الأحد، 28 ديسمبر 2014

الحداثة الممكنة





اسم الكتاب: الحداثة الممكنة
المؤلفة: رضوى عاشور
الناشر: دار الشروق المصرية
سنة النشر: الطبعة الثانية 2012







عرض: أسامة عباس



*  تتناول رضوى عاشور في هذا الكتاب بالبحث والدراسة كتاب (الساق على الساق فيما هو الفارياق) المنشور في سنة 1885 لأحمد فارس الشدياق، فهي تراه الرواية العربية الأولى والأهم، لكن هذا الاستحقاق أو اثبات ريادة "الساق على الساق" غرض ثانوي في كتابها هذا، إذ تنظر إلى ماترتب على منح الريادة لأعمال أخرى وعلى تهميش ماكتبه الشدياق، قائلة إن هذا التهميش وذلك المنح، يُشير إلى ( أن شرط كتابة الرواية يفترض أمرين: القطيعة مع الموروث "الابتعاد عن فن المقامة والسرديات"، وثانيهما الكتابة "وفق النموذج الأوربي"). وتسأل: لماذا أُسقط إنجاز الشدياق؟ ولماذا لم يُعتبر الرائد الأول للنهضة وقد طرح من موقع متقدم كافة القصايا الأساسية...؟ وتدفع بغير ذلك من الأسئلة.

* شمل الكتاب 15عنوانا/فصلا،عَرّفت بكتاب الشدياق وتناولت بنيته وملامح جمال وقوة الكتاب، وذلك في فصول (عنوان/ بنية الكتاب/ المقامة/ الشريك المعلن/ قبل أن يُوقدوا النار لحرق الكتاب). وتقول المؤلفة ان "الساق على الساق" نص روائي، و"الفارياق" فيه، شخصية أتوبيوجرافية "سيرذاتية" يدور حولها النص، بواسطة راوي يتتبع مراحل حياته منذ ولادته وطفولته في لبنان وترحاله واقامته في عدة بلدان أوربية وعربية، وأنه اسم نحته المؤلف من المقطع الاول من اسمه، فارس، والمقطع الاخير من اسم عائلته، الشدياق. أما عن اسم الكتاب "الساق على الساق" فتدفع المؤلفة بعدة تفسيرات/تأويلات تشير لدلالات مختلفة ومتنوعة ينفتح عليها العنوان ومن ثم الكتاب.

* وتتابع المؤلفة مكامن تلك القوة والجمال في فصول (أراك تقدر النساء ولاتبخسهن حقهن/ فاعلم أني قد خرجت من السلسلة/ الكتابة الساخرة 1-2) لتقول أن حضور المرأة في "الساق على الساق" لايقتصر علي ماتحتله من موضوع الكتاب، فالشدياق يقول أن المرأة واللغة هما موضوع كتابه، بل في مُخاطبتها كقارئة مُوعيّ بغيابها. وفي الحوارات التي تدور بين "الفارياق" و"الفارياقية" يبرز هذا الانشغال، لترى عاشور أن ماطرحه الشدياق حول المرأة لم يستطع "قاسم أمين" بعد ما يقرب من نصف قرن أن يتجاوزه، بل كان دونه. وأن ما طرحه الشدياق في منتصف القرن التاسع عشر، عن ذكورية اللغة وذكورية التراث، بدأت الكتابات النسوية الأوربية والأمريكية بتناوله في ستينات القرن العشرين.


* تتحدث المؤلفة عن الأثر الواضح للرحلة الكلاسيكية في الأدب العربي المرتبطة بالسيرة، في نص الشدياق، لكن "الساق" تزيد، عن الوصف والمعاينة، في التعبير عن الانا وغربتها ومشاعرها في المنفى، وهو مايجعلها تختلف عن السيرة القديمة في الادب العربي، التى تتناول الشخص العام، فالشدياق يوزع ذاته بين شخصيتين الراوي أو الشدياق نفسه، والفارياق الشخصية المتخيلة وإن ارتكزت على وقائع حياة المؤلف. لتقول عاشور أن الشدياق نفسه كان يعي هذا الاختلاف، إذ يكتب علي لسان الرواي/المؤلف (قيّدوا أنفسهم بسلسلة من التأليف واحدة) أما هو فيعلن (خرجت من السلسلة).

* تشير المؤلفة قبل تقديمها لنماذج عدة من سخرية الشدياق وأنواعها، إلى ان العامل الأساس لتطور توجهه الساخر، يعود لعِظم موهبته وقدرته على التحصيل العلمي الواسع بما يفوق كل أقرانه، وأيضا لوجوده، بموهبته هذه، في وسط قمع حريته وقمطه قيمته، ان في طفولته أو في كهولته. ومن نماذج سخريته التي توردها، تلك المحاكاة الساخرة لخُطب المُبشرين الاوربيين الذين كانوا لا يجيدون اللغة العربية ويتجولون في مناطق الشام للتبشير، فيكتب (يا أولادي المباركين الهادرين هنا لسماء هُتبيي وكبول نسيهني وموهزتي) وهو يريد أن يقول (... الحاضرين لسماع خطبتي وقبول نصيحتي وموعظتي) وكذلك (اهترموا كسيسكم وأساكفتكم ووكروهم واكتدوا بهم).


* وفي فصلي (حوار النصوص/غواية اللغة) تُخبر المؤلفة عن اكتناز "الساق على الساق" بالاشارات المباشرة والضمنية لكُتاب سابقين عرب وأوربيين وإلى أساليبهم في الكتابة، ويجئ ذلك إما لتأكيد اختلافه عنهم أو لتعزيز ما اتبعه من أساليب. ومن العرب تُذكر بن حجاج وابن صريع والدلاء وصاحب الف ليلة وليلة وغيرهم، ومن الاوربيين سويفيت ورابليه ولورانس ستيرن صاحب "الاسلوب المهلهل" الذي ابتدعه في "تريسترام شاندي". أما عن غواية الشدياق باللغة، فتقول المؤلفة انها لا تملك ما يكفي من العلم والتدريب في حقل الدراسات اللغوية والمعجمية، لتحيط بالانجاز اللغوي للشدياق وآرائه في هذا المجال، لكنها تقدم مجموعة من النقاط حول ولعه باللغة العربية واحساسه بتهديد يحيق بها وحول رأيه في علاقة اللغة باللغات الأخرى.


* كما ناقشت المؤلفة في فصول كتابها (الشدياق والمؤسسة النقدية 1-2) بعضا من الاراء النقدية المعاصرة التي جاءت حول ماكتبه الشدياق، كالاب لويس شيخو الذي كان رأيه في الشدياق سلبيا، وجورجي زيدان الذي أشاد بانجازه اللغوي، ثم لويس عوض الذي تستغرب المؤلفة خلطه في الفهم لبعض ماجاء بـ "الساق على الساق" ليضل بالتالي في الحكم علي الشدياق، لتسأل هل هذا الارتباك من قبل عوض جاء لأسباب طائفية شوفينية مصرية؟ أم لاختلاف في التصور للطريق الذي يجب أن تسير فيه النهضة؟. لتنتقل في فصل (القطيعة) لحديث نقاد عرب عن "الساق على الساق" وعن عدم رؤيتهم لها كعمل روائي، لتكون النتيجة - كما ترى- ان يَسهُل على الاجيال التالية تجاوزها، إذ كان البحث عن "روايات" تتوفر فيها الشروط المبكرة لنموذج الرواية الأوربية، هو المقصد.


*  وفي (فصل الختام) تقول رضوى عاشور بعد الإشارة والتحليل لظرف وقصيدة الشدياق التي دبجها للملكة فكتوريا في تهنئة مولد الامير آرثر، وبعد مناقشة لرأي "يحي حقي" القائل بثنائية الافندي والشيخ، تقول أن حداثة الشدياق في "الساق على الساق" كانت حداثة مناقضة للحداثة الكولونيالية القائمة على قطيعة تاريخية وثقافية مع الموروث، وأن "الساق على الساق" تحمِل (بذور حداثة ممكنة لاتملك مقومات الحياة فحسب بل تملك طاقة هائلة من الحيوية، تفتح آفاقا تغنينا وتغني البشر، عموم البشر لا العرب وحدهم، في مسعاهم للإحاطة بتجاربهم عبر صنوف البيان).



الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

من رقيق إلى عمال


اسم الكتاب: من رقيق إلى عمال
 التحرير والعمل في السودان الكولونيالي
المؤلف: أحمد عوض سيكانجا
الناشر: منشورات جامعة تكساس
سنة النشر: 1996




* يطالع قارئ  " في المكتبة  " اليوم، عرض الصديق والكاتب والمصور الفوتوغرافي أحمد آدم لكتاب (من رقيق إلى عمال - slaves into workers) للكاتب والأكاديمي السوداني أحمد العوض سيكاينجا، الذي صدر في الانجليزية منذ عام 1996 عن منشورات جامعة تكساس الامريكية. يتناول الكتاب موضوع الرق وتحول الرقيق إلى عمال خلال الفترة من القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن العشرين، في السودان. ولعل قراءتنا لهذا العرض تعطينا لمحة عن هذا الكتاب وأهميته وتُخبر بضرورة ترجمته للعربية حتى تعم الفائدة.

________________________


عرض: أحمد آدم*


* يُمثل كتاب (من رقيق الي عمال: التحرير والعمل في السودان الكولونيالي) الصادر بالانجليزية عن "منشورات جامعة تكساس ١٩٩٦" لمؤلفه أحمد العوض سيكاينجا، استاذ التاريخ بجامعة أوهايو، يمثل اضافة مهمة للأدبيات التي تناولت موضوع الرق في المجتمع السوداني. 


* يقارب سيكاينجا في هذا الكتاب، الذي يقع في ٢٧٦ صفحة من الحجم المتوسط، توظيف الرقيق المُعتَق في الاقتصاد الكولونيالي عبر استيعابهم كعمال بأجر في مشاريع الحكم الثنائي. ويذهب الي أن ظروف ووضعية القوي العاملة في السودان ما قبل الكولونيالي أثرت على سمات وملامح القوي العاملة التي ظهرت في ظل الادارة الكولونيالية. من أبرز هذه الملامح أن سياسات الادارة الكولونيالية تجاه العمال انبنت على خلفياتهم العرقية، بمعنى أن يتم تحديد مهام وانواع العمل بالنظر للخلفية العرقية للعامل، كالأعمال الشاقة أو أعمال الصرف الصحي. وهذا التمييز لا يقتصر فقط علي المشاريع الاقتصادية، بل شمل أيضا سياسات عمل الرقيق المُعتق في الجيش، وذلك باستيعاب أفرادا من مجموعة عرقية واحدة في نفس الوحدة العسكرية.


* يضم كتاب “من رقيق الي عمال” مقدمة وستة فصول وخاتمة، تناول الفصل الأول الرق والعمل في السودان ماقبل الكولونيالي، بين القرنين الثامن عشر والقرن التاسع عشر، ويوضح المؤلف أن الرق كان ممارسة شائعة في مملكتي الفونج والفور، لكن الحق في امتلاكه كان امتيازا يقتصر على السلطان والنخبة الحاكمة، إذ مَثّل امتلاك الرقيق مصدرا رئيسيا للثروة، كما تم استخدام الرقيق كجنود، عمال، وموظفي بلاط، أما الفائض عن حاجة المملكتين فيتم تصديره للخارج. وكان يتم جلب الرقيق من الغارات التي يتم شنها على الحدود الجنوبية للمملكتين، في جهات جبال النوبة، أعالي النيل الأزرق، دار الفرتيت، وجزء من ما يسمي الآن بأفريقيا الوسطى.


* ومع تزايد التبادل التجاري مع مصر، ووصول مجموعة كبيرة من التجار المسلمين ورجال الدين، والتوسع في استخدام العملة، أصبح امتلاك الرقيق فرصة للتفرغ للتجارة ووسيلة للترقي الاجتماعي وتغيير موازين القوى داخل مجتمع سنار، إذ برزت طبقة وسطى من التجار المحليين تبنت هوية عربية واحتكرت التجارة الخارجية، وكان معظم هؤلاء التجار في الأصل مزارعين ورعاة.



* كذلك أحدث الغزو التركي كما يوضح المؤلف تغييرات عميقة في البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السوداني، مما جعل الحاجة كبيرة لعمل الرقيق خاصة في الانتاج الزراعي، إذ تدخلت الدولة في الاقتصاد، فبرز تَغُير في نظام اقطاع الأرض، وفُرضت ضرائب كبيرة على السواقي، وانتشر في منتصف القرن التاسع عشر تسليع الأرض والزراعة في المناطق النيلية شمال الخرطوم، خاصة محافظتي دنقلا وبربر، مما جعل الحاجة للأيدي العاملة كبيرة، فأدى ذلك لبروز طبقة من ملاك الأراضي اعتمدت على الرقيق بكثافة، ولم يكن هناك خيار للمزارعين من غير ملاك الأراضي سوى الانضمام لغزوات جلب الرقيق من الجنوب. من جهة أخرى كانت مقاومة الرقيق فردية ولم تتخذ صيغة العمل الجماعي المنظم، وان كانت ثمة مقاومة صامتة حاول فيها الرقيق خلق مجتمعات وحياة خاصة بهم داخل المجتمع الذي استعبدهم، كذلك شهدت المحافظات الشمالية هروب العديد من الرقيق الي الخرطوم وغيرها من المدن، ليؤدي ذلك الهروب لنواة لما عُرف لاحقا بديوم الخرطوم.


* يناقش الفصل الثاني الرق والعمل في العشرين عاما الاولى من النظام الكولونيالي، ويوضح المؤلف انه وبالرغم من غياب المشاريع الرأسمالية الضخمة في العقود الأولى للادارة الكولونيالية، لكن المنشآت التي خلقها النظام الكولونيالي، مثل خطوط السكك الحديدية، تشييد الطرق، وميناء التصدير في بورتسودان، احتاجت لأيدي عاملة بكميات كبيرة، لكن الادارة الكولونيالية واجهت صعوبة كبيرة في توفير الأيدي العاملة خاصة في السنوات الأولى، إذ كان معظم السكان يعملون بالزراعة ،الرعي ، أو التجارة، ولم تكن عندهم حاجة ضرورية لبيع قوة عملهم من أجل مرتبات، فلم تجد الادارة الكولونيالية خيارا سوى الرقيق المُعتَق أو الهارب كأيدي عاملة في المشاريع الكولونيالية. لكن تحول الرقيق المُعتَق أو الهارب لعمال بأجر كانت مهمة صعبة، لأن الرقيق المُعَتق كان يفضل الهجرة للمدن الكبيرة، وتأسيس أحياء خاصة بهم أو الانضمام للأحياء التي أسسها الرقيق المُعتَق قبلهم. فاتُخذت عدة اجراءات لاجبارهم على العمل، مثل سن قوانين تمنع التشرد في المدن الكبرى، وأيضا نظام تسجيل لحصر الرقيق المعتق.


* أما الفصل الثالث فيناقش نفس موضوع الفصل الثاني، لكن بالتركيز على الخرطوم، ومحاولة الحكومة الكولونيالية لتحويل الرقيق المُعتَق لعمال بأجر، إذ كانت الخرطوم بمدنها الثلاث مصدر جذب للرقيق المُعتَق والهارب، وذلك لما توفره من امكانية حياة جديدة خالية من علاقات وذاكرة الرق. ولكن وجد الرقيق المُعتَق والهارب ضغطا كبيرا من الادارة الكولونيالية التي سعت الى التحكم في حركتهم داخل هذه المدن الثلاث، تمهيدا لارسالهم للمناطق النائية كعمال.


* ويتناول المؤلف في الفصل الرابع الفترة من ١٩٢٠ حتى ١٩٥٦ وذلك بتحليل التحولات الاقتصادية والسياسية المهمة في السودان، التي صاحبت فترة الحرب العالمية الثانية، وأدت الى تسريع وتيرة تحرير الرقيق، وتطور العمل المأجور. وكانت أبرز هذه التحولات التوسع في انتاج المحاصيل النقدية، وتزايد الضغط العالمي على الحكومة الكولونيالية لتحرير الرقيق، والانسحاب المصري الكلي من الحكم الثنائي الكولونيالي. وجعلت هذه التحولات الادارة الكولونيالية تتخذ خطوات سريعة لألغاء تجارة الرق. رغم أن العديد من الرقيق الرجال نالوا حريتهم في أعقاب الاجراءات التي قامت بها الادارة الكولونيالية لتصفية مؤسسة الرق، لكن ظلت النساء المسترقات في قيد الرق لسنوات أخرى.


* يلقي الفصل الخامس الضوء على تطور القوى العاملة وانبثاق وعي نقابي في نفس الفترة التي تناولها المؤلف في الفصل الرابع، حيث شهد السودان خلال فترة الحرب العالمية الثانية أكبر توسع في القوي العاملة بأجر. ورغم أن هذه القوي قد تمت تجزئتها اثنيا ، واقليميا، كجزء من سياسة الادارة الكولونيالية لاستيعاب المجموعات السودانية المختلفة في الاقتصاد الكولونيالي، لكن شهد السودان ولادة أقوى نقابات واتحادات للعمال في أفريقيا والشرق الأوسط، ومثلت هذه النقابات قوة مؤثرة في المجتمع السوداني.


* وفي الفصل الأخير يركز المؤلف علي مدينة الخرطوم، موضحا أنه بنهاية العقد الثاني من النظام الكولونيالي، نال معظم الرقيق في الخرطوم حريتهم وانضم اليهم مهاجرين من مناطق نائية، وأصبح الرقيق المُعتَق جزءا من مجموعة مختلفة من الناس. وبعد قيام مشروع الجزيرة وقربه من مدينة الخرطوم، بنى الرقيق المُعتَق والعمال والمهاجرون، بنو في الخرطوم أحياءً ضاجة بالحياة وخلقوا ثقافة شعبية حيوية أثرت في السودان ككل. 


المؤلف في سطور


أحمد العوض سيكاينجا أستاذ التاريخ بجامعة أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية، له عدة مؤلفات عن السودان أبرزها "مدينة الحديد والنار: تاريخ اجتماعي لعطبرة مدينة السكة حديد السودانية (١٩٠٦-١٩٨٤)" و كتاب "غرب بحر الغزال تحت الحكم البريطاني، ١٨٩٨-١٩٥٦".


* كاتب مقيم في استراليا

الاثنين، 1 ديسمبر 2014

المكتبة السودانية العربية






اسم الكتاب: المكتبة السودانية العربية
المؤلف: د. مصطفى محمد مسعد
الناشر: دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع
سنة الطبع: 2014




عرض: أسامة عباس


* يضم هذا الكتاب ( المكتبة السودانية العربية) بين غلافيه اربعين نصا جاءت، عن السودان، متفرقة في ثنايا كتب عربية قديمة، امتدت النصوص في الفترة من 823 م وحتى 1525م. وتركز مجملها في الاخبار بحروب المسلمين للنوبة "رماة الحدق" وصلحهما، وعن ممالك البجة والنوبة وأهلها وأقوامها، وعن المعادن الموجودة وقدوم العرب لأجلها منذ قبل الاسلام، واتفاقات سفر الحجاج واديان امم السودان ونهر النيل.


 * قام بجمع النصوص وتحقيقها وكتابة حواشيها د. مصطفى محمد مسعد، إذ جاءت هذه النصوص كفقرات متفرقة في ثنايا تلك الكتب. يقول د. مسعد في مقدمته: ( يرجع التفكير في اخراج هذا الكتاب إلى أوائل الخمسينات، حين عكفت على جمع المادة العلمية لرسالة الدكتوراة، وموضوعها. "ممالك النوبة المسيحية اضمحلالها وسقوطها". ولقد اعترضتني - وقتذاك- عدة صعوبات، لعلها أهمها، ضياع الآثار التي خلفها عصر الممالك المسيحية في النوبة وندرة المصادر).


* ينقل نص (الواقدي) المولود بالمدينة سنة 747م،  الذي أخذ المؤلف/المحقق فقراته المختلفة من كتاب الواقدي (فتوح مصر والاسكندرية). ينقل النص خبر طلب مقوقس مصر النجدة من ملكي البجة والنوبة، عند اقتراب جيوش المسلمين من مصر بقيادة عمرو بن العاص، ليقول الواقدي أن تلك النجدة لم تصل، إذ نشب الخلاف يومها بين النوبة والبجا.


* وينقل نص اليعقوبي 897م الذي جاء من كتابه (البلدان) الإخبار بالمعادن وأنواعها ومناطقها في أرض البجة، واليعقوبي كان دارسا للتاريخ والجغرافيا ورحالة جاب أقطار العالم الاسلامي، كما جاء في حواش المؤلف/المحقق الإخبار عن إشارة الواقدي بوجود علاقات لبعض القبائل العربية بمناطق تلك المعادن منذ قبل الاسلام.


*  ومن النصوص التي جاءت بالكتاب ما كتبه ( البلاذري) سنة 892م نص بعنوان (صلح النوبة) من كتابه (فتوح البلدان) الذي يُخبر عن قتال النوبة الشديد "رماة الحدق" للمسلمين، ويكتب البلاذري ناقلا قول أحد الذين شهدوا المعارك مع النوبة ".. صافونا ونحن نريد أن نجعلها حملة واحدة بالسيوف، فما قدرنا على معالجتهم. رمونا حتى ذهبت الأعين، فعدّت مئة وخمسون عينا مفقوءة. فقلنا: ما لهؤلاء خير من الصلح، إن سلبهم لقليل، وإن نكايتهم لشديدة".


* ويصف نص ابن حوقل 961م المأخوذ من كتابه "صورة الأرض" وهو رحالة وجغرافي عربي مشهور استغرقت رحلاته ثلاثين عاما، يصف حدود بلاد النوبة وأرض البجا وبعض أخبارهم.


* كذلك يضم الكتاب نص لابن خلدون 1406م جاء بعنوان "العبر وديوان المبتدا والخبر" قام المؤلف/المحقق بتحريره من كتاب ابن خلدون الشهير، العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام  العرب والعجم والبربر ألخ عنوان الكتاب، في جزئه الخامس. كما شمل الكتاب على نص قصير للرحالة ابن بطوطة 1377م يخبر فيه بوصوله إلى عيذاب ميناء البجا الذي كان ينقل تجارة الحبشة واليمن والهند وتجئ اليه قوافل الحجاج، كما جاء في نص المقريزي "ذكر البجة".


* ومن المؤلفين الاخرين الذين وردت نصوص لهم في الكتاب، جاء: ابن الفقيه/ الطبري/ المسعودي/ القزويني/ بيبرس الدوادار/ النويري/ ابن اياس/ القلقشندي/ الادريسي/ ابن الاثير وابن عبد السلام الذي جاء نصه حول نهر النيل، وغيرهم من المؤلفين. وجاء الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى ضمن "مطبوعات جامعة القاهرة بالخرطوم" في عام 1972م، في 452 صفحة من القطع الكبير، وقام بتصميم غلافه الشاعر محمد الصادق الحاج.



المؤلف في سطور


 د. مصطفى محمد مسعد أكاديمي مصري عمل استاذا للتاريخ الاسلامي في كلية الآداب بجامعة القاهرة فرع الخرطوم سابقا، من كتبه "الاسلام والنوبة في العصور الوسطى".





السبت، 22 نوفمبر 2014

أين المسرح الشعري العربي؟!





اسم الكتاب: المسرح الشعري العربي- الأزمة والمستقبل
المؤلف: د. مصطفى عبد الغني
الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت
تاريخ النشر: يوليو 2013م




عرض: أسامة عباس


*  يحاول هذا الكتاب أن يجيب على السؤال: "ما مستقبل المسرح الشعري العربي؟!" لأن هذا المسرح غاب أو غُيب، كما يرى المؤلف، ولأن الدراما الشعرية هي أنسب الاشكال للتعبير عن الهموم الكبيرة في تاريخ الأمم، كما يقول. ويتحدث عن الفرق بين الشعر المسرحي والمسرح الشعري، ليقول أن الاول يهتم باللغة الشعرية وتُهيمن فيه الغنائية على الحوار والحبكة والصراع الدرامي، بينما المسرح الشعري يكون الشعر فيه وسيلة للتعبير عما يجول في أعماق الشخصيات وليس هدفا أو غاية، وذلك كما يرى هو الفرق بين المسرحية الشعرية التقليدية التي كتبها الرواد والمسرحية الشعرية المعاصرة، التي كُتبت في النصف الثاني من القرن العشرين مُستخدمة تقنيات جديدة استطاعت انتاج خطاب ودلالات تنسجم مع حراك المجتمع.



*  يقول د. عبد الغني، ان بدايات "المسرح الشعري العربي" لم تكن بأحمد شوقي، إنما كانت بـ "التحفة الرشيدية" لأبراهيم الأحدب 1868 و"المروءة والوفاء" 1876 و" الخنساء أو كيد النساء" 1877 لخليل اليازجي. ويذكر أن هناك ما يزيد على مائتي مسرحية شعرية، تُوردها المعاجم، في الفترة مابين "1848 – 1975" لكنه لا يحكُم عليها، لأن هناك قصائد وشعرا مسرحيا بينها، إضافة للقيمة المتدنية للكثير من هذه المسرحيات وضياع بعضها، ليرى أن الخوض في تقييمها اشكاليا، فيقوده هذا ليعود غافلا لذلك "السؤال القديم": هل عرفت الثقافة العربية المسرح أم لم تعرفه؟! ويشرع في اعادة تعريف للمقامة وخيال الظل والتشخيص والارتجال.



*  ينظر المؤلف لـلمسرح عبر ثلاثة مراحل تمتد في الفترة من منتصف القرن التاسع عشر وحتى ثمانينات القرن الماضي، قسمها على النحو التالي: المرحلة الأولى في الفترة من 1847 - 1918 وتركزت في لبنان وسوريا ثم مصر بعد رحيل بعض رواد المسرح الشوام إليها، وإتسمت هذه المرحلة بالدعوة للقيم الدينية والوطنية واستدعاء التراث مع الوفاء له أكثر من الوفاء للمسرح واستلهام هذا التراث. ثم المرحلة الثانية التي امتدت في الفترة من 1940 وحتى 1967 والتى تميزت بتوجهها السياسي النضالي ضد المستعمر الاوربي، وأن الهواة، باستثناء مصر، هم من كانوا يقومون بأمر المسرح في جميع البلدان العربية. والسمة الثالثة  ظهور المسرح التجاري، والرابعة كانت اعتبار تقليد المسرح الأجنبي مقياسا لرقي المسرح.



*  أما المرحلة الثالثة  فتمتد من 1960  حتى 1980 لكن حديث المؤلف عنها يصل حتي نهاية القرن، ويجئ متناثرا - كما في المرحلة السابقة - حول بلاد الشام ومصر والعراق والمغرب العربي وحدها "1"، بالرغم من قوله ان هذه المرحلة تميزت باستواء عود المسرح في كل بلاد العالم العربي واكتمال بنيانه الفني والفكري. كما تركزت كتابته عن المسرح والمسرحية بشكل عام وليس المسرحية الشعرية، ويرى أن المسرح أصبح جريئا في معالجة قضايا مجتمعه الاجتماعية والسياسية، كذلك برز اقبال الجمهور على المسرح ليصير بذلك، المسرح ("حاجة" اجتماعية قبل ان يكون لذة فنية) أما السمة الأخيرة فهي تأصيل المسرح العربي بعد توسع المعرفة بالمسرح الأجنبي وظهور اقتراحات المسرحيين العرب لمسرح عربي وظهور المهرجانات المسرحية.



* وفيما تبقى من هذا الباب، ينتقل المؤلف للحديث عن المسرح الشعري ذاكرا ثلاثة كُتاب فقط، هم عبد الرحمن الشرقاوي، علي أحمد باكثير وصلاح عبد الصبور، ناظرا لعمل الأخير كأفضل ما توصلت إليه المسرحية الشعرية من تطور، مُعتبرا فترة إولئك الثلاثة هي نهاية المد وبداية حركة الجزر المستمرة إلى اليوم، والتي يُحدد ملامحها في: غياب "النص المسرحي" المعتمد على أصول الدراما، فهي نصوص تنتهي مع نهاية العرض وتُبرز المخرج والممثل وليس الدراما والاهداف الفكرية، كما يتم توليفها تحقيقا لقيمة التقنية وليس لقيمة الكلام، زائدا تُغير العلاقة بين الجمهور والمسرح، مع قلة العدد، إذ أصبح المسرح بالنسبة لهذا الجمهور "كمالية فنية" وليس ليُطالب بالتغيير. ويختم " لقد تطور فن الأداء المسرحي ومن ناحية أخرى تراجعت الكتابة للمسرح" رغم أن مايحدث في المنطقة هو حدث درامي كبير عامر بالرموز والاشارات.



*  ويأتي الباب الثاني عن مجموعة مختارة من كُتاب المسرحية الشعرية، ناظرا إليهم المؤلف بما سماه بـ "عين الطائر" التي ترصد "المشهد الافقي" أي من يُمكن لذلك الطائر من مكانه العالي أن يراهم، ويجئ إولئك الكُتاب المُختارون من ذات الحقبة، أي في مرحلة الجزر هذه، لكن المؤلف يستثنيهم كحالات فردية بنسب متفاوتة من حالة الجزر، في إشارة لـ "الحراك الفاعل  الدال عبر الزمن"!. وهم المصريون محمد عناني، مهدي بندق، مصطفي عبد الغني، فاروق جويدة، أحمد سويلم، محمد فريد أبو سعدة، محمد عبد العزيز أبو شنب، أحمد تيمور والعراقي معد الجبوري. وعبر اخيتار المولف لهذه الأسماء وتحليله  لنصوصهم، يريد التأكيد علي البعد السياسي، الذي يراه سمة المسرحية الشعرية العربية في هذه المرحلة، مع ارتباطها بالتاريخ والتراث، ليقول أن السياق العام لـ "العصر والدلالة" تجعله يقول بهذه القراءة أو هذا التصور، أي سياسية هذه النصوص.



*  ويُتابع في الباب الثالث " تجليات المشهد الأخير" ناظرا لمشهد المسرحية الشعرية "الرأسي" في العالم العربي ويقول أن هناك أزمة دراما في المسرح العربي اليوم، رغم اقراره بوجود بعض النصوص التي لايستطيع تجاهلها، ناظرا لها ليرى كيف عَبّرت، سلبا أو إيجابا، عن الحراك الحضاري الذي يشهده القرن الحادي والعشرون، ليقول أنها نصوص تعلو فيها القيم الاجتماعية والفكرية أكثر من الفنية، لكنه يغض الطرف عن هذا، ويجد التبرير في أن المسرح أكثر ارتباطا بهذه القيم الاجتماعية والفكرية من أشكال إبداعية أخرى، مثل الرواية والقصة. ثم يتناول بالتحليل ست أعمال فحسب، خمسة منها لكُتاب مصريين، وهي مسرحيات " مقتل هيباشيا الجميلة" لمهدي بندق، "الخديوي" لفاروق جويدة، "المؤتمر الأخير لملوك الطوائف" لخالد محي الدين البرادعي، "اللعبة الأبدية" لمحمد الفارس، "الفلاح الفصيح" لفتحي سعيد وأخيرا " بقعة ضوء تسقط- مظلمة" لشعبان يوسف.



*  أما الباب الرابع " الأزمة والطريق إلى المستقبل" فقد جاء في جزأين: "صور الانحسار" والتي يراها المؤلف في: ندرة هذه المسرحية وعدم التفريق بين المسرحية الشعرية والشعر المسرحي، ثم في قلة اهتمام الاعلام والتلفزيون خاصة بهذا الحقل، إضافةً لغلبة الغناء والغلو في العامية على الدراما في نصوص اليوم وعدم وعي كاتبيها ببحور الشعر العربية. والجزء الثاني " البحث عن المستقبل" الذي يراه - المستقبل- في التنبه لأسباب الانحسار تلك، وفي فهم تحولات العالم السياسية والاجتماعية والثقافية، زائدا دور النقد الأدبي والممثل والمؤلف ومؤسسات المسرح. ليتحدث بعد ذلك عن ملامح في المسرح الشعري اليوم وما يجب الانتباه إليه، كالتعدد والدينامية والبناءالدرامي والوعي لعلاقة المسرح بالانواع الادبية الجديدة واستخدام اللغة المستتد للرؤية، والانتباه للعلاقة بين النظام والفوضى، والتجريب الذي يجب أن يكون - كما يرى- أقرب إلى فهم ما يجري حولنا وليس بشكل مطلق. ليختم بالدعوة لضرورة الاهتمام باللغة العربية وإدخال دراسة المسرح الشعري في المدارس.



*  وجاءت "الخاتمة" حول مشهد المسرح الشعري اليوم، بالاشارة إلى سبعة ملامح سالبة يراها المؤلف تحكم هذا المشهد، والملامح هي: غياب الهوية مقابل التاريخ، السياسي والميثولوجي، السياسي والتراث، الغنائية لا الدراما، الشعبية والشعرية، النص والفرجة، المسرح الشعري والندرة. واستند المؤلف في متابعة تجليات هذه الملامح على المشهد المصري وحسب.. ليقفز إلى الذهن هذا السؤال: هل استطاع الكاتب أو هذا الكتاب، أن يُحيط بذلك الحقل الواسع " المسرح الشعري العربي" في الحدود التي تُمكِنه من الإجابة عن سؤال مستقبل هذا المسرح في بلدان العالم العربي؟! لعل الإجابة هي: لا لم يتم ذلك، لأن هذا الكتاب كما يُشير عنوانه ليس عن المسرح الشعري في مصر، وهو ما كان يتحدث عنه الكاتب في هذا الكتاب.


هامش:
 1- السودان وحده - على سبيل المثال - يزخر بالعديد من المسرحيات الشعرية باللغة العربية، التي لم يذكرها هذا الكتاب - رغم أن المؤلف يقول بوصوله لمسرح" الفاشر" التي تبعد 802 كيلومتر عن الخرطوم في سبيل بحثه عن هذا المسرح - مثل، مصرع تاجوج/ خراب سوبا/ المك نمر/ التي كُتبت جميعها ومُثلت في ثلاثينات القرن الماضي، ثم مسرحيات: صور العصر/ الرجل بين زوجتين/ سعاد/ بامسيكا/ ثلاثية نكبة البرامكة/ نبتة حبيبتي/ سولارا/ أحلام الزمان/ رؤيا الملك/ يوسف بن تاشفين/ الشاعر واللعبة/ ومسرحية مأساة يرول التي أفتتحت بها أعمال الدورة السابعة لملتقى الشارقة للمسرح العربي في 2010م.





الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

أيقونات سودانية






اسم الكتاب: حوارات مع أيقونات سودانية في الفكر والإبداع
في فضاء الإمتاع والمؤانسة
المؤلف: معاوية جمال الدين*
الناشر: مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي- أم درمان
سنة النشر: 2013





عرض : أسامة عباس


* يجمع هذا الكتاب، حوارات مع رموز ثقافية كبيرة في السودان، قدّمت إسهاماتها المُعتبرة في تشكيل ثقافة ووجدان الكثير من السودانيين، وهي إسهامات توزعت بين حقول إبداعية وثقافية مختلفة، في الأدب والفكر والنقد والموسيقى. أجريت الحوارات في الفترة الممتدة من 1982 وحتى 1998، وتأتي أهمية هذا الكتاب، الذي صمم غلافه ونسّقه داخلياً التشكيلي معمر مكي؛ من استرسال معظم المُحاوَرين، في الإخبار عن زوايا مختلفة من حياتهم العامة والشخصية.

* يسأل المؤلف/المُحاوِر في معظم الأحيان مُحاوريه أسئلة محددة في كلمات واضحة ومباشرة، فهو يبدأ مثلاً في حواره مع الطيب صالح بالسؤال: (طال انتظارنا لصدور رواية جديدة.. هل يكتب الطيب صالح الآن رواية جديدة؟ ولمَ هذا الغياب الطويل؟)، ليجيب الطيب صالح، بعد أن تحدث عن أسباب غيابه، قاذفاً بما سيصير مفاجأة انتظرها كثيرون أثناء حياته وربما لا يزال ينتظرها بعضهم إلى اليوم، وهي أنه يكتب جزءاً ثالثاً من "بندر شاه". وقد أشار مقدما الكتاب؛ كمال الجزولي ومصطفى الصاوي؛ إلى تلك السمات التي طبعت أسئلة المُحاور، وطريقته في طرحها، لتنتج من ثَم تلك الإجابات، التي نسجت هذا الكتاب.

* يتحدث الدكتور عبد الله الطيب، عن قصيدة التفعيلة، التي يرفضها رغم كتابته قصيدة "الكأس التي تحطمت" على وزن التفعيلة، سنة 1946، كما يذكر له المحاور، ثم يجول الحوار في الحديث عن اللغة العربية الفصحى، والعامية، وجدل علاقتهما، وعلاقة الفصحى بمتحدثي اللغة العربية المختلفين. كذلك يُخبر الحوار مع الشاعر صلاح أحمد إبراهيم، عن أيام وجوده في باريس، بعد استقالته من منصبه سفيراً للسودان في الجزائر، أيام حكم جعفر نميري، ومحاولته إصدار صحيفة باسم "البديل"، لتأسيس منبر يشترك فيه الجميع لصياغة برنامج سياسي مدروس ومفصل، يلتف حوله المواطنون، قائلاً إنه فشل في ذلك.

* وفي الحوار مع منصور خالد، تركزت أسئلة المؤلف حول شخصيته وطفولته ومراحل دراسته وأصدقائه ومُدرِّسيه. وجاء الحوار مع محمد المكي إبراهيم حول موضوع واحد، هو إنشاء لجنة استشارية لاتحاد أدباء آسيا وأفريقيا في اجتماع الاتحاد الذي عقد في نوفمبر 1988 بتونس، وكان هناك حديث عن ترشيح سلمان رشدي لعضوية تلك اللجنة، ولم يتم ذلك بسبب اعتراض محمد المكي إبراهيم، رئيس وفد اتحاد كتاب السودان في المؤتمر، لأن سلمان رشدي - كما يرى المكي - أصدر كتاباً مسيئاً للإسلام "آيات شيطانية". ليسأله المحاور بعد ذلك عن المسيء في الرواية، وعن غضبة آية الله الخميني المضريَّة على المؤلف للدرجة التي جعلته يهدر دمه.

* أما الحوار الأخير في الكتاب، فجاء مع المغني والموسيقي محمد وردي، مُخبراً فيه عن قصة أغنيته "أول غرام"، وعن ملهمات أغانيه. يقول وردي إن له ملهمة واحدة، هي ملهمة "ليالي اللقاء"، ولكن في غنائه بالنوبية هناك أكثر من ملهمة. كذلك أخبر المغني عن أغنيات أخرى. كذلك شمل الكتاب حوارين آخرين؛ مع القاص والمترجم علي المك، ومع الشاعر محمد المهدي المجذوب، إضافة إلى ثلاث رسائل كان بعث بها علي المك إلى أمين مكي مدني، وصور فوتوغرافية عولجت إلكترونياً للشخصيات التي حاورها مؤلف الكتاب.

* صحفي سوداني مقيم في كندا

الخميس، 6 نوفمبر 2014

رسائل غرامشي إلى أمه



اسم الكتاب: رسائل السجن
رسائل أنطونيو غرامشي إلى أمه 1926-1934
المترجم: سعيد بوكرامي
الناشر: طوى للثقافة والنشر والاعلام - لندن
تاريخ النشر: 2014م






عرض: أسامة عباس


* أنطونيو غرامشي (1891-1937) مناضل وفيلسوف من قيادات الحزب الشيوعي الايطالي، قضي في السجن - بأمر موسليني - أكثر من عشر سنوات، أدت إلى موته بعد خروجه عليلاً، لكنه ترك وراءه 2848 صفحة مكتوبة بخط اليد، خلافاً لما أراده المُدعى العام الذي قال في خطابه في المحاكمة: ( يجب علينا أن نوقف هذا الدماغ عن العمل عشرين سنة!) هي مدة الحكم التي كان يجب أن يقضيها غرامشي في السجن، وقد اشتهرت هذه الصفحات بـ "كراسات السجن".

* يُعد هذا الكتاب " رسائل السجن - رسائل أنطونيو غرامشي إلى أمه " جزءا بسيطا من تلك الاوراق التي هُربت يومها من قبضة الجلاد ومن أيطاليا بعد وفاة غرامشي، وهي المرة الأولي التي تُترجم فيها إلى اللغة العربية، لكن كانت قد تُرجمت قبلا فصولا من "كراسات السجن" في مجلد واحد شمل محاور : (قضايا التاريخ والثقافة / ملاحظات حول السياسة / فلسفة الممارسة). كما ترجمت مؤخراً رسائل لغرامشي إلى زوجته وابنيه وشقيقاته وشقيقه وإلى أصدقائه.

* تُفيض هذه الرسائل حباً وحناناً وقوة ومعرفة، وفيها يطلب من أمه ان تُخبره بأحوال الجميع وبكل شي ويستحثها لتكتب له الرسائل وأن تستحث الاخرين ليكتبوا له. ويكتب: (قولي للجميع أنه ما من داع للاحساس بالعار بسببي ويجب أن نكون أسمى من العقلية الضيقة والخسيسة للبلدان الصغيرة) فالامر كما يردد: ( يحتاج الصبر والصبر وأمتلك الاطنان منه)، ويشرح لها انه مسجون بسبب السياسة ولا دخل لاستقامته بهذا الامر، ولا بضميره فيما يتعلق ببراءته او إدانته. ثم يُحدثها قائلا: تعلمين كيف نتعامل مع الأطفال الذين يتبولون في الفراش، نهددهم بالحرق بواسطة شوكة اللهب، ليقول لها: تخيلي أن في إيطاليا يُوجد طفل كبير جدا، يُهدد بالتبول في فراشه، وانه - أي غرامشي - مع عدد قليل آخر، يُمثلون رأس الشوكة الملتهب لزجر هذا المزعج ومنعه من تلويث الفراش النظيف.

* كما تُظهر الرسائل استفادة غرامشي القصوى من كل معلومة ترد في رسائل أهله إليه، ففي رسالة مؤرخة بتاريخ 6 يونيو1927م يعرف من أمه خبر ضم عدد من البلديات إلي منطقة " غيرلارزا " فيقول لها يجب أن تكتب بهذه الطريقة، حتي ان شملت رسائلها أخبارا تبدو لها غير مفيدة، ليشرع بعد ذلك على ضوء خبر الضم هذا، في الحديث عن المدراس وكيفية تنظيمها وعن كيفية حركة الأطفال اليها، لتُظهر الرسالة كذلك معرفة غرامشي بذالك الواقع ورغبته في معرفة ما استجد فيه، إذ يسأل أمه: هل ستفرض ضرائب موحدة؟ وهل الضرائب التي سيدفعها أهل "غيرلارزا " مُلاك الأراضي ستوزع على القرى الصغيرة؟ وغيرها من الأسئلة.

* جاء الكتاب في 101 صفحة وشمل 33 رسالة امتدت من الفترة 1926 وحتى 1934، أضافة لمسرد تاريخي تتبع  حياة ونشاط غرامشي منذ ولادته في 1891 وحتي تاريخ وفاته في 1937، كذلك ضم الكتاب خمس صور، الأولي لأمه جيوسبينا مارشياس وصورتين لزوجته مع ولديهما وأخرى لها وحدها. وصورة رابعة لقبر أنطونيو غرامشي في روما والصورة الاخيرة لسجن تورينو، الذي لم تستطع حيطانه أن تطفئ نور هذا الرجل الفذ.

بروفيسورات اليأس





اسم الكتاب: أساتذة اليأس 
النزعة العدمية في الأدب الأوربي
المؤلفة: نانسي هيوتسن
المترجم: وليد السويركي
الناشر: هيئة أبوظبي للثقافة والتراث- كلمة
سنة الطبع: 2012






عرض: أسامة عباس


" معرفة الإنسان لا تكفي لاحتقاره "
بنجامين كونستان


* في اسلوب بسيط عامر بالسخرية والتحليل والمعلومات، تُحاجج المؤلفة أفكاراً مثل العدمية والمعنى والدفاع عن المجتمع والانصراف عنه، مُتناولة كُتابا وكاتبات تراهم مملثون لذلك اليأس وتلك العدمية، وهي لاتُنكر حبها بعضهم أو عُلو صيتهم في العالم الأدبي، لكنها تريد كما تقول، استخلاص الرسالة الفلسفية التي يحملها هؤلاء الكُتاب، ولماذا تمارس رسالتهم كل هذا السحر في أوربا المعاصرة، وذلك من خلال ثلاثة أجيال من الكتاب الاوربيين، ولدوا في القرن العشرين، كصموئيل بيكيت وإميل سيوران وإمري كيريتش وميلان كونديرا وألفريدا يلينيك وميشيل ويلبيك وغيرهم.


* منذ قرنين سار تطور الفكر الأوربي في طريقين يبدوآن متضادين هما: الطوباوية والعدمية أو الثورية والكلبية، ليكون رأي أصحاب الطريق الأُول، الطوباويين/الثوريين (لخيار هو) أن يضع المثقف ذكاءه في خدمة الثورة ولأجل عالم أفضل، بينما يري العدميون/الكلبيون أنه (ما من خيار) لأن أفعال البشر عبثية وكل الآمال محكومة بالفشل، لتقول هيوتسن إن بنية الطريقين واحدة، بسبب هذا الاطلاق الذي كان السبب في نجاحهما لدى الجمهور، بيد أن العدمية في أوربا المعاصرة، بدت وكأنها حقيقة الشرط الانساني وليست مجرد موضة أدبية وفلسفية.


* ترى المؤلفة أن العدمية إرتكزت على ثلاث مُسَلّمات هي، النخبوية والانانة، إذ يسير البشر في كتلة متجانسة يتزوجون وينجبون ويتسلون بحماقة، لكن أستاذ اليأس الحقيقي يحيا متوحدا ويحتمل عزلته. والمُسَلّمَة الثانية هي الاشمئزاز من الانثوي. والثالثة احتقار الحياة الأرضية وجميع نشاطات البشر الفانين المعتادة، لذلك ينأى العدمي غالبا عن السياسة. وتسأل هيوتسن متى بدأ هذا الشعور بالانفصال بين الذات والعالم؟ لتجيب أن لحظة ميلاده كانت في القرن السابع عشر، عندما تبدلت النظرة إلى العالم، من المُؤسَس على الإلهي والخارق للطبيعة، إلى الطبيعي والبشري، وحينما تَكشَفَ أن كوكبنا مجرد كوكب بين الكواكب الأخرى. ولتبدأ بعض الأصوات الأدبية المعزولة، يومها، في التعبير عن هذا المصير التراجيدي للانسان.


* تُخبر المؤلف عن عرض مسرحي لتوماس بيرنهارد كانت حضرته في 2003 حيث امتلأت القاعة بالمتفرجين، وقد استغربت إنجذابهم لذلك الحوار الدائر بين شقيقتين محافظتين وشقيقهم الساخط عليهما وعلى كل شئ، الشقيق الذي كان سيطرد من البيت على الفور في الحياة "الواقعية". لتسأل إلام يعود هذا التباعد الذي يتسع، بين ما نرغبه من تضامن وعطاء وديمقراطية، وبين مانستهلكه ك"ثقافة" من انتهاك وعنف وعزلة ويأس؟!. لتقول إن نزعة التحديث وسيطرة الانسان على عالمه، بدل أن تتقدم ساءت الأمور، لنشهد بالتالي ولادة العدمية الحديثة مع  بودلير، الذي كان في السابعة والعشرين من عمره عند فشل ثورة 1848 في فرنسا، ثم تتالت الحروب وأصوات الرجال الكاتبين،  لتستقر العدمية، في موقعها الذي لم تغادره، منذ شوبنهاور (1788- 1860) كأقوى مدرسة فكرية في أوربا الغربية.


* وتضيف ماتقول أنها كانت تود ألا تقوله: (ثمّة فرق بين النساء والرجال)، فمعظم النساء ينجبن ويمضين زمنا مع الأطفال، بينما لايمضي الرجال ذلك الزمن معهم، ليتبع هذا امتلاك النساء لعلاقة مختلفة، بالزمن وعلاقته بقابلية الانسان للفناء والموت. ولما كان معظم الذين كتبوا من الرجال أو من النساء اللواتي يشبهنهم، فقد وُجِدت أنساق الفلسفة الموجودة اليوم، والتي تأسست على نسيان الطفولة والطفل والولادة، ولم تُتح لخبرات النساء تلك، لتصير إلى إنشاء خطاب وبناء أنساق فلسفية ودينية. ولتصبح بالتالي (الذات التي يتحدث عنها الخطاب الفلسفي، ليست بلا جنس محدد فحسب، بل بلا عمر كذلك. انها ذات راشدة دائما، كآدم وحواء خُلقا للتو...).


* تفتتح هيوتسن قراءتها للكُتاب الذين تراهم ممثلين للعدمية، بالحديث عن أرثر شوبنهاور الذي تُسميّه (بابا عدم) فهي تراه الأب الروحي لإولئك الكُتاب، وتبدأ بهذه الجملة (لايولد المرء عدميا ولكنه يصبح كذلك) وتكتب تحليلا ساخرا لأفكاره زاخراً بالمعلومات عن طفولته وشبابه وكهولته، وتتبع ذات الاسلوب مع صموئيل بيكيت الذي ذكر أنه يملك ذكريات عن حياته حينما كان في بطن أمه، ولاتُكذّب هيوتسن ذلك، لكنها تسأل ساخرة ماهي تلك الحياة؟! وتقول إننا لانكاد نجرؤ على الاعتراض أن هذه الصورة، هي بالضرورة، إعادة تركيب لاحقة، وتتابع كاتبة، لكن الرعب من الأماكن المغلقة ظل يلازم بيكيت، وسنعثر عليه في أكثر من عمل من أعماله المنذورة للشهرة.


* وتكتب عن إميل سيوران (المتشائم الأوربي الأشهر) إبن رومانيا وتذكر يوجين يونسكو الذي كان مثله، إبن أم مكتئبة، لتسأل (ترى، لماذا الأمهات الرومانيات سوداويات إلى هذا الحد؟!) ولما كان نصف الكُتاب الذين تتناولهم ينتمون لفضاء الامبراطورية النمساوية-المجرية، كسيوران وبيرنهارد وكيرتيش وكونديرا وألفريدا يلينيك، فانها تشرع في رسم صورة لذلك الفضاء، ثم تذكر قول سيوران حول احساسه بالضجر منذ أن كان طفلا، لتسأل ( هل هناك ماهو غير عادي أكثر من أن يشعر طفل في الخامسة بالضجر؟) إذن هو طفل نابغة من أطفال العدمية، وستكون مهمته طيلة العقود الثمانية، التي عاشها سيوران، الانتباه الدائم لهذا العدم.


* وعلى هذا المنوال تتابع هيوتسن كِتابها في قراءة كُتابها المختارين، مستفيدة من مؤلفاتهم وسيرهم الذاتية ومراسلاتهم وبعض كتبهم  التي حرص بعضا منهم ممن يكتبون بأكثر من لغة، بألا يُعاد نشرها في لغة ثانية، وتختم، أن جزءا كبيرا من هذه السوداوية هو (ادعاء أدبي) لأن أغلب هؤلاء الكُتاب أقل كرهاً للبشر في حياتهم مما هم عليه في كتبهم، كذلك نرى بذل ذلك الجهد والوقت الهائلين في تجويد أعمالهم، كما أن اليائس بحق لايُبشر بشئ، فقط يغرق في الصمت تاركا نفسه تنزلق نحو الموت، لتقول (ان الشكل يستخدم كترياق ضد سُم الرسالة الظاهرة. وفيما يتبنى الكاتب موقفا يزدري الجموع، فانه يُقدِم في الآن نفسه ثمرة عمله لتلك الجموع نفسها " ومن غيرها يمكن تقديمها إليه؟").




الاثنين، 3 نوفمبر 2014

رحلة خديجة صفوت إلى الصين




اسم الكتاب: رحلة فتاة سودانية إلى الصين

المؤلفة: خديجة صفوت
الناشر: دارالسويدي للنشر والتوزيع/ المركز الأفرو آسيوي للمرأة والثقافة
سلسلة ارتياد الآفاق - رحالات شرقيات
سنة النشر: 2006







عرض: أسامة عباس



* صدر هذا الكتاب "أفراح أسيا" أول مرة سنة 1966م وهو ثمرة رحلة قامت بها المؤلفة  سنة 1956، ضمن أول وفد نسائي من عشر سودانيات، إلى الصين، بدعوة من الاتحاد النسائي الديمقراطي الصيني. وقد ثَبّتَت المؤلفة في الصفحة الأولي من كتابها قصيدة لبابلو نيرودا من ديوانه "رياح آسيا" يقول مطلعها: ( في قرية الصين المحررة/ أبصرتُ كل شئ/ ولم يقصوا علي شيئا/ وكان الأطفال من حولي/ لايفسحون لي المجال لكي أسير/ وأكلت أرزهم/ وأكلت ثمارهم/ واحتسيت خمرهم/ خمر الأرز الشاحب).

* كتب نوري الجراح المشرف على سلسلة "ارتياد الأفاق" في مقدمته لهذا الكتاب: ( المثير للاهتمام أن الكاتبة، ومنذ أواسط الستينات، عنيت بكتابة أدب الرحلة، في وقت كانت كتابة اليوميات عن الأسفار وخلال الأسفار حكرا على الرجال). وللمؤلفة كتاب آخر في الرحلة، هو "ستار الصمت" حول أفريقيا البرتقالية، جاء بعد رحلة لها في دول غينيا وموزبيق وزيمبابوي. أما هذا الكتاب فهو ليس كتابة يوميات بالشكل المتواتر الذي نعرفه، حيث يسجل الزائر/ السائح وصفا ظاهريا أو حياديا للعمران ومايراه أمامه من مشاهد، رغم وجود القليل من ذلك، لكنها يوميات/ كتابة تُقدم لمحات ليست قليلة، عن الصين قبل حكم الشيوعيين عام 1949 وعما اتجهت إليه بعد ذلك التاريخ.


* عَرّفَ الكِتّاب بالصين الجديدة مستندا في ذلك، على حزمة كبيرة من المعلومات والتفاصيل، إذ لم تكتف المؤلفة بوصف ما تشاهده وحسب، بل أنها في معظم الأحيان تترك مثل ذلك النوع من الوصف، لتُسهب مُسترسلة في الأخِبار بالتواريخ والملاحم التي عَمّرت تلك المدن التي زارتها، عاقدة للمقارنات المدعومة بالاحصاءات، في أكثر من مجال، بين ما كان عليه الحال قبل 1949 وما صار عليه بعد ذلك. وجاء الكتاب عامرا بالمحبة والانحياز الكامل، إذ كُتب إبان أجواء الستينات المُتفائلة وحركات التحرر الوطني، حيث الأمل معقود والتحول يسير لخلق حياة جديدة للشعوب التي طردت لتوها المستعمر، لكن الكتاب لايخلو من حقيقة، ليست حقيقة الأرقام والاحصاءات والملاحم التي نقلتها المؤلفة عن الصين يومها، بل حقيقة المعجزة التي يمكن أن يصنعها البشر عندما يتضامنون.

                                               2
* زارت المؤلفة خلال رحلتها ثلاثة مدن هي ووهان المدينة المثلثة التي تضم "ووتساغ/ ووهان/ هانكاو" وتقع علي نهر اليانجس الذي كان قبل الثورة بمثابة رعب للسكان بسبب فيضاناته المدمرة، لكن تم التحكم في سريانه بواسطة السدود، ليصير مصدر وفرة وليس رُعبا وكارثة. أما الثانية فهي بكين التي تعد أقدم مدن الصين البالغ عددها 4541 مدينة، إذ أنشئت قبل ثلاثة آلاف عام، وتصف المؤلفة الشوارع التي تمر بوسط المدينة بانها واسعة تكاد تسع عشر سيارات لتسير معا. والمدينة الثالثة هي شانقهاي التي تعرضت للقمع والظلم تحت حكم البريطانيين والفرنسيين واليابانيين وحاكم الصين تشانج كاي تشيك، وهي المدينة التي انطلقت فيها شرارة الثورة وتأسس فيها الحزب الشيوعي الصيني عام 1921م.

* تُشير المؤلفة إلى كيف بدأ التحول في الصين الشعبية من سيادة الاقطاع إلى شراكة الكوميونات في اعمار البلاد، إذ اعتمدت الثورة علي الفلاحين الذين يمثلون أكثر من 80%، مُورِدة رؤية أحد قادة الصين "صن يات صن" الذي يقول: ( إذا كانت الثورة تحتاج الى فلسفة فلابد من اكتشاف عقل الفلاح الباطن والظاهر) لتظهر نماذج المزارع التعاونية التي يشرف علي كل منها مكتب يقدم الخبرات العلمية ويشتري جزءا من المحاصيل المنتجة. لتقول صفوت ان الكوميون (ليس هو الوحدة الاقتصادية التي تدير المؤسسات الانتاجية وحسب وإنما هو الجهاز المحلي الحاكم للشئون الاقتصادية والثقافية والعسكرية في المنطقة او الاقليم).


* تابعت صفوت في كتابها، التحول في الصين من خلال تأثيره علي حياة النساء والأطفال والفلاحين، مُقدِمة بالأرقام تطور الزراعة والصناعة والصحة والتعليم، وتحكي عن مدرسة ابتدائية تضم قاعات للموسيقى والرسم والرياضة والميكانيك والفلاحة والكيمياء، كما تحكي عن مستشفى الولادة الذي اتبع طريقة للوضوع دون ألم. وتخبر أيضا بـ "معهد الأقليات القومية"، توجد بالصين 50 قومية، الذي يُعني بتطوير اللغات القومية وتقديم البحوث في تاريخ تلك القوميات، وعلي الطالب ان يتعلم في المعهد اللغة الهانية باعتيارها اللغة الرسمية التي يتحدث بها 93% من سكان الصين، إضافة لتعلم لغة قومية أخرى. كما تُحبر عن عدد من المؤسسات الانتاجية، كمصنع السيارات الذي يحتل مساحة  350 متر مربع، والمؤسسات الثقافية، مثل قصور الصيف والأطفال والعمال، الصانعة لذلك التحول. 



المؤلفة في سطور


خديجة صفوت أكاديمية سودانية وباحثة في حقل الاقتصاد السياسي والتنمية والقضايا النسوية، لها العديد من الاصدرات بالانجليزية والعربية والبرتغالية والفرنسية، من أعمالها المترجمة للعربية كتب " الإسلام السياسي ورأس المال الهارب" و " النسوقراط - تأنيث التاريخ وإفقار سوق العمل: الاقتصاد السياسي لوأد البنات" و "الطرق الصوفية والأحزاب الحديثة في السودان" كما شاركت صفوت في وضع "الموسوعة العالمية للمرأة" التي صدرت عن "دار راتليدج" في كل من نيويورك ولندن وسيدني.


الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

لماذا يكتب جورج أورويل








عرض: أسامة عباس


* ربما لا يعرف قارئ جورج أورويل، في ترجمات عربية، أنه كاتب مقالة، إذ يُذَكر دائما برواياته، لكن في هذا الكتاب سيطالع هذا القارئ، بفضل من المُتَرجِم البحريني علي مدن، عدداً من هذه المقالات البارعة والمُثَقِفة. يسأل برنارد كريك، مؤلف كتاب سيرة جورج أورويل، في مقدمة هذا الكتاب: ( ماذا بوسع الذين لا يعرفون عن جورج أورويل غير " مزرعة الحيوان" و "1984" أن يعرفوا عنه سوى ذلك؟) ليقول إن الكثيرين قرأوا ( المقالات كملحق لإنجازاته الأساسية بدلا " كما أشك" كأفضل أعماله).

  * صدر هذا الكتاب، الذي جاء في 298 صفحة، عن المؤسسة العربية للنشر في بيروت ووزارة الثقافة البحرينية في عام 2013م، شاملا تسعة عشرة مقالة، تفاوتت بين الطول والقُصر، وتنوعت بين تناول وقائع حدثت كـ "واقعة شنق/ صيد فيل" وحول تجارب مرت بالكاتب مثل " ذكريات محل بيع الكتب/ اعترافات مراجع كتب" وحول الحرب والبشر وتأثير الكُتّاب مثل مقالة "ويلز وهتلر ودولة العالم" ومحاورة أفكار وكُتّاب وقراءة كتب وحديث حول شخصيات كـمقالات (داخل الحوت/ كتب رديئة جيدة/ لماذا أكتب؟/ لير، تولستوي، والبهلول/ تأملات حول غاندي) إضافة لمقالة طريفة ومُنَوِرة "كوب لطيف من الشاي" المستندة على التجربة والمعرفة، وغير ذلك من المقالات.

* ولعله بديهيا البدء بمقالة "لماذا أكتب؟" التي منحت الكتاب عنوانه، ففيها يُخبر أورويل بأنه عرف منذ ان كان طفلا ما سيصير عليه، سيصبح كاتباً رغم محاولاته التخلي عن ذلك. ثم يقول بصعوبة معرفة دوافع كاتب دون معرفة شئ عن تطوره المبكر وعصره الذي يُحدد له موضوعه، خاصة عصر مضطرب وثوري، لكن الكاتب قبل أن يكتب، يكتسب موقفا عاطفيا لن يستطيع الهروب منه وإذا ما استطاع يكون قد جني على حافزه للكتابة. ويُحدد أورويل أربعة دوافع للكتابة، خاصة النثر، هي: حب الذات، والحماس الجمالي، ثم الحافز التاريخي والهدف السياسي. وبالنسبة له فانه يقول بترجيح الدوافع الثلاثة الأولى علي الرابع السياسي، لو أنه كان في عصر آخر، وربما لذلك يكتب: ( أكثر ما رغبت به.. هو أن أجعل من الكتابة السياسية فنا).

 * وتبدو هذه الرغبة واضحة في مقالته "داخل الحوت" التي كتبت سنة 1940 عن روايتي "مدار السرطان" و"ربيع أسود" لهنري ميلر، الذي يراه أورويل كاتبا شجاعا، يكتب عما هو اعتيادي، ثم يتحدث عن كُتاب بريطانيين كتبوا في عشرينات القرن الماضي وفي ثلاثيناته، مقارنا بينهم من حيث الموضوعات التي شغلتهم أو هدف كتابتهم، وبين فَعلة ميلر المرتبطة بعصره والمنفصلة في آن عن أحداثه. ويسترسل في مناقشة كتب وآراء من قبيل، حركة اليسار الاوربي ودلالة "اعتناق" الكُتّاب للماركسية أوللتيارات المسيحية، وارتباط الكاتب بعصره أو داخل الحوت وخارجه. ليعود في ختام مقالته يُقرظ ميلر مُشبها له بجيمس جويس، في نقل ماهو اعتيادي إلى الورق، لكن لا يرفعه إلي مرتبة جويس، فهو ليس مؤلفا عظيما، بيد أن كتابته غير مألوفة وسلبية، تتبني موقفا غير فاعلا، وذلك ماستسير عليه - كما يكتب أورويل - أي رواية تستحق القراءة في السنوات المقبلة.

* أما "لير، تولستوي، والبهلول" فهي مقالة حول كتاب صغير كتبه تولتسوي سنة 1903 رافضا فيه استحقاق العبقرية الذي يحوزه شكسبير، مُختارا لتأكيد ذلك مسرحية الملك لير. ويُجْمل أورويل ملاحظات تولستوي السالبة ويُحللها ويسأل: إذ كان ذلك هو شكسبير فكيف بقى مٌقدرا كل ذلك الزمن؟ ويُجيب ربما هناك نوع من التنويم الجماعي جُر إليه العالم المتحضر ليعتقد في أن شكسبير كاتب جيد. كذلك يقوم أورويل بمناقشة موقف كل من الملك لير الذي تنازل عن عرشه وتولستوي الذي تنازل هو أيضا في أخريات أيامه عن كل أملاكه ولقبه وحقوق ملكيته الفكرية، ثم يسترسل في عقد المقارنات ومناقشة أراء عديدة مشتركة بين الملك لير وتولستوي، ليخلص إلى أن موقف الأخير من المسرحية جاء نتيجة هذا التشابه.

 * وفي مقالة "تأملات حول غاندي" ينطلق جورج أورويل من رأيه الذي أعلنه منذ البداية (ينبغي دائما أن يُحكم على القديسيين بأنهم مذنبون حتى يثبت أنهم أبرياء) ويقدم سؤالين يقول أن المرء ينزع لطرحهما في حالة غاندي، أولهما إلي أي حد كان غاندي مدفوعا بالكبرياء؟ والثاني إلى حد ساوم بدخوله السياسة التي لا تَبَعُد بطبيعتها عن الاحتيال والقسر؟. ويناقش أفعالا لغاندي وكتابات له وحوله، متناولا مبدأ القداسة وصعوبة قبوله لدي الانسان العادي قائلا "إن الانسان المتوسط هو قديس فاشل"، كما يناقش حركة لاعنفيته وأثرها، مثبتا صدقه وشجاعته ومقارِنا له مع لاعنفيين في الغرب. ويختم أورويل ان المرء قد يشعر، تبعا لحالة القداسة التي أُسبقت على غاندي، أن أهدافه المبدئية كانت رجعية ومعادية للانسان، لكن باعتباره سياسيا "مُقارَناً مع القيادات السياسية لعصرنا، كم هي عطرة تلك الرائحة التي تمكن من أن يخلفها وراءه".


* أخيرا.. وفي المجمل يمكن القول، أن كل مقالات الكتاب تمتلك الجاذبية وتزخر بالمعرفة، لكني قمت هنا بعرض بعضها، لأن غرضي ليس تلخيص هذا الكتاب، إنما إثارة الفضول والتحريض علي قراءته، فهو كتاب ممتع ومفيد. ووصفي هذا ليس تقريظا مجانيا أو دفعا بعبارات مُخالِفة لحقيقة قراءتي للكتاب، من مثيلات تلكم الإكليشهات المُثبتة من قِبَّل مُراجع الكتب الضّجِر، الذي يصفه أورويل في مقالته الفكهة "اعترافات مُراجع كتب" بأنه كان يُراجع كتبا شديد الجهل بموضوعاتها، مُشبها عبارات المُراجع التي يستخدمها، بحشوات الحديد التي تقفز مُطيعة المغناطيس إلى أماكنها في المراجعة.

الاثنين، 27 أكتوبر 2014

جحا الرسام السوداني







عرض: أسامة عباس

(1)

 * يأتي نشر هذا الكتاب (الرسام السوداني - موسى قسم السيد كزام - جحا) لمؤلفه التشكيلي علاء الدين الجزولي، ليسد نقصاً فاضحاً في المكتبة السودانية ، لهذا النوع من الكتب المصورة ، ذات القطع المختلف والتصميم الانيق، التي تحوي صوراً ونصوصاً توجد جنباً الى جنب، يكمل كل منهما الآخر ويتألف منهما الكتاب، ليكون بالتالي اكثر اقتراباً من العمل التشكيلي أو الظاهرة التشكيلية السودانية، البصرية أصلاً، عبر وسيلتيّ الصورة والكلمة.

* صدر الكتاب عن الاتحاد العام للفنانين التشكيليين السودانيين في 2010م ضمن مشروعه للمكتبة التشكيلية، التي نُشر فيها قبلاً، كتابيّ التشكيلي محمد عبدالرحمن حسن، المصوران،عن التشكيليَيَن صلاح المر وعمر خيري. ويشتمل الكتاب الذي جاء في 229 صفحة،  على أربع مقدمات، للتشكيليَيَن د. محمد عبدالرحمن ابوسبيب ود. حسن موسى ومقدمتين للمؤلف.وعدد من الصور شغلت نصف مساحة الكتاب وحوار صحفي طويل أجراه المؤلف مع الرسام جحا، إضافة لإضاءة حوله ورثاء له كتبهما المؤلف. وبعضاً من الوثائق وسيرة لحياة جحا(1931-2007) في سطور دعمت بصور. وقام بالاخراج الفني للكتاب التشكيلي عبدالرحمن نورالدين وبتصوير صوره كل من المؤلف والمصور الفوتغرافي علم الهدى حامد وبتصميم خطوط الغلاف التشكيلي تاج السر حسن وبالتدقيق اللغوي الشاعر محجوب كبلو.

(2)

  * جاء الحوار - بالكتاب - في عامية وسط السودان ،دون تحريره في لغة عربية فصيحة ،كانت سوف تتيح له فرصاً أكبر لقراءته ، فالمؤلف/ المحاور نفسه يسأل محاوره في صفحة "61" عن كلمة، صعُب عليه فهم معناها، جاءت في معرض اجابته عن أحد الأسئلة. لكن يبدو أن المؤلف كان عامداً على نقل الحوار بحذافيره، تاركاً إياه على سجيته أو في تلقائيته. التلقائية التي ساعدت المحاور/ المؤلف أثناء إدارته للحوار مع جحا، إذ يقول في تمهيده للحوار(..اعتمدت على خطة ومنهج في الحوار استخدمت فيهما، لغته هو، أي اللغة التي تناسبه أكثر من غيرها، وتساعد على نجاحي في المهمة التي لم تكن سهلة، وذلك بإستنطاقه وهو على سجيته وبأسلوب في الحوار مكنه من حرية التعبير ومن تداعي أفكاره وتدفق سرده لسيرة حياته). ولكن لم يكن من داع، لترك تلك التلقائية أو بقاء الحوار على سجيته،عند إعداده للنشر، كما نجد في صفحة "103" حيث يستدرك المؤلف بعد تقديمه لسؤال جديد، أنه لم يتستنفذ بعد، إمكانية توليد أسئلة أخرى من إجابة محاوره على السابق، فنجده يترك جملة سؤاله الجديد واستدراكه ذلك على حالها، ودون ان يعود مرة أخرى للسؤال. وكان من الممكن مستفيداً من مزايا التحرير الصحفي في إعادة ترتيب الأسئلة، تقديماً وتأخيراً ضماً وقطعاً أو حتى حذفاً، بغرض إزالة أي لبس وتشويش أو عدم تناسق يمكن أن يحدث، أي كان من الممكن أن يقوم بحذف ذلك السؤال.


احدي رسومات بنات علب الحلاوة للتشكيلي جحا


(3)

* يُخبر الحوار الذي أجراه المؤلف مع الرسام، أن (جحا) أو موسى قسم السيد كزام، كما هو اسمه، قد حصل على هذه الكنية، من والده الذى كان حكاءً وصاحب نوادر يتحلق الناس حوله، فالتصقت كنيته بأبنه موسى الذي أصبح مشهورا وصار الناس ينادونه باسم (حجا) دون أن يعرفوا أسمه الحقيقي. وأنه ولد بأمدرمان وترك الخلوة بعد بقائه فيها لمدة ستة أشهر، ولم يمكث في المدرسة سوى شهرين، أخرجه والده منها، لأن بعض أقربائه أخبروه بأن المدرسة مفسدة للعيال. وقد كان جحا مثل والده وأقربائه يعمل نساجا، إلى أن رأى يوما في حديقة الحيوانات بالخرطوم، وهو في الرابعة عشرة من عمره، إمراة إنجليزية تستعد لرسم أحد النائمين بالحديقة، فاقترب منها غير مكترث لزجرها المتكرر له، حتى توطدت علاقته بها، فشرع من يومها يكافح لتعلم الرسم عن طريق نسخ الصور من المجلات المصرية. وعندما صار بارعا في رسم الوجوه، ترك مهنة النساجة وأصبح يكسب رزقه من رسمها، الذي صار يدر له مالا أكثر مما يكسبه من عمله في النساجة. وبات الناس ورواد المقاهي وأصحابها، يعرفونه ويطلبون رسمه. وأصبحت الشركات تقصده، طالبة مهارته في الرسم للترويج عن بضاعتها، كشركات كريكاب والأفريقية لصناعة الحلاوة في السودان والشبراويشي للعطور في مصر، لتظهر تلك الرسوم الشهيرة لبنات علب الحلاوة وللسيد علي الميرغني وبنت السودان. وليصبح عدد ماأنجزه من صور غير معروف، كما يقول في إجابته على سؤال المؤلف، لكنه ظل يرسم منذ 1948م بمعدل صورة كل خمسة أيام. فيسأله المؤلف إن كان لا زال يرسم بذات المعدل؟ فيجيبه جحا: أنه منذ عامين صار يرسم صورة كل ستة أيام. وكان الحوار قد أجري معه في العام 2000م.

* كما رسم جحا الكثير من رجال الصوفية وشيوخ الدين، تلبيةً لطلبات مريديهم. وكان البعض من أولئك الشيوخ يرون رسمه ويستحسنون عمله، بل ويمدونه بصور جديدة ليقوم برسمها، في تأكيد واعتراف بموهبته وقبول لرسمه. وله مع بعض الشيوخ قصص وحكايات، مثل حكايته مع الشيخ البرعي، الذي التقاه في سوق أمدرمان، وكان البرعي يرغب في رؤيته، فأخبره جحا برغبته في الحصول على صورة فوتوغرافية له، فلم يمانع البرعي، فطلب منه أن يذهبا في الحال الى الاستديو ، فوافق الشيخ على الذهاب ، الشئ الذي لم يتوقعه جحا، كما قال لمؤلف الكتاب، إذ كان يظنه لن يذهب. فيسأله المؤلف : ولماذا طلبت تصوير الشيخ البرعي بالذات ؟ فيجيبه جحا: لأن نجمه كان في صعود وصورته التي بحوزتي، يظهر فيها وهو صغير السن.



رسم للشيخ قريب الله قام به التشكيلي جحا


* كذلك قام جحا برسم الإمام المهدي عدة مرات وفي اوضاع مختلفة دون أن يراه بطبيعة الحال ، كما لا توجد للمهدي صورة فوتوغرافية ، فيسأله المؤلف كيف تم له ذلك؟ ليقول جحا بأنه كان يضع بجانبه أثناء رسمه للمهدي صوراً، لعبد الرحمن المهدي، الصادق، الصديق والهادي، فيأخذ ظلال هذا وطول ذلك ووجه ذاك. ويضيف أن وجه الامام المهدي كان طويلا بعض الشيء. فيسأله المؤلف: كيف عرفت ذلك؟ ليحيبه جحا: لقد سمعت الناس يقولون ذلك عنه في سيرته. أيضا قام جحا بنحت صورة المهدي على جبل كررى، كما أفاد بذلك للمؤلف. واشترك في فيلم الخرطوم لمخرجه بازل ديردن، بتصميمه لملابس المهدي وسافر للمملكة المتحدة حتى يقوم بإلباس الممثل لورنس أوليفييه الذي قام بدور المهدي، تلك الملابس.

* وقد غطى الحوار الذي شغل قرابة الأربعين صفحة من الكتاب، الكثير عن حياة حجا ونشاطه واشتغاله بالرسم والسحر أو الحوى واختراعاته. وحفلت إجاباته بعدد من الأراء المثيرة للنقاش والجدل والكثير من الأحداث والمعارف ، التى كونها عبر انتقاله وسفره بين عدة مهن وبلدان، حيث زار الهند ومصر والمملكة المتحدة وصادق عددا من الناس سودانيين ومصريين ويمنيين وهنودا وأوربيين.