الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

من رقيق إلى عمال


اسم الكتاب: من رقيق إلى عمال
 التحرير والعمل في السودان الكولونيالي
المؤلف: أحمد عوض سيكانجا
الناشر: منشورات جامعة تكساس
سنة النشر: 1996




* يطالع قارئ  " في المكتبة  " اليوم، عرض الصديق والكاتب والمصور الفوتوغرافي أحمد آدم لكتاب (من رقيق إلى عمال - slaves into workers) للكاتب والأكاديمي السوداني أحمد العوض سيكاينجا، الذي صدر في الانجليزية منذ عام 1996 عن منشورات جامعة تكساس الامريكية. يتناول الكتاب موضوع الرق وتحول الرقيق إلى عمال خلال الفترة من القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن العشرين، في السودان. ولعل قراءتنا لهذا العرض تعطينا لمحة عن هذا الكتاب وأهميته وتُخبر بضرورة ترجمته للعربية حتى تعم الفائدة.

________________________


عرض: أحمد آدم*


* يُمثل كتاب (من رقيق الي عمال: التحرير والعمل في السودان الكولونيالي) الصادر بالانجليزية عن "منشورات جامعة تكساس ١٩٩٦" لمؤلفه أحمد العوض سيكاينجا، استاذ التاريخ بجامعة أوهايو، يمثل اضافة مهمة للأدبيات التي تناولت موضوع الرق في المجتمع السوداني. 


* يقارب سيكاينجا في هذا الكتاب، الذي يقع في ٢٧٦ صفحة من الحجم المتوسط، توظيف الرقيق المُعتَق في الاقتصاد الكولونيالي عبر استيعابهم كعمال بأجر في مشاريع الحكم الثنائي. ويذهب الي أن ظروف ووضعية القوي العاملة في السودان ما قبل الكولونيالي أثرت على سمات وملامح القوي العاملة التي ظهرت في ظل الادارة الكولونيالية. من أبرز هذه الملامح أن سياسات الادارة الكولونيالية تجاه العمال انبنت على خلفياتهم العرقية، بمعنى أن يتم تحديد مهام وانواع العمل بالنظر للخلفية العرقية للعامل، كالأعمال الشاقة أو أعمال الصرف الصحي. وهذا التمييز لا يقتصر فقط علي المشاريع الاقتصادية، بل شمل أيضا سياسات عمل الرقيق المُعتق في الجيش، وذلك باستيعاب أفرادا من مجموعة عرقية واحدة في نفس الوحدة العسكرية.


* يضم كتاب “من رقيق الي عمال” مقدمة وستة فصول وخاتمة، تناول الفصل الأول الرق والعمل في السودان ماقبل الكولونيالي، بين القرنين الثامن عشر والقرن التاسع عشر، ويوضح المؤلف أن الرق كان ممارسة شائعة في مملكتي الفونج والفور، لكن الحق في امتلاكه كان امتيازا يقتصر على السلطان والنخبة الحاكمة، إذ مَثّل امتلاك الرقيق مصدرا رئيسيا للثروة، كما تم استخدام الرقيق كجنود، عمال، وموظفي بلاط، أما الفائض عن حاجة المملكتين فيتم تصديره للخارج. وكان يتم جلب الرقيق من الغارات التي يتم شنها على الحدود الجنوبية للمملكتين، في جهات جبال النوبة، أعالي النيل الأزرق، دار الفرتيت، وجزء من ما يسمي الآن بأفريقيا الوسطى.


* ومع تزايد التبادل التجاري مع مصر، ووصول مجموعة كبيرة من التجار المسلمين ورجال الدين، والتوسع في استخدام العملة، أصبح امتلاك الرقيق فرصة للتفرغ للتجارة ووسيلة للترقي الاجتماعي وتغيير موازين القوى داخل مجتمع سنار، إذ برزت طبقة وسطى من التجار المحليين تبنت هوية عربية واحتكرت التجارة الخارجية، وكان معظم هؤلاء التجار في الأصل مزارعين ورعاة.



* كذلك أحدث الغزو التركي كما يوضح المؤلف تغييرات عميقة في البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع السوداني، مما جعل الحاجة كبيرة لعمل الرقيق خاصة في الانتاج الزراعي، إذ تدخلت الدولة في الاقتصاد، فبرز تَغُير في نظام اقطاع الأرض، وفُرضت ضرائب كبيرة على السواقي، وانتشر في منتصف القرن التاسع عشر تسليع الأرض والزراعة في المناطق النيلية شمال الخرطوم، خاصة محافظتي دنقلا وبربر، مما جعل الحاجة للأيدي العاملة كبيرة، فأدى ذلك لبروز طبقة من ملاك الأراضي اعتمدت على الرقيق بكثافة، ولم يكن هناك خيار للمزارعين من غير ملاك الأراضي سوى الانضمام لغزوات جلب الرقيق من الجنوب. من جهة أخرى كانت مقاومة الرقيق فردية ولم تتخذ صيغة العمل الجماعي المنظم، وان كانت ثمة مقاومة صامتة حاول فيها الرقيق خلق مجتمعات وحياة خاصة بهم داخل المجتمع الذي استعبدهم، كذلك شهدت المحافظات الشمالية هروب العديد من الرقيق الي الخرطوم وغيرها من المدن، ليؤدي ذلك الهروب لنواة لما عُرف لاحقا بديوم الخرطوم.


* يناقش الفصل الثاني الرق والعمل في العشرين عاما الاولى من النظام الكولونيالي، ويوضح المؤلف انه وبالرغم من غياب المشاريع الرأسمالية الضخمة في العقود الأولى للادارة الكولونيالية، لكن المنشآت التي خلقها النظام الكولونيالي، مثل خطوط السكك الحديدية، تشييد الطرق، وميناء التصدير في بورتسودان، احتاجت لأيدي عاملة بكميات كبيرة، لكن الادارة الكولونيالية واجهت صعوبة كبيرة في توفير الأيدي العاملة خاصة في السنوات الأولى، إذ كان معظم السكان يعملون بالزراعة ،الرعي ، أو التجارة، ولم تكن عندهم حاجة ضرورية لبيع قوة عملهم من أجل مرتبات، فلم تجد الادارة الكولونيالية خيارا سوى الرقيق المُعتَق أو الهارب كأيدي عاملة في المشاريع الكولونيالية. لكن تحول الرقيق المُعتَق أو الهارب لعمال بأجر كانت مهمة صعبة، لأن الرقيق المُعَتق كان يفضل الهجرة للمدن الكبيرة، وتأسيس أحياء خاصة بهم أو الانضمام للأحياء التي أسسها الرقيق المُعتَق قبلهم. فاتُخذت عدة اجراءات لاجبارهم على العمل، مثل سن قوانين تمنع التشرد في المدن الكبرى، وأيضا نظام تسجيل لحصر الرقيق المعتق.


* أما الفصل الثالث فيناقش نفس موضوع الفصل الثاني، لكن بالتركيز على الخرطوم، ومحاولة الحكومة الكولونيالية لتحويل الرقيق المُعتَق لعمال بأجر، إذ كانت الخرطوم بمدنها الثلاث مصدر جذب للرقيق المُعتَق والهارب، وذلك لما توفره من امكانية حياة جديدة خالية من علاقات وذاكرة الرق. ولكن وجد الرقيق المُعتَق والهارب ضغطا كبيرا من الادارة الكولونيالية التي سعت الى التحكم في حركتهم داخل هذه المدن الثلاث، تمهيدا لارسالهم للمناطق النائية كعمال.


* ويتناول المؤلف في الفصل الرابع الفترة من ١٩٢٠ حتى ١٩٥٦ وذلك بتحليل التحولات الاقتصادية والسياسية المهمة في السودان، التي صاحبت فترة الحرب العالمية الثانية، وأدت الى تسريع وتيرة تحرير الرقيق، وتطور العمل المأجور. وكانت أبرز هذه التحولات التوسع في انتاج المحاصيل النقدية، وتزايد الضغط العالمي على الحكومة الكولونيالية لتحرير الرقيق، والانسحاب المصري الكلي من الحكم الثنائي الكولونيالي. وجعلت هذه التحولات الادارة الكولونيالية تتخذ خطوات سريعة لألغاء تجارة الرق. رغم أن العديد من الرقيق الرجال نالوا حريتهم في أعقاب الاجراءات التي قامت بها الادارة الكولونيالية لتصفية مؤسسة الرق، لكن ظلت النساء المسترقات في قيد الرق لسنوات أخرى.


* يلقي الفصل الخامس الضوء على تطور القوى العاملة وانبثاق وعي نقابي في نفس الفترة التي تناولها المؤلف في الفصل الرابع، حيث شهد السودان خلال فترة الحرب العالمية الثانية أكبر توسع في القوي العاملة بأجر. ورغم أن هذه القوي قد تمت تجزئتها اثنيا ، واقليميا، كجزء من سياسة الادارة الكولونيالية لاستيعاب المجموعات السودانية المختلفة في الاقتصاد الكولونيالي، لكن شهد السودان ولادة أقوى نقابات واتحادات للعمال في أفريقيا والشرق الأوسط، ومثلت هذه النقابات قوة مؤثرة في المجتمع السوداني.


* وفي الفصل الأخير يركز المؤلف علي مدينة الخرطوم، موضحا أنه بنهاية العقد الثاني من النظام الكولونيالي، نال معظم الرقيق في الخرطوم حريتهم وانضم اليهم مهاجرين من مناطق نائية، وأصبح الرقيق المُعتَق جزءا من مجموعة مختلفة من الناس. وبعد قيام مشروع الجزيرة وقربه من مدينة الخرطوم، بنى الرقيق المُعتَق والعمال والمهاجرون، بنو في الخرطوم أحياءً ضاجة بالحياة وخلقوا ثقافة شعبية حيوية أثرت في السودان ككل. 


المؤلف في سطور


أحمد العوض سيكاينجا أستاذ التاريخ بجامعة أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية، له عدة مؤلفات عن السودان أبرزها "مدينة الحديد والنار: تاريخ اجتماعي لعطبرة مدينة السكة حديد السودانية (١٩٠٦-١٩٨٤)" و كتاب "غرب بحر الغزال تحت الحكم البريطاني، ١٨٩٨-١٩٥٦".


* كاتب مقيم في استراليا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق