الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

زمن المذلولين



اسم الكتاب: زمن المذلولين-باثولوجيا العلاقات الدولية
المؤلف: برتران بديع
المترجم: جان ماجد جبور
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات-الدوحة
تاريخ النشر: 2015م




عرض: أسامة عباس


* من الميسور أن نرى الإذلال ورد الإذلال في العلاقة الاجتماعية التي تربط بين فرد وآخر، أو بين جماعة وأخرى، غير أننا في هذا الكتاب نراه ناشباً بين الدول والكيانات السياسية، فهو موجود بينها، لكنه بدءاً من القرن التاسع عشر أصبح يسم علاقاتها الدولية، ليتفاقم بعد نهاية الثنائية القطبية الأميركية السوفيتية، فيصير الناظم الأبرز لهذه العلاقات بين الدول، التي باتت تتحرك بين (الاعتراف المنشود والإذلال المفروض). وينظر المؤلف لهذا الإذلال باعتباره اختلالاً يحيق بالنظام الدولي، أو مرضاً اجتماعياً يمسك بخناق الحياة الدولية، التي صارت في زمان العولمة وانخراط المجتمعات والراي العام فيها "قضية اجتماعية"، حيث لم يعد مفتاح اللعبة الدولية بيد تلك النخبة "المنفصلة" والمخفية صراعاتها/مفاوضاتها عن المجتمعات، كما كان في السابق.

* تَشَكَّل مفهوم المجتمع الدولي، المنخرطة فيه اليوم كأفة أمم العالم، تحت وطأة حروب أوروبا التي دامت لقرون بين ممالكها المتصارعة، ولم تكن هناك حاجة للإذلال، فالحرب أو القوة وحدها كانت تُحَدد مَن الوضيع بين الأمراء المتنافسين والمرتبطين في ذات الوقت بأواصر القربي. وقد صنعت هذه القوة مبدأً تأسيسياً للعلاقات الدولية داخل أوروبا، لكن هذا المبدأ فَسَدَ، خاصةً خارج أوروبا، بدفع من ثلاثة عوامل هي: مفهوم الحرب العادلة غير العادل، وظهور قوى اجتماعية جديدة متنوعة الرؤى ومتعددة القوى تريد إعادة تقسيم السلطة/القوة، ثم في اكتشاف الأخر البعيد غير الأوروبي، فتزعزعت بسبب هذه العوامل هيبة تلك القوة وقدرتها لأن تكون مبدأ/آلية للتوازن بين القوى المختلفة، ليُستعاض عن ذلك بالإذلال، الذي يتم عبر أربعة نماذج هي كما التالي: الإذلال بواسطة الانتقاص/ إنكار المساواة/ الإقصاء/ الوصم.

* تعود جذور الإذلال الموجود في النظام الدولي الحالي إلى فترة الاستعمار، حيث رسخت لامساواة تأسيسية في بلدان عديدة، على المستوى القانوني والاقتصادي والاجتماعي، تمثلت في سن قوانين استثنائية لاعلاقة لها بالقانون، طالت الحياة اليومية للأشخاص وكرست اللامساواة بينهم، مثل تلك اللائحة، غير المسبوقة، للمخالفات، كـ "تصرف قليل الأدب" و"اجتماع من دون تصريح" و"إذن سفر غير صالح" و"تصريحات مهينة"، لتكون النتيجة تشويه صورة القانون والتصرف كيفما اتفق تجاه قيمة احترام الفرد، واللامساوة الناشبة إلى اليوم في جسد أنظمة حكم تلك الدول. أيضا شمل الإذلال الكثير من قادة هذه الدول، الذين كان معظمهم في بداية حياتهم مشدودين الي الغرب وقيم الحداثة والعلم، كما يرد في سيرهم التي قدمها المؤلف، لكنهم جميعاً عانوا من الصد، فاختاروا أن يقودوا النضال في بلادهم، التي عادت مرة أخرى ترزح تحت نير الإذلال، بدخولها في علاقات زبونية لا سيادة فيها مع الدول الكبرى.

* يطال الإذلال دولاً في أوروبا كانت تتوقع ان يتعاظم دورها بعد نهاية الثنائية القطبية، لكن دورها أصبح أضعف مما كان، إذ صارت تحت عباءة الأحادية القطبية الأمريكية تعاني الأقصاء، لتكون أوروبا بذلك ولأول مرة في العصر الحديث، ليست ساحة معركة العالم. ويشترك معها في تجرع كأس الإذلال، كل من تركيا والبرازيل والهند والصين وروسيا وجنوب أفريقيا، المُصنفة بـ "القوى الناهضة" في أشارة تحمل شيئاً من الازدراء والمفارقة، لأن الصين صاحبة أقدم نظام سياسي عرفه العالم، وروسيا كانت قوة عظمى، لذلك كان رد تلك الدول عنيفا على هذا الإذلال، كعبارات وزير خارجية تركيا للاتحاد الاوروبي بعد تنديده بالعنف ضد متظاهري ساحة تقسيم. أو رد الصين ذي الدلالة، حين جعلت جنودها يسيرون 169 خطوة، في الاستعراض العسكري للذكرى الستين لتأسيس الصين الشعبية في 2009م، لتُطابق خطواتهم عدد تلك السنوات التي تفصل الصين عن حرب الأفيون الأولى التي شنتها ضدها بريطانيا في عام 1840م. 

* دفع الإذلال لظهور نمط دبلوماسية رد "خارجة عن النظام" تَتَدرج من الاعتراض إلى الجنوح، تقودها بعضاً من دول الجنوب. كما ساهم الإذلال في اطلاق القومية الجديدة والاصولية والانتفاضات، كالتي انطلقت في العالم العربي، في تأكيد على شيوع الاذلال واشارة على انخراط المجتمعات في اللعبة الدولية، ليقوم ذات الإذلال الذي ساهم في قيام تلك الحركات بتكبيلها، إذ جعلها تتحرك متراوحة، بين الرغبة في تقليد "الغرب المُذل" والارادة في التصدي له، ليتمدد العنف أو الصراع، الذي لم يعد كما كان في السابق، ينشب بين دول ذات جيوش منظمة متساوية، بل صراع المجتمعات وقد دخلت في الساحة الدولية، فأصبح لابد من (تكوين معرفة جديدة لطرائق بناء السلام) كما يقول المؤلف.