الخميس، 10 يونيو 2021

منهج الكتاب والحكمة

 


اسم الكتاب: منهج الكتاب والحكمة

مدخل إلى الإصلاح الديني

المؤلف: شمس الدين ضو البيت

الناشر: مشروع الفكر الديمقراطي، سلسلة قراءة من أجل التغيير رقم (1)

تاريخ النشر: الطبعة الثالثة يونيو 2017




عرض: هشام مكي حنفي


* فكرة الكتاب الجوهرية قائمة على ضرورة العمل على الإصلاح الديني واقتراح ما سماه المؤلف، (منهج الكتاب والحكمة)، ويربط الكاتب ربطاً منطقياً بين حالة التخلف والجهل التي تسود العالم الإسلامي ونمط التدين السلفي الذي شاع فيه، مُرجعاً جذور الانغلاق والتحجر الفكري إلى العقود الإسلامية التي تلت فترة الخلافة وبدأت مع التحول السياسي الذي أوجد دولة الأمويين التي عملت على إغلاق باب الاجتهاد والتفكير مما أدى لسيادة العقل النصوصي الناقل وتحجر الفكر المبدع. 

* بناءً على هذه المقدمة النظرية، يُرجع المؤلف الاخفاقات التي تمر بها الدول الاسلامية والعربية -والسودان من بينها- إلى كونها أعراض للأزمة التي يمر بها النظام المعرفي السلفي الذي ما عاد بإمكانه مواكبة العصر ولا تقديم حلول للمشاكل المستجدة. وبحسب المؤلف فإن هذا النظام المعرفي باستناده لنصوص وتأويلات عمرها 14 قرن لا بد أن يعجز أمام مستجدات ومشاكل العصر الحديثة التي لا يجد لها توصيف في نصوصه الموروثة، مثلما فشل الداعون للعودة لهذا النظام في تكييف نصوصه وقواعده لتتماشى مع المشاكل المعاصرة.

* يقسم ضو البيت النظام المعرفي الإسلامي إلى اتجاهين معرفيين، الأول منهما يتمثل في الدعوة الإسلامية في بداياتها وما مثلته من انتقال تطوري من مجتمع القبيلة إلى العقيدة و من التفكك إلى الوحدة و من وأد البنات إلى دورٍ أفضل نسبياً للنساء، أما الثاني الذي نشأ بعد الفتنة الكبرى واقتتال الصحابة وما تلى ذلك من نشؤ الملك العضوض و تكريس مبدأ الجبر و لزوم طاعة الإمام و انتفاء الشورى وتراجع الحريات ومطاردة المفكرين و المجتهدين و بروز الفكر الذي يرفض التجديد والاجتهاد، وهذا ما ساد فيما بعد و مثل النظام المعرفي السائد اليوم والذي أنتج التراجع المعرفي والقعود عن المساهمة في العلم و التقدم و ما نتج عن ذلك من أزمات.

* وكما سبق فإن جوهر الكتاب وفكرته المركزية هي ما أسماه المؤلف (منهج الكتاب و الحكمة) ويمكن تلخيص هذا المنهج حسبما طرحه الكاتب في أن الإسلام يقوم على المبدأين (الكتاب و الحكمة) أما الأول منهما أي الكتاب وفق تعريفه فهو الأحكام و التشريعات أو الشريعة، ويقول المؤلف، أن الطبيعي في هذا الشق أنه متجدد بتغير الأزمان، لذلك فإن عدم تطور التشريعات الاسلامية هو ما أقعد الدول و المجتمعات المسلمة عن التطور ومواكبة احتياجات العصر، أما الحكمة وفق توصيفه فهي جوهر الدين و روحه التي شُرع لأجلها وهي ما ينبغي اتباعه، ويقول أنه بتفهم الحكمة من التشريعات يمكننا تطويرها لخير وصالح الناس، وبذا تتطور المجتمعات المسلمة وتلحق بركب العالم المتطور.

* وفي نهاية الأمر يخلص الاستاذ شمس الدين ضو البيت إلى ان القاعدة القائلة بصلاحية التشريع الاسلامي لكل زمان ومكان هي قاعدة غير صحيحة يجب تجاوزها كما نادى بذلك الراحل الاستاذ محمود محمد طه وأن الدين لا يتعارض مع التطور العلمي والتكنولوجي ويمكن تجديد مفاهيمه وتشريعاته بما يتماشى مع ذلك.


الجمعة، 4 يونيو 2021

قبائل شمال ووسط كردفان


المؤلف: هارولد ماكمايكل

ترجمة: سيف الدين عبد الحميد

الناشر: مركز عبد الكريم ميرغني، الطبعة الثانية يونيو 2017



عرض: هشام مكي حنفي

* مؤلف هذا الكتاب مؤرخ وإداري بريطاني، حائز على درجة أكاديمية عليا في التاريخ من جامعة كمبردج، أُنتدب للعمل في خدمة حكومة السودان الاستعمارية في العام 1905 حيث عمل في كردفان ومختلف مديريات السودان الأخرى، وصولاً إلى منصب السكرتير الإداري لحكومة السودان حتى تقاعده في 1934. ألّف ماكمايكل العديد من الكتب عن السودان منها (وسوم الجمال عند قبائل كردفان الكبرى) و(تاريخ العرب في السودان) و (السودان الانقليزي المصري) وكتاب (السودان) كما أسس مجلة (السودان في رسائل ومدونات). 

* ينم هذا الكتاب (قبائل شمال ووسط كردفان) عن معرفة حقيقية وعميقة للكاتب بالموضوع، كما أنه يكاد يكون الوحيد في موضوعه، فيما أعلم، ويضم معلومات تاريخية وأنثروبولوجية وجغرافية وإدارية قيمة، وما زالت في غاية الأهمية حتى يومنا هذا. كذلك مما يلفت الانتباه الترجمة الممتازة واللغة الرفيعة للمترجم الأستاذ سيف الدين عبد الحميد الذي أنجز عملاً محكماً. 

* نُشر الكتاب الأصل، في العام ١٩١٢، أي بعد سنوات قليلة من إعادة استعمار السودان، ويبدو وكأنه قد بدأ كعمل قُصد منه تقديم تعريف ومسح جغرافي، ديمقرافي وتاريخي لكردفان، ليعين الدولة الاستعمارية على تحديد أهدافها وأولوياتها الاستثمارية في الإقليم، لكنه انتهى في الواقع إلى كتاب عظيم الفائدة في التاريخ الاجتماعي والحضاري لشمال كردفان.

* يستعرض الكتاب جغرافيا إقليم شمال كردفان وثرواته ويصف كردفان، بأنها الاقليم الأغنى في السودان، ويشير إلى إن الصرف الإداري و التنموي على كل أقاليم السودان، في ذاك الوقت، يعتمد على عائدات هذا الإقليم. تناول الكتاب القبائل التي تعيش في هذه الجغرافيا مستعرضاً أصولها الإثنية وتاريخ تواجدها في المكان وحدودها القلبية وعلاقاتها مع القبائل الأخرى وفي خلال ذلك تطرق للممالك التي نشأت في كردفان، وصراعاتها، وأسباب نشوؤها، وفنائها.

* من ضمن المساهمات المهمة التي يقدمها الكتاب تناوله للعديد من القبائل التي تكاد تنسى مثل قبيلة الداجو وأصلها والمملكة العظيمة التي أنشأتها في دارفور ثم كيف انتهت القبيلة وتفرقت بين كردفان ودارفور. كذلك قبيلة التنجر والروايات حول أصلها وما أقامته من ملك في كردفان ثم اضمحلال دورهم وتفرقهم كذلك، وغير هذا من التاريخ المهم لكثير من الشعوب الأصلية في السودان والذي لا يجد الاهتمام بتدوينه حتى هذه اللحظة مما أدى لضياع معظمه.

* على الرغم من الطريقة الموضوعية والمنهج المحكم الذي اتبعه ماكمايكل في تأليف الكتاب إلا أنه لا يخفي احتقاره للدم أو العنصر الأسود، ويرد هذا كثيراً في معظم فصول الكتاب، فعلى سبيل المثال في ص 277 عند وصفه لقبيلة الهوارة يقول عنهم أنهم (صاروا قذرون وذوو أخلاق سيئة بسبب المزيج الجم من الدم الأسود واختلاطهم بعناصر الجنوب الوضيعة). لكن يظل الكتاب مهم وغني بمعلومات كثيرة عن آثار لحضارات قديمة في كردفان وقف عليها المؤلف وعن صراعات ممالك الفور والفنج والمسبعات وممالك أخرى أقل سادت وقتاً ما في هذا الجزء من السودان وبه معلومات لم ترد في مراجع أخرى عن العنج والتنجر وأقوام قديمة من السودان.