة الإسلام، كما شمل الكتاب أيضا حديثه عن علاقته بشقيقاته وزوجته ابتهال، وعن تجربته في البحث والتدريس وعما تعلمه، في كل من الولايات المتحدة الأميركية واليابان، وفي هولندا التي كانت قد استقبلته استاذاً للغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة لايدن، بعد أن ضاق به الحال في مصر، ورغم وجود طلبة له عديدين في تلك البلدان، حكى كثيراً عن توقيرهم له، لكنه ينقل حزنه من إنه لا يستطيع التدريس في جامعة القاهرة لطلاب مصريين، ويحكي عن حسرته في ان جامعة القاهرة، ليست ذلك المكان المقدس لتبادل الأراء وانتاج الأفكار.


الأربعاء، 9 ديسمبر 2020

الدين والعرف في مجتمع مسلم


اسم الكتاب: الدين و العرف في مجتمع مسلم مجتمع البرتي السوداني

المؤلف: لاديسلاف هولي

المترجم: د. عثمان محمد عثمان علي

الناشر: مطبعة جامعة الخرطوم

تاريخ النشر: 2013





عرض: هشام مكي حنفي

* هذا الكتاب بحث أنثروبولوجي متفرد في موضوعه يتناول الممارسات والطقوس والعادات الاجتماعية التي تمارس في مجتمع قبيلة البرتي السودانية، وكما يقول المترجم في المقدمة إن المؤلف يحاول مناقشة المناهج المختلفة لدراسة تنوع الرؤى في الإسلام. يتناول البحث ما هو ديني و ما هو عرفي تقليدي موضحاً ما يقوم به الرجال وما تقوم به النساء من ممارسات على أساس هذا التصنيف، يصل الكاتب إلى نتيجة مثيرة للانتباه توضح أن الممارسات والطقوس التي يعتقد البرتي أنها دينية وترجع للإسلام يقتصر الإشراف على أدائها على الرجال ويقدم كثير من الأمثلة على ذلك مثل مهنة تعليم القرآن و المعالجة به وكتابة الرقي وفك الأعمال السحرية والتوسل لجلب البركة وغير ذلك، بينما الأعمال الطقسية المتوارثة من ما قبل الإسلام والمتعلقة بطقوس العبور والولادة ومباركة الأزواج الجدد وطقوس الخصب المتعلقة بالزراعة والحصاد وغيرها من شؤون الحياة فتتولاها النسوة المسنات. كذلك يقول الدكتور عثمان في تقديمه لهذا الكتاب أنه ليس مجرد دراسة إثنوقرافية للطقوس و العقيدة والنوع في مجتمع أفريقي فحسب، لكنه يقدم حسب وصفه إسهاماً كبيراً في النقاش الانثروبولوجي الحالي حول تفسير و معنى الطقوس و الرموز أيضاً.

* الكتاب دراسة ميدانية متعمقة تمت على مدى سنوات عاش فيها الكاتب وزوجته في عدد من قرى البرتي و جمع مادتها من معايشة القرويين عبر الملاحظة والسؤال واللمقابلات الفردية والجماعية، وقد تم ذلك في الفترة ما بين عقدي الستينات و الثمانينات حيث زار المؤلف المنطقة ست مرات ما بين العام 1961 و العام 1986 وبقي خلالها لفترات تفاوتت ما بين ثلاثة و تسعة شهور بلغت في مجملها أكثر من ثلاث سنوات، فتكونت من هذه الحصيلة مادة ثرة بينت تداخل القديم والمستحدث وكيف تتعامل المنظومات الثقافية مع العناصر الوافدة إليها و تستوعبها ضمن نسيجها، كما يستعرض الكتاب الأساطير القديمة المؤسسة للبناء المعرفي للبرتي خصوصاً فيما يتعلق بتقسيم العمل و توزيع أدوار النساء والرجال وتأسيس قيم وضوابط الحياة.


* كذلك الكتاب يمثل إضافة معرفية ثرة و إضاءة قيِّمَة لجوانب من حياتنا ما زال يعتريها التعتيم و عدم المعرفة في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لمعرفة تكويننا الثقافي لنستطيع خلق هوية سودانية قائمة على المعرفة الحق و ليس مجرد التعلق العاطفي أو التهويم النظري الهش.

* بالإضافة للهوامش و بعض الجمل الاعتراضية التفسيرية، أجرى المترجم لقاءات مع بعض الأفراد من قبيلة البرتي في مدينة مليط التي هي المركز الرئيس لهم و مقر ملكهم خلال العام 2013، قام فيها بإعادة إلقاء بعض أسئلة البحث عليهم لتأكيد أو مراجعة صحة بعض المعلومات الواردة في الكتاب و بناء على هذه الإفادات حاول نفي بعض النتائج التي توصل إليها المؤلف على الرغم من بعد الشقة الزمنية و اختلاف الأجيال و عوامل أخرى كالتأثير الناتج عن الجو السياسي و الفكري الخانق الذي كان مهيمناً خلال العام 2013 و مدى اختلافه عن جو التسامح الذي كان سائداً وقت جمع البيانات التي بنى عليها المؤلف تحليله. بشكل عام يمكن القول أن المترجم أبقى على النص الأصلي للكتاب كما أشار لذلك في المقدمة باستثناء الإضافات المشار لها سابقاً، حيث يقول أنه "عكف على إجراء ترجمة دقيقة للنص الأصلي" و رأى "ضرورة التحقق من بعض التسميات و المصطلحات المحلية و بعض البيانات و المعلومات .....و إظهار الاختلاف أو التناقض حيث وجد في هوامش جديدة".

* صدر الكتاب في الأصل باللغة الانقليزية بعنوان (Religion and Custom in a Muslim Society: The Berti of Sudan) في العام 1991 عن مطبعة جامعة كمبردج، ثم  صدر باللغة العربية بعنوان (ترجمة و تحقُق في كتاب لاديسلاف  هولي: الدين و العرف في مجتمع مسلم مجتمع البرتي السوداني) في العام 2013 بترجمة د. عثمان محمد عثمان الأستاذ بقسم علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة الخرطوم عن مطبعة جامعة الخرطوم. المؤلف لاديسلاڤ هولي (Ladislav Holy) شيكي الأصل (Czech) عمل أستاذاً للأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة سانت أندروز الاسكتلندية 1987-1997. الكتاب يقع في 234 صفحة و هو مقسم إلى تسعة فصول و ملحق لشرح المصطلحات و ثبت للمراجع التي استخدمها المؤلف لاديسلاڤ هولي.


الأربعاء، 4 نوفمبر 2020

هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي السوداني



اسم الكتاب: هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي السوداني

اعداد وتحرير: د. صديق الزيلعي

الناشر: مركز آفاق جديدة-المملكة المتحدة

تاريخ النشر: 2016





عرض: هشام مكي حنفي


* هذا الكتاب (هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي السوداني) من إعداد و تحرير د. صديق الزيلعي و هو أكاديمي و كاتب سوداني متخصص في العلوم السياسية، تخرج من كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم ثم نال درجتي الماجستير و الدكتوراة من جامعة مانشستر. وقد جاء الكتاب في 480 صفحة من القطع الكبير، وهو مجهود ضخم ضم 27 ورقة تناولت تشابكات السياسة والفكر في السودان على مدى العقود الفائتة، السؤال المحوري الذي قدمه المحرر دار حول إمكانية تجديد الحزب الشيوعي السوداني في ظل المتغيرات العالمية والمحلية المتمثلة في نهاية التجربة الاشتراكية والنقد الذي قدم للتجربة وللنظرية الماركسية ثم النقلات الكبيرة التي حدثت في حقل العلوم السياسية بالإضافة للتطور الفكري والنظري والعلمي والتكنولوجي وجملة متغيرات العصر. الكتاب صدر متزامناً مع الذكرى السبعين لتأسيس الحزب الشيوعي (1946- 2016)، وقد استخدم المحرر العبارة السابقة بخصوص الذكرى كعنوان جانبي إضافة لقوله في مقدمة الكتاب "تمر هذا العام الذكرى السبعون لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني وهي ذكرى هامة تستدعي وقفات متعددة. وقد قمنا بإرسال دعوات و وجدنا استجابة فاقت توقعاتنا ... وصارت أقرب لمؤتمر علمي حول قضية تجديد الحزب الشيوعي"، هكذا قيم د. الزيلعي حصيلة الاستجابة للمساهمة في الكتاب بوصفها أقرب لمؤتمر علمي وهو محق فكثير من الأوراق لها قيمة فكرية عالية وغالبية المشاركين هم باحثون أكاديميون أصحاب مساهمات متميزة في حقول المعرفة المختلفة.


* يبدأ الكتاب بمقدمة (توطئة) تستعرض الأوراق المنشورة ضمنه، ثم ورقة افتتاحية للمحرر نفسه بمثابة تأطير نظري تناول فيها قضية التجديد وبعض ما اعتبره مواقف تجديدية للحزب الشيوعي السوداني، ثم بعض مظاهر الجمود والسلفية الشيوعية وقضايا أخرى وصولاً إلى الخلاف حول اسم الحزب. 

المساهمات اللاحقة في الكِتاب كانت لعدد 25 من الكُتاب السودانيين المرموقين ذوي المساهمات المشهودة في مجالات السياسة والفكر، وقد استكتب د. الزيلعي هذه المجموعة من الكُتاب للرد على السؤال المحوري للكِتاب (هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي السوداني؟). تراوحت استجابة الأوراق من حيث الالتزام بالموضوع المطروح للنقاش ما بين الإجابات المباشرة والإجابات الفلسفية العميقة التي تناولت الأمر كمكون ضمن عناصر فسيفساء السياسة السودانية. وما بين الإجابات الصمدية المنطلقة من حيز الانتماء إلى تلك المنفتحة على آفاق التفكير الحر. كذلك حوى الكتاب ورقة هي عبارة عن تلخيص لحصيلة نشاطين استقصائيين الأول كان نتائج استبيان تم توزيعه على مجموعة من الشيوعيين والديمقراطيين والنشاط الآخر ورشة عقدت خلال مايو 2016 لمناقشة قضية تجديد الحزب وما يتعلق بها من أسئلة، لم يوضح المحرر أسماء القائمين على الدراسة ربما لظروف السرية في ذلك الوقت.


* معظم مساهمات الكتاب متميزة وذات قيمة عالية، منها على سبيل المثال لا الحصر مساهمة الراحل بروفيسور الطيب زين العابدين الذي يقول عن فكرة الكتاب القائمة على إشراك كتاب من وجهات فكرية وسياسية مختلفة بل ومتناحرة "أعجبتني الفكرة التي تدل على نضوج سياسي ظللنا نفتقده لسنوات طويلة ... خاصة بين الأحزاب العقائدية المتشاكسة" ومساهمة د. النور حمد التي يقول فيها "إن اللافتات القديمة التي تقسمت تحتها قوى اليسار لم تعد صالحة كأطروحات و لا كأوعية تنظيمية" و يقدم فيها عوضاً عن ذلك دعوة جريئة لتوحد القوى التي يعدها في اليسار والتي هي كما عددها الحزب الشيوعي، وحزب البعث، والحزب الناصري، وتنظيم الجمهوريين، والمستقلين، والتنظيمات الجهوية المطالبة بانتزاع الحقوق. و مساهمة د. عمرو عباس التي أشار فيها لصعوبة الكتابة عن الحزب الشيوعي لبعض الأسباب الموضوعية بالإضافة لحساسية الحزب الشيوعي السوداني العالية تجاه النقد. و مساهمة د. أحمد عثمان عمر التي ناقش فيها بعض أفكار الراحل محمد إبراهيم نقد التي كان قد سبق نشرها في خمس مقالات على صحيفة البيان الإماراتية. وكذلك ورقة د. محمد محمود ذات القيمة التاريخية و النظرية العالية والتي أرجو أن يطلع عليها ويقف عندها كل الشيوعيين واليساريين السودانيين بل وكل مهتم بالشأن السياسي في السودان، و قد تطرق فيها لجذور النزاع داخل الحزب بين الرؤى اليسارية المنغلقة والرؤى الأكثر انفتاحاً التي كانت تحلم بتشكيل تنظيم يسار عريض يتبنى القضايا الأساسية والجوهرية للشعب السوداني خلافاً للشكل اللينيني، وانتهى مؤلف الورقة إلى "أن أزمة اليسار السوداني ... ليس بأزمة فكرية أو أزمة برنامج، بل أزمة ذات طبيعة عملية و مباشرة .... أزمة وعاء تنظيمي جامع يصوغ عناصر برنامج الحد الأدنى الذي يجذب و يفجر طاقات أكبر عدد من التقدميين"، كذلك مساهمة د.  صديق الزيلعي المعنونة ب (مقدمة في نقد المركزية الديمقراطية) وهي تلامس جوهر المعوقات التي تعيق محاولات تجديد الحزب في الواقع. 


* اشتمل الكتاب كذلك على مقالات للبروفيسور فاروق محمد إبراهيم و الراحل الأستاذ التجاني الطيب و الصحفي الذي رحل مؤخراً الأستاذ خالد العبيد الذي تطرق في مساهمته لعلاقة الحزب الشيوعي بالمنظمات الجماهيرية الملتفة حوله متخذاً اتحاد الشباب نموذجاً و تناول حالات الشد والجذب الذي يطبع هذه العلاقة والأستاذ عبد العزيز الصاوي وبعض أعضاء اللجنة المركزية للحزب وآخرين.

الكتاب مهم جداً ويمثل إضافة فعلية للأدبيات السياسية السودانية كما يمثل مرجع محترم لدارسي العلوم السياسية، يميز الكتاب سلاسته ربما لحيوية المناقشة وتمكن الكاتبين.


الجمعة، 23 أكتوبر 2020

أشواق مؤجلة


الناشر: دار الحوار للنشر والتوزيع-اللاذقية/سوريا

تاريخ النشر: 2017



* ليست جميع أحداث هذه الرواية حقيقية، هذا ما جاء في الصفحة الأولى لهذا الكتاب، وربما يُهم قراء كثيرون، خاصةً في سلوفاكيا والتشيك وبلدان أوروبا الوسطى والاتحاد السوفيتي سابقاً، معرفة ماهو الحقيقي وغير الحقيقي أو الخيالي فيما تناوله الكتاب من أحداث وتفاصيل، كان أثرها عظيماً في تلك البلدان، لكن بالنسبة لقراء من خارج دائرة التأثير المباشر لتلك الأحداث والوقائع، تكمن حقيقة هذا الكتاب أو أهميته، في قدرته على تقديم سردية كاشفة وشيقة، لطبيعة دولة الحزب الواحد وطابع فسادها السياسي والإداري، أو تحكمها الحزبي/البوليسى، الذي يطفئ حياة الناس ويعدم فرص أي تطور ممكن للدولة أو للمجتمع، وقد تناول المؤلف تلك الأحداث من خلال سرد حكايته عنها، أو من خلال حضوره وبصحبة آخرين لتلك الوقائع، كأحداث اجتياح الاتحاد السوفيتي لتشيكوسلفاكيا 1968 التي أخمدت تطلعات (ربيع براغ) الإصلاحية وأجبرت ألكسندر دوبشتيك رئيس تشيكوسلوفاكيا يومها على التنازل، وكان المؤلف قد سافر قبل شهور من ذلك الإجتياح، مع فريق جامعته إلى أوكرانيا/الاتحاد السوفيتي للعب مباراة في الكرة الطائرة مع فريق جامعتها الرياضي، ليلتقي هناك بألكسندرا يوسيفوفنا غوسيفا ويقع كلاهما في الحب، وتلتحق يوسيفوفنا كموظفة إدارية بالجيوش الغازية لتشيكوسلوفاكيا فَرِحَة، لظنها أنها تلبي حاجة بلاد حبيبها للمساعدة الأممية، ويلتقي المؤلف في ذات الفترة بالطالب اليساري توماس أنكرمان في برلين ضمن ثلاثة آلاف طالب وطالبة احتشدوا للتنديد بالعدوان الأمريكي على فيتنام، كما يسرد الكتاب حكايته لأحداث انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط جدار برلين، والصراع السياسى في سلوفاكيا أو لهاث اقتسام السلطة، بعد سقوط سلطة الحزب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا، وقيام دولتي سلوفاكيا والتشيك، وقد جاء الكتاب في قالب اليوميات متنقلاً عبر مدن أوروبية وسوفيتية مثل كييف/ موسكو/ كولودني/ براغ/ براتيسلافا/ بيشتاني/ برلين/ بون/ متخذاً اسماءها كعناوين لفصول روايته/حكايته، وهي المدن التي جرت فيها حياة/حكاية أولئك الأشخاص الثلاثة، في الفترة من 1968 وحتى 2006 زمان وقوع تلك الأحداث. مؤلف هذا الكتاب يوزيف باناش دبلوماسي وكاتب من سلوفاكيا.


الأحد، 18 أكتوبر 2020

أدوات الحكم في السودان

 اسم الكتاب: أدوات الحكم و الولاية في السودان

المؤلف: محمد إبراهيم أبو سليم

الناشر: دار الجيل بيروت

تاريخ النشر: 1992

عرض: هشام مكي حنفي


* بروفيسور محمد ابراهيم أبو سليم (1927-2004) مؤرخ سوداني وخبير وثائق معروف، وهو أول من تولى إدارة دار الوثائق السودانية، له العديد من المؤلفات المهمة، من أشهرها منشورات الإمام المهدي، وفي هذا الكتاب يتناول أبوسليم الأدوات التي استخدمها الحكام في تاريخ السودان القديم و ما بعده، لقضاء أمور الحكم و الإدارة، أو كرموز دالة على السلطة و السيادة، ويتتبع الكتاب انتقال عدد من هذه الأدوات إلى رجال الدين (أولياء الله) الذين اتخذوا بعضها كرموز دالة على السلطة الروحية والولاية الدينية.


* اعتمدت مادة الكتاب على الوثائق، وهي حقل أبو سليم الأثير، كما اعتمدت على الزيارات الميدانية و مشاهداته وشهادات العديد من الرواة. تحدث المؤلف باستفاضة عن الأدوات التي رصدها كالعصا المشعبة، و الككر، والطاقية أم قرينات، والجبة، والجوخ، والقفطان، والخف، والنحاس، والرايات، والأبواق، وأنواع السيوف المميزة، و استفاض أكثر في عرض تاريخ وحال (النحاسات) وهي الطبول الخاصة بالمملكة أو القبيلة، كونها أهم مظاهر السلطة عند ملوك و سلاطين الممالك، وعند شيوخ و زعماء القبائل، كما تتبع مصائر هذه (النحاسات) بعد قيام الدولة المهدية التي صادرتها من الممالك و القبائل التي وقعت تحت سيطرتها. 


* تناول المؤلف كل من هذه الأدوات بالشرح المفصل، مستعيناً برسوم توضيحية ومبيناً استخدام كل أداة و ما كان منها خاصاً بالملوك و الأولياء، وماهو مشترك مع العامة، وخصص الكاتب القسم الأول لأدوات الجلوس كالككر و العنقريب متتبعاً طريقة صناعة كل منهما وتاريخه و أصل الكلمة في اللغات السودانية. وتناول القسم الثاني اللباس وشمل الخرقة التي هي لباس الصوفية المرقع و منها خرقة الولي أبو دليق و ما يلفت النظر هنا أن (دليق) أو (دلق) هي أصل كلمة دلقان السودانية والتي تعني الخرقة وان الكلمة نوبية كما يبين المؤلف، وهناك خرقة الولي صالح بانقا وغيرهما من شيوخ الصوفية، كذلك شمل الفصل لبس الملوك و الأولياء و قبعاتهم ومنها الطاقية أم قرنين أو أم قرينات والعمامة والشال والكساوي الخاصة. أما القسم الثالث فاستعرض المركوب، الابريق و الركوة، الفروة و السجادة، السبحة، المبخرة، العصا، السوط، الحربة، السيف، البوق، القدح، اللوح، الخيل و السرج، الدرع، الشمسية و الهبَّابة، الختم والخاتم، السكة، الألوان و الرايات.


* وخصص المؤلف القسم الرابع للآلات الإيقاعية و استفاض في ذكر وظائفها وأهميتها الوظيفية والسيادية، وحرص كل من الزعماء والشيوخ الدينيين على اقتنائها و العناية بها وصيانتها من الفقد و التلف، وهي كما حصرها الكتاب الطبل، النوبة، الطار، النحاس، الدلوكة، الدربوكة، الشتم، البنقز، الرق، الجرس، النقارة. واهتم المؤلف بالنحاس بشكل خاص، لما له من أهمية خاصة كونه يمثل الرمز السيادي للملكة أو القبيلة ويرمز لعزتها و كنينونتها الوجودية، فخصص الفصلين الخامس و السادس للحديث عن النحاس، حيث تناول في الخامس (نحاسات) بعض الدول المجاورة للسودان، وعند سلاطين الفونج والفور، ثم علاقة المهدية بالنحاس و استيلاء المهدي و خليفته من بعده على (النحاسات) و الجد في طلبها لتجميعها في أم درمان كرمزية لتجميع كل السلطات في يد قائد الدولة الجديدة. تم تطرق كذلك لتعامل دولة الحكم الثنائي مع (النحاس) واستغلالها لقيمته المعنوية الكبيرة في استمالة بعض الزعماء بمساعدتهم على صيانة (نحاساتهم) أو حتى شراء (نحاسات) جديدة لهم أو نزع (النحاس) من الزعماء الذين يراد معاقبتهم أو ترويضهم. وتناول الفصل السادس (نحاسات) خمس و عشرين قبيلة و إثنية سودانية مفصلاً في تاريخها و النزاعات التي دارت حولها ومصيرها خلال و بعد المهدية و المحفوظ منها الآن و مكانه وإلى غير ذلك من تفاصيل متعلقة بها.


* يشكل الكتاب بحث أنثروبولوجي فريد في حقل من حقول التاريخ و الثقافة المادية السودانية، لم يجد العناية الكافية وما يزال مفتوح للمزيد من البحث، كما أنه يشكل مادة ثرة و ممتعة للباحثين في الشأن السوداني ويساعد على تعميق المعرفة ببعض أوجه التاريخ السوداني و عناصره الحضارية.


الجمعة، 16 أكتوبر 2020

سيرة عمر خيري

 



* عمر خيري (1939-1999) أو جورج إدوارد اسكونككر، كما كان يسمي نفسه، تشكيلي سوداني عظيم الموهبة وصاحب انتاح غزير، يُقدِر مؤلف هذا الكتاب، وفق مقارنة عقدها بين عدد المعارض التي اقامها عمر خيري وعدد اللوحات المفترض عرضها في كل معرض، أنه ربما يكون انتج 750 عملاً، وجاء في مقدمة الكتاب ( قُصد من هذه الدراسة أن توثق لحياة وأعمال الفنان الراحل عمر خيري. ومن جهة التوثيق لحياته، استهدفت الدراسة رسم المسار العام لحياته وتعيين الاحداث المهمة فيها، وابانة المصادر التي يمكن اعتمادها للتوسع في التوثيق لحياته .. ومن جهة التوثيق لأعماله استهدفت الدراسة حصر الاعمال المتوفرة حالياً داخل السودان، وترتيبها وتصنيفها حسب تاريخ انتاجها ومحتوياتها وبعض خصائصها الشكلية والأسلوبية) واشتمل الكتاب على سيرة لعمر خيري نسجها المؤلف معتمداً على ثلاث مقالات كُتبت حوله، وعلى مقابلات قام بها مع بعض من زملاء وأقارب عمر خيري، وعلى مخطوطات له، كما شمل الكتاب مائة لوحة من أعمال عمر خيري، توزعت سيرته بينها الى ثلاثة فصول جاءت على النحو التالي: الفصل الأول: سيرة عمر خيري (مقدمة، السيرة الباكرة، حياته الأسرية والمهنية) وفي الفصل الثاني: آثار عمر خيري المكتوبة (مقدمة، الوقائع الأساسية في حياة جورج إدوارد اسكونككر، نصوص حول فن الرسم) وفي الثالث: أعمال عمر خيري الفنية (مقدمة، الخصائص الفنية لأعمال الفنان عمر خيري) وفي خاتمة الكتاب يكتب المؤلف: (ما ترسمه الصفحات السابقة ليس الا صورة خارجية تتبع الملامح العامة لحياة الفنان عمر خيري، دون أن تغوص في تعقيداتها، أو تتعرض للاسئلة الكثيرة التي تثيرها سيرته. ومن هذه الأسئلة ما يخص التاريخ القريب للثقافة في السودان، مثل صعود مكانة النخبة الوطنية المرتبطة بالدولة الحديثة وفضائها المديني، وظهور ما يُعرف بالمجال العام الذي تبلور فيه نمط جديد من الفاعلية الاجتماعية يعتمد على ثقافة الفرد..) وتستمر الخاتمة في عرض الكثير من الأسئلة من نوع : ما مكانة عمر خيري في تاريخ الفن التشكيلي الحديث في السودان؟ واسئلة اخرى مثل: كيف نفهم اعجاب عمر خيري الصريح بثقافة وتاريخ المجتمعات الاوربية؟ وكيف تأتى لعمر خيري أن يكتسب أسلوبه المميز في الرسم في وقت مبكر من عمره؟ وغيرها من الأسئلة التي لم يجب عليها المؤلف كاتباً (بالطبع لا نطمع في التوصل لإجابات شافية لهذه الاسئلة، كما لا يسمح سياق هذا البحث وحجمه بالشروع في البحث عن اجابات لهذه الاسئلة. ولكن من المؤكد أن إثارة هذه الاسئلة من شأنها ان تضئ لنا الدرب في ما يتعلق بتحليل شخصية عمر خيري ضمن رؤية نقدية لذلك الجيل من الرعيل الأول..) صدر هذا الكتاب في 2008، ضمن مشروع المكتبة التشكيلية لاتحاد التشكيليين السودانيين، على نفقة مجموعة دال.

الخميس، 15 أكتوبر 2020

اللغات السودانية

  


الناشر: مجلس تطوير وترقية اللغات القومية

تاريخ النشر: 2011




عرض: هشام مكي حنفي


* هذا الكتاب من تأليف الأمين أبو منقة وكمال محمد جاه الله، و هو كتيب صغير يقع في 70 صفحة. يتناول اللغات السودانية التي يشير إلى أنها أكثر من مائة لغة، تندرج تحت ثلاث من الأسر اللغوية الأربع التي تُصنف تحتها اللغات المتحدثة في أفريقيا، يستعرض الكتاب تاريخ هذه اللغات وجغرافيا انتشارها والجماعات التي تتحدثها، ويعرفها بوصفها اللغات المستخدمة في السودان، مع ذكر الأصيل منها والمكتسب بعوامل الهجرة والنزوح والتداخل والغلبة وغيرها من عوامل الحراك السكاني. شمل الفصل الأول الفرق بين مفهومي اللغة واللهجة، وأهم ملامح الخريطة اللغوية في السودان، وانتهى بتصنيف اللغات السودانية إلى الأسر الثلاث التي تقع ضمنها وهي الأفرو- آسيوية، والنيلية الصحراوية، والنيجر كردفانية. أما الفصل الثاني فهو مخصص للغة العربية في السودان، تاريخها ولهجاتها وعوامل نشأتها، ثم اللهجة العامية السودانية لينتهى بما أسماه الكاتبان، مدخل إلى السياسات اللغوية في السودان، الذي استعرضا فيه السياسات الرسمية تجاه اللغات في العهود المختلفة ابتداءً بالاستعمار الثنائي، مروراً بكل العهود الوطنية مع التركيز على فترة الإنقاذ. أما الفصل الثالث فقد تناول المناطق اللغوية في السودان والأوضاع اللغوية في كل منطقة منوهاً بوضع اللغات ومشيراً للغات المهددة بالانقراض والعوامل المؤدية لذلك. يمثل الكتاب إضافة مهمة من باحثين مختصين في مجال حيوي وذو ارتباط وثيق بما يدور الآن في المجتمع السوداني، من نقاش حول قضايا السلام و المساواة و التهميش، كما يرتبط بالمعرفة الضرورية واللازمة للانطلاق نحو التعرف على ثقافاتنا و جذور هويتنا. مؤلفا الكتاب بروفيسور الأمين أبو منقة و بروفيسور كمال محمد جاه الله أكاديميان سودانيان مختصان في اللغات الأفريقية.


الاثنين، 12 أكتوبر 2020

الطليعي الأسود

 

الناشر: دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع-الخرطوم

تاريخ النشر: 2020



* أشارت أكثر من مُراجعة لتلك العلاقة بين (الطليعي الأسود) التي نُشرت في الإنجليزية في خمسينات القرن الماضي، وبين (موسم الهجرة إلى الشمال) لجهة موضوعهما المشترك حول العلاقة بين الشرق والغرب، أو بين السودانيين والإنجليز، وقد استطاع الطيب صالح وبواسطة ذلك البناء/المعمار السردي المبدع، الذي تتجلَّى أبرز خطوطه في تلك الانتقالات الرشيقة والمقابلات الموحية، بين مصطفى سعيد والرواي وبين الخرطوم ولندن، أو بين شمال السودان وشمال الكوكب، استطاع أن يمتلك وجهة السرد ويعكس زواية النظر، إذ استبطنت رواية إدوارد عطية نظرة للسودان، أنه بلداً تابعاً ولايمكن لأبناءه وبناته أن يكونوا أنداداً للإنجليز أو للبيض، بيد أنه يمكن النظر لـ(الطليعي الأسود) التي جاء خيطها الرئيسي حول شابين سودانيين كانا أول من درس في أكسفورد، وقد تزوج أحدهم من زميلته الإنجليزية، وعاد ثلاثتهم إلى السودان في فترة عاصفة بالأحداث، يمكن النظر لها كوثيقة/رواية نظرت في العلاقة بين السودانيين والإنجليز حُكاماً ومواطنيين، ونظرت في العلاقة بين الرجل والمرأة وبين النخبة وعموم الشعب، وقد جاء في غلاف الرواية الأخير أنها (دراما تاريخية عن الاختلاف والتقاطع، وعن التصالح والتعايش بين الثقافة والتقاليد السودانية والثقافة الإنجليزية وقيمها وتقاليدها وخاصة تأثيرات الأخيرة على النخبة السودانية-طلائع التحديث..) إدوارد سليم عطية (1903-1964) مؤلف هذه الرواية كاتب وناشط سياسي لبناني/بريطاني، عاش ردحاً من طفولته في السودان، ثم تابع دراسته بكلية فيكتوريا في الاسكندرية وفي جامعة أكسفورد، وعاد ليعمل مدرساً في كلية غردون التذكارية في الخرطوم، ثم مترجماً وضابطاً للعلاقات العامة في مكتب المخابرات في السودان. 


الأربعاء، 23 سبتمبر 2020

سيلين



الناشر: دار الحوار للنشر والتوزيع في اللاذقية/سوريا.
تاريخ النشر: 2010 




* سيلين أو لوي فيردينان ديتوش (1894-1961) كاتب فرنسي صاحب أسلوب خاص ابتكره اعتماداً على الدراجة/المحكية الفرنسية، الأمر الذي يُصعِّب ترجمته إلى لغة أخرى، أو يجعلها بحاجة إلى قلم أديب بارع، فوق كونه مُترجِماً، كما يقول المترجم غازي أبو عقل، الذي تحدث عن تشويه أصاب أدب سيلين في ترجمتين عربيتين لروايتيه ( رحلة إلى آخر الليل/ موت بالتقسيط) ويقول، وتفادياً لهذه الصعوبة في ترجمة سيلين للعربية جاءت ترجمته هذه، التي شملت ثلاثة أقسام/كتب، جاء الأول عن حياة سيلين وماكتبه، مُقتَطفاً من كتاب لناقد فرنسي، والثاني كتاب (سيميلفايس) وهو أطروحة طبية عن معاناة طبيب مجري كان منشغلاً، في القرن قبل الماضي، باكتشاف أسباب انتشار الموت بسبب حمى النِّفاس في أحد المستشفيات، وقد كتبها سيلين لنيل درجة دكتور في الطب، وهو الذي عمل طبيباً في بداية حياته العملية، لكن الطريف أن الإطروحة لم تحفل كثيراً بالمعلومات الطبية، مما دفع بمؤلف كتاب (حياة سيلين) ليسأل، هل كانت لجنة الحكم متساهلة، أم أنهم كانوا مجموعة أدباء سحرتهم لغة أطروحته المتألقة وخروجها عن المألوف؟ وجاء القسم الثالث كتاب (سيلين الفضيحة) لينظر فيما ظل (لوي فيردينان ديتوش) يثيره من جدال، إذ يُوسَم مراراً، عند كثيرين بأنه كاتب عظيم، ولدى أخرين بـ"كاره اليهود" أو اللاسامي المُنكِر لكون الناس سواسية، يقول مؤلف الكتاب هنري جودار؛ المشكلة في هذه الثنائية أو هذا الإنقسام بشأن سيلين، أنه لا يؤدي إلى استخلاص نتائج، وأنه لن يتم الوصول إلى هذه النتائج/الدروس، إلا عبر النظر والتقدير لما قدمه نتاجه للأدب من جهة وحساب مدى لاسامية هذا النتاج من جهة أخرى، فنحن بحاجة متساوية إلى قيمة نتاجه الأدبي وإلى قيمة المساواة بين الناس أجمعين، وسيلين حالة فريدة قادرة، فيما وراء حالته الفردية، على مساعدتنا في ترقية شعورنا بقيمة الأدب وبقيمة المساواة، وجاء القسم الرابع والأخير ضاماً حواراً كان أجري مع سيلين في 1955 لكنه لم ينشر إلا في 1990 تحت عنوان (في البدء كان الإنفعال). غازي أبو عقل مترجم هذا الكتاب كاتب سوري.

الاثنين، 21 سبتمبر 2020

صلاة تشرنوبل




الناشر: مصر العربية للنشر والتوزيع-القاهرة
تاريخ النشر: 2016




* في السادس والعشرين من أبريل 1986 انفجر مفاعل محطة الطاقة تشرنوبل في الاتحاد السوفيتي/أوكرانيا، لينتقل الاشعاع النووي إلى كامل دول أوروبا وفلسطين والكويت وتركيا، كما وصلت ذراته عبر الهواء إلى اليابان والهند والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ليصبح انفجار تشرنوبل، خلال سبعة أيام، مشكلة العالم أجمع، كما جاء في تقرير علمي حول تبعات الانفجار، وتقول المؤلفة بعد تشرنوبل تهاوى الواقع الذي نعرفه، وأصبحت كلمات مثل القريب والبعيد كلمات قديمة، بعد أن سارت سحب تشرنوبل الغائمة فوق كل الكرة الأرضية، ثم تفسح المجال/كتابها الذي جاء في ثلاثة فصول (أرض الموتى/إكليل الأحياء/استعذاب الحزن) تفسحه لشهادات/مونولوجات أناس يتحدثون عن الكارثة، يقول أحد الذين رفضوا الخروج من قريته بعد قرار الإخلاء، بقيت وحدي بعد أن غادر الجميع .. كنت أطعم الحيوانات .. ظننت ان الناس سيعودون، وتقول أخرى تسكن في مدينة قريبة من المفاعل، لم نكن نظن إن المفاعل المعد للأغراض السلمية قادر على القتل، تقول نحن أهل تشرنوبل البؤساء مَنْ يخافنا الجميع، حين خروجنا من مدينتنا مررنا باحدى القرى وافترشنا الأرض، فدعتنا سيدة لقضاء الليل عندها، لكن سيدة أخرى زجرتها ودفعتها بعيداً عنا، قائلة لها (هل أصابك الجنون! إنهم ينقلون العدوى). سفيتلانا أليكسييفيتش صحافية وكاتبة من بيلاروسيا تعتمد الوثيقة والشهادات في كتابتها، نالت جائزة نوبل في 2015. وأحمد صلاح الدين كاتب ومترجم مصري درس اللغة الإنجليزية في جامعة عين شمس-مصر.  

الأربعاء، 19 أغسطس 2020

خارج الجماعة



الناشر: دار سؤال للنشر في بيروت
تاريخ النشر: 2016



* هل إذا جاء النباتيون يوماً إلى السلطة سيفرضون على الناس أكل الخيار والباذنجان بدلاً عن الدجاج والخرفان؟! لا أحد يعلم، وعلى أي حال بات الجميع يضيق بالجميع، المسلمون بغيرهم وفيما بينهم يضيقون، والأوربيون بغيرهم يضيقون، والفرد بالجماعة والجماعة رغم وهنها تشتد قبضتها على الفرد، فهل الحل في التعددية الثقافية وترك كل يفعل مايريد؟ أم في الدولة العلمانية المسيطرة التي تعمل على استيعاب الأقليات وصهرهم في بوتقة واحدة، واضعة مسافة بينها وبين جميع المعتقدات والانتماءات؟ حول هذه الأسئلة يدور الكتاب، ناظراً في تجليات الليبرالية/الفردية وتصوراتها، وفي تجارب التعددية الثقافية وأثارها، ويقول المؤلف إن كتابه ليس دفاعاً عن أيا من الخيارين، بل دفاع عن حرية الإختيار ضد الليبرالية القمعية وضد الجماعية القمعية، لأن العبرة ليست في الانتماء لجماعة أو في الخروج عنها، لكن في حرية الاختيار لأن يعيش المرء انسانيته في غناها الكثيف أو المتعددة الانتماءات. مؤلف هذا الكتاب نادر كاظم باحث وأستاذ جامعي من البحرين، من مؤلفاته تمثيلات الآخر: صورة السود في المتخيل العربي الوسيط/ استعمالات الذاكرة/ الهوية والسرد: دراسات في النظرية والنقد.

الاثنين، 17 أغسطس 2020

حكاية عربية



الناشر: دار الشروق المصرية
تاريخ النشر: الطبعة الثالثة 2017



 * على خلفية واقعة ضرب الإنجليز، في ثمانينات القرن قبل الماضي، للاسكندرية بالمدافع تأتي هذه الحكاية، ورغم ان زمن الحكاية أو متن السرد لم يبارح ذلك الزمان، إلا أن ظلال أو حال العالم العربي اليوم حاضراً بقوة، وقد نسجت المؤلفة في لغة جميلة حكاية مأساة/ملهاة عربية ماتزال فصولها مستمرة إلى اليوم، ففي مملكة (غرة العرب) التي يكافح فيها فقراء لكسب سبل عيشهم ولنيل حقهم من الحب والحياة، ويدفع آخرون بحياتهم لصد عدوان المحتل، نجد السلطان مشغول بنفسه وبكيفية تثبيت أركان ملكه، والتمتع بمايملكه من أموال وجواري، وقد أجبره الإنجليز، بعد زيارة قامت بها ملِكتهم للمملكة أهداها فيها السلطان وزنها ذهباً مرضاةً لقومها، أجبروه على الموافقة بإنشاء محطة لعسكرهم بالمملكة/الجزيرة، وفي غضون ذلك كان ثوار من العبيد الذين يعملون في مزارع السلطان ومن المزارعين والرعاة يستعدون للثورة، وقد أخبر قنصل الإنجليز السلطان بتلك التحركات، لكنه لم يعرها اهتمامه الكثير، وبالفعل استطاع الثوار أقتحام القصر، لكنهم فوجئوا بقصف بوارج الإنجليز تأتي من خلف ظهورهم، فهم رغم تخطيطهم وخططهم للثورة، لم يحسبوا حساباً لذلك، ولم ينتبهوا إلى أن الإنجليز سيتدخلون لحماية السلطان.

الثلاثاء، 28 يوليو 2020

سيرة ناجي العلي



الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت
تاريخ النشر: 1999



* ناجي سليم حسين العلي (1937-1987) رسام كاريكاتير فلسطيني عظيم القدرات، وناقد جذري لأحوال السياسة وخروقات الساسة في الشرق الأوسط، فهو يقول (أنا منحاز لمن هم ضحايا الأكاذيب وأطنان التضليلات..أنا منحاز لمن ينامون في مصر بين القبور، ولمن يخرجون من حواري الخرطوم ليمزقوا بايديهم سلاسلهم، أنا منحاز للذين يقضون في لبنان ليلهم في شحذ السلاح..وأخيراً أنا منحاز لمن يقرأون كتاب الوطن في المخيمات) وفي هذا الكتاب بيان لمسيرة هذا الانحياز، من خلال تقديمه لسيرة ناجي العلي الفنية، مصحوبة بخلفيات تحليلية لأحداث ومعلومات تُضيء تبلور مفاهيمه السياسية/الاجتماعية حول مهمة الكاريكاتير ورؤيته لقضية فلسطين وبترول الخليج الذي دعم قوى اليمين العربي ولوحدة العرب.



* ضم الكتاب 167 لوحة/كاريكاتير من أعماله المُمجِدة للثورة وللثوار، والتي لم تتوقف يوماً عن توجيه سهام نقدها اللاذع لقيادات منظمة التحرير الفلسطينية ولإسرائيل وأمريكا ولحكومات الدول العربية، كرسمه، في نهاية ستينات القرن الماضي، تمثال الحرية، مُعيداً ترتيبه بما يتلاءم مع حقيقة أمريكا كما نعرفها اليوم، حيث قام بتبديل وجه المرأة الذي يرمز للحرية بوجه آخر شيطاني، وجعل الرئيس الأمريكي جونسون يجلس أعلى التمثال بملابس الكاوبوي، ونقش على الكتاب الذي يحمله التمثال قائمة بأسماء منتجات استهلاكية أمريكية شهيرة، ووضع في يد التمثال الأخرى بومة الخراب، بدلاً عن حملها لمشعل الحرية، وهناك لوحته الشاعرية المعبرة التي حيا فيها بيروت بعد الغزو الاسرائيلي لها في 1982.



* وفي المجمل لقد تتبع الكتاب هذه المسيرة منذ لقاء ناجي العلي بغسان كنفاني في 1962 وهو الذي كان وجهه للعمل في الصحافة، حيث بدأ عمله الصحافي/الفني لأول مرة  في الكويت، ثم في لبنان ولندن، التي أغتيل فيها سنة 1987 على يد شخص مجهول، لكن دائرة الاتهام تدور حول إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد كانت الشرطة البريطانية القت القبض على عملاء مزدوجين يعملون مع الموساد وفي منظمة التحرير الفلسطينية، أُشتبه في تورطهم في هذه الجريمة. 



الأربعاء، 1 يوليو 2020

أصوات بديلة


  

اسم الكتاب: أصوات بديلة
المرأة والعرق والوطن في العالم الثالث
تحرير وتقديم: هدى الصدّة
ترجمة: هالة كمال
الناشر: المجلس الأعلى للثقافة- مصر
الطبعة: الاولى 2002




عرض: أسامة عباس

* هذا الكتاب (أصوات بديلة - المرأة والعرق والوطن في العالم الثالث) من تحرير وتقديم هدى الصدة* وترجمة هالة كمال** وقد صدر ضمن سلسلة المشروع القومي للترجمة في القاهرة في 2002 وهو عبارة عن مجموعة مقالات متفرقة حول مفهوم الحركة النسوية ومراحل تطورها والتحديات التي تواجهها وتياراتها المختلفة. وانا هنا اقوم بعرض ثلاث مقالات فقط من هذا الكتاب الذي شمل 15 مقالة ويقع في «492» صفحة من القطع الكبير، وكلها مقالات/صفحات تمتلك نفس الدرجة تقريبا من الأهمية والجاذبية.

ألست أنا أيضا امرأة؟!

* في مقالتها الافتتاحية «أصوات بديلة» المرأة والعرق والوطن، تحاول هدى الصدة الاشتباك مع السؤال الذي يتناسل اسئلة: هل النسوية اختراع غربي؟ وهل هي حبال  اخرى تطيل امد تبعيتنا للغرب؟ خاصة في ظل اختلال توازن القوة العالمية وانفراد الولايات المتحدة الاميركية بلقب الدولة العظمى الوحيدة، وضعف دول وشعوب ومثقفي ما يسمى بالعالم الثالث. وبالتالي، حسب هذه الافتراضات المؤلمة في قوة الغرب المطلقة وضعف الآخرين المطلق، تبرز اسئلة من نوع: كيف يمكن الحديث عن تفاعل بين الحضارات؟ وكيف يكون لـ «النسوية» دورها التحرري المرتجى؟ تقول هدي الصدة إن مثل هذه الاسئلة تتجاهل واقع الحياة والزمن وطبيعة صياغة الافكار وفقاً للمتغيرات الثقافية والزمانية والمكانية، وانتقال الافكار أو الاشخاص وما يحدثه من تفاعل وتأثير وتأثر، أو احلال وتبديل، أو استيعاب وتهجين، فتكون المحصلة النهائية لتلك العملية البالغة في التعقيد، شخصاً جديداً، أو فكرة مختلفة، أو نظرية معدلة، أو احتمالات اخرى مبتكرة، وفقاً لما تسميه بمفهوم الترددات. ولتصل لطرح سؤال آخر هو: ماذا حدث عندما انتقلت النظرية من بلد الى بلد آخر؟ وما هي المتغيرات التي طرأت عليها نتيجة تناولها من خلال رؤى وثقافات مختلفة؟ وتورد مثال الناقدة الأدبية الفرنسية جوليا كريستيفا، البلغارية الاصل ذات الاصول الفكرية والثقافية المختلفة، التي ساهمت في ما يسمى بـ النسوية الفرنسية، ولتتحقق بذلك مفاهيم نظرية قامت على تفاعل الاختلافات لا تصادمها، باعتبارها أساسا للتواصل، وذلك كما تقول «هدى الصدة» هو احد اهم اهداف اصدار هذا الكتاب، التعرف على الاتجاهات المبتكرة التي سارت فيها النسوية نتيجة لمساهمات باحثين وباحثات من كافة الجنسيات والثقافات.. يتبنون الفكر النسوي ويستخدمونه لنقد مواطن الخلل في ثقافاتهم أو في السياسات الثقافية السائدة في مجتمعاتهم، او نقد الممارسات الاستعمارية التي تمارسها بعض الدول الاستعمارية، أو الممارسات القهرية التي تنتهجها بعض الحكومات الاستبدادية، أو نقد السياسات العنصرية التي تميز ضد الناس بسبب اللون أو العرق او النوع الاجتماعي.. وفي بالها أيضا عدم امكانية الحديث عن نظرية نسوية واحدة او اتجاه نسوي واحد، لطبيعة اختلاف الثقافات وبالتالي الاهتمامات. ثم تبين هدى الصدة تطور حركة تحرير النساء، أو ما يُشار اليه بالموجة الاولى من النسوية، والتي بدأت في سنة 1830م واستمرت حتى 1920م، وحينها كان التركيز في الحصول على الحقوق المدنية للنساء في مجتمعاتهم، والتأكيد في المساواة مع الرجال. ثم جاءت الموجة الثانية في سنة 1963م مع ظهور كتاب «الغموض الانثوي»، للاميركية بيتي فريدان، وتتميز تلك الفترة بانتشار مجموعات النهوض بالوعي، وبدخول قضايا النسوية تدرجيا في المؤسسات الاكاديمية، ومواجهتهن للسؤال الاكاديمي، ما هي النسوية؟ وهل هي منهج بحثي ام اتجاه ايديولوجي ام نظرية علمية؟ وفي سبيل الاجابة اشتبكت النسوية مع النظرة الذكورية لدحض افتراضاتها المنحازة «التي دأبت على تجاهل وجهات نظر النساء وتجاربهن ولم تعتبرها مجالات معرفية ذات اهمية». وتتابع الصدة قولها عن مساهمة النسويات في نفض الغبار عن الادعاءات العتيدة في النظريات التقليدية للمعرفة حول حيادية الحقل العلمي، اذ «كشفت الباحثات النسويات عن الذاتية المضمرة في الابحاث العلمية التي تدعي الموضوعية، وبيّنَ كيف أن تلك المناهج الموضوعية تزكي وجهة نظر الذات الذكورية، فتقوم بعملية اقصاء لوجهات النظر الاخرى، منها وجهات نظر النساء ومجموعات مهمشة في المجتمع، وبهذا نجحت النسويات في طرح مفهوم مغاير للموضوعية، وهي الموضوعية التي لا تخفي ذاتية الباحث، وانما تقرها فتحدد موقعها الثقافي والسياسي». وفي جزء آخر من مقالتها الذي جاء بعنوان «ألست انا ايضا امرأة؟ النسوية والأم الهوية» تتحدث هدى: كان الافتراض السابق عند بداية الفكر النسوي ان تجارب النساء جميعا مشتركة، باعتبار القهر الذي يقع عليهن جميعا في المجتمعات المختلفة، بسبب من كونهن نساء، لكن الصرخة التي اطلقتها الاميركية السوداء «سوجورنر تروث» عندما وبخت النسويات البيض الناشطات في القرن التاسع عشر لتجاهلهن مشاكل واهتمامات النساء السود، اذ ذكرت لهن «ألست انا ايضا امرأة؟» ونبهت لوجود الاختلاف، واصبحت تلك الصرخة شعاراً تردده الناقدات النسويات من السود، وصدر عن مجموعة منهن في سنة 1974م بيان يؤكد على بلورة سياسات الهوية او الاخذ في الاعتبار بمسألة الاختلافات العرقية والطبقية والثقافية. وعلى هذا المنوال - كما تقول الصدة - قامت النسويات المنتميات الى ثقافات العالم المختلفة بتحدي التعريفات الراسخة لامرأة العالم الثالث في ادبيات النسوية الغربية، والنظر لموقعهن في التاريخ والمكان وعلاقتهن بالحركات الاجتماعية المختلفة من منطلق تجاربهن كنساء من العالم الثالث، الامر الذي خلق تراثا ثرا للحركة النسوية في كافة اقطار العالم، وجعلها بالتالي مؤهلة وقادرة على النظر في هذا التراث، ونقد ومراجعة بعض منطلقاتها ومذاهبها، ولتتبلور مفاهيم ومصطلحات تساعد في بناء الجسور عبر الثقافات المختلفة، وظهور مفهوم النسوية متعددة الثقافات او النسوية متعددة الجنسيات، واقتراح قيام مفهوم التحالفات متعددة الجنسيات كارضية مشتركة ممكنة بين النسويات.

الذكورة ليست في عضو الذكورة

* وفي مقالتها «المرأة السوداء وصياغة النظرية النسوية» تتحدث «بل هوكس» وهي اميركية سوداء، عن ان التوجه النسوي في الولايات المتحدة الاميركية لم يصدر ابداً عن النساء الاكثر معاناة.. واللائي يمثلن الاغلبية الصامتة.. وتنتقد في هذا السياق، كتاب «الغموض الانثويThe Feminine mystique لـ «بيتي فريدان» الذي صدر في الستينيات، وينظر اليه باعتباره قد مهد الطريق امام الحركة النسوية المعاصرة، وتقول عنه إنه كتاب جاء غفلا عن معاناة الكثير من النساء، وركز فقط على فئة مختارة من خريجات الجامعات المتزوجات والمنتميات للطبقتين العليا والوسطى من البيض، اي ركز على قضايا ربات البيوت اللاتي يشعرن بالملل من حياة الفراغ والبيت والاطفال. وهي مشاكل لا تنكرها هوكس، ولكنها - كما ترى - لا تمثل قضايا سياسية ضاغطة بالنسبة للقاعدة العريضة من النساء.. ويجيء اهتمام هوكس بكتابات بيتي فريدان لما تمثله الاخيرة من دور اساسي في تشكيل الفكر النسوي المعاصر، «فالنساء من البيض ممن يسيطرن على الخطاب النسوي الآن، مثلهن في ذلك مثل بيتي فريدان سابقاً، نادرا ما يتساءلن حول مدى صحة وجهة نظرهن بشأن واقع النساء ومدى قربها من تجارب حياة النساء عامة. بل انهن لا يدركن مدى ما يعكسه منظورهن من تحيزات عرقية وطبقية، مع الاشارة الى ظهور وعي اكبر بهذه التحيزات خلال السنوات القليلة الماضية».. اذ يتناسين دور الطبقة والعرق، الشيء الذي يعد أمراً مهماً لتحليل العلاقات الطبقية، ولدور العنصرية ووظيفتها في إطار مجتمع رأسمالي، لأن النضال ضد الطبقية- كما تقول هوكس- ملتحم بالنضال للقضاء على العنصرية. وتستمر تتحدث عن التأكيد على مقولة «كل النساء مقهورات».. وانها - هذه المقولة- من الركائز الاساسية للفكر النسوي، ولكن دون أن يوحي ذلك باشتراك جميع النساء في مصير واحد، لأن هناك عوامل مثل الطبقة والعرق والدين والميول الجنسية تؤدي في النهاية لتعدد في التجربة الحياتية وفي درجة التمييز والقهر الذي يعانين منه. وغياب المعرفة بهذا التعدد في التجارب الحياتية، هو ما يجعل بعض النساء المتمتعات ببعض الحرية في الاختيار يحسسن بعدم حاجتهن للانضمام او الاشتراك في العمل المنظم لمقاومة التمييز الجنسي، لانه -اي التمييز- لا يحرمهن من كافة الخيارات بصورة مطلقة، وهذا قد يؤدي بهن اولئك النساء- الى تصور عدم خضوع اية امرأة للقهر على الاطلاق، لذلك ان ما يجب هو: مواجهة هذا التمييز وهذا القهر معاً. وتزيد هوكس ان التركيز من قبل الفكر النسوي على وجود قهر مشترك على النساء في الولايات المتحدة الاميركية لم يستخدم كاستراتيجية لتسييس القضية- قضية النساء - وانما تم استغلاله سياسياً في سبيل استيلاء النساء المحافظات والليبراليات على مفردات ثورية بغرض صرف النساء عن صياغة دور تحرري جذري للحركة النسوية. وفي هذا السياق تسخر «بل هوكس» من بعض النساء اللائي يطلقن على انفسهن لقب النسويات رغم عدم معارضتهن للسلطة الابوية او الرأسمالية او الطبقية او العنصرية، اذ يكون هم مثل اولئك النساء الحصول على الامتيازات والمساواة مع الرجل، فالنسوية بقول احدى النسويات الاميركيات «لا تعني المظهر الذي يحقق النجاح، ولا يعني أن تصبح المرأة مديرة تنفيذية لشركة كبرى، او اكتساب منصب ما بالانتخاب. كما أن النسوية لا تعني القدرة على المشاركة في زواج مزدوج المهام، ثم أخذ إجازات التزحلق بفضل وجود خادمة تحقق لكِ ذلك، بينما تعجز الخادمة عن توفير الوقت والمال الكافي لتحقق الاشياء ذاتها لنفسها..». ثم تورد هوكس مقتطفا آخر لـ انطوانيت فوك النسوية الفرنسية: «ان الافعال التي قدمتها المجموعات النسوية هي أفعال مبهرة ومثيرة، الا ان الاثارة لا تؤدي سوى القاء الضوء على عدد من التناقضات الاجتماعية بعينها، حيث أنها لا تكشف عن التناقضات الجذرية داخل المجتمع ذاته. إذ تدعي النسويات أنهن لا يسعين الى المساواة بالرجال، إلا أن ممارساتهن تثبت العكس، فالنسويات يمثلن طليعة بورجوازية تعمل بصورة معكوسة للمحافظة على القيم السائدة. إن العمل بصورة معكوسة لا يسهل الانتقال إلى بناء مختلف، فالاصلاح يخدم الجميع! إن أنظمة البرجوازية والرأسمالية والمركزية الذكورية على استعداد لادماج النسويات داخل منظوماتها، وبما أن هؤلاء النساء يتحولن إلى رجال فالمحصلة النهائية لا تعني سوى المزيد من الرجال. إن الاختلاف بين الجنسين لا يعتمد على امتلاك الفرد عضو الذكورة، وانما يعتمد على مدى انتماء الفرد كجزء اساسي ضمن نظام الاقتصاد الذكوري.

 لكوني امرأة أنا بلا وطن؟!

* وفي مقالة اخرى «معارضة الثقافات: (التغريب) احترام الثقافات ونسويات العالم الثالث» لـ «اوما ناريان» وهي استاذة جامعية من الهند تعيش وتعمل في الولايات الامريكية، تقول: ليس من السهل أن تُعرف المرأة نفسها فكريا وثقافيا بأنها نسوية من العالم الثالث، مثلما هو الحال لأي هوية اخرى، كما انه ليس هناك اي خطأ دفين في مشروع شرح الذات هذا. وانهن كنسويات من العالم الثالث مطالبات بالشرح لموقعهن المشتبه من الآخرين، بأن آرائهن «انما هي آراء نخبة من النساء المحليات يرتدين قناعا ابيض اللون يسعين الى مهاجمة ثقافتهن غير الغربية على اساس من القيم الغربية» وتورد ثلاثة تناقضات سمتها كما يلي:

 الحديث والصمت باللغة الأم :

* في ربط بسيط وذكي بين امها وثقافتها الام، تبين اوما ناريان: كيف انها في طفولتها كانت تشعر بالخوف والشك ـ رغم ثقتها ـ عندما تنتقد توبيخ اهلها لها وكيف كانت امها تسألها معترضة «كيف لك ان تردي على والدك بهذا الاسلوب» نفس الام التي كانت تحكي لابنتها الصغيرة في حزن وغضب معاناتها من مضايقات حماتها وصمت زوجها الذي لم يكن ليتدخل. نفس الام كما تقول ناريان «التي كانت تشكو من اسكاتها، فرضت علي أنا الصمت والسكوت، حيث علمتني ان الابنة الطيبة هي التي تسكت وتقوم بما يجب عليها عمله، لان فشلي في الانصياع كان سيعني فشلها في تربيتي». مع ان بكاء امها وحكايات تعاستها هي ما دفعتها لتكون ما هي عليه الآن. وانه من هنا بدأ تغريبها، عندما رفضت أمها حقها في الرفض، ولتعلو الاصوات وتعلو متهمة اياهم بالتغريب والارتباط بالغرب. ويجيء هذا الاتهام من ضمن ما يجيء منهم ـ كما تقول ـ من رجال مثقفين يدينون في مواقفهم السياسية لنظريات سياسية ذات جذور غربية كالماركسية والليبرالية، ولتصل للقول ان الوطن والام اللذان رغبا في تعليمنا ودفعنا الى الامام ومنحنا الثقة، يحاولان في نفس الوقت فرض الانصياع والصمت علينا وانهما «والدتي والثقافة السائدة تنتقد الآثار المترتبة على ذلك النشاط الذي شجعتنا عليه، وكانت تقلق من ازدحام عقولنا بالافكار واصرارنا على توظيف المعرفة التي اكتسبناها من الكتب ومناقشة القواعد والانماط الاجتماعية السائدة في حياتنا» ، وتقول ان النظر الى ما تعبر عنه البنات النسويات على انه فقط مجرد انعكاس للتغريب ورفض لثقافاتنا انما يكشف عن عجز في ادراك هذه الثقافات – ثقافاتنا - ورحابة وتعقيد سياقاتها. وعن غياب الوعي عما يمثله الوطن او هذه الثقافات من حيز يتمتع فيه الاباء بالمزايا والسلطة، وان هذه الثقافات والامهات يتعاملون بمنطق مزدوج مع البنات والاولاد ويتوقعون ويفرضون مطالب مختلفة على الاولاد، عنها عن البنات. حتى تصل للقول: وفي هذا الاختلاف ـ بين الولد والبنت ـ يجب التفكير واعادة النظر في مفاهيم الانتماء والاندماج واعادة التعريف للولاء الثقافي والخيانة والاحترام و(( ان تكوين وجهة نظر خاصة تجاه الثقافة الام لا يقل اهمية وحتمية عن تكوين احساس خاص تجاه الام، وهي وجهات نظر تجمع مشاعر الحب والولاء جنبا الى جنب الانتقاد. فمثلما نجد انه نادرا ما تحكي البنات حكايات امهاتهن بنفس الطريقة التي تحكيها الامهات انفسهن فان البنات النسويات يحملن حكايات عن ثقافتهن الام تختلف كثيرا عن رؤية الثقافة لذاتها، ان اعادة سرد حكاية الثقافة الام من منظور نسوي هي مشروع سياسي، اي محاولة لمواجهة واعادة صياغة الحكايات السائدة...))

اعباء التاريخ: الاستعمار والوطنية والنسوية والتغريب :

* تسأل «اوما ناريان» لماذا تحمل بعض المصطلحات معاني سلبية في عدد من بلدان العالم الثالث ودائما ما ترتبط بالغرب والتغريب؟ وتتابع انه لا يمكن تفسير هذا الاستهجان دون الرجوع الى تاريخ الاستعمار الغربي في بلدان العالم الثالث: حين اتخذت صورة الاختلافات الثقافية بين الثقافة الغربية وثقافات مختلف مستعمرات العالم الثالث او الثقافات المحلية، شكلها في سياق الاستعمار وما تزال مستمرة في سياق ما بعد الاستعمار، ولتبلور بالتالي دول العالم الثالث هويتها الوطنية والثقافية على اساس من التضاد مع الممارسات الثقافية الغربية، او دول الغرب، التي كانت تسعى بدورها لـ «طمس بعض العادات والممارسات السائدة في المستعمرات والتحكم فيها بناء على تقييم الحكومات الاستعمارية الغربية لما هو مقبول او متوافق مع مصالحها». وتشير الى الاتفاق الذي يلحظ بين الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار وقوى الاستعمار في التأكيد على الاختلافات الثقافية القائمة بينهما «وقد كان لكل من الطرفين المشاركين في هذه المواجهة اسبابه السياسية لاصراره على تحويل الثقافة المغايرة الى ثقافة «الآخر» وهي اختلافات قائمة بالفعل ولكن كثيرا ما خضعت للمبالغة في التأكيد على اوجه الاختلاف مع تجاهل اوجه الشبه ومواضع الاندماج». كما ان تحديد هذه الاختلافات الثقافية لم يكن يتمتع ابدا بوصف دقيق وصادق للقيم السائدة بالفعل، اذ نرى الثقافة الغربية نفسها ملتزمة بقيم الحرية والعدالة، وتدلل بها ـ هذه القيم ـ على تفوقها، بينما كانت القوى الغربية في نفس الوقت تمارس اعمال الرق والاستعمار. وفي الهند ـ بلد اوما ناريان ـ كانت الحركة الوطنية الهندية تستخدم مفهوم الثقافة الهندية ممثلا في الثقافة الهندوسية للطبقة الاجتماعية العليا فقط، مع تجاهلها لواقع التعددية الثقافية والدينية الفعلية لبقية السكان. ثم تتحدث عن الجدل والصراع الذي دار بين الغرب والحركة الوطنية الهندية، حول بعض الممارسات الهندية تجاه النساء، ليكون رد الاخيرة ان ذلك انما يمثل تراثا قديما ومكونا اصيلا للثقافة الهندية، لتضيع ـ كما تقول ناريان ـ في خضم تلك المواجهات بين الاجندات الاستعمارية والبرامج الوطنية المناهضة لها، كل حقوق النساء، ويصبح من المستحيل التوصل الى نقاشات حول الممارسات المحلية التي تؤثر على النساء. وان الاستعراض المتبادل لتفوق ثقافة على الاخرى، بين الغرب الاستعماري ذي التوجهات الذكورية والحركات الوطنية ذات نفس التوجهات، طغى على وضع النساء كمواطنات من الدرجة الثانية في تلك السياقات الثقافية الغربية والوطنية.

التسمية الانتقائية واسطورة الاستمرارية :

* تقول «اوما ناريان» ان الثقافات الوطنية في عديد من بلدان العالم تنظر لنفسها على انها ذات استمرارية غير متغيرة، وكأنها تؤكد على فكرة «التبجيل» والتي تقوم على الايحاء بأن قيمة الممارسات والمؤسسات المختلفة تنبع من مجرد قدمها وعراقتها. كما ان هذه الاستمرارية عادة ما تكون متخيلة، اذ يتم تبني ثقافة واحدة، اضافة لعدم اعترافها بحق النساء، على انها مجمل ثقافة البلد المعين، وان هذه الثقافة غير قابلة للتغيير. ودائما ما يكون للثقافة والتقاليد والقيم الوطنية خصائص واضحة ومتكررة في رفضها الانتقائي للحداثة والتغريب، في حين انها تتعامل مع بعض مظاهر الحداثة ( ان التسمية الانتقائية لبعض التغيرات دون غيرها باعتبارها مؤشرات للتغريب تتيح للاصوليين الهندوسيين وصم النسويات الغربيات وبرامج عملهن بانها من علامات التغريب، بينما يستعينون هم انفسهم بوسائل الاتصال المعاصرة كالتلفزيون لنشر رسائلهم الايديولوجية دون التوقف عند مدى تأثير دخول التلفزيون الى البيوت الهندية على "اسلوب الحياة التقليدية"..) الا عندما يدفع تغيير اسلوب الحياة التقليدية لجعل النساء يدافعن عن قضايا حرية النساء والمساواة. وتتابع ويبدو «التغريب» في احيان كثيرة كما لو كان مسمى بلاغيا ـ وليس وصفا دقيقا ـ يستخدم بانتقاء لوصم التغيرات التي تقوم بها النسويات من العالم الثالث. لتسأل: ما الذي يميز التغييرات التي تقوم بها النسويات عن كافة التغيرات والتعديلات التي تتم طوال الوقت؟! ما يميزهن ـ كما تقول ناريان ـ ان معظمهن شابات يحسن التعبير عن انفسهن ولسنا «بريئات» صامتات. الى ان تقول: «اننا نثير جوا من التوتر والمقاومة لاننا نصر على ان اختيارات النساء وسعادتهن لا بد وان تكون اكثر اهمية من المحافظة على التقاليد التي تتجاهل مصلحة هؤلاء النساء» لتختم مقالها بالتأكيد على النسويات: انه لا بد من مواجهة محاولات استبعاد الآراء النسوية في العالم الثالث، بالتأكيد على ان نقاشاتهن حول بعض جوانب ثقافاتنا انما تجيء من واقع خبراتهن كنساء، خبراتهن من ثقافاتنا وان جهدهن كأي جهد فكري قد يقوم على فرضيات خاطئة، الشيء الذي يجب ان يثير الحوار النقدي الجاد بدلا عن محاولات الاستبعاد. وان على النسويات القاء الضوء على أن تبجيل ثقافتهن وتقاليدهن واوطانهن ادى دائما لمطالبتهن بتأجيل التعبير عن القضايا التي تؤثر على النساء.

* واخيرا.. هل انا في حاجة لاقول ان غرضي من هذا العرض لم يكن ابدا تلخيص كتاب «أصوات بديلة: المرأة والعرق والوطن في العالم الثالث» انما كان غرضي الاخبار به وانه لا مناص لمن يريد او تريد الوقوف أكثر على هذا الامر، من قراءة هذا الكتاب.

جريدة الأضواء 2003
-------------------------

* هدى الصدة كاتبة من مصر وأكاديمية نسوية، تعمل أستاذة للأدب الإنجليزي والمقارن بجامعة القاهرة، وهي واحدة من مؤسسات مؤسسة المرأة والذاكرة.

** هالة كمال المترجمة أستاذة جامعية من مصر، لها عدد من الترجمات لأعمال نسوية كان شاغلها فيها الترجمة المُساهِمة في صياغة معرفة بديلة لتمكين النساء وتحقيق العدالة الإجتماعية. 


الأربعاء، 17 يونيو 2020

علينا جميعاً أن نصبح نسويين




* تشيماماندا نغوزي كاتبة من نيجيريا ولدت في 1977 ولها عدد من الروايات، تُرجمت منها للعربية (زهرة الكركديه الأرجوانية/ نصف شمس صفراء) وفي هذا الكتاب الصغير، وهو في الأصل محاضرة كانت قدمتها في الولايات المتحدة الأميركية، تقول كان لديها صديق طفولة بمثابة أخ أكبر ذكي ولماح، هو أول من وصفها، في واحد من حواراتهم العدائية، قائلاً: ( انت تعلمين أنك نسوية) كان ذلك قبل أن تعلم ماذا تعني النسوية؟ ومرت السنوات وكتبت روايتها الأولى لتسمع ذات الأراء: هذه رواية نسوية، النسوية لاعلاقة لها بالتقاليد في افريقيا، النسويات حزينات وكارهات للرجال، لترد ساخرة في وصف نفسها؛ إذن أنا نسوية أفريقية سعيدة غير كارهة للرجال وأضع ملمع الشفاء وأرتدي الكعب العالي إرضاءً لنفسي وليس من أجل الرجال) لكن المشكلة أو السؤال يدور حول ذلك الإمتياز الذي يحوزه الرجل وفي التمييز ضد المرأة، ثم تنقل الكثير من وقائع ذلك التمييز ضدها، منذ أن كانت طفلة، وضد أخريات، لتقول أننا نقضي وقتاً طويلاً في تعليم الفتيات القلق بخصوص مايعتقده بشأنهن الصبيان، بينما لا نعلِّم الصبيان أن يكترثوا أو أن يكونوا محبوبين لدى البنات، كابحين كل زفرة غضب يمكن أن تصدر من الفتيات، ولطالما كان للغضب تاريخ طويل في المساهمة في التغيير الايجابي، لتختم مُخبرة بتعريفها الشخصي للنسوية، وهو: كل رجل أو إمرأة، يقولون نعم هناك تمييز جنسي ويجب علينا إصلاح ذلك. لميس بن حافظ مترجمة هذا الكتاب كاتبة واعلامية من الامارات.

الخميس، 4 يونيو 2020

شارع تشيرنغ كروس




الناشر: دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع-دمشق
تاريخ النشر: 2019





* 84، شارع تشيرنغ كروس؛ عنوان لمتجر كان يبيع الكتب المستعملة في لندن، تحول مقره اليوم لواحد من سلسلة مطاعم ماكدونالدز الأمريكية، وقد اختارته المؤلفة عنواناً لكتابها هذا، الفريد من نوعه والشيق، ناقلة فيه رسائل كانت تَبَادلتها مع المتجر طيلة عشرين عاماً، فتطورت علاقتها، عبر هذه الرسائل، مع العاملين فيه، لتصل إلى مستوى الحديث في تفاصيل الحياة الشخصية وتبادل الأراء والهدايا، وقد بدات العلاقة حينما قامت هيلين هانف في 1949 بارسال طلبها لمتجر ماركس وشركاءه، بعد أن قرأت اعلانهم عن بيع الكتب النادرة، باحثة عندهم عن كتب قديمة لم تجدها، أو لم ترغب في البحث عنها في نيويورك، وقد تخللت رسالتها الأولى هذه، رغم الصبغة الرسمية لها كطلبية كتب، تخللتها دفقة مشاعر صادقة، وروح سخرية خفيفة، تظلل مجمل الرسائل، ولعلهما السبب في تطور هذه العلاقة لذلك الطابع الحميم، وهما مايُجذِب لهذا الكتاب، إذ تخبر في تلك الرسالة عن خوفها من عبارة الكتب النادرة التي عادة ماتعني ارتفاع سعرها، وهي كاتبة فقيرة كماتقول، مُحددة سقفاً لما تستطيع دفعه من مال عن كل كتاب، وفي رسالة تالية تخبرهم بعد أن وصلتها ترجمتين للانجيل كانت طلبتهما، تخبرهم أن يخبروا كنيسة إنجلترة، بأنهم قد أتلفوا أجمل نثر كُتب على الاطلاق، وأنهم سيُحرقون في الجحيم بسبب سوء الترجمة، بالرغم من أنها يهودية، كما تقول، لكن زوجة أخيها كاثوليكية، وفي رسالة أخرى تسخر أو تغتاظ من استخدامها لكلمة (السادة) عند بداية كل خطاب، في حين أنه من الواضح أن هناك شخصاً واحداً مَنْ يهتم بطلباتها، ثم تخبرهم عن ارسالها هدية لهم بمناسبة عيد الميلاد، كاتبة: ( أرستلها لك يا ف. ب. د، مهما كان اسمك) وهو توقيع أو اختصار لاسم الرجل الذي كان يتابع طلباتها ويرد على رسائلها، فرانك دُويل بائع الكتب المستعملة الرئيسى في المتجر، الذي توفى في 1969، كما سنعلم عندما نتقدم في قراءة الرسائل، وقد جاء اهداء الكتاب له بمثابة تحية لذكراه. هيلين هانف كاتبة أميركية لها عدد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية، ودلال نصر الله مترجمة كويتية من ترجماتها ناسك في باريس لايتالو كالفينو وودي آلان عن وودي آلان.

الأحد، 31 مايو 2020

نهاية مأمورية


الناشر: المركز القومي للترجمة-القاهرة
تاريخ النشر: 2011




 

* هنريش تيودور بل (1917-1985) روائي ألماني حصل على جائزة نوبل في 1972 ويُعتبر علامة بارزة فيما يسمى بأدب الأنقاض أو العودة للوطن بعد الحرب، وهي هنا الحرب العالمية الثانية (1939-1945) التى كان أثرها وخيماً في ألمانيا، وتأتي الرواية حول محاكمة نجار متعطل وابنه المجند العسكري، قاما بحرق عربة عسكرية ووقفا بقربها ينظران لها في غبطة ونشوة وهي تحترق والناس حولهما يتعجبون، وقد اتخذت الرواية قالب التقرير القضائي الذي لايترك شئ، مخبراً عن حياة الأب وابنه وناقلاً سير المحاكمة التي جرت لهما في بيرجلار، المدينة التي وقعت فيها الحادثة، لينقل التقرير أو الرواية بلغة متهكمة أجواء من حياة المدينة وأهلها الذين يتعاطفون مع الأب وابنه، ويقدمون لهما الطعام الشهي خلال أسابيع حَبسهُما، وفي المحاكمة يَمْثُّل هورن شاهداً بصفته رئيس رابطة النجارين، ليدلي أثناء شهادته/حديثه المتداعي بعيداً عما تريده المحكمة، بمعلومات حول مهنة النجارة وأبرز ممارسيها، مُعرِّضاً برئيس الحكومة الذي كان يوماً نجاراً، كما يتحدث عن مهارة الأب جرول ومتاعبه مع الضرائب، فيسأله المدعى العام مبتعداً هو نفسه عن سير المحاكمة، لماذا لم تخبر مصلحة الضرائب بهذه المعلومات حول جرول، ليجيب هورن كاظماً غيظه انه ليس جاسوساً لمصلحة الضرائب أو لأي جهة أخرى. وقد جاء في الغلاف الأخير للكتاب (حياة بل وأعماله، كتاباته وأفعاله وجهان لعملة واحدة. ويمكن القول بأن السياسة والأدب امتزجا في انسجام كامل في أعماله. قلمه الناقد واكب تطور المجتمع الألماني وبناءه دون كلل بعد الحرب. موضوعات أعماله تعكس خبرات الحرب والتغيرات الاجتماعية في فترة مع بعد الحرب بألمانيا. تناولت كتاباته خلافاته مع الكنيسة الكاثوليكية ومع السلطة ووسائل الإعلام وعواقب دولة المخابرات.)


الأربعاء، 25 مارس 2020

الديمقراطية الثالثة


الناشر: دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع-الخرطوم
تاريخ النشر: الطبعة الثانية 2019






* محمد على جادين مناضل سياسي وكاتب ومترجم غزير الانتاج، اقتربت مؤلفاته وترجماته من العشرين كتاباً، ولم يتوقف نشاطه السياسي/الفكري في مجالات العمل العام منذ كان طالباً في ستينات القرن الماضي حتى وفاته في 2016 وفي هذا الكتاب ينظر في تجربة الديمقراطية الثالثة في السودان (1985-1989) عائداً لنظام مايو/نميري الذي تراجع عن دور الدولة في الإصلاح الاقتصادي والتنمية المتوازنة، بعد أن فتح الباب واسعاً أمام تغلغل رأس المال الأجنبي والمحلى للاستثمار في موارد البلاد الوطنية، فتفاقمت الأزمة السياسية والاقتصادية، ليقول إن استمرار حكم النميري رغم فشل نظامه، يعود لعدم وجود معارضة مُوحدة، خاصةً بين اليساريين من شيوعيين وبعثيين وديمقراطيين، ولنهج معارضة أحزاب الأمة والإتحادي والأخوان المسلمون المرتبط بالعمل الخارجي والمغامرات العسكرية، بدلاً عن العمل الشعبي وسط الجماهير، إضافة لإصرار تلك الأحزاب على يسارية نظام مايو، رغم خلافه الباكر مع اليساريين وقوى القوميين العرب، وارتهانه لشروط البنك الدولي وارتباطه بالراسمالية العالمية والمحلية التجارية والبرجوازية البيروقراطية، ثم يبسط المؤلف انعكاس ذلك الواقع، بعد سقوط نظام مايو، على فترة الحكم الانتقالي والحكومات التي تلته، بدءاً من ميلاد التجمع الوطني المتأخر، إذ جاء قبل واحد من اعلان السقوط، رغم ان المشاورات والنقاش حول مسودته/ميثاقه كانت بدأت منذ 1983 وقد جاء التجمع دون أن تتمكن أطرافه من الاتفاق على رؤية مشتركة بخصوص تسليم السلطة وهياكل مؤسسات الفترة الانتقالية، ليقوم جنرالات الجيش منفردين، بتكوين مجلس عسكري انتقالي منح نفسه سلطات السيادة والتشريع، متحكماً بذلك في الفترة الانتقالية، المنوط بها تهيئة البلاد للانتخابات وتسليم السلطة لممثلي الشعب، لانجاز مهام الانتفاضة حسب ميثاق التجمع المتمثلة في: عقد المؤتمر الدستوري لإيقاف الحرب الأهلية/المؤتمر الاقتصادي وتحرير البلاد من التبعية للامبريالية/ تصفية آثار مايو والقاء قوانين سبتمبر/ تحرير البلاد من التبعية الاجنبية في السياسة الخارجية، وهي المهام التي لم تقم بانجازها حكومات الديمقراطية الأربعة، حتى وقع انقلاب الاسلاميين في 30 يونيو 1989، ليختم المؤلف تقييمه/كتابه بتقديم عدة ملاحظات تتمثل في عدم قدرة المؤسسة النيابية على استيعاب كأفة التنظيمات السياسية والاجتماعية الفاعلة، وفي تميز سلوك الأحزاب المهيمنة بالممارسات الانتهازية غير المبدئية، مع سعيها لتقييد حرية النشاط الحزبي والنقابي والصحفي، وهي التي كانت ترفع شعارات الديمقراطية الليبرالية.

الاثنين، 9 مارس 2020

سجين الخليفة





الناشر: دار المصورات للنشر والطباعة-الخرطوم
تاريخ النشر: الطبعة الثانية 2019






* قدم شارلش نيوفيلد، وهو ألماني الجنسية، إلى السودان في نهاية القرن التاسع عشر بغرض التجارة في الصمغ العربي أو للتخابر، ففي الكتاب اشارات متفرقة عن تعاونه مع المخابرات البريطانية، وقد تم الامساك به بواسطة رجال الأمير عبد الرحمن النجومي، أثناء تسلله قادماً من مصر إلى السودان، وقام الأمير بارساله إلى أمدرمان، والكتاب سيرة لأيام سجنه الطويلة التي دامت 12 عاماً، بيد أن سيرته هذه تكشف الكثير عن بؤس حياة الناس في سودان الخليفة عبدالله التعايشي، حيث الانتهاك التام لحقوق الإنسان والإحساس الدائم بالخوف والنقص المستمر للغذاء، خاصةً في سجن الساير، بل وفي أمدرمان نفسها عاصمة الدولة المهدية، فالمؤلف يحكي عن جموع الجوعى المتحلقين حول بيت المال، ليحصلوا منه على مايسد رمقهم، وعن جو المؤامرات والعداء الموجود بين قيادات الخليفة، وفي السجن يحكي عن الجلد المُبرح، الذي قد يصل إلى ألف جلدة، وأغلال الحديد الثقيلة التى تطوق أجساد السجناء، وعن فساد إدريس الساير مسئول السجن ومعاونيه، الذين كانوا يقومون بانتزاع المال من مسجونيهم مقابل منحهم بعض الامتيازات، إضافة لاقتسامهم معظم مايصل السجناء من طعام، فالسجن لم يكن يُقدم أي طعام لنزلائه، وقد مات كثيرين، مِن مَن لا أصدقاء لهم أو أسر ترعاهم، بسبب نقص الغذاء، وجاء الكتاب في 337 صفحة شاملاً 25 فصلاً تناولت أخبار حياة شارلس نيوفيلد منذ القبض عليه في أبريل 1887 وترحيله إلى دنقلا ثم إلى أمدرمان، مروراً بمعاناته في سجن الساير، الذي كان قد غادره أكثر من مرة لفترات طويلة، بزريعة معرفة زائفة في استخلاص مواد البارود، الذي كانت تحتاجه مخازن الخليفة، ولقاءه عدد من الجواسيس، المتواجدون بكثرة في أمدرمان، لتسهيل هروبه وتقديمه المعلومات، وللسؤال عن أعماله التجارية في مصر، حتى تحريره، عقب هزيمة كرري في الثاني من سبتمبر 1898، بواسطة سردار الحملة العسكرية البريطانية الغازية.


السبت، 1 فبراير 2020

حرية المدينة



الناشر: وزارة الإعلام الكويت
تاريخ النشر: 1990



* خلفية هذه المسرحية أحداث الأحد الدامي التي وقعت في أيرلندا الشمالية سنة 1972 حينما فرقت بريطانيا بالقوة مسيرة سلمية قتل فيها 14 شخصاً أعزلاُ بينهم أطفال، ولايزال الجدل حولها مستمراً، وكان تقريراً للحكومة البريطانية حول الأحداث قد صدر في 2010 ليعيد مجدداً الجدل، وفي المسرحية يخرج المؤلف من المباشرة السياسية، التي تطوق الحدث، ليقدم عملاً ذي رهافة عالية وتهكم ساخر، ولاتنحصر تلك الإبداعية في الزاوية التي اختارها المؤلف للتفاعل مع أو لإضاءة ذلك الحدث، بل تظهر أيضاً في كسره للبنية الدرامية التقليدية أو السائدة المتمثلة في بداية ووسط ونهاية، ففى المشهد الافتتاحي للمسرحية ترقد جثامين ثلاثة قتلى أمام القاضي الذي يستمع لشهادة شرطي حول ملابسات قتلهم، وفي ناحية ثانية من ذات المشهد يتحدث عالم اجتماع في مسيرة حول الفقر الموروث وحضارة الفقر، ثم ينطلق الرصاص وتتفرق المسيرة فيلجأ سكنر ولليلي ومايكل، القتلى الذين كانوا أمام القاضي، لمبنى بالقرب من ميدان المسيرة، فيكتشفون أنه مبني "الجيلد هول" أو قاعة استقبال العمدة، فيصيبهم الرعب، عدا سكنر الذي يضحك ساخراً، فيعيث في المكان فساداً ويعيد لقلوبهم الطمأنينة، ويجد أثناء بحثه في المكان وتقليبه لأوراق مداولات العمدة ومجلسه المُضحكة، يجد مكان الخمور فيقوم بدعوتهم لشرب أنخاب، بعد أن ألبسهم أرواب وقبعات تخص أعضاء المجلس، لتكشف الحوارات بينهم، وهي التي تتركز حولها المسرحية، تلك الإبداعية والكثير حول الكبت والثورة ومجتمعات الفقراء، ثم يظهر معلق تلفزيوني يتحدث عن احتلال خمسيناً مسلحاً لمبني الجيلد هول، الذي تتم محاصرته بالجيش ورتل من المدرعات. براين فرايل مؤلف المسرحية كاتب ايرلندي، وقد عرضت مسرحيته هذه أول مرة في 1973 في دبلن.

الاثنين، 27 يناير 2020

الطريق إلى إيدا



الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
تاريخ النشر: 2015




* في هذه الرواية تتقاطع أو تنضفر السيرة الذاتية مع الأدب المقارن أو رواية حول الروايات وكُتَّابها ودارِسيها مع الرواية البوليسية، فإيمليو رنزي أستاذ الإدب الزائر في الجامعة الأميركية النخبوية، بطل هذه الرواية وسارد احداثها العليم، يأخذ اسمه من مؤلفها الأرجنتيني ريكاردو إيمليو بيجليا رنزي، الذي أمضى هو نفسه خمسة عشرة عاماً في التدريس في جامعات مختلفة بالولايات المتحدة، وفي الرواية يتلقى إيمليو الدعوة لقضاء فصل دراسي في "تايلور يونيفرستي" بواسطة إيدا بروان الأكاديمية اللامعة والمهيبة، ليدخل معها بعد ذلك في علاقة عشق سرية، لكنها تموت في حادث سير، ينفتح احتمال ارتباطه بسلسلة جرائم طالت عدد من أساتذة الجامعات المرموقين في مجالات العلوم والرياضيات، خلافاً لإيدا بروان أستاذة الأدب الإنجليزي المتخصصة في أدب جوزيف كونراد، الشيء الذي يدفع الراوي رنزي ليبحث عن أسباب مقتلها، حتى يظهر أن مرتكب الجرائم استاذ رياضيات عبقري منعزل ومدافع عن البيئة، قام بقتل أولئك الأكاديميين لماسببته أبحاثهم من تخريب للبيئة، وبعد مقتل إيدا بروان، التي تتضح علاقته القديمة بها، قام باجبار "الأف بي أي" على نشر بيانه، أو بيان جماعة فريدوم كلوب حول الرأسمالية التكنولجية، وقد ندد البيان، الذي أراد كما يقول الحصول على انتباه القراء بواسطة سلسلة الاغتيالات تلك، ندد في فقرات مُحْكَمة بالرأسمالية وختم بالعبارة التالية: يجب قتل كل أبناء الحرام هؤلاء؛ التكنوقراط والرأسماليين، وقد صارت العبارة اقتباساً متدوالاُ بين الألاف من النشطاء، مختلفي المشارب والاتجاهات، الذين تجمعوا لمناصرته أمام مكان سجنه في مدينة ساكرامينتو الأميركية. 


الأحد، 19 يناير 2020

ليس للحرب وجه أنثوي


الناشر: دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع-دمشق
تاريخ النشر: 2016



* شاركت النساء في الحرب منذ القرن الرابع قبل الميلاد في اليونان، لكن ماتراه النساء فيها هو غير ما يراه الرجال، فهن لايتحدثن في الغالب عن قتل الآخرين، أو عن معدات الحرب، وليس في حديثهن أي مآثر أو بطولة كما يفعل الرجال، فهن يتحدثن عن الألم والمعاناة، ويمتد هذا الحديث/الألم ليشمل ضمن الناس الأرض والطيور والأشجار، هذا ماتقوله، سفيتلانا أليكسييفيتش، التي تقول إنها تلقت أكثر من مرة رسالة فحواها شيئاً واحداً: (لا حاجة إلى التوافه.. أكتبي عن نصرنا العظيم) لكنها كانت تريد أن ينقل كتابها، هذه "التوافه" ففي كلمات النساء ومشاعرهن عن الحرب عالم كامل مخفي، لذلك تفسح في هذه الرواية المجال لشهادات نساء أشتركن في الحرب، ليكشفن عن ذلك المخفي، تقول إحداهن، كانت في بارجة احترقت، ولما كان الشاطئ قريباً رمى الجنود بأنفسهم في الماء، وكانت تجيد السباحة، فأرادت ان تسحب معها احد الجرحى، لتكتشف في الشاطئ إنها كانت تسحب سمكة جريحة، بحجم إنسان، فلعنت وبكت من الاستياء ومن ان الجميع كان يعاني. سفيتلانا أليكسييفيتش صحافية وكاتبة من بلاروسيا نالت جائزة نوبل للآداب في 2015 وقد انتظر كتابها هذا عامين ليرى النور، وبعد سبعة عشر عاماً، عقب إعلان بيريسترويكا غورباتشوف، أعادت دور نشر طبعه ليصل عدد نسخه إلى مليوني نسخة، تقول أليكسييفتش: لقد رغب الناس في الحديث، والحديث إلى النهاية.. وأصبحوا أكثر حرية وصراحة.