الجمعة، 2 يوليو 2021

كارل ماركس

 


اسم الكتاب: كارل ماركس أو فكر العالم

سيرة حياة

المؤلف: جاك أتالي

المترجم: محمد أحمد صبح

الناشر: دار كنعان للدراسات والنشر-دمشق

تاريخ النشر: الطبعة الأولى 2008



عرض: أسامة عباس


* يقول ايزايا برلين إن كارل ماركس خلافاً لشوبنهاور وتوماس كارلايل ونيتشه، الذين انتهى مصيرهم إلى البحث عن مهرب في ماضي انقضى وفي مدينة قصية أو بالوقوع في لجة الهستيريا والجنون، خلافاً لهم ظل هادئاً ومطمئناً يؤدي رسالته في التبشير بمجتمع المستقبل، ويكشف للناس عن علامات الانحلال والإنهيار التي كان يراها حوله في كل جانب. وقد عاش أربعتهم في القرن التاسع عشر الذي شهد اكتمال سيادة الإنسان أو زيادة سيطرة عقله على العالم، بدلاً عن تلك الرؤية المرتكزة على الإلهي والخارق للطبيعة، وبكلمات من البيان الشيوعي 1848 كانت الحياة التي تعطرت يوماً بقيم النبالة والفروسية قد انقضت وتمزقت العلاقات العائلية لتتحول لمجرد علاقات مالية، بيد أن كارل ماركس فعل أكثر من ذلك، إذ أخبر الناس بأن مجتمعاً دون طبقات يتساوى فيه بني الإنسان يمكن أن يوجد في الأرض، وجعل من ذلك حلماً واقعياً وهدفاً سياسياً يلتف حوله الناس، ومازالوا يلتفون حوله وسيلتفون حوله ربما إلى الأبد.


* وفي هذا الكتاب سيرة شيقة لحياة ماركس ولسيرة أفكاره وتطورها، أي لتلك المفاهيم العقلانية التي عكف عليها ليتحقق ذلك المجتمع الذي حَلُم به مصيراً لبني الإنسان، وهو الذي كتب مبكراً في (تأملات شاب حول اختيار طريقه) عن الواجب وخير البشرية، وفي رسالة من والده وهو في سنته الجامعية الثانية، وقد كانت الحوارات بينهم متصلة منذ كان طفلاً، جاء فيها: (إذا شاءت إرادة الله، فلا تزال أمامك حياة طويلة تعيشها لخيرك ولخير عائلتك -وإذا كان حدسي صحيحاً- لخير البشرية) وكان والده يريده أن يتابع دراسته في القانون، لكنه اتجه إلى الفلسفة ليصبح أستاذاً في الجامعة، ولما تعذر ذلك عمل بالصحافة، ليكتشف عند تحضيره لمقالة متعلقة بالمِلكِية أن معارفه في الاقتصاد السياسي ضعيفة، فينهمك في قراءة الاشتراكيين الفرنسيين، كسان سيمون الذي طالما حدثه والده عنه، والذي كان يتحدث عن المساواة وأولية الاقتصادي على السياسي وعن المجتمع المنقسم إلى طبقتين.


* وبرحيله إلى باريس وبروكسل، بعد أن تعذر عمله الصحافي في ألمانيا بسبب الرقابة، ثم إلى لندن التي قضى فيها بقية حياته، يبدأ ماركس في شَغل المكان الشاغر للفيلسوف الملتزم كما يقول المؤلف، بتقديمه للوعي الطبقي على الوعي السياسي، لأن مصالح الفئات أو الطبقات الإجتماعية متعارضة، ثم يطور مفهوميه حول الاغتراب وفائض القيمة، برده الاغتراب إلى العمل الذي لايعود عائده إلى مُنتِّجه، متحدثاً عن المفهوم الاقتصادي للاستغلال في ارتباطه بالمفهوم الفلسفي للاغتراب، والذي سيؤدي اختفاءهما، الاغتراب أو الاستغلال، لأنْ يصبح العمل متعة، وقد تحرر بواسطة شراكة حرة للمنتجين من قبضة رأس المال أو الرأسماليين، الذين يراكمون ثرواتهم مما ينتجه العمال، وهو ماسماه ماركس بـ(فائض القيمة) أي أن يستحوذ الرأسماليون على قيمة ماينتجه العمال مقابل أجرة أقل من قيمة ماينتجونه، ويصبح الغرض من تقديم الرأسمالي لتلك الأجرة، هو أن يبقى العامل حياً ليواصل في الإنتاج، دون أن يحصل على نصيبه من هذا الإنتاج، لأن الأجرة ليست القسمة والنصيب.


* وبخلاف النظرة السائدة لماركس كفيلسوف اجتماعي وعالم اقتصاد سياسي، يُبرِز الكتاب سيرة ماركس السياسي والصحافي الذي يتابع الأحداث وينشر تحليلاته وتعليقاته عليها، وقد عمل وساهم في تأسيس أكثر من صحيفة، وقام مع رفيقه فريدريك إنجلز بتأسيس (لجنة المراسلات الشيوعية) في بروكسل، للانخراط في العمل السياسي بدلاً عن الاكتفاء بالتأليف أو التنظير، ولأخذ مكانهما في قلب المنظمات الثورية الأوروبية العاملة يومها، وبالفعل انضمت لجنتهم لعُصبة المُنصِفين في لندن، التي تحول اسمها باقتراح من ماركس إلى (عُصبة الشيوعيين) وأصبح شعارها (ياعمال العالم اتحدوا) بدلاً عن (كل بني الإنسان أخوة) لتضم مناضلين من كأفة دول أوروبا، ويصبح الهدف: قلب البورجوازية وازالة نظام الطبقات، وقد نشرت العُصبة في 1848 بيانها الشهير الذي كتبه ماركس والذي سيصبح النص غير الديني الأكثر انتشاراً حتى أيامنا هذه، كما يقول المؤلف، وهو البيان الشيوعي.


* ويختم الكتاب السيرة بتتبعه لمعارك ماركس الأخيرة، كصراعه ومساهمته في تأسيس الجمعية الدولية في 1864 التي قامت وسط تيارات متنافسة، يريد بعضها الإكتفاء ببرنامج ينادي بالتعاونيات، وبين فوضويين يريدون إزالة الدولة وقلب النظام رأساً على عقب، وهو مايريده ماركس وأنصاره، لكن عن طريق حزب سياسي تُشكِله البروليتاريا ومنخرط في الديمقراطية البرلمانية، كما يقدم الكتاب قراءته لمآل ماركس، خاصة بعد أن تحولت مفاهيمه وأفكاره إلى إسطورة وإيديولوجيا سلطة، ارتكبت الكثير من الفظاعات في عدد من البلدان، وقد تم ذلك بسبب إلتباسات، كما يقول المؤلف، متناثرة في كتابات ماركس تسمح بالعديد من التفسيرات حول المستقبل الذي بشر به، أي المجتمع الشيوعي، وبالرغم ذلك يقول المؤلف: تستعيد اليوم نظرية ماركس كل معناها في إطار العولمة التي تنبأ بها، ونحن نشهد انقلاب المجتمعات التقليدية والإفقار العام وتركز رأس المال، الذي في طريقه لاستنفاد تسليع العلاقات الاجتماعية، وحينها لن يبقى أمام البشرية سوى التدمير أو الاشتراكية.