الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

لماذا يكتب جورج أورويل








عرض: أسامة عباس


* ربما لا يعرف قارئ جورج أورويل، في ترجمات عربية، أنه كاتب مقالة، إذ يُذَكر دائما برواياته، لكن في هذا الكتاب سيطالع هذا القارئ، بفضل من المُتَرجِم البحريني علي مدن، عدداً من هذه المقالات البارعة والمُثَقِفة. يسأل برنارد كريك، مؤلف كتاب سيرة جورج أورويل، في مقدمة هذا الكتاب: ( ماذا بوسع الذين لا يعرفون عن جورج أورويل غير " مزرعة الحيوان" و "1984" أن يعرفوا عنه سوى ذلك؟) ليقول إن الكثيرين قرأوا ( المقالات كملحق لإنجازاته الأساسية بدلا " كما أشك" كأفضل أعماله).

  * صدر هذا الكتاب، الذي جاء في 298 صفحة، عن المؤسسة العربية للنشر في بيروت ووزارة الثقافة البحرينية في عام 2013م، شاملا تسعة عشرة مقالة، تفاوتت بين الطول والقُصر، وتنوعت بين تناول وقائع حدثت كـ "واقعة شنق/ صيد فيل" وحول تجارب مرت بالكاتب مثل " ذكريات محل بيع الكتب/ اعترافات مراجع كتب" وحول الحرب والبشر وتأثير الكُتّاب مثل مقالة "ويلز وهتلر ودولة العالم" ومحاورة أفكار وكُتّاب وقراءة كتب وحديث حول شخصيات كـمقالات (داخل الحوت/ كتب رديئة جيدة/ لماذا أكتب؟/ لير، تولستوي، والبهلول/ تأملات حول غاندي) إضافة لمقالة طريفة ومُنَوِرة "كوب لطيف من الشاي" المستندة على التجربة والمعرفة، وغير ذلك من المقالات.

* ولعله بديهيا البدء بمقالة "لماذا أكتب؟" التي منحت الكتاب عنوانه، ففيها يُخبر أورويل بأنه عرف منذ ان كان طفلا ما سيصير عليه، سيصبح كاتباً رغم محاولاته التخلي عن ذلك. ثم يقول بصعوبة معرفة دوافع كاتب دون معرفة شئ عن تطوره المبكر وعصره الذي يُحدد له موضوعه، خاصة عصر مضطرب وثوري، لكن الكاتب قبل أن يكتب، يكتسب موقفا عاطفيا لن يستطيع الهروب منه وإذا ما استطاع يكون قد جني على حافزه للكتابة. ويُحدد أورويل أربعة دوافع للكتابة، خاصة النثر، هي: حب الذات، والحماس الجمالي، ثم الحافز التاريخي والهدف السياسي. وبالنسبة له فانه يقول بترجيح الدوافع الثلاثة الأولى علي الرابع السياسي، لو أنه كان في عصر آخر، وربما لذلك يكتب: ( أكثر ما رغبت به.. هو أن أجعل من الكتابة السياسية فنا).

 * وتبدو هذه الرغبة واضحة في مقالته "داخل الحوت" التي كتبت سنة 1940 عن روايتي "مدار السرطان" و"ربيع أسود" لهنري ميلر، الذي يراه أورويل كاتبا شجاعا، يكتب عما هو اعتيادي، ثم يتحدث عن كُتاب بريطانيين كتبوا في عشرينات القرن الماضي وفي ثلاثيناته، مقارنا بينهم من حيث الموضوعات التي شغلتهم أو هدف كتابتهم، وبين فَعلة ميلر المرتبطة بعصره والمنفصلة في آن عن أحداثه. ويسترسل في مناقشة كتب وآراء من قبيل، حركة اليسار الاوربي ودلالة "اعتناق" الكُتّاب للماركسية أوللتيارات المسيحية، وارتباط الكاتب بعصره أو داخل الحوت وخارجه. ليعود في ختام مقالته يُقرظ ميلر مُشبها له بجيمس جويس، في نقل ماهو اعتيادي إلى الورق، لكن لا يرفعه إلي مرتبة جويس، فهو ليس مؤلفا عظيما، بيد أن كتابته غير مألوفة وسلبية، تتبني موقفا غير فاعلا، وذلك ماستسير عليه - كما يكتب أورويل - أي رواية تستحق القراءة في السنوات المقبلة.

* أما "لير، تولستوي، والبهلول" فهي مقالة حول كتاب صغير كتبه تولتسوي سنة 1903 رافضا فيه استحقاق العبقرية الذي يحوزه شكسبير، مُختارا لتأكيد ذلك مسرحية الملك لير. ويُجْمل أورويل ملاحظات تولستوي السالبة ويُحللها ويسأل: إذ كان ذلك هو شكسبير فكيف بقى مٌقدرا كل ذلك الزمن؟ ويُجيب ربما هناك نوع من التنويم الجماعي جُر إليه العالم المتحضر ليعتقد في أن شكسبير كاتب جيد. كذلك يقوم أورويل بمناقشة موقف كل من الملك لير الذي تنازل عن عرشه وتولستوي الذي تنازل هو أيضا في أخريات أيامه عن كل أملاكه ولقبه وحقوق ملكيته الفكرية، ثم يسترسل في عقد المقارنات ومناقشة أراء عديدة مشتركة بين الملك لير وتولستوي، ليخلص إلى أن موقف الأخير من المسرحية جاء نتيجة هذا التشابه.

 * وفي مقالة "تأملات حول غاندي" ينطلق جورج أورويل من رأيه الذي أعلنه منذ البداية (ينبغي دائما أن يُحكم على القديسيين بأنهم مذنبون حتى يثبت أنهم أبرياء) ويقدم سؤالين يقول أن المرء ينزع لطرحهما في حالة غاندي، أولهما إلي أي حد كان غاندي مدفوعا بالكبرياء؟ والثاني إلى حد ساوم بدخوله السياسة التي لا تَبَعُد بطبيعتها عن الاحتيال والقسر؟. ويناقش أفعالا لغاندي وكتابات له وحوله، متناولا مبدأ القداسة وصعوبة قبوله لدي الانسان العادي قائلا "إن الانسان المتوسط هو قديس فاشل"، كما يناقش حركة لاعنفيته وأثرها، مثبتا صدقه وشجاعته ومقارِنا له مع لاعنفيين في الغرب. ويختم أورويل ان المرء قد يشعر، تبعا لحالة القداسة التي أُسبقت على غاندي، أن أهدافه المبدئية كانت رجعية ومعادية للانسان، لكن باعتباره سياسيا "مُقارَناً مع القيادات السياسية لعصرنا، كم هي عطرة تلك الرائحة التي تمكن من أن يخلفها وراءه".


* أخيرا.. وفي المجمل يمكن القول، أن كل مقالات الكتاب تمتلك الجاذبية وتزخر بالمعرفة، لكني قمت هنا بعرض بعضها، لأن غرضي ليس تلخيص هذا الكتاب، إنما إثارة الفضول والتحريض علي قراءته، فهو كتاب ممتع ومفيد. ووصفي هذا ليس تقريظا مجانيا أو دفعا بعبارات مُخالِفة لحقيقة قراءتي للكتاب، من مثيلات تلكم الإكليشهات المُثبتة من قِبَّل مُراجع الكتب الضّجِر، الذي يصفه أورويل في مقالته الفكهة "اعترافات مُراجع كتب" بأنه كان يُراجع كتبا شديد الجهل بموضوعاتها، مُشبها عبارات المُراجع التي يستخدمها، بحشوات الحديد التي تقفز مُطيعة المغناطيس إلى أماكنها في المراجعة.

الاثنين، 27 أكتوبر 2014

جحا الرسام السوداني







عرض: أسامة عباس

(1)

 * يأتي نشر هذا الكتاب (الرسام السوداني - موسى قسم السيد كزام - جحا) لمؤلفه التشكيلي علاء الدين الجزولي، ليسد نقصاً فاضحاً في المكتبة السودانية ، لهذا النوع من الكتب المصورة ، ذات القطع المختلف والتصميم الانيق، التي تحوي صوراً ونصوصاً توجد جنباً الى جنب، يكمل كل منهما الآخر ويتألف منهما الكتاب، ليكون بالتالي اكثر اقتراباً من العمل التشكيلي أو الظاهرة التشكيلية السودانية، البصرية أصلاً، عبر وسيلتيّ الصورة والكلمة.

* صدر الكتاب عن الاتحاد العام للفنانين التشكيليين السودانيين في 2010م ضمن مشروعه للمكتبة التشكيلية، التي نُشر فيها قبلاً، كتابيّ التشكيلي محمد عبدالرحمن حسن، المصوران،عن التشكيليَيَن صلاح المر وعمر خيري. ويشتمل الكتاب الذي جاء في 229 صفحة،  على أربع مقدمات، للتشكيليَيَن د. محمد عبدالرحمن ابوسبيب ود. حسن موسى ومقدمتين للمؤلف.وعدد من الصور شغلت نصف مساحة الكتاب وحوار صحفي طويل أجراه المؤلف مع الرسام جحا، إضافة لإضاءة حوله ورثاء له كتبهما المؤلف. وبعضاً من الوثائق وسيرة لحياة جحا(1931-2007) في سطور دعمت بصور. وقام بالاخراج الفني للكتاب التشكيلي عبدالرحمن نورالدين وبتصوير صوره كل من المؤلف والمصور الفوتغرافي علم الهدى حامد وبتصميم خطوط الغلاف التشكيلي تاج السر حسن وبالتدقيق اللغوي الشاعر محجوب كبلو.

(2)

  * جاء الحوار - بالكتاب - في عامية وسط السودان ،دون تحريره في لغة عربية فصيحة ،كانت سوف تتيح له فرصاً أكبر لقراءته ، فالمؤلف/ المحاور نفسه يسأل محاوره في صفحة "61" عن كلمة، صعُب عليه فهم معناها، جاءت في معرض اجابته عن أحد الأسئلة. لكن يبدو أن المؤلف كان عامداً على نقل الحوار بحذافيره، تاركاً إياه على سجيته أو في تلقائيته. التلقائية التي ساعدت المحاور/ المؤلف أثناء إدارته للحوار مع جحا، إذ يقول في تمهيده للحوار(..اعتمدت على خطة ومنهج في الحوار استخدمت فيهما، لغته هو، أي اللغة التي تناسبه أكثر من غيرها، وتساعد على نجاحي في المهمة التي لم تكن سهلة، وذلك بإستنطاقه وهو على سجيته وبأسلوب في الحوار مكنه من حرية التعبير ومن تداعي أفكاره وتدفق سرده لسيرة حياته). ولكن لم يكن من داع، لترك تلك التلقائية أو بقاء الحوار على سجيته،عند إعداده للنشر، كما نجد في صفحة "103" حيث يستدرك المؤلف بعد تقديمه لسؤال جديد، أنه لم يتستنفذ بعد، إمكانية توليد أسئلة أخرى من إجابة محاوره على السابق، فنجده يترك جملة سؤاله الجديد واستدراكه ذلك على حالها، ودون ان يعود مرة أخرى للسؤال. وكان من الممكن مستفيداً من مزايا التحرير الصحفي في إعادة ترتيب الأسئلة، تقديماً وتأخيراً ضماً وقطعاً أو حتى حذفاً، بغرض إزالة أي لبس وتشويش أو عدم تناسق يمكن أن يحدث، أي كان من الممكن أن يقوم بحذف ذلك السؤال.


احدي رسومات بنات علب الحلاوة للتشكيلي جحا


(3)

* يُخبر الحوار الذي أجراه المؤلف مع الرسام، أن (جحا) أو موسى قسم السيد كزام، كما هو اسمه، قد حصل على هذه الكنية، من والده الذى كان حكاءً وصاحب نوادر يتحلق الناس حوله، فالتصقت كنيته بأبنه موسى الذي أصبح مشهورا وصار الناس ينادونه باسم (حجا) دون أن يعرفوا أسمه الحقيقي. وأنه ولد بأمدرمان وترك الخلوة بعد بقائه فيها لمدة ستة أشهر، ولم يمكث في المدرسة سوى شهرين، أخرجه والده منها، لأن بعض أقربائه أخبروه بأن المدرسة مفسدة للعيال. وقد كان جحا مثل والده وأقربائه يعمل نساجا، إلى أن رأى يوما في حديقة الحيوانات بالخرطوم، وهو في الرابعة عشرة من عمره، إمراة إنجليزية تستعد لرسم أحد النائمين بالحديقة، فاقترب منها غير مكترث لزجرها المتكرر له، حتى توطدت علاقته بها، فشرع من يومها يكافح لتعلم الرسم عن طريق نسخ الصور من المجلات المصرية. وعندما صار بارعا في رسم الوجوه، ترك مهنة النساجة وأصبح يكسب رزقه من رسمها، الذي صار يدر له مالا أكثر مما يكسبه من عمله في النساجة. وبات الناس ورواد المقاهي وأصحابها، يعرفونه ويطلبون رسمه. وأصبحت الشركات تقصده، طالبة مهارته في الرسم للترويج عن بضاعتها، كشركات كريكاب والأفريقية لصناعة الحلاوة في السودان والشبراويشي للعطور في مصر، لتظهر تلك الرسوم الشهيرة لبنات علب الحلاوة وللسيد علي الميرغني وبنت السودان. وليصبح عدد ماأنجزه من صور غير معروف، كما يقول في إجابته على سؤال المؤلف، لكنه ظل يرسم منذ 1948م بمعدل صورة كل خمسة أيام. فيسأله المؤلف إن كان لا زال يرسم بذات المعدل؟ فيجيبه جحا: أنه منذ عامين صار يرسم صورة كل ستة أيام. وكان الحوار قد أجري معه في العام 2000م.

* كما رسم جحا الكثير من رجال الصوفية وشيوخ الدين، تلبيةً لطلبات مريديهم. وكان البعض من أولئك الشيوخ يرون رسمه ويستحسنون عمله، بل ويمدونه بصور جديدة ليقوم برسمها، في تأكيد واعتراف بموهبته وقبول لرسمه. وله مع بعض الشيوخ قصص وحكايات، مثل حكايته مع الشيخ البرعي، الذي التقاه في سوق أمدرمان، وكان البرعي يرغب في رؤيته، فأخبره جحا برغبته في الحصول على صورة فوتوغرافية له، فلم يمانع البرعي، فطلب منه أن يذهبا في الحال الى الاستديو ، فوافق الشيخ على الذهاب ، الشئ الذي لم يتوقعه جحا، كما قال لمؤلف الكتاب، إذ كان يظنه لن يذهب. فيسأله المؤلف : ولماذا طلبت تصوير الشيخ البرعي بالذات ؟ فيجيبه جحا: لأن نجمه كان في صعود وصورته التي بحوزتي، يظهر فيها وهو صغير السن.



رسم للشيخ قريب الله قام به التشكيلي جحا


* كذلك قام جحا برسم الإمام المهدي عدة مرات وفي اوضاع مختلفة دون أن يراه بطبيعة الحال ، كما لا توجد للمهدي صورة فوتوغرافية ، فيسأله المؤلف كيف تم له ذلك؟ ليقول جحا بأنه كان يضع بجانبه أثناء رسمه للمهدي صوراً، لعبد الرحمن المهدي، الصادق، الصديق والهادي، فيأخذ ظلال هذا وطول ذلك ووجه ذاك. ويضيف أن وجه الامام المهدي كان طويلا بعض الشيء. فيسأله المؤلف: كيف عرفت ذلك؟ ليحيبه جحا: لقد سمعت الناس يقولون ذلك عنه في سيرته. أيضا قام جحا بنحت صورة المهدي على جبل كررى، كما أفاد بذلك للمؤلف. واشترك في فيلم الخرطوم لمخرجه بازل ديردن، بتصميمه لملابس المهدي وسافر للمملكة المتحدة حتى يقوم بإلباس الممثل لورنس أوليفييه الذي قام بدور المهدي، تلك الملابس.

* وقد غطى الحوار الذي شغل قرابة الأربعين صفحة من الكتاب، الكثير عن حياة حجا ونشاطه واشتغاله بالرسم والسحر أو الحوى واختراعاته. وحفلت إجاباته بعدد من الأراء المثيرة للنقاش والجدل والكثير من الأحداث والمعارف ، التى كونها عبر انتقاله وسفره بين عدة مهن وبلدان، حيث زار الهند ومصر والمملكة المتحدة وصادق عددا من الناس سودانيين ومصريين ويمنيين وهنودا وأوربيين.

الأحد، 26 أكتوبر 2014

ملوك الشمس والظل


اسم الكتاب: عصر البطولة في سنار
المؤلف: جاي سبولدنق
المترجم: أحمد المعتصم الشيخ
الناشر: هيئة الخرطوم للصحافة والنشر
تاريخ النشر: 2011
 





عرض: أسامة عباس

(من الظواهر الصحية أن ينظر الإنسان إلى أسلافه بالتجلة والاحترام والتفهم، وإن كان خياره في الحياة ألا يُقلد أفعالهم)


جاي سبولدنق



* يَبسِط كتاب (عصر البطولة في سنار) لمؤلفه جاي سبُولدنق ومُترجمه أحمد المعتصم الشيخ، معلومات كثيرة حول سلطنة الفونج في السودان (1504-1821) جاءت في أسلوب حكائي/ بحثي أستند المؤلف في نسجه، علي طيف واسع من الكتابات التي جاءت عن السودان، ويظهر ذلك جليا في الهوامش التي احتلت وحدها مايزيد على المائة صفحة من الكتاب.

* يُخبر سبولدنق عن الأيديولوجيا أو السبل التي استطاع عبرها (ملوك الشمس والظل) السيطرة علي تلكم الأقوام المنتوعةَ الثقافات والأعراق والديانات، رغم اسلامية السلطة، إذ سلس لهم الحكم قبل إنهيارهم، بواسطة مجموعة أعراف ومفاهيم، اسلامية وغير اسلامية، أدخل في الثقافة الأفريقية، كالتي تقول بـ (الملك المقدس) الذي ينقذ الرعايا.

* يُنسَب لقب ملك الشمس والظل للسطان عمارة دُنقس، ومعناه (ملك الليل والنهار، والشمال والجنوب، والبيض والسود، والفونج والعوام، والأشياء الظاهرة والباطنة، والخاص والعام، والاسلامية وغير الإسلامية). ليتدرج للأسفل، سلم المرتبات ودرجات التقديس، عبر نظام إداري، يشغله حكام الاقاليم والنبلاء و"الاقطاعيين"، المتحكمين عبر هذا النظام، في كل موارد السلطنة من دنقلا حتى فازوغلي في النيل الأزرق، ومن البحر الاحمر حتى كردفان، ليزيد هذا التحكم قوة في الجنوب الغني، بواسطة ما يسميه سبولدنق سياسة (عدم الأمن المؤسسي).

سادة المدن الجديدة

* تمتع رجال الدين (الفقرا) والتجار، بوضعية قانونية متميزة، في سلطنة سنار، إذ كان السلاطين يمنحونهم الاراضي ويحمون حياتهم وتجارتهم، فالاسلام بالنسبة للسلاطين كان يعني إعطاء شخصية اعتبارية لسنار بين الامم الأخرى، ويذكر سبولدنق ما يقوله الرواة عن رسالة سلطان سنار للسلطان العثماني سليم الاول (1512-1520) التي يخبره فيها بأن اهل سنار مسلمون، عندما هَمّ الأخير بغزوهم، ليصرف النظر عن الغزو بعد هذه الرسالة. كما كانت للسلاطين تجارتهم الخاصة، التي تحتاج لأولئك التجار حتى تصل الاسواق الخارجية.

* فقامت بالتالي مدن جديدة/ محميات، أنشأها (الفقرا) وفقا لقيم الدين، وتحولت التعبيرات التقليدية حول الهبات كـ (الحُجة السلطانية) و (الوثيقة العُرفية) إلى مصطلحات إسلامية مثل (الصدقة) و (الوقف)، فبرز تغير ثقافي وظهر المؤرخون ليبحث بعضهم حول سلطنة الفونج وقوائم ملوكها، بينما نظر أخرون إلى قصة دخول الاسلام للسودان، باعتبارها الماضي الجدير بالاهمية. أما ذوو الفكر المحدود، بحسب المؤلف، فكانو ينظرون لوضعهم الشخصي في هذا النظام الجديد، لتظهر دعاوى الانتساب لأسماء الصحابة البارزين في التاريخ الاسلامي، وسط القبائل والأسر السودانية.

إنقلاب أبو لِكِيلِك

* يُعلن سبولدنق منذ مقدمته لهذا الكتاب عن تعاطفه مع قادة سنار، خاصة أولئك الذين برزوا على مسرح الأحداث بعد الانقلاب الذي نفذه محمد أبو لكيلك في 1762 بمعاونة آخرين، ليرى أن ما هوى بإولئك الرجال، ليس ضعف مقدراتهم الشخصية، بل الضربات التي كانت تنزلها قيم النظام الاجتماعي الجديد بالنظام القديم. ويُمثل أبو لكيلك - المُتنازَع النسب- أبرز هؤلاء الرجال، فهو جندي أوصلته حنكته العسكرية وشجاعته الشخصية ليقود انقلاب ضد سلطان سنار.

* عند إنقلاب أبو لكيلك تسلم الهمج سلطة الحكم في سنار، لكن تَبَدّلَ الحال عقب وفاته في 1775، ليصبح التنافس الشرس، بين الهمج والنبلاء التقليديين والطامحين، طابع العقود المُتبقية التي استمرت فيها دولة سنار حتي سقوطها 1821 تحت الغزو التركي. ليُساهم ذلك التنافس في دك مدينة أربجي وفي حريق سنار نفسها 1788، وقد حكم خلال تلك الفترة عشرة سلاطين، واستمرت الاغتيالات والمؤامرات وإعادة تنصيب الملوك حتى تسليم مملكة سنار من قبل السلطان بادي للاتراك.

المؤلف والمترجم في سطور

جاي سبولدنق كاتب أمريكي يجيد العربية وعدد من اللغات الشرقية واللاتينية، قدم إلى السودان في نهاية ستينات القرن الماضي طالبا للدكتورة، والكتاب في الأصل أطروحته للدكتوراة عن دولة الفونج. أما المترجم د. أحمد المعتصم الشيخ فهو كاتب وباحث له كتاب بعنوان "أحاجي الرباطاب" وآخر بعنوان " مملكة الأبواب المسيحية وزمن العنج".

بيت الصلحي بيت الجاك


اسم الكتاب: بيت الجاك

حوار مع إبراهيم الصلحي
المؤلف: فتحي عثمان
الناشر: مجموعة دال
تاريخ النشر: 2011





عرض: أسامة عباس

* بيت الجاك اسم برنامج تلفزيوني كان الرائد التشكيلي ابراهيم الصلحي يقدمه بتلفزيون أمدرمان-السودان في سبعينات القرن الماضي، فاتخذه المحاور/المؤلف عنواناً لحواره/كتابه هذا، وفي الكتاب يسأل المؤلف الصلحي عن مغزى الاسم، فيجيب: هو الكلام القائل (هذا هو البيت الذي بناه الجاك) ومعناه أن هناك علاقات متداخلة وأن كل شئ يقود إلي آخر، السياسة إلى الدين والدين إلى المجتمع ولابد من الحوار، وقد اشتمل الكتاب بالأضافة إلى الحوار، الذي نُشر قبلاً بمجلة كتابات سودانية في عام 1993م، اشتمل على مستنسخات لإثنين وخمسين لوحة من أعمال الصلحي - جيدة الطباعة - امتدت منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى أعوامنا هذه، وثُبِِّت مع كل لوحة قياسها الذي هي عليه في الأصل، زائدا عددا من الصور الفوتوغرافية للصلحي في منزلهم ووسط أهله في حي العباسية بأمدرمان، وجاءت عناوين الحوار على النحو الأتي : (أمدرمان، الطفولة والصبا/ مصادر الثقافة البصرية/ إنجلترة/ الموظف والفنان/ مصلحة الثقافة والسجن/ بيت الجاك والكتابة الابداعية/ المنفى، الاغتراب، الرسم والتلوين/ مدرسة الخرطوم) ليكون الكتاب بالتالي إضاءة ليست قليلة لحياة وتجربة الصلحي، وفرصة ثمينة لمشاهدة عدداً من لوحاته، فالصلحي (.. سيرته ملء السمع بينما إحتجبت أعماله عن البصر ) كما يكتب المؤلف ( بل ظل عمله في تطور مستمر استجابة لدواعي البحث المستمر عن معالجات جديدة للعلاقات البصرية المعقدة الناتجة عن عملية الرسم والتلوين).



بورتريه محمد المهدي المجذوب-رسم الصلحي

* وفي الحوار، نعرف أن الصلحي ولد في الخامس من ديسمبر في عام 1930م بحي العباسية، في أمدرمان، كما يجيب على سؤال المؤلف : ماذا تبقى عنده من ذكريات ؟ بالقول : ( من الطفولة لم تبق ذكريات فقط، بل أعتقد أنني مازلت طفلا ) ويتابع قائلا: أنه يتذكر التفاصيل منذ أن كان عمره عامين، ويسترسل متذكرا مراتع طفولته وأمدرمان وأحياءها القديمة وطبيعة العلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة في ذلك الوقت. وأن والده كان أستاذا للفقه الاسلامي والتوحيد في المعهد العلمي بأمدرمان، وأنه كرجل دين كان متسامحا للغاية. ونعرف أن إبراهيم الصلحي أول أمره كان يريد الالتحاق بكلية الطب ولم يوفق، فالتحق بكلية الفنون وحدّث والده بذالك فقال له : (البسويهو الله، كلو سمح والخيرة فيما اختاره الله ). وقد كان الصلحي محبا للرسم وممارسا له منذ المرحلة الوسطى. وفي شأن علاقته الباكرة بالرسم ،يحكي عن سمكة كانت مرسومة في حائط غرفة والدته، وكان دائما ينظر إليها فسأل والدته مرة : (متى سنأكل هذه السمكة؟). كما يسأله المؤلف عما تمثله أمدرمان عند كثيرين نموذجاً لوحدة الشتات السوداني من قبائل مختلفة هل فعلاً امتزج هولاء الناس وانصهروا في أمدرمان؟ ليجيب في أمدرمان اجتمعت قبائل كثيرة جاءت في فترة المهدية لينشأ بعد ذلك ( شيئا جديدا يختلف عن الاقليمية الموجودة في المناطق الأخرى ولهذا لها ميزتها الخاصة في السودان )

* وحول مصادر الثقافة البصرية وما كان في المدينة من مظاهر فنية، مجيبا على سؤال المؤلف تحدث الصلحي عن الصناعات والحرف اليدوية التي كان يصنعها السودانيين في ذلك الوقت، كما أشار إلى خمس مناطق في السودان، قام بالذهاب إليها ولاحظ فيها انتاجا تشكيليا حرفيا متميزا، هي ( منطقة كبوشيه شمال شندي / شرق السودان في بورسودان وسواكن / جنوب السودان في بحر الغزال / غرب السودان في دارفور / الأنقسنا في منطقة النيل الأزرق ) واصفا في تفصيل مظاهر هذا الانتاج التشكيلي الذي وجده في تلك المناطق. وعن تجواله في أنحاء مختلفة من السودان للتعرف على الناس وثقافتهم سأله المؤلف، كيف ينظر اليوم إلى السودان وهو بعيد عنه وكيف يعرفه، إذ يقيم الصلحي منذ عقود في المملكة المتحدة بأوكسفورد، يقول ضمن ما قاله : (.. أنظر إلى السودان كذكرى من أروع الذكريات..) ويتابع ( أنا الآن أعيش بين أجمل الذكريات وبين مرارة قاتلة نحو حاضر السودان ) وكان الحوار قد أجري أصلا في عام 1991م.


شجرة أوكسفورد رقم 8 -رسم الصلحي

* أيضا سأله المؤلف عما يدور من حوار عن " الثقافة السودانية " وهل يعتقد أن الوحدة السياسية المسماة السودان قد بلغت من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مرحلة يمكن التحدث فيها عن "ثقافة سودانية"...؟ يقول الصلحي : ( لا يوجد ما يمكن تسميته " ثقافة سودانية " ) مسترسلاً في إجابته ناظراً لتاريخ السودان القديم منذ حضارة وادي النيل والبطالسة والرومان مرورا بالفترة المسيحية ودخول العرب السودان و السلطنة الزرقاء ثم العهد التركي والمهدية، ليصل لوجهة النظر تلك. كما تحدث، عن ابتعاثه إلي إنجلترة لدراسة الفنون في منتصف خمسينيات القرن الماضي وتدريسه لها وإنشائه لمصلحة الثقافة وسجنه في عهد جعفر نميري وبرنامج بيت الجاك وعن الرسم والتلوين والاغتراب والمنفى والكتابة الابداعية وعن مدرسة الخرطوم. ليصير هذا الكتاب، أو يصير الصلحي كما يُخبرنا هذا الكتاب، بحق بيتاً للفنون والثقافة والحوار، قام ببنائه إبراهيم الصلحي.


اتجاهات النثر العربي الحديثة في السودان







اسم الكتاب: الاتجاهات الحديثة في النثر العربي في السودان

المؤلِّف: عبد الله الطيب

الناشر: معهد الدراسات العربية العالية- جامعة الدول العربية

سنة الطبع: 1959







 عرض: أسامة عباس



* مرَّت قبل أيام الذكرى السابعة* لوفاة البروفيسور الدكتور عبد الله الطيب، الذي رحل عن دنيانا في يوم الخميس الموافق 19/6/2003م. وهنا احتفاءً بذكراه أقوم بتقديم هذا العرض لكتابه «محاضرات في الاتجاهات الحديثة في النثر العربي في السودان» الذي قمت بنشره قبل عامين بالملف الثقافي لجريدة الصحافة. وهو في الاصل محاضرات كان الدكتور عبد الله الطيب قام بإلقائها على طلبة قسم الدراسات الأدبية واللغوية بمعهد الدراسات العربية العالية في القاهرة. وقد طبع الكتاب بمطبعة نهضة مصر في عام 1959م من القرن الماضي بالقاهرة- الفجالة، مشتملاً على ستة أقسام أو محاضرات كما هي في الأصل «تمهيد/ من النثر الصوفي إلى الصحافة/ النثر في المهدية/ النثر المعاصر/ المحجوب ومحمد عشري/ محمد عشري» وجاء الكتاب في (97) صفحة من القطع الكبير.


* يرى المؤلِّف أن نثر السودان العربي الحديث، بدأ أول أمره دينياً صوفياً، وأنه بلغ ذروته عند الشيخ محمد المجذوب وأبناء اخيه من بعده، مفضلاً إياهم على من سماهم مدونو الأخبار أمثال ولد ضيف الله صاحب الطبقات، لأنهم كما يكتب: «... إنما قصروا حديثهم على الكرامات وما أشبهها ولو كان نثر الطبقات عربياً فصيحاً كله لبدأنا به ولكنه أقرب إلى العامية في جملته». وشرح يتابع في القسم الثاني «من النثر الصوفي إلى الصحافة» لماذا استحسانه لنثر الشيخ المجذوب لذي يتَّبع كما يقول: «مذهب سائر علماء العربية في عصره والعصور التي خلت من إيثار النثر الفني الخالص بألوان من الصناعة والتسجيع وإرسال النثر العلمي إرسالاً، لما كان يحتاج إليه صاحبه من التبسّط في العبارة» ويرى أن للمجذوب ضربين من النثر الصوفي، أحدهما مسجوع وآخر غير مسجوع، وأن نثره المسجوع نفسه، به ضربان، ضرب «لعله كان باكورة عمله إذ نلمح فيه تداخلاً في العبارات واكثاراً من الاستعارة التي تكثر فيها الإضافات وتتابع الأفعال»، وضرب آخر «من سجع المجذوب أشبه بسجيته ونفسه وملكته إذ يسفر منه الوضوح ويغلب عليه الانسياب، وتقصر السجعات، واحياناً يتجاوز السجع الى المزاوجة وشبه السجع. ومثاله لذلك: (ببسم الله الرحمن الرحيم ننسج أطلس الأخبار، وبالحمد لله العظيم نرونق حبور السطور، الآثار. وبالشكر لله الحليم نقرط آذان السامع بإقراط الولادة، وبالصلاة على المحبوب الأكبر نحلي نحور صدور أهل السعادة، قائلين اللهم لك الحمد قبل ما نقول وخيراً مما نقول، حيث أبدعت نور حبيبك محمد أول الإيجاد والإنشاء، واخترعت سره بقدرتك وعنايتك كما تشاء، ففلقت من نوره جميع الأنوار، وشققت من سره كل الأسرار، وجعلت الحقائق فيه راقية.. وكذلك من أمثلته: «وإذا قد ذكرنا سيرة المحبوب فلنرفع أكف الاحتياج لمالك خزائن الغيوب، فنقول نسألك اللهم بلسان الحال والمقال ونثني عليك بكمال الكمال وجلال الجمال، ونكرر الحمد والشكر على مزيد النعم ونرفع أطباق الفقر لنيل مالك من الفضل والكرم، نرجوك يا أول يا آخر، ندعوك يا باطن يا ظاهر..)، وهو المثال الذي يراه المؤلّف من أجود ما كان يكتب في بلاد العربية جميعاً في ذلك الزمان، ويقول: (يعجبني من هذا الفصل بخاصة استعارته عند قوله «ونرفع أطباق الفقر لنيل مالك من الفضل والكرم». إذ تشبيه الأيدي المرفوعة بالدعاء بأطباق السائل غاية في الجودة ولا أحسبني أغلو إن زعمت أن مثل هذا النثر قد كان في جملته سابقاً لزمانه، لما كان طاغياً إذ ذاك من هجنة الأساليب وركاكتها).



* وفي القسم الثالث «النثر في المهدية» والذي يراه المؤلِّف بمثابة المقدِّمة أو التمهيد لأسلوب الصحافة الذي جاء في العصر الحديث، وقد تمثّل ذلك النثر في أسلوب المناشير الذي ابتدره الإمام محمد أحمد المهدي، وبه كما يقول المؤلّف: (روح قوي يعبّر عن ذروة ما بلغه النثر الصوفي الدفعي في السودان من حيث الفكرة والعقيدة..)، مورداً رسالة المهدي إلى الشيخ محمد الأمين الضرير، أنموذجاً على ذلك، إلا أنه يشير لبعض الاضطراب في سجعه والتعثّر خاصة في نثر الراتب . ويتابع كاتباً: (ولا يضير المهدي بعد أنه لم يكن مجوِّداً ناصح الفصاحة فحسبه ما وفق إليه من قوة الروح وشدة الحماس وما تيسّر له من القيادة العظيمة التي جعلت من السودان شيئاً مذكوراً بعد طول خمول). وكذلك أشار المؤلِّف إلى بعض ما كتبه خليفة المهدي عبد الله، كاتباً: (...لم يكن يستحضر من القرآن ما يستحضره -أي مثلما يفعل المهدي- ولم يكن من حماسة القول ولا قوة الجدل والاسهاب فيه، ما كان يملكه، وانما كان حاكماً يؤثر الامر والنهي على الوعط والتذكير..). ومن رسالة الخليفة عبد الله إلى الحاج ود سعد أمير المتمة التي أوردها المؤلّف، نقتطف: (سبق التحرير إليك في خصوص توجهك لجماعتك إلى ذلك الحبيب بدنقلا للجهاد، وتأكد عليك بسرعة ذلك وعدم الالتفات سوى للسفر وترك جميع العلائق فيلزم على طبق الأمر السابق القيام بتلك الجهة على وجه الفور بدون تأن بعلو همة وصفاء نية وحسن طوية حيث أنك من الأصحاب المأمول منهم بذل الهمة في الله والمساعدة في إقامة دينه، بعد وصولك لدى الحبيب محمد الخير. فان رأى مصلحة الدين في رجوعك في تلك الجهة التي أنت بها فلا مانع من رجوعك كما أشرنا لك سابقاً. إنما يلزم سرعة النفار إليه وقطع كافة العلائق لما في ذلك من الخير الذي لا يدرك مداه..). ثم ينتقل المؤلِّف إلى نثر (الشيخ الحسين الزهرا)، والذي يراه معقداً ومتكلِّفاً (وليس فيه من الحماسة والتدفق ما في أسلوب المهدي، ولا فيه من الوضوح العامي البحت، ما في رسائل الخليفة عبد الله وعماله). ومن منشوره الطويل في مدح المهدي الذي اورده المؤلف، نقتطف: (الحمد لله الوالي الكريم، والصلاة على سيدنا محمد مع التسليم، أما بعد فلما نادت به ألسن الأكوان بظهور المهدي المنتظر، وتقرر ما نادت به عند ذي كل لب خلا عن الفتن ما بطن منها وما ظهر...).


* ويخبر المؤلف في القسم الرابع (النثر المعاصر) الذي بدأ عقب انشاء الحكم الثنائي لصحافته الرسمية «جريدة السودان» التي كان يشرف عليها قلم المخابرات، وكان محرروها الاوائل من المهاجرين المستوطنين مصر، وبعد اختفاء جريدة السودان خلفتها جرائد اخرى شبه رسمية كالحضارة وملتقى النهرين، اللتين كان يحررهما من السودانيين حسين شريف واحمد عثمان القاضي، من خريجي كلية غردون التي احدثت بعض التغيير في الفكر السوداني، بما كانت تخرجه كل عام من جيل مثقف جديد. وقد وصف المؤلف ما كتبه ذلك الجيل، انه (في جملته سليماً حسناً لا يخرج عن التقليد لما كان في الصحف المصرية آنئذ). ويتابع يقول عن التحاق نجباء من الطلبة السودانيين. منهم حافظو القرآن، والذين باشروا بدورهم بعد ذلك التدريس في كلية غردون أمثال الشيخ محمد المجذوب جلال الدين والشيخ البناء والشيخ عبد الله عبد الرحمن الذي اخبر عن كتاب له اسمه «العربية في السودان» وصفه المؤلِّف بالحسن وان طبعته قد نفدت الآن، أي منذ اوان تقديمه لتلك المحاضرات، وفيه كثير من عادات السودان وموازنة بين الكثير من الألفاظ الدارجة وأصولها وأشار المؤلف كذلك لأهميته كاتباً: (والكتاب لو أعيد طبعه، مما لا يستغني عنه الباحث الآن). لينتقل للفترة التي تلت سنة 1942م ويراها مهمة في تاريخ السودان، حيث نمو الشعور القومي، «وقد اتفق مع هذا الشعور القومي المحدث، أن الحاكم كان يضرب نوعاً من الحجاب على السودان، فلم يبعث منه إلى الدراسة في الخارج أحداً إلا بأخرة، وهؤلاء ارسلوا الى بيروت لا الى مصر، فكأن الحجاب من جهتها كان أشد، فزاد هذا كله من تعلق الجيل الجديد بالخارج، ولاسيما مصر، شأن ابن آدم في كل ما يحرم منه). الى ان يقول إنه كان ينظر في أول امره لهذا الجيل كمحاكين لما قرأوه في الصحافة المصرية، ومؤلفات كتابها المحدثين، الذين لم يكونوا هم بدورهم الا محاكين لنماذج من ادب الغرب ويتابع كاتباً: (وخيل لي أنهم ما عمدوا إلى هذه المحاكاة إلا التماساً للعزاء من دنيا اليأس التي كانت تحيط بهم، أو طلباً للظهور في دنيا جيلهم الصغير. وكان يرجح هذا الظن عندي ما هو معروف من أعراضهم عن الكتابة الادبية الخالصة بعد قيام السياسة والأحزاب. وقلت عسى كان قلقهم كله، وتطلعهم كله، نفثة من نفثات الجهاد الوطني في ذلك الزمان).. الى ان يعود ويكتب: ولكن بعد طول النظر استقر عندي انهم ربما ألموا بأطراف جميع ذلك، غير انهم كانوا في جوهرهم اولى مثل عليا، شجعاناً حقاً، لهم حظ عظيم من الاصالة، ارادوا البيان عن ذوات انفسهم، وعن آمال بلادهم فالتمسوه في الادب، ووفقوا فيه الى شيء من الاجادة، ثم التمسوه في السياسة، فشغلتهم شواغلها، ووفّق كثير منهم توفيقاً عظيماً فيها. وقد كان منهم من يحاول الرجعة الى الادب احياناً. ولكن هؤلاء لم يستقم لهم منه في الكرة الآخرة ما كان استقام اول الامر».. وبالنسبة للمؤلف خيرة كتاب ذلك الجيل - سوى الشعراء- هم محمد احمد المحجوب، واحمد يوسف هاشم، ومحمد عشري واخوه عبد الله عشري،( ومن هؤلاء محجوب ومحمد عشري) اديبان كبيران لا ريب، لعلهما كانا «في بعض ما كتباه».. من أصل أدباء زمانهما في الشرق العربي كله.. وبعد أن استطرد في الحديث عن عبد الله عشري ـــ وأحمد يوسف هاشم عاد وكتب: (هذا، وقبل الحديث عن محجوب ومحمد عشري، اللذين سيفرد لهما القسمين الاخيرين على التوالي ــــ، لا بد من كلمة عن عرفات محمد عبد الله، إذ كان محرر الفجر، وكان يكتب من قبل في النهضة، واشتهر في جيله بالأدب والبيان، ولا يزال كثيرون يقدمونه على محجوب وعشري وغيرهما. واشهد قد اطلت النظر في افتتاحياته، في الفجر وما كتبه في النهضة، فثبت عندي أنه ليس كالذي اشتهر من ذكره وأن فضيلته حقاً أنه كان رجلاً مثابراً، بذل جهداً كريماً عظيماً في إخراج الفجر، وموافاة القراء بها مرتين في كل شهر..). ويتابع قائلاً: (وكثيراً ما كان عرفات ينحو منحى الخطابة في نقده الاجتماعي فيبالغ في اللفظ ويغفل عن المعنى غفلة تامة..).


* وفي القسم قبل الأخير والموسوم بـ«المحجوب ومحمد عشري» يبتدر المؤلف بالقول: (لو جمع ما كتبه المحجوب ومحمد عشري في الفجر والنهضة كله ما عدا كتاباً واحداً من الحجم المتوسط. ومع ذلك أزعم أن بعض كتابتهما من جيد ما عرفه عصرهما في الشرق العربي، ولا شك أنها أجود ما عرفه السودان من الأدب الحديث حتى فجر الاستقلال..).. وذكر نقد الأستاذ مختار الوارد بأحد أعداد الفجر والذي عاب فيه على المحجوب اعتماده الأكثر على الأسلوب الخطابي بدلاً عن المنطق، لأن الناقد كما ينقل المؤلّف قول الأستاذ مختار -أحوج إلى المنطق منه إلى الخطابة. ويتابع المؤلف قائلاً: إن تلك التهمة هي نفسها التي أعادها الدكتور عبد المجيد عابدين في كتابه (تاريخ الثقافة العربية في السودان)، وفي رده عليهما يكتب المؤلف: (وعندي أن هذا النقد، مع ما فيه من وجوه الإصابة، مخطئ في جملته، وقد يصرف عن حقيقة ما اشتمل عليه أدب المحجوب من الأصالة الفنية، والفكرية. أما الأصالة الفنية فما كان يحاوله من صياغة جديدة تجمع بين فصاحة العربية وترسل الإنجليزية وأما الأصالة الفكرية فما كان يلتمسه من المثل العليا بمجتمعه السوداني الناشئ في الأدب والسياسة والفن» ويورد مقالة المحجوب التي نشرت بمجلة «الفجر» (الشعور القومي وحاجتنا إليه) والتي يراها المؤلِّف بينة المعنى، ألف فيها الكاتب بين التبويب والربط المأخوذ عن المقالة الإنجليزية والإزدواج والمقابلة المتوفرة في البيان العربي، (وتحدّث عن غير هذا من المزايا الإيجابية والسلبية في مقالة المحجوب.



* أما عن محمد عشري الذي أفرد له القسم السادس والأخير من كتابه أو محاضراته، فكتب: (لمحمد عشري روية وعناية بما يكتبه، ولكن ليس له اندفاع محجوب ولا حرارته وبريقه...)، وتابع المؤلف آراءه حول عشري من خلال تقديم نقده لمقالة عشري حول المازني، ثم ختم كتابه حول اتجاهات النثر العربي الحديثة في السودان عن معاوية نور الذي لم يفرد مكانا له، كاتباً: (هذا وكنت أود أيضاً أن ألم بأدب المرحوم معاوية محمد نور، فقد كان معاصراً لجيل الفجر وأقام زماناً بمصر يكتب في صحفها، وانتمى إلى بعض المدارس الأدبية ثم عاد إلى وطنه فتجّهم له العيش ثم أنهكه المرض ومات. وقد ترجم له إدوارد عطية في كتابه الإنجليزي An Arab Tells His Story وترجم له الدكتور عبد المجيد عابدين في كتابه دراسات سودانية. ونثره في جودة الذين كان يساجلهم ويشاركهم في المذهب بمصر، ومما يجدر أن يوقف عنده. إلا أنني في هذه الكلمة الموجرة إنما أستعرض اتجاهات النثر السوداني وما كان له أثر باق منها أعلق بالذي أنا فيه من سواه وإن حسن. ولا أشك أن المرحوم معاوية لو أقام مع جيلي الفجر والنهضة في السودان، لكان له من الأثر في توجيه أدبهم بنحو مما كان لمحجوب والعشريين وأحمد يوسف، بل لعله كان يربى عليهم بما أوتيه من الذكاء الواقد والحماس المشتعل مع الروية والملكة).

-------------------------------
* تاريخ النشر 28 يونيو 2010

عبدالله الثالثي



اسم الكتاب: فيض الذاكرة
المؤلف: مجموعة مؤلفين
الناشر: دار عزة للنشر والتوزيع
الطبعة: الأولى 2003م




عرض: أسامة عباس



* هذا الكتاب في الأصل عبارة عن حوارات إذاعية أجراها كلٌّ من الطيب محمد الطيب وعبد الله علي إبراهيم مع الشاعر والمعلِّم عبد الله الشيخ البشير (1928-1996) لصالح برنامج إذاعي (أخبار واسمار) بإذاعة أم درمان، إضافة لجلسات تسجيل مع الشاعر اشترك فيها كلٌّ من فرح عيسى محمد وصلاح عمر الصادق. ليصبح كتاب (فيض الذاكرة- أحاديث في الأدب والثقافة مع الأستاذ عبد الله الشيخ البشير). وقد جاء في (177) صفحة من القطع الكبير، بدأ بمقدمتين لعبد الله علي إبراهيم وفرح عيسى محمد الذي قام بتحرير الكتاب وتبويبه. يقول د. عبد الله إبراهيم في مقدمته: (عرفته بفضل ذوقه - يعني الشاعر عبد الله البشير- الأخّاذ ومعرفته بأرشيف الثقافة السودانية التقليدية، بعض كنوز هذا الأرشيف مثل كتاب طبقات ود ضيف الله. وانتفعت منه بشروح غير مسبوقة لشعر التجاني يوسف بشير ومدائح حاج الماحي وأشواقه لزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام)، كما يصف عبد الله ع إبراهيم الشاعر عبد الله البشير، الذي تخرّج في المعهد العلمي بام درمان والجامع الأزهر بالقاهرة، بأنه كان (ثالثياً) سار على خطى التجاني يوسف بشير وأستاذه الشاعر حسين منصور، أي سار في طريقا وسطا ، متأبيا فيه على ثنائية إما محدث أو تقليدي، طريقا ليس لـ (الأغرار الواهمين) من الغردونيين الذين ( أذعنوا للحداثة وترخّصوا بشأن إرثهم الثقافي) وليس لـ (أهل كبرياء العمم) من المعهديين (الذين استهولوا العصر وهرعوا إلى الدين يحتفظون ببقيته).


* وتوزّعت صفحات الكتاب على ستة فصول يحكي فيها الشاعر عن سيرته بلسانه، جاء في الفصل الأول (معهد ام درمان العلمي) الذي انتقل حديثاً (1946) من مكانه في الجامع الكبير بأمدرمان، حيث كان طلابه يجلسون في حلقات على حُصر فرشت على الأرض، إلى مبانيه ذات الطراز الحديث الذي يشبه هندسة المدارس في مكانه الحالي جنوب استاد الهلال، واصفاً الأجواء في ذلك المبنى الجديد وسعادة بعض طلاب المعهد به وحزن البعض الآخر، إضافة لحزن الشيوخ من المعلمين الذين كانوا يضعون «فرواتهم» على أسطح مكاتبهم بدلاً من الجلوس على مقاعدهم خلف هذه المكاتب، إلى أن يشير لـ«صراع المحافظة والتجديد» داخل المعهد بين اتجاه يريد الالتزام بالكتب الدينية المقررة فحسب، لأن الانشغال بغيرها كالشعر والأدب، عبث، واتجاه آخر لا يرفض تلك العلوم الشرعية من توحيد وتفسير وفقه وحديث وعلوم العربية من بلاغة ونحو، لكنهم يرون ضرورة التذود بالعلوم العصرية والإطلاع على الثقافات المختلفة، ويمثل لهذا الاتجاه المجدد الذي كان الكثير من انصاره من ممارسي الإبداع الأدبي، بالتجاني يوسف بشير، محمد عبد الوهاب القاضي، الهادي العمرابي، الناصر قريب الله، خالد ابو الروس واحمد يوسف هاشم (أبو الصحف)، ثم يحكي عن قصيدة حسين منصور التي ألقاها في حفل نهاية السنة بالمعهد العلمي، في غفلة من منظمي الحفل وإدارة المعهد، وحسين منصور أستاذ مصري كان مدرساً بالمعهد، فقام بالقاء قصيدته تلك، التي تحرّض على الثورة والتجديد وأحدثت القصيدة دوياً وثورة في المعهد كما أراد صاحبها، ليكتب التجاني يوسف بشير قصيدته عقب سفر الأستاذ إلى مصر يقول فيها: (وأرسلتها ثورة في البلاد.. على جانبها يشب الضرام. لتأكل أغرارها الواهمين.. وتسحق كبرياء العمم). ثم يتحدّث عبد الله البشير عن (المعهد والحركة الوطنية) ومحاولات طلابه لتطوير حاله (ضد الخطة الموضوعة من جانب المستعمر والتي تستهدف تهميش طالب المعهد عن وظائف الدولة وتهميشه في المجتمع..).


* وفي جزء (الشيخان واختلاف الرؤى) من ذات الفصل يخبر عن تعقيد مواقف المشائخ تجاه السلطة الاستعمارية، فالشيخ محمد البدوي كان يرفض التعامل معها، بينما قبل بالتعامل معها الشيخ ابو القاسم هاشم ، الذي كان همه تعليميا -كمايقول عبدالله البشير- واستطاع أن ينشئ المعهد العلمي، ليحكي البشير مزيداً في تبيان إختلاف مواقف الشيخين تجاه المستعمر ودوافعهما والإرث الثقافي والديني الذي ينطلق منه كلٌّ منهما، ويكتمل هذا الفصل بإخباره الكثير حول الشاعر التجاني يوسف بشير (التجاني ليس طالباً معهدياً عادياً، إنه نسيج وحده، وهو عبقرية تقدّمت على زمانها فتصادمت بحجاب المعاصرة) ليقول إن قضية شكِّه شغلت الأوساط الأدبية والثقافية والعقائدية حينها، باعتبار عدم توقّع الناس، أن يجهر بمثل هذا الشك، طالباً من المعهد العلمي، ويتحدّث عن ذلك من خلال (الخلفية الاجتماعية وصراع الثقافتين، قضية التفكير، الشك ورحلة البحث عن اليقين) مستعيناً بنماذج وشروح لبعض من أشعار التجاني يوسف بشير.


* وفي الفصل الثاني (سنوات الأزهر بمصر) يحكي عن صعوبات سفر الطلاب إلى مصر في ذلك الزمان وعن ذكرياته وسكناه في مناطق مختلفة بالقاهرة، إلى أن يقول عن دور (الطلاب السودانيين وقضية السودان) وفرحهم بقدوم ثورة 32 يوليو 1952م واعترافها بحق السودانيين في تقرير مصيرهم، ثم قدوم وفود أحزاب السودان السياسية للتفاوض مع القيادة الجديدة في القاهرة، ولم يكن قد تمت دعوة الطلاب السودانيين بها لحضور تلك المفاوضات، الشيء الذي دعى الطلاب لتنظيم مظاهرة احتجاج، على إثرها دعتهم القيادة المصرية لاجتماع بحضور عبد الحكيم عامر وجمال عبد الناصر، ليحكي بعد ذلك عن ما ظنوه تفريقا في التعامل بينهم كطلاب أزهريين وبين الطلاب السودانيين من الكليات الأخرى.


* ويقول في الفصل الثالث (ذكريات التدريس) عن تجاربه خلال عمله معلماً للغة العربية منتقّلاً بين مدارس الأحفاد الثانوية وخورطقت ثم مدرساً بالانتداب في المملكة العربية السعودية لنعلم مدى وسعة الاضافات الكبيرة التي قدمها لطلابه في تلك المدارس. وينتقل بعدها مخبراً في الفصل الرابع (قضية المهنة والحق المهضوم) عن جذر أزمة معلمي اللغة العربية والتربية الإسلامية أو حقوقهما المهضومة (مشكلة معلمي اللغة العربية والتربية الإسلامية في السودان، هي افراز من افرازات الصراع الدائر في العالم العربي، الصراع الثقافي الذي دار.. منذ احتكاك العرب المسلمين بأوربا) ليتناول تعامل السلطات المختلفة منذ السلطة الاستعمارية وحتى الحكومات الوطنية المختلفة التي تبنّت ذات المنهج الذي يحتفي بعارف اللغة الإنجليزية ويمنحه الفرص العليا للترقي في سلم الوظيفة (بعد الاستقلال قام على أمر القيادة السياسية والإدارية الذين تخرّجوا على ذلك المنهج الإنجليزي لذلك لم يحسوا فيه أدنى خلل، وبالتالي لم يلتفتوا إلى مراجعة تلك المناهج حتى هذه اللحظة، المناهج التي وضعت لتُخرّج الموظف ما زالت باقية، فالطالب يتخرّج من الجامعة ليقف في الصف يطلب الوظيفة، المواد عتيقة، ليس في اللغة العربية والتربية الإسلامية فحسب، بل في اللغة الإنجليزية نفسها نحن ندرس اللغة الإنجليزية المعدة للمستعمرات، وهي لغة تخاطب. لكن اللغة الإنجليزية الرفيعة التي تجعل دارسها يتمكّن من العلوم لا ندرسها، الرياضيات ما زالت الأولية، والعلوم في التجارب الأولى).



* في الفصل الخامس (من قضايا الأدب السوداني) يحكي عن غلبة الشعر في الأربعينيات والخمسينيات دون غيره من أجناس الأدب الأخرى التي ( لا تناسب شعباً متوثباً لمعركة نضال وطني) ( كما أن مستوى التعليم الذي خططه الاستعمار لم يفرز طبقة متعلّمة تستطيع أن تتذوق الأعمال الأدبية المتقدّمة كالمسرحية والقصة) ويشير للتيارات الأدبية المختلفة مثل تيار الشرق -كما يسميه- والذي يمثل الاشتراكيين أو اليساريين ويهتم بمشاكل الطبقة العاملة المستضعفة وتيار الغرب ذو الاتجاهات الرومانسية الذي لا يحفل بشأن الجماهير ورغم اختلاف التيارين إلا انهما يلتزمان شكلاً واحداً مخالفاً للقصيدة العربية ذات الوزن والقافية ويتخذان فيه منهجاً أوربياً، وقد مثّل للتيار الشرقي بالشاعر صلاح أحمد إبراهيم وبالغربي الشاعر محمد عبد الحي المهتم بالأسطورة والرؤى الرومانسية، ثم يتحدَّث في ذات الفصل عن (جماعة الأدب السوداني) التي قامت ليعود الشعر لإهتمامه بالانسان السوداني وتحدّث عن ( مهرجان التيجاني) الذي أقامته الجماعة في 1962م، في كل من أم درمان والخرطوم والذي يراه (أنجح مهرجان ثقافي تم في هذا البلد) وكانت نتيجته ذلك الكتاب دراسات في شعر التيجاني كما تحدث عن المهرجان الذي أقاموه للشيخ صاحب كتاب طبقات ودضيف الله. وفي جزء آخر من ذات الفصل، (الصراع على رئاسة اتحاد الأدباء) يحكي عن تكوين جماعة الأدباء التي مثل لها بـ مبارك المغربي، طه حسين الكد، حسن عباس صبحي، بابكر أحمد موسى، حسن حمدنا الله، إمام الشيخ، خالد ابو الروس، مصطفى عوض الله بشارة، وأنها قامت عقب سيطرة اليساريين في عام 1976م على المنابر الثقافية والجرائد المايوية وإعلانهم العداء الواضح -كما يقول- للاتجاهات الأدبية الأخرى ليشتد أوار هذا الصراع بإعلان وزارة الثقافة عام 1977 قيام اتحاد الأدباء على أن يشمل الأدباء في كل السودان، وتنطلق المنافسة لانتخابات الاتحاد من كل التيارات الأدبية المختلفة. وفي الفصل السادس الأخير (عبد الله: الشاعر والمحقق) يحكي عن ست من قصائده (أبطال بلازاد، المسيد) ثم الاربعة الاخرى في رثاء عبد الرحمن المهدي، الشاعر محمد عبد القادر كرف، الشاعر طه حسين الكد والشاعر محمد بشير عتيق، وأخيراً حكى عن تحقيقه لديوان الشاعر الصوفي ود نفيسة وعن صلته به وكيفية جمعه للديوان.

تاريخ النشر 25 فبراير2009م