الثلاثاء، 30 مارس 2021

المقاومة الداخلية لحركة المهدية

اسم الكتاب: المقاومة الداخلية لحركة المهدية

(1881-1898)

المؤلف: د. محمد محجوب مالك

الناشر: دار الجيل-بيروت

تاريخ النشر: 1987






عرض د. هشام مكي حنفي


* بدأت فكرة هذا الكتاب عند المؤلف، كما يقول، عندما كان يعمل في ترتيب دفاتر مراسلات المهدية خلال فترة عمل بها في دار الوثائق المركزية في الخرطوم، وباطلاعه على مراسلات المهدية بدأ يطلع على بعض حقائق تلك الفترة من داخلها ومن خلال ما كتبه صناع أحداثها بأيديهم، بلغت هذه المراسلات 6224 وثيقة صادرة عن المهدي والخليفة، وقد وفرت له فرصة الوقوف على الأحداث ومسبباتها من الداخل بعكس ما كان في مؤلفات الأجانب الذين كتبوا عن المهدية من أوروبيين وغيرهم، إذ فسروا كثير من الأحداث من وجهات نظرهم التي كانت في كثير من الأحيان بعيدة عن الحقيقة، وهذا ما شكل عنده أحد دوافع كتابة هذا البحث، وبالإضافة لمراسلات المهدية السابق ذكرها، اطلع المؤلف كذلك، على وثائق السودان بأرشيف مجلس الوزراء المصري، وما فيها من مكاتبات ذات صلة مباشرة بهذا الموضوع أو كتبت في نفس الفترة ولها صلة بعموم الأحداث بالإضافة لمؤلفات من كتبوا عن المهدية كما أسلفنا.


* يتناول الكتاب حسب ما يتضح من العنوان حركات المقاومة الداخلية التي واجهت الدولة المهدية والطريقة التي تعاملت بها قيادة الحركة والدولة ممثلة في المهدي و الخليفة مع هذه الحركات، كما يستعرض بعض الردود العنيفة تجاه من ظن فيهم المهدي أو خليفته احتمال المناوأة أو من كان هناك خوف من احتمال تنامي قوتهم بما قد يجعلهم مراكز قوة في أي وقت من الأوقات، كما يتطرق للنزاعات و الصراعات مع الحركة المهدية التي نشأت خلال حياة المهدي أو بعدها، و ما بدر من مقاومة أو مجرد وجهات نظر مختلفة لبعض الأفراد أو الجماعات و الطريقة التي وُوجهت بها هذه المقاومة و الآراء و ما اتسمت به من عنف مفرط.


* يبين الكاتب كذلك كيف أن التناقضات التي برزت بين ما يقوله المهدي و ما يحدث في الواقع أدت لحدوث بعض التساؤلات والتشكك مما اعتبره المهدي و الخليفة معارضة، ومن ذلك ما حدث في بدايات الصراع مع الحكومة في معارك كردفان، حين كان المهدي قد منع استخدام الأسلحة النارية بدعوى أنها سلاح الكفار وقصر على أنصاره القتال بالسيوف، لكن عندما سقط 10000 من رجاله في يوم واحد، في معركة الجمعة التي حاول فيها اقتحام الأبيض عاد وسمح باستخدام السلاح الناري فتشكك البعض في مهديته، و لما بلغه هذا أشار إليهم في أحد منشوراته واعتبر هجرتهم مردودة وطالبهم بالتوبة و تصحيح إيمانهم وقد كانت هذه من بواكير المنازعات على الأساس النظري للفكرة و التي قُمعت لاحقاً بقسوة و شدة أكبر.


تناول الكتاب سيرة الشيخ المنا اسماعيل شيخ قبائل الجمع الذي ناصر المهدي منذ وقت مبكر للدعوة وما كان له من فضل في انتصارات المهدية الحاسمة في التيارة و بارا و الأبيض، حيث قاد جيش ضخم أكبر من الجيش الذي كان مع المهدي، تكون من قبائل الجمع و حلف من عديد من قبائل شرق كردفان والنيل الأبيض، وهو ما أثار هواجس الخليفة و جعله يتخوف من أن ينشأ لدى شيخ المنّا طموح في القيادة أو تولى مكانة متقدمة كنائب للمهدي فاستفزه وناوشه ولما لم يجد استجابة خاف مما قد يبطنه فاغتاله في خلوته بعد رجوعه للتيارة مع كل رجال أسرته.


يطرح المؤلف عدد من التساؤلات المفتاحية التي تستبطن الإجابة على معظم التعقيدات والتناقضات التي أدت لنشؤ المقاومة، بل والتي أدت في نهاية الأمر لسقوط الدولة نفسها، يتساءل د. محمد محجوب عن لماذا نجحت الثورة في السودان دون بقية البلدان الخاضعة للسلطة العثمانية؟ و عن سبب هجرة المهدي إلى جبل قدير وكردفان وسر  النجاح السريع و الكبير الذي حققه هناك؟ و من ضمن أسئلة الكتاب المهمة التي أجاب عليها المؤلف خلال بحثه تساؤله عن "هل كان نجاح الثورة المهدية راجعاً إلى استراتيجية المكان ومرتكزات الحركة الأساسية المتمثلة في القيادة الشخصية للمهدي .... أم إلى القبائل البدوية التي حاربت للتخلص من دفع الضرائب و الاستمتاع بالغزوات الحربية وامتلاك الغنائم؟ أم كان راجعاً للجلابة... الذين تضرروا من منع تجارة الرقيق". أجاب المؤلف على كل هذه التساؤلات وغيرها باستفاضة في عمل تاريخي محكم وممتع يستند على تحليل الوثائق و شواهد الحال وروايات بعض كبار السن الذين زارهم مستقصياً و باحثاً عن مزيد من المعلومات و لمقارنة صحة ما تجمع لديه من مصادر أخرى.


الكتاب مهم و جدير بالقراءة و مما يزيده أهمية مساهمته غير المسبوقة في تناول تناقضات المهدية على مستوى الدعوة والحركة والدولة تلك التناقضات التي حملتها معها وغذَتها لتنفجر آخر الأمر و تتسبب في انهيارها، كما تتمثل أهمية الكتاب في أن المؤلف اهتم بتدوين جانب مهم من تاريخ المهدية أُهمل عمداً أو لسوء تقدير و في كلا الحالتين هو إهمال ضار بالتاريخ الذي لا ينبغي أن يكتب بطريقة انتقائية. و من الإضافات المهمة تصحيحه لبعض التاريخ الرسمي فالكتاب يخبرنا بالوثائق عن كثير جداً من القبائل السودانية التي ظلت في نزاع و قتال مع المهدية حتى آخر لحظة خلافاً للاعتقاد السائد بأن كل أو أغلب قبائل السودان قد أيدت المهدية وبقيت على هذا التأييد حتى النهاية. معظم من كتبوا عن المهدية انطلقوا إما من إعجاب مفرط جعلهم يجملون الوقائع ويتغاضون عن كثير من مثالبها أو من بغض قادهم لشيطنتها و عدم رؤية أي جانب إيجابي فيها، و هنا بالضبط تقع مأثرة د. محمد محجوب مالك و كتابه هذا الذي لم يجد ما يستحقه من التناول.

 


الثلاثاء، 16 مارس 2021

النسيان



الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب

تاريخ النشر: 2015


 * يقول المؤلف، في الصفحات الأولى لهذا الكتاب، إنه بعد سنوات من قراءته لرسالة فرانز كافكا تلك، اللائمة والشارحة (رسالة إلى الوالد) فَكَّر أن يكتب رسالة معكوسة متضمنة مواقف نقيضة لسان حاله فيها (بابا، لا تحبني إلى هذا الحد) ومع ذلك يمكن النظر لهذا الكتاب، وهو سيرة واقعية لحياة المؤلف مع والده ووالدته وشقيقاته الخمسة، بمثابة تلك الرسالة المعكوسة، وقد فاضت بالكثير من الامتنان لذلك الوالد الرجل النادر المثال، يحكي المؤلف عن تدليل أباه الفائق له، وكيف كان هذا التدليل وتحيته له بالأحضان كلما عاد من المدرسة إلى المنزل، مثار سخرية زملاءه ومصدر ألم له، إلى أن أخبره يوماً أحد أصدقاءه بغيرته لأن أباه لم يقبله قط، وقد استمر هذا التدليل والدعم حتى بعد أن تزوج الإبن وأنجب طفلة، وقد أرسل له مرة رسالة يخبره فيها باكتئابه ورغبته بتغيير دراسته الجامعية مرة أخرى والعودة إلى المنزل، فكان ضمن ما قاله الأب في رده الداعم؛ ليس عليك أن تقلق يمكنك العودة ويمكنك الذهاب ولاتنس أن العودة هي الأهم، ومع ذلك كان هذا الأب متشدداً في كل مع يتعلق بالنظافة الشخصية وضرب اخته الصغرى وكان يكره أن يفتقد أبناءه للوعي الاجتماعي أو الجهل بواقع البلد الذي يعيشون فيه، ففي مرة مرض وهو الطبيب وأستاذ الصحة العامة ولم يستطع الذهاب إلى الجامعة، وكان ذلك مصدر أسفه لأن طلاباً كثيرين سيدفعون أجرة الموصلات وسيذهبون للجامعة، فقال له ابنه لماذا لا تتصل عليهم عبر الهاتف؟ فصرخ في وجهه غاضباً: أين تخال نفسك؟ هناك أحياء في هذه المدينة ليس بها مياه نظيفة، من أين لهم بالهاتف؟ وقد كان هذا الأب منخرطاً بالفعل في حملات مجتمعية متواصلة لمد شبكة مياة نظيفة في كل أرجاء مدينته، وكان رئيساً لأكثر من مرة لرابطة أساتذة الجامعة للدفاع عن الحريات، وكان مواظباً على كتابة المقالات الصحفية الجريئة المنددة بالفقر والظلم وجرائم الاختفاء القسري والإغتيالات السياسية، وقد إزداد غضبه ونشاطه السياسي مع ارتفاع وتيرة العنف والاغتيال في ثمانينات القرن الماضي في كولومبيا، حتى أصبح مصدر إزعاج واحراج للسلطات الحاكمة والحركات المسلحة المعارضة ولزملاءه في الجامعة، ليقول المؤلف أن الأسر  في تلك الفترة كانت تحرص ألا يشترك أبناءها في النشاط السياسى، إلا نحن كنا نريد أن يخفف أبانا من نشاطه السياسي، وفي مرة تم اعتقاله في مظاهرة ولم يستطع الافلات كما فعل كثيرين، فسئل لماذا لم تهرب، قال؛ إنه خلط بين سيارة مكافحة الشغب وسيارة جمع القمامة، وقد وصل خبر التهديد بقتله إلى علمه وعلم الجميع، لكن هذا العجوز الراديكالي لم يأبه أو يوقف نشاطه، وقالت له ابنته؛ بابا ان الناس هنا لا يحبونك، فرد عليها قائلا؛ يحبني الكثيرون ياحبيبتي، ولكن ليس في الأماكن التي تترددين عليها، إنهم في جانب آخر، وسأصحبك يوماً لتتعرفي عليهم، لتقول هذه الإبنة إنها تعرفت عليهم بالفعل يوم تشييع جنازته التي طاف بها الالاف يهدرون بالهتاف في شوارع مدينة ميديّين الكولومبية. إكتور آباد فاسيولينسي كاتب كولومبي، يقول إن كتابه هذا هو انتقامه الوحيد لقتل أبيه، الذي علمه أن يضع الحقيقة في كلمات لأنها ستعيش عمراً أطول من أكاذيب القتلة . 



الجمعة، 12 مارس 2021

مذكرات يوسف ميخائيل

اسم الكتاب: مذكرات يوسف ميخائيل التركية و المهدية و الحكم الثنائي في السودان
المؤلف: يوسف ميخائيل
تحقيق د. أحمد إبراهيم أبو شوك 
الناشر مركز عبد الكريم ميرغني- أم درمان 
الطبعة الثالثة: 2016 




 عرض: د. هشام مكي حنفي

 * "مذكرات يوسف ميخائيل، التركية و المهدية والحكم الثنائي في السودان" كتاب استثنائي و فريد يوثق لحقبة معقدة من تاريخ السودان في ظل ثلاثة أنظمة حكم مختلفة، وتأتي فرادة الكتاب من توثيقه للحياة اليومية للناس ولعمل دواوين السلطة ولطبيعة و تركيب المجتمع السوداني في ذاك الوقت من شخص عاش كل هذه الأحوال كمواطن عادي ثم ككاتب في دواوين الحكومة التركية، ثم كاتب لدى بعض شيوخ و أمراء المهدية وصولاً إلى كاتب خاص و مميز لدى الخليفة عبد الله التعايشي رأس الدولة المهدية، كما عمل فيما بعد، خلال الحكم الثنائي ككاتب تجاري لدى الشركات الاستعمارية شبه الرسمية مما أتاح له الاقتراب من بعض رموز الحكم. كذلك فإن الكتاب يختلف عن الكتب التي كُتبت عن تلك الفترة بواسطة رجال دولة و مسؤولين استعماريين لاختلاف طبيعة كاتبها، و بالتالي اختلاف موقعه و نظرته للإحداث التي كان مشاركاً في كثيرٍ منها من داخلها كمتفاعل و ليس كمراقب، تم تدوين الكتاب في مرحلة لاحقة كتسجيل للأحداث و الذكريات التي عاشها المؤلف و هو بذلك لم يكن مذكرات دُونت في وقتها ثم جمعت لاحقاً لذا يتحفظ المحقق عند وصفه بمذكرات لكنه يقبله بتحفظ. 

 * الكتاب في الأصل مخطوط باليد من قبل مؤلفه يوسف ميخائيل و مكتوب باللغة العربية العامية لشمال كردفان أو دارجة كردفان كما يصفها المحقق د. أبو شوك الذي يصف بدقة في مقدمته للكتاب حال المخطوط و المنهج الذي اتبعه في تحقيقه، و النسخ التي اعتمد عليها و ما أجراه من إضافة و تعديل و ضبط للنص بالإضافة للهوامش التي شرح فيها كثير من الأمور التي قد تغيب عن القارئ من أسماء أعلام و مواقع جغرافية و معارك و أحداث. 

 * وُلد كاتب المذكرات في مدينة الأبيض خلال الاستعمار التركي و ينتمي لأسرة قبطية مهاجرة من مصر إذ كان كاتب لدى الحكومة في السودان، و قد كان ميلاده خلال العالم 1865 كما يرجح المحقق بما يعني أن عمره كان في حدود 18 عام عندما حرر الأنصار الأبيض، يتناول الكتاب في فصله الأول حال الحياة في كردفان قبل المهدية و يستعرض الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي لذلك المجتمع، و يتناول الزيارات الباكرة التي قام بها المهدي للأبيض كرجل دين صوفي يتجول في البلاد و العلاقات التي أقامها و وثَقها مع رجال الدين في المدينة كالسيدين المكي و سوار الدهب و هو ما يعتبره المؤلف البدايات الأولى المُمَهدة للمهدية و هو في ذلك يتفق مع معظم المراجع التي وثقت لذلك. الفصل الثاني يتناول الانطلاق الفعلي للحركة المهدية و انتصاراتها العسكرية و انتشار الفكرة بين السودانيين و في هذا يشير الكاتب للمظالم و العسف الذي كان يتعرض له أهل البلاد مما جعل فكرة المهدي المنتظر تنتشر و تجد لها قبول وسط المواطنين قبل ظهور حركة المهدي و هو ما سهل إيمان الناس بالمهدي لاحقاً و سرّع انخراطهم في صفوف جيوشه. في هذا الفصل يتناول الكاتب طبقات المجتمع و طوائفه و يركز على فئة التجار الجلابة و علاقاتهم بالسطلة و صراعاتهم في ذلك.

 * يتناول الفصل الثالث فترة حكم الخليفة عبد الله و طريقة قيادته و أخيه يعقوب للدولة و الصراعات الداخلية العنيفة التي اتسمت بها تلك الفترة، و تفاصيل تصفية الخليفة و يعقوب لقيادات الجيش و رؤوس القبائل لا سيما قبائل البحر، و المؤامرات و الدسائس و مجمل عملية إدارة الدولة سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً. و يبين الكاتب كيف أدت جملة التناقضات التي اكتنفت تلك الفترة و سوء إدارة الخليفة إلى الهزيمة المحققة في كرري التي أنهت دولة المهدية. 

 * في الفصل الرابع يصف الكاتب حالة الفوضى و الاضطراب في أم درمان بعد هزيمة كرري و الأيام الثلاثة الصعبة التي استباح فيها كتشنر و جنوده المدينة ثم ما تلى من بسط السلطة الجديدة و قيام حكومة الحكم الثنائي و في هذا الفصل يستعرض الحركة التجارية المحمومة لنقل منتجات البلاد إلى الخارج بواسطة التجار الأوربيين و الأتراك و الأرمن و السوريين و المصريين و غيرهم من جنسيات و في هذا يصف نشاط ما أسماها "شركة استعمار السودان" المحمية بالسلطة و التي كانت تعمل بنهم في نقل تلك المنتجات. في رواية يوسف ميخائيل عن الأيام الأخيرة لدولة المهدية يحكي أن يعقوب أخ الخليفة عندما علم باقتراب جيش كتشنر من أم درمان جمع معظم المخزون من الأكل و أفضل الجمال و البغال و أخلى عوائلهم هو و الخليفة و كافة أهلهم التعايشة إلى شبشة على النيل الأبيض و من هنا بدأت (الكسرة) فعلياً قبل المعركة الفاصلة و ليس بعدها و يسجل كيف أن قوات كتشنر ضربت القبة و هدمتها مساء الخميس قبل المعركة الفاصلة الشيء الذي أثر كثيراً في معنويات الأنصار، و يذكر أن علي دينار اجتمع مع قمر الدين عبد الجبار أمين بيت المال و أخذا أفضل السلاح و الذخيرة و (كسروا) من أم درمان مع كافة البرتي. هذه الرواية تختلف عن معظم الروايات السائدة التي تقول أن القبة هُدمت بعد معركة كرري، كذلك في أن كسرة التعايشة و علي دينار و آخرين كانت قبل خوض المعركة في كرري و ليس بعدها. الكتاب يقدم رواية تبدو موضوعية و خالية من التحامل إلى حد كبير كما أنها كُتبت من داخل الأحداث و ليس خارجها إضافة إلى لغتها اللطيفة التي تذكر بلغة طبقات ود ضيف الله و هو جدير بالقراءة لهذا و لعدة أسباب أخر سيكتشفها القارئ عند قراءته.

الاثنين، 8 مارس 2021

جدار بين ظلمتين

 



* بلقيس شرارة ورفعة الجادرجي زوجان عراقيان، ولدت بلقيس في النجف ودرست الأدب الإنجليزي ولها عدد من الكتب، وولد الجادرجي في بغداد وهو معماري وكاتب له عدد من الأعمال الهندسية والفنية ومجموعة من الكتب حول العمارة، وفي هذا الكتاب يقدمان تجربة فريدة لعلها غير موجودة في العالم العربي، إذ يستعيدان تجربتهما كمعتقل وزوجة معتقل، وكان رفعة الجادرجي سُجن بسبب تهمة كيدية، لم تتأكد دوافعها بالنسبة للمؤلفيين حتي بعد انتهاء المحنة ومغادرتهما العراق، كما يأتي في الكتاب، وإن كانا يشيران لتورط وزير الداخلية يومها سعدون شاكر، والكتاب سيرة ذاتية لأحداث أيام الاعتقال التي دامت عشرين شهراً، وجاء في أربعة فصول يتألف كل فصل منها من جزءين، ينتاوب فيه المؤلفيين لينقلان معاناة ظلمتهما داخل وخارج جدران السجن، وفي البدء تحكي بلقيس عن قلقها وخوفها ووحدتها عقب الاعتقال وعن جبروت السلطة وتأثيرها المُخرب في الناس، كما تنقل قرفها من كثيرين كانوا حولهم وإبتعدوا إيثاراً للسلامة، وتُخبر عن احساسها بالخوف من المستقبل الذي تم تدميره، إذ كان الحكم صدر بالسجن المؤبد، ولم تنتهي المحنة إلا لأن صدام حسين اراد تحديث انشاءات في بغداد، بمناسبة مؤتمر لرؤساء دول عدم الانحياز، وكان الجادرجي أحد أفضل معماريين في العراق، ويقول الجادرجي في تقديمه للكتاب إنهما يدونان هذه المذكرات لتساهم في تشكيل مخزون في الفكر السياسي يتمكن من إحداث النقلة المطلوبة للحداثة، حيث يتمتع المواطن بحقوق الإنسان، ويقول عن عنوان الكتاب؛ الظُلمة: ذهاب النور، ودلالة الظُلم هي عدم الإنصاف وانتقاص الحق والجور، ودلالة الظلمتين في ظُلمة السلطة وعتمة الحياة. صدرت هذه الطبعة وهي الثانية في 2008 عن دار الساقي في بيروت.




الثلاثاء، 2 مارس 2021

أسفار إستوائية*

 



* رغم اللغة المقتضبة التي يدون بها هذا الكتاب يومياته، إذ لا يحكي المؤلف الكثير من المعلومات والتفاصيل عن المدن أو الأماكن والمعالم التي توقف عندها، لكن انطباعاته أو مايحكيه ويدونه، كما جاء في التقديم، يكفي لينقل لقارئه وقارئته صورة عن المكان وناسه وعن أحواله، وماتمتاز به تلك المدن والأماكن من خصوصيات، وما يساعد في امتلاك تلك الصورة أو ذلك التصور، هو قوة السرد وسلاسة الحكي، الذي تربط بين ثناياه وتنتثر معلومات قليلة، لكنها أساسية/أولية في معرفة تلك الأماكن، كتاريخ النشأة والنشاط الاقتصادي لتلك المدينة، أو في الاشارة للسمات الدالة في اللباس وأنواع الطعام والطقوس الاجتماعية لأناس ذلك المكان، وغير ذلك من معلومات، وقد افتتح الكتاب يومياته بمدينة المتمة التي أسسها المك نمر في أثيوبيا بعد حرقه لاسماعيل باشا التركي وفراره من المتمة/شندي السودانية، لينتقل بعد ذلك ناقلاً انطباعات/يوميات حول عدد من المدن والمعالم في دول شرق ووسط أفريقيا، كأثيوبيا وكينيا ويوغندا ونيجيريا وأفريقيا الوسطى، التي زارها المؤلف الذي وصف نفسه مرة بأنه رحالة قطاع عام، إذ أتاح له عمله الدبلوماسي ذلك التجوال، لكن براعة عثمان أحمد حسن الأدبية هي التي أتاحت هذا الكتاب الجميل.

--------


الناشر: دار السويدي للنشر والتوزيع-أبوظبي

المؤسسة العربية للدراسات والنشر-بيروت

تاريخ النشر: 2019


* كان كتاب (أسفار إستوائية)  فاز في 2019 بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في فرع الرحلة المعاصرة-سندباد الجديد التي يمنحها المركز العربي للأدب الجغرافي-ارتياد الآفاق، تحت مظلة دارة السويدي الثقافية في أبو ظبي-الأمارات.