السبت، 21 مارس 2015

الدولة المستحيلة




اسم الكتاب: الدولة المستحيلة

الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي
المؤلف: وائل بشارة حلاق
المترجم: عمرو عثمان
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات
تاريخ النشر: 2014م




عرض: أسامة عباس



" لم يُعرَف قط مُطالب بحياة البشر أكثر نجاحاً من الدولة "
مايكل والترز


* يرى مؤلف هذا الكتاب أن مفهوم " الدولة الاسلامية " وفق التعريفات السائدة لما تمثله الدولة الحديثة، لا يمكن أن يتحقق، كما أنه ينطوي على تناقض داخلي، إذ يواجه المسلمون اليوم تحدي التوفيق بين حقيقتين: حضور الدولة القوي بمفهومها الحديث في مجتمعاتهم خلال القرنين الاخيرين، ثم الوجوب الأخلاقي لضرورة استعادة شكل من حكم الشريعة، وهو التحدي الذي لم يواجه بصورة يؤبه لها من قِبَّل الدولة في أيا من دول العالم الإسلامي. ويقول إن التناقض في مفهوم الدولة الإسلامية قائم في الأساس على مأزق الحداثة الأخلاقي، ذاكراً إن حل التناقضات في مفهوم الدولة الاسلامية الحديثة مرهونا بالتقاطه لمجمل مايوصف بـ" أزمة الاسلام الحديث" فى ارتباطها  بالأبعاد الأخلاقية لمشروع الحداثة، مما يعني أن حل تلك التناقضات كقضايا أخلاقية، يقود لحل المشكلات السياسية والاقتصادية، النابعة أساساً من هذا المأزق الأخلاقي.


* يُقدم وائل حلاق نقداً عنيفاً للحداثة ناظراً للدولة التي أنتجتها باعتبارها رأس الرمح في السيطرة على الإنسان وفي تصدير خطاب الحداثة، لتكون النتيجة في أجزاء كثيرة من العالم، هي الفقر والجوع والمرض، بسبب الإنسان الذي خلقته والنزعة التصنيعية الذاهبة لدمار البيئة، وليس بسبب الطبيعة، كما كان يحدث في الماضي، مضيفاً لتلك النتائج، التفكك الحديث وانتاج الفرد المغترب والمتشظي والنرجسي، ثم أثار هذا المشروع الحديث على على العالم الطبيعي. ليقدح، مستصحباً رؤية عدد من الكتاب الأوربيين، في صحة اختيار الاطروحات الأخلاقية  لتكوين هذه الحداثة، باعتمادها إمرة العقل وإيمانها المتعالي بأخلاق نقدية وعقلانية وانفصالها النهائي عن المبادئ الاخلاقية التقليدية، لتصير، قُدرة السيطرة على الانسان والطبيعة، هي الناظم الأساس أو النطاق الأخلاقي المركزي لإنسان هذه الحداثة.


* يُناقش المؤلف ماهية الدولة مُوردا عدداً من التعريفات الخاصة بها ، بيد إنه يركز على شكل الدولة وليس مضمونها المتعدد بتعدد المفكرين الذين قدموا تعريفات لها، ذاكراً إن خصائص هذا الشكل هي: في انها نتاج تاريخ محدد كان في اوربا، ثم في سيادتها الميتافيزيقية، أي المستمَدة من ذاتها، ليصبج تحديد ذوات مواطنيها مرتبطاً بذات الدولة، زائداً انتاجها للتشريع والهيمنة الثقافية والعنف. وفي ذلك اختلافها عما كان في الحكم الاسلامي، إذ أن هناك امة، أي مجموع من المؤمنين المتساوين، لاتملك السيادة، فهي لله وحده، وشريعته هي القانون الاخلاقي والسياسي والاجتماعي. لذلك لا يمكن أن يقوم نظام اسلامي دون هذا البعد الاخلاقي-القانوني والسيادة الالهية، كما لا تسطيع الدولة الحديثة أن تكون دون إرادتها السيادية الخاصة بها، أي حقيقتها وهي السلطة.


* قادت فكرة عصر التنوير التي سادت عن الذات المستقلة، إلي الفصل بين "ما هو كائن" و "ماينبغي أن يكون" أي فصل الحقائق عن القيم والأخلاق عن القانون، واعتبار الطبيعة موجودة لخدمة الانسان بلا معنى روحي أو قيمة، ليمكن بالتالي التعامل معها كشئ ودراسته بكل ما لدينا من وسائل تحليل بلا تبعات أخلاقية أو قِيمية، فصارت الدولة وإراداتها السيادية المتمثلة في القانون جزءاً من هذه الرؤية للعالم، بل هي واحدة من البناة الاساسيين لهذه الرؤية. خلافا لما هو الحال في الاسلام، إذ لم يفصل بين "ماهو كائن" و "ماينبغي أن يكون" فالحقيقة والقيمة هي الشئ ذاته، وما هو "قانوني" في القرآن والشريعة هو "أخلاقي" بالضرورة والعكس صحيح، إذ زود القرآن المؤمنيين المسلمين منذ البداية بنظرة للكون قائمة على قوانيين طبيعية أخلاقية، فحواها أن الكون مخلوق ليتمتع به الأنسان، لكن وفق مسؤولية أخلاقية عميقة.


* يقول المؤلف إن الضبط الذي مارسته الدولة الحديثة بواسطة المدرسة والسجن والأسرة المُعاد ضبطها، لايجاد ذلك المواطن المُدمَج سياسيا في ميتافيزقيا الدولة، حتى لصار يتعرف على نفسه فيها، أدى لتصير الامة أو القومية، بعد أن دُمِر النظام الاجتماعي القديم، هي الترياق للذات الحديثة، بل ويمكن الاستنتاج أن الإبادة البشرية وفظائع عصرنا هي منتجات هذه الدولة-القومية، بما هي سبيل للتماهي الروحي عِوضاً عن عبادة الألهة. بينما لم يعرف الحكم الإسلامي ذلك النمط من الضبط والمراقبة الشُرَطية الذي انتجته الدولة الحديثة، وكان التعليم حاله حال الشريعة مستقلاً عن السلطة التنفيذية، بمعنى أن هذه السلطة لم تكن تستطيع أن تنتج ذواتا مرتبطة بذاتية السلطة، فقد كانت ذات الشريعة هي محل العناية بالذات، ليبرز بالتالي ذلك الاتحاد القوي بين الأخلاق والقانون كنطاق مركزي لهذا النظام.


* يختم المؤلف كتابه، اعتماداً على هذا البعد الأخلاقي للشريعة، بتقديم مناهج عمل يراها في: الشروع بتقديم أشكال حُكَم جديدة قابلة للتطور مع إعادة التفكير في الوحدات التي تصنع النظام الاجتماعي-السياسي لمجتمات أخلاقية، تحتاج أن يُعاد لها ثراؤها الروحي، ثم في تفاعل المسلمين خلال عملية بناءهم لهذه المؤسسات الجديدة، مع نظرائهم الغربيين، لجعل الأخلاق هي النطاق المركزي، الشئ الذي يتطلب تطوير مفردات تهتم بمفهوم الحقوق في سياق نظام أخلاقي متنوع يناسب كل مجتمع، ليفهمها أؤلئك المحاورين، إذ أن أي نظرية حقوق ذات طبيعة أو نزعة عالمية، لا مصير لها سوى الفشل.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق