السبت، 26 سبتمبر 2015

الحياة سياسة




اسم الكتاب: الحياة سياسة 

كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط
المؤلف: آصف بيات
المترجم: أحمد زايد
الناشر: المركز القومي للترجمة - القاهرة
تاريخ النشر: 2014






عرض: أسامة عباس


 * يعتمد المؤلف في توصيف هذا التغيير الذي يحدثه البسطاء/الفقراء في الشرق الأوسط على مايسميه بـ (اللاحركات الاجتماعية) وهو مفهوم جديد للنظر في واقع الشرق الأوسط، فحواه تلك الأفعال الجمعية لفاعلين غير جمعيين، من الفقراء والباعة المتجولين، الذين يشيِّدون منازلهم في الأماكن الخالية والبنايات غير المكتملة ويحتلون الشوارع والأماكن العامة، واصفاً هذه الممارسات المتفرقة/المشتركة بأنها أفعالاً مباشرة للتغيير، وليس سياسةً للاعتراض، وأنه خلافاً لما يحدث في الحركات الاجتماعية لاتوجد بين اللاحركات الاجتماعية جمعية أو إيديولوجية أو قادة، كما إن الفاعلين فيها لا ينحرطون في مظاهر التنسيق والاجتماعات لتحزيب الناس أو للتظاهر، ليندرج تحليل المؤلف هذا ضمن الرؤى القائلة بأن أماكن احتشاد الفقراء بؤرة للنضال من أجل المواطنة/الحضرية، خلافاً لكونها تربة خصبة للعنف والجريمة والتطرف الديني حسب التعميمات الشائعة، التي يرفضها المؤلف مع تلك الرؤى الاستشراقية التي نظرت للشرق الأوسط كحالة استثنائية، أي باعتباره واقعاً ساكناً وغير قابل للتغير. 


* لا يقبل المؤلف تلك المداخل النظرية السائدة حول الفقراء، في كونهم سلبيين ومُهدِدِين أو فاعلين سياسيين ومقاومين، فيقدم مايسميه بـ (الزحف الهادي المعتاد) حيث يتقدم الفقراء لأخذ ما في حوزة الأقوياء أو الملك العام، مُجبرين السلطات على توفير الخدمات الحضرية في أماكن تواجدهم، لتكون النتيجة إعادة توزيع للخيرات الاجتماعية وتحقيق الاستقلال للفقراء. ثم يتحدث عن النقابات التي لاتضم كل من يعمل والتابع معظمها للسلطة، وجمعيات دعم الفقراء الإسلامية ذات النزعة البراجماتية خلافاً للحركات الدينية في أميركا اللاتينية التي سعت لـ "تحرير الفقراء" والمنظمات غير الحكومية التي اقتصرت جهودها على الإغاثة والطوارئ، ليقول بعجز كل هذه المؤسسات في مجابهة تحديات التنمية الاجتماعية، فيصبح التحدي كيفية إيجاد أشكال تملك حركية الزحف وتنظيم المؤسسات.


* ينظر المؤلف من خلال مفهومه (اللاحركات الاجتماعية) لنشاط النساء مُشيراً لما حققته في إيران، بلده،
 باقتحامهن الفضاء العام وإثارتهن للنقاش حتى وصلت أصواتهن إلى البرلمان، بواسطة مايسميه (فن الحضور) دون وجود لحركات منظمة، دافعات بقراءات، في مجلات نسائية ايرانية، حول التقسيم التقليدي بين الرجل والمرأة وتفسيرات نسوية أكثر ديمقراطية للإسلام. وتحدث عن حراك الشباب أو الشبابية، التي صارت واضحة المعالم بفضل تقنيات التواصل وضيق الفجوة، بسبب التعليم، بين الشباب في المدن والقرى، وتحولهم لقوة كبيرة ومؤثرة، ذاكراً صدامات الشباب المتكررة للإجهزة الأخلاقية/الرقابية في إيران، كنموذج لهذه القوة، ثم تساءلَ عن الكيفية لامتلاكهم القدرة على إحداث تحول سياسي ديمقراطي؟. وتحدث عن سياسة مُعاداة المرح، مناقشاً رؤى مختلفة حوله في الاسلام والمسيحية وعند مجموعة من المفكرين، وفي تجارب دول مختلفة الإيديولوجيات، ليقول بأن المرح يُمثل تحدياً لهيبة السلطة، لذلك وقفت ضده بغرض إدامة سيطرتها، عبر وسائلها المختلفة للضبط الاجتماعي.   

* وفي فصول تمت إضافتها لأجل هذه الطبعة العربية حول الثورات، يسأل المؤلف هل من مستقبل للثورة في عصر العولمة؟ يجيب بإنه يمكن أن تكون هناك حركات وحتى ثورات، لكن ليس بالشكل الكلاسيكي، أي قيام ثورة للتغيير في حدود هذه أو تلك الدولة القومية المُعينة، ليضيف ربما نحن في حاجة لمراجعة فهمنا لـ "للثورات" بأن ننطر للثورة كنوع من الحراك السلمي المتدرج والمستمر، ناظرا لشكل ثورات تشترك فيها فئات عديدة على امتداد العالم. ثم ينظر للحركات الدينية في العالم الإسلامي، ويقول إنها تأمل في إقامة دولة إسلامية، وفي زخم المشاعر الدينية التي تنتشر في مدى واسع من العالم الإسلامي، ومع الحساسيات الديمقراطية، من المحتمل أن تصير الدورب ممهدة بواسطة الكفاح "الإصلاحي" لإحداث تغيير ديمقراطي يكون للإسلام فيه دور كبير، لتصبح ما يسميها بـ (ما بعد الإسلاموية).


* يَدَرِج المؤلف توجهات ثورات العالم العربي، في (ما بعد الإسلاموية) وهي إتجاهات بديلة، لتجاوز الدولة الدينية وانتهاك حقوق الانسان، ليست إسلامية أو علمانية، لكنها تنطلق من الدين وتأمَل في مجتمع ديمقراطي، ينصهر فيه التدين مع الحقوق والعقيدة بالحرية والإسلام بالديمقراطية. ليختم بالحديث عن أسباب انطلاقها، مشيراً لظهور عدد من التطورات السياسية والاقتصادية، وازدياد حدة الفقر بسبب سياسة التحرير الاقتصادي، ودخول فاعلين جدد لهم تطلعاتهم، يقصد الشباب، الذين استفادوا من أساليب التواصل الجديدة في التعبئة والتحريض، لكنه يقول بإن الشباب وحدهم لايصنعون الثورة إذ لم تنضم إليهم الفئات الأخرى. ثم يسأل هل ماحدث ثورة أم إصلاح؟ مقارنا بين ماحدث في تونس ومصر، والذي وصفه بالسريع والمثير، ومايحدث في ليبيا واليمن وسوريا، وبين ماحدث في دول أخرى أوربية ولاتينية، ليقول إن التحدي في كيفية الابتعاد عن النظم القديمة وعدم العنف وسيادة مبادئ الاندماج والعدل.  




الخميس، 17 سبتمبر 2015

تقشير البصلة




اسم الكتاب: تقشير البصلة - سيرة ذاتية ومذكرات

المؤلف: غونتر غراس
المترجم: عدنان حسن
الناشر: دال للنشر والتوزيع - دمشق
تاريخ النشر: 2014




عرض: أسامة عباس

* يُعد غونتر غراس (1927-2015) من الشخصيات الثقافية المرموقة المُتدخلة في الشأن العام، في ألمانيا وخارجها، كاعتراضه على طريقة الوحدة بين الألمانيتين، أو اتهامه المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بالجبن السياسي إبان أزمة التجسس الأمريكي على ألمانيا، وتنديده بإسرائيل وأمريكا في قصيدته (ماينبغي أن يُقال) أو رفضه حينما زار اليمن، عرض علي عبدالله صالح لمنحه وسام، مشترطاً قبوله بالكف عن ملاحقة الكاتب اليمني وجدي الأهدل الذي كان هارباً يومها بسبب روايته (قوراب جبلية). لذلك عندما صدرت هذه المذكرات أثارت الكثير من الضجة، وقوبل اعترافه بأنه كان ضمن إحدى الفرق القتالية الخاصة، زمن النازية، بالصدمة، وعُدَّ اعترافاً متأخراً، لكن هذا الاعتراف يظهر بالمذكرات كنتيجة طبيعية، في حياة فوارة لصبي ومراهق يضجره المنزل ويهجس بالفرار والمغامرة، وأمامه وحوله آلة دعاية حربية ضخمة تتشدق بقيم الإقدام والبطولة والتضحية من أجل الوطن. والبصلة هنا في المذكرات ذكرياته ينزع قشورها قشرة تلو أخرى، حتى تطن أذنه بسبب ماصمت عنه، لكنه يريد أن تكون له الكلمة الأخيرة.


* تَتَنَقّل المذكرات أو يدمج مؤلفها بين ماحدث له وماعالجه من تلك الأحداث في كتب سابقة، كأن يُخبر بمصدر تلك التفصيلة أو غيرها في تلكم الكتب، كما ينقُل مشاعره المشبوحة بين ماحدث ومايتذكره الأن، مبتدراً مذكراته بطفولته التي انتهت عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، واشتراكه في السادسة عشر من عمره، كرامي دبابة لم يطلق طلقة لكنه أصيب وأُسر، لتشغل الحرب ما يقترب من ثلثي الكتاب، حاكياً عن وداعه لأمه وأبيه وشقيقته الذين دمرت الحرب مدينتهم وطفقوا لاجئين، ليجدهم بعد عامين في مدينة اخرى. ويحكي عن رفيقهم في التدريب الذي منحوه اسم "نحنلانفعلذلك" بسبب افلاته كل مرة عن قصد للسلاح كلما قُذف إليه، مردداً عبارة (نحن لا نفعل ذلك) ليتم ابعاده دون أن يسأل المؤلف أو الفتى الذي كانه إلى أين أخذوه؟! فتطن أذنه بسبب ذلك الصمت.


* أفرد المؤلف للخوف والجوع للطعام وللنساء وللفن أوراقا كثيرة في مذكراته هذه، الخوف الذي بدأ يعرفه، منذ ركوبه لقطار الشحن/الحرب ورؤيته للمدن المحطمة بفعل القذائف والجموع الزاحفة في الشوارع والجثث المعلقة علي الأشجار، الي أن حدث الاشتباك وتشتت وحدات الألمان العسكرية، فسقطت منذ تلك اللحظة بالنسبة له سلطة الرايخ الثالث، السلطة التي كان ضعضعها من قبل عناد "نحنلانفعلذلك"، ليهيم وحده في الغابات والقرى الخالية، بحثا عن نجاة أو رفيق، إلى أن يجد عريفاً يدله للطريق، فيُمجّده مع جندي آخر عَلّمه إبان فترة الأسر، الطبخ الخيالي، إذ كان يقدم شروحاً مطولة لوصفات طعام متنوعة دون وجود لتلك الأصناف المشروحة، قائلا إنهما من صار يؤمن بهما، بعد أن أصبح غير متسامح مع أي ايمان، سواء بالفوهرر أو بالله، إذ أنقذ الاول حياته واستطاع الثاني أن يسكت جوعه، حتى ولو خلال فترة درسه التي كانت تستغرق الساعتين.


* وفي المجمل تكشف المذكرات بجانب تلك القدرة الإبداعية العالية على المزج بين الواقع والخيال واللعب بهما، عن شجاعة كبيرة في تناول الكثير من الوقائع الموجعة، لكن لعل كل ذلك سيبدو مفهوما عندما نقرأ ما كتبه عنه فولكر نويهاوس كاتب مذكرات غونترغراس وناشر أعماله الشعرية : ( يتبنى وجهة نظر غير مألوفة، يحاول الجميع أن يأخذها منه، إلا أنهم لا ينجحون. لا يمكن حرمان غراس من مزايا وظيفية أو راتب حكومي، ولا يمكن طرده من مكتب. كل ما لديه عمل هو بنفسه لإحرازه. والآن يقول البعض أن عليه التخلي عن جائزة نوبل، وهو الشيء الوحيد الذي يمكنه عمله. يمكنه أيضاً التخلي عن عضويته الشرفية في نادي القلم الألماني. إن غراس هو نموذج نادر لشخصية شهيرة ومستقلة في نفس الوقت، وهذا إنجاز يعود الفضل فيه له وحده).