السبت، 28 مارس 2015

ثورة نوبل




اسم الكتاب: ثورة نوبل

المؤلف: شافي آيين
المصور: كيم مانريسا
المترجم: ناصر مريخان
الناشر: ثقافة للنشر والتوزيع-الإمارات
تاريخ النشر: 2011م






عرض: أسامة عباس



(المؤلفين لا ينشأون في بيوت خالية من الكتب)
دوريس ليسينغ


* بدأت فكرة هذا الكتاب عندما طلب المصور (كيم مانريسا) من رفيقه (شافي آيين) أن يحصل له على إهداء، من أيا من الأدباء الحاصلين على جائزة نوبل، لكتابه حول التعليم، الذي يحوي مجموعة من الصور التقطها في مدارس كثيرة من قارات العالم الخمس، لتتطور الفكرة، بقيامهما معاً خلال ثلاثة سنوات، لمحاورة وتصوير ستة عشر كاتباً وكاتبة من النوبليين. ولم تجئ هذه الحوارات في ذلك الشكل التقليدي المعروف، صيغة سؤال وجواب، بل جاءت كل مُحاوَرَة في قالب مقالة ينسجها المؤلف/المُحاوِر من ملاحظاته المتنوعة وإجابات مُحاوَرِيه وتعليقاتهم، كما صاحبت كل مقالة/مُحاورَة فقرة طويلة أشبه بالتقرير تُخبر بالقضية التي يكرس لها الكاتب والكاتبة وقتهما صحبة عملهما الأساس، الكتابة والتأليف، إضافةً لعدد من الصور الفوتوغرافية المُلتقطة من زوايا مختلفة لكل من المُحاورين الذين شملهم الكتاب.


* يذكر (شافي آيين) انهما سرعان مااكتشفا بعد نهاية جولتهم مع هؤلاء الكُتّاب، التزام معظمهم بقضية لا ترتبط بالأدب، فَهُم لايستوعبون دورهم في المجتمع، بحسب قوله، دون التدخل في هذه الجوانب أو تلك، من التي تتجاوز حدود الثقافة، رغم شعورهم بأنهم على هامش حياة مجتمعاتهم. فالكاتبة الجنوب أفريقية (نادين غورديمر) مثلا، تشغلها قضية الإيدز في بلادها. و(غونتر غراس) تشغله قضية الذاكرة التاريخية، يقول، لمحاورييه الإسبانيين، إن مايعجبه في بلدهما أنهم لايزالون يتجادلون حول الحرب الأهلية، التي حدثت في ثلاثينات القرن الماضي. بينما يدافع (في س نايبول) عن حقوق الحيوان، مُمولا عددا من أماكن إقامتها في كل من الهند والباكستان، وبسبب من التزامه هذا، لايزور الصين لأن تعاملها مع الحيوانات رهيب، قائلاً: إن الصين أسوأ مكان إن لم تكن من جنس البشر. 

* تبدأ رحلة الكِتاب بـ ( وول سوجينكا) الذي قام المؤلفان بزيارته  في "آبيوكوتا" بلدته التي ولد فيها، تبعد مسافة ساعة ونصف عن لاغوس/نيجيريا، حيث يعيش في بيت بناه وأقام فيه ورش عمل للكُتاب، بعد كسبه لمال جائزة نوبل، الذي يقول عنه: لقد كسبت مالا أكثر مما كسبت أجيال من عائلتي مجتمعين. ويقود سوجينكا ضيفيه في جولة لسوق بلدته، فيلتقط له أحدهما صورة يظهر فيها وإحدى النساء تلتقط له صورة بعدسة هاتفها النقال، فهناك يسمون (سوجينكا) مانديلا نيجيريا، وقد طُلب منه أكثر من مرة أن يترشح لرئاسة البلاد، لكنه رفض. وماذا عن وزيراً للثقافة؟ لااااا الفنانين أكثر الناس إثارة للمشاكل، ليقول إنه يُفضل أن يكون وزيرا للسجون قبل ذلك.


* وهكذا تتواصل رحلات المؤلفيين، ليقودهما الكِتّاب إلى لندن حيث البريطانية (دوريس ليسينغ) ذات الثمانية والثمانين عاما، يقول شافي آيين، كانت بثياب المنزل وطبيعية جداً، وبعد أن سمحت لهما بالتقاط الصور، سحبت البطانية من الأريكة وطلبت منه الجلوس بقربها، كانت تلك الأريكة مكان نومها، فهي لاتسطيع الصعود لسريرها في الطابق العلوي بسبب آلام الظهر. ويدور الحديث عن روايتها (الأنثي) التي تجئ أحداثها في عصر رجل الكهف رَاوية اللقاء الأول بين الرجال والنساء، لتقول إنه يمكن قراءتها كحكاية رمزية لموضوعات المتعة والعمل والمسؤوليات بين الجنسين. ولدت (ليسينج) لأبوين بريطانيين في إيران، ثم عاشت جزءاً من حياتها في زيمبابوي. قالت في خطبتها لجائزة نوبل إن الحكومات مصدر خجل لمواطنيها، كما دعت بضروة ارسال الكتب إلى القرى النائية المنسية، لأن (المؤلفين لا ينشأون في بيوت خالية من الكتب).


* في استهلاله لمقالة/مُحاورة (توني موريسون) يقول المؤلف تبدو أمريكا لزائر أوربي عادي، مشكلة عرقية، ففي الفندق عاملة التنظيف من العرق الأسود وعبر النافذة يمكن رؤية ست رجال من العرق الأسود ينامون على الرصيف، لكن الأمور تتغير، كما يقول، ففي شاشة التلفزيون يظهر كل يوم رجل أسود هو رئيس البلاد، روايته المفضلة هي "نشيد سليمان" لـ (توني موريسون) التي تحظى باحترام كبير في بلدها، بل إن الناس يوقفونها في الشارع لتحيتها ومعانقتها، فتخبرها إحداهن وكأنها تعرفها منذ زمان طويل ( لم أعد أعجب زوجي كثيراً، أتعرفين؟). في لقاءها الأول مع المؤلفيين رفضت التصوير، قائلة لهم: ( لا، لا تلتقطا لي الصور الأن! انتظرا حتى حفلة نهاية العام في الجامعة، لو سمحتما. عندها سأتأنق وأتجمل).

* من الكُتّاب الآخرين الذين جاءت لهم حوارات/مقالات بالكِتاب، غاو كيسنغجيان، غبريال غارسيا ماركيز، نجيب محفوظ، إمرة كيرتش صاحب " لا مصير". ثم كينزابورو أوي، وديرك ولكوت الذي يفتخر بالمزيج. وويسلاوا زيمبورسكا، داريو فو، والتركي أورهان باموق الذي يقول ( لست مختبئاً، أنا أعيش في اسطنبول) إذ كانت خرجت إشاعة تقول بهروبه خارج تركيا، بعد تهديده بالموت من قبل القوميين المتطرفين من الأتراك، لإعلانه أن هناك أكثر من مليون أرمني وثلاثين ألف كردي، يمكن إثبات أنهم قتلوا في تركيا.


السبت، 21 مارس 2015

الدولة المستحيلة




اسم الكتاب: الدولة المستحيلة

الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي
المؤلف: وائل بشارة حلاق
المترجم: عمرو عثمان
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات
تاريخ النشر: 2014م




عرض: أسامة عباس



" لم يُعرَف قط مُطالب بحياة البشر أكثر نجاحاً من الدولة "
مايكل والترز


* يرى مؤلف هذا الكتاب أن مفهوم " الدولة الاسلامية " وفق التعريفات السائدة لما تمثله الدولة الحديثة، لا يمكن أن يتحقق، كما أنه ينطوي على تناقض داخلي، إذ يواجه المسلمون اليوم تحدي التوفيق بين حقيقتين: حضور الدولة القوي بمفهومها الحديث في مجتمعاتهم خلال القرنين الاخيرين، ثم الوجوب الأخلاقي لضرورة استعادة شكل من حكم الشريعة، وهو التحدي الذي لم يواجه بصورة يؤبه لها من قِبَّل الدولة في أيا من دول العالم الإسلامي. ويقول إن التناقض في مفهوم الدولة الإسلامية قائم في الأساس على مأزق الحداثة الأخلاقي، ذاكراً إن حل التناقضات في مفهوم الدولة الاسلامية الحديثة مرهونا بالتقاطه لمجمل مايوصف بـ" أزمة الاسلام الحديث" فى ارتباطها  بالأبعاد الأخلاقية لمشروع الحداثة، مما يعني أن حل تلك التناقضات كقضايا أخلاقية، يقود لحل المشكلات السياسية والاقتصادية، النابعة أساساً من هذا المأزق الأخلاقي.


* يُقدم وائل حلاق نقداً عنيفاً للحداثة ناظراً للدولة التي أنتجتها باعتبارها رأس الرمح في السيطرة على الإنسان وفي تصدير خطاب الحداثة، لتكون النتيجة في أجزاء كثيرة من العالم، هي الفقر والجوع والمرض، بسبب الإنسان الذي خلقته والنزعة التصنيعية الذاهبة لدمار البيئة، وليس بسبب الطبيعة، كما كان يحدث في الماضي، مضيفاً لتلك النتائج، التفكك الحديث وانتاج الفرد المغترب والمتشظي والنرجسي، ثم أثار هذا المشروع الحديث على على العالم الطبيعي. ليقدح، مستصحباً رؤية عدد من الكتاب الأوربيين، في صحة اختيار الاطروحات الأخلاقية  لتكوين هذه الحداثة، باعتمادها إمرة العقل وإيمانها المتعالي بأخلاق نقدية وعقلانية وانفصالها النهائي عن المبادئ الاخلاقية التقليدية، لتصير، قُدرة السيطرة على الانسان والطبيعة، هي الناظم الأساس أو النطاق الأخلاقي المركزي لإنسان هذه الحداثة.


* يُناقش المؤلف ماهية الدولة مُوردا عدداً من التعريفات الخاصة بها ، بيد إنه يركز على شكل الدولة وليس مضمونها المتعدد بتعدد المفكرين الذين قدموا تعريفات لها، ذاكراً إن خصائص هذا الشكل هي: في انها نتاج تاريخ محدد كان في اوربا، ثم في سيادتها الميتافيزيقية، أي المستمَدة من ذاتها، ليصبج تحديد ذوات مواطنيها مرتبطاً بذات الدولة، زائداً انتاجها للتشريع والهيمنة الثقافية والعنف. وفي ذلك اختلافها عما كان في الحكم الاسلامي، إذ أن هناك امة، أي مجموع من المؤمنين المتساوين، لاتملك السيادة، فهي لله وحده، وشريعته هي القانون الاخلاقي والسياسي والاجتماعي. لذلك لا يمكن أن يقوم نظام اسلامي دون هذا البعد الاخلاقي-القانوني والسيادة الالهية، كما لا تسطيع الدولة الحديثة أن تكون دون إرادتها السيادية الخاصة بها، أي حقيقتها وهي السلطة.


* قادت فكرة عصر التنوير التي سادت عن الذات المستقلة، إلي الفصل بين "ما هو كائن" و "ماينبغي أن يكون" أي فصل الحقائق عن القيم والأخلاق عن القانون، واعتبار الطبيعة موجودة لخدمة الانسان بلا معنى روحي أو قيمة، ليمكن بالتالي التعامل معها كشئ ودراسته بكل ما لدينا من وسائل تحليل بلا تبعات أخلاقية أو قِيمية، فصارت الدولة وإراداتها السيادية المتمثلة في القانون جزءاً من هذه الرؤية للعالم، بل هي واحدة من البناة الاساسيين لهذه الرؤية. خلافا لما هو الحال في الاسلام، إذ لم يفصل بين "ماهو كائن" و "ماينبغي أن يكون" فالحقيقة والقيمة هي الشئ ذاته، وما هو "قانوني" في القرآن والشريعة هو "أخلاقي" بالضرورة والعكس صحيح، إذ زود القرآن المؤمنيين المسلمين منذ البداية بنظرة للكون قائمة على قوانيين طبيعية أخلاقية، فحواها أن الكون مخلوق ليتمتع به الأنسان، لكن وفق مسؤولية أخلاقية عميقة.


* يقول المؤلف إن الضبط الذي مارسته الدولة الحديثة بواسطة المدرسة والسجن والأسرة المُعاد ضبطها، لايجاد ذلك المواطن المُدمَج سياسيا في ميتافيزقيا الدولة، حتى لصار يتعرف على نفسه فيها، أدى لتصير الامة أو القومية، بعد أن دُمِر النظام الاجتماعي القديم، هي الترياق للذات الحديثة، بل ويمكن الاستنتاج أن الإبادة البشرية وفظائع عصرنا هي منتجات هذه الدولة-القومية، بما هي سبيل للتماهي الروحي عِوضاً عن عبادة الألهة. بينما لم يعرف الحكم الإسلامي ذلك النمط من الضبط والمراقبة الشُرَطية الذي انتجته الدولة الحديثة، وكان التعليم حاله حال الشريعة مستقلاً عن السلطة التنفيذية، بمعنى أن هذه السلطة لم تكن تستطيع أن تنتج ذواتا مرتبطة بذاتية السلطة، فقد كانت ذات الشريعة هي محل العناية بالذات، ليبرز بالتالي ذلك الاتحاد القوي بين الأخلاق والقانون كنطاق مركزي لهذا النظام.


* يختم المؤلف كتابه، اعتماداً على هذا البعد الأخلاقي للشريعة، بتقديم مناهج عمل يراها في: الشروع بتقديم أشكال حُكَم جديدة قابلة للتطور مع إعادة التفكير في الوحدات التي تصنع النظام الاجتماعي-السياسي لمجتمات أخلاقية، تحتاج أن يُعاد لها ثراؤها الروحي، ثم في تفاعل المسلمين خلال عملية بناءهم لهذه المؤسسات الجديدة، مع نظرائهم الغربيين، لجعل الأخلاق هي النطاق المركزي، الشئ الذي يتطلب تطوير مفردات تهتم بمفهوم الحقوق في سياق نظام أخلاقي متنوع يناسب كل مجتمع، ليفهمها أؤلئك المحاورين، إذ أن أي نظرية حقوق ذات طبيعة أو نزعة عالمية، لا مصير لها سوى الفشل.