الأربعاء، 30 أغسطس 2017

المثقف الهاوي



*  يجيء هذا الكتاب في 191 صفحة من القطع الكبير، وهو عبارة عن حوارات أجريت مع الكاتب والناشط الثقافي والسياسي إدوارد سعيد الأميركي من أصل فلسطيني، قام بها دايفيد بارساميان. وترجمه من الإنجليزية علاء الدين أبو زينة، لينشر في 2007 ضمن سلسلة المشروع القومي للترجمة، إحدى مؤسسات المجلس الأعلى للثقافة في مصر، بالاشتراك مع دار الآداب البيروتية. ومن كتب إدوارد سعيد الكثيرة نذكر: الاستشراق، الثقافة والامبريالية، مسألة فلسطين وتغطية الإسلام، والتي ترجمت إلى عدد كبير من لغات العالم. ولد سعيد في القدس في 1935م وأتم تعليمه الإبتدائي والثانوي فيها وفي مصر، لينتقل في خمسينيات القرن الماضي إلى الولايات المتحدة الأميركية، للدراسة ثم العيش والعمل فيها استاذاً للأدب الانجليزي والمقارن في كل من جامعات: هارفرد، ستانفورد، برنستن، جونز هوبكنز ثم جامعة كولومبيا في نيويورك.





عرض: أسامة عباس


* في تقديمه لهذا الكتاب يقول د. محمد شاهين: ( لقد قدّم لنا إدوارد سعيد مساهمة جليلة في مجال الثقافة شهد العالم له بها، بدءاً من محاضراته التي دعي لإلقائها في هيئة الإذاعة البريطانية، وهي سلسلة المحاضرات التي دعي لإلقائها مشاهير العالم من أمثال برتراند رسل، ونشرت فيما بعد تحت عنوان «صور المثقف» والتي دعى فيها المثقف إلى أن يجهر بالحقيقة في وجه السلطان، وإلى أن يكون المثقف هاوياً لا مهنياً، بمعنى أن يكون حراً..) وقد قسمت حوارات هذا الكتاب إلى ستة محاور ( حل الدولة الواحدة/  انتفاضة العام 2000: النهوض الفلسطيني/ ما يريدونه هو صمتي/ أصول الارهاب/ منظور فلسطيني حيال الصراع مع إسرائيل/ على موعد مع النصر). ويعرف كلّ من قرأ لإدوارد سعيد موقفه لحل القضية الفلسطينية، وهو : التعايش بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب، وهو الموقف الذي ظل يتحدّث به طيلة العقدين الأخيرين من حياته، إذ توفي سنة 2003م بعد صراع استمر لأكثر من عقد من الزمان مع مرض السرطان، ونال بسببه - ذلك الموقف - نقمة عدد من الفلسطينيين والإسرائليين على حدٍّ سواء. وكان عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني لأكثر من عقد من الزمان، إذ قدّم استقالته منه في عام 1991م، كما كان رافضاً لاتفاق اوسلو، لأنه ورط الفلسطينيين -كما يقول- بقبول الشروط الإسرائيلية، وكان ( ببساطة مجرّد إعادة تغليف للاحتلال الإسرائيلي).

* ويكتب دايفيد بارساميان في مقدمة كتابه: (دفع إدوارد سعيد ثمناً باهظاً بسبب مكانه البارز في مشهد القضية الفلسطينية فوصُم بأنه "بروفيسور الرعب" ودعته قائمة الدفاع اليهودية بالنازي، وتم إحراق مكتبه في كولومبيا. وتلقى هو وأفراد عائلته تهديدات بالموت لا حصر لها..). وفي إجابته على سؤال حول حظر كتبه من قبل حكومة عرفات يقول سعيد بأنها تباع بشكل مستتر، ثم يسخر من وزير الثقافة الفلسطيني، الذي جاء مرسوم حظر الكتب تحت اسمه، لكنه عاد بعد عام ليطلب من سعيد الترتيب لاتفاق يستطيعون بموجبه نشر كتبه في الضفة الغربية، فيسأل سعيد حينها محاوره بارساميان « قل لي ما معنى ذلك! فأنا لا أستطيع فهمه ». وحول موقفه من التعايش بين الفلسطينيين واليهود، يقول: (...أصبحت أكثر اقتناعاً بحقيقة ان اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين منضفرون ديمغرافياً على نحو يتعذر تغييره.. المكان يبدو صغيراً جداً، بحيث لا يمكنك فيه أن تتجنّب الطرف الآخر كلية. ثانياً يقوم الإسرائيليون بتشغيل الفلسطينيين في بناء وتوسيع مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي واحدة من أغرب المفارقات على الإطلاق. كما يعمل الفلسطينيون في المطاعم داخل إسرائيل..).. إلى أن يقول : (وتجدر ملاحظة أن الناس في جنوب أفريقيا لم يتمكنوا من تكريس وإدامة التمييز العنصري في بلاد أكبر بعشرين مرة وفي زمن أطول. وهكذا يبدو من غير المحتمل أن تتمكّن إسرائيل المحاطة بالدول العربية من جميع الجهات، من إدامة ما لا يعدو كونه في نهاية المطاف سياسة تمييز عنصري تجاه الفلسطينيين..). ويستشهد بقول أحد اليهود (إن التاريخ برمته لم يشهد حالة يستسلم فيها شعب ببساطة ويسمح لشعب آخر بالاستيلاء على أرضه).

* وحول السؤال لتغيير الوضع بالنسبة للخطاب الجماهيري في العالم الغربي يقول سعيد: يجب العمل لتعبئة مجتمع هذا البلد - أميركا - من المؤيدين للقضية الفلسطينية (والسعي الأصيل والمخلص تجاه السلام وإجراء المصالحة بين الفلسطينيين وبقية العرب وبين الإسرائيليين)، ومتابعة الإعلام الأميركي وحثه بالرسائل المتواصلة ليغير من طريقته في التعاطي مع القضية الفلسطينية، لأنه ينظر للعرب على أنهم شيء بغيض ومزعج، متطابقاً في ذلك مع الحس الشعبي الإسرائيلي. كما يجب أن يعمل أولئك المؤيدون على نزع الشرعية عن الاحتلال الذي لا يزال قائماً، مستخدمين في ذلك نفس الطرق التي اتبعت لمناوأة سياسة الفصل العنصري، حتى تصبح إسرائيل غير قادرة أن تظل قائمة بشكل فاعل. وعن الدور الفلسطيني لإيصال صوته إلى العالم، يرى سعيد أنه ليس عالياً (لأن وزن القوة الإسرائيلية هائل جداً بحيث لا يترك للفلسطينيين أي فرصة، ليس هناك عمل منظّم على الجانب الفلسطيني، ولا يوجد سوى بضعة مواقع الكترونية تستطيع الدخول إليها..).

* وفي محور آخر يسأله بارساميان عن النظرة المزدوجة تجاهه، والتي قال بها المفكر الأميركي ناعوم شومسكي، إذ يثمنون من ناحية مساهمة إدوارد سعيد في النقد الأدبي إلى حدّ التبجيل، مع بقائه (هدفاً للذم وتشويه السمعة الدائمين) يقول سعيد: (إن هذا الوضع شديد الشبه بوضعه هو - يعني شومسكي - وهو لغوي عظيم معروف جداً. وقد تم الاحتفاء به وتكريمه لذلك، لكنه يتعرّض للنقد حيث يعتبرونه معادياً للسامية ومن عبدة هتلر. وقد بلغ النقد من هذا النوع حداً جنونياً سواء ضده أو ضدي، حتى لقد أصبح يبعث على الضحك) ليختم حديثه في هذا المحور بإجابته على السؤال: هل دور المثقف هو المعارضة بالتحديد؟ قائلاً: (..أظن أن الأمر ينبغي أن يكون كذلك. أنا شديد الإيمان بوعي الفرد وهذا هو الأصل في كل الجهد الإنساني. لا يمكن للفهم الإنساني أن يحدث على مستوى جمعي إلا بعد ان يحدث اولاً على المستوى الفردي. لكن وعي الفرد في عصرنا قد جرى قصفه، إن لم نقل ايضاً خنقه بواسطة كميات هائلة من المعلومات المنظمة والمحزومة. والتي تهدف أساساً إلى توليد نوع من القبول وعدم المساءلة والسلبية الجمعية.. ضمن هذا الإطار، فإن دور المثقف هو أن يعارض، وأنا أفكر بهذا على أنه دور نحتاجه بشكل قطعي، بل بشكل يائس..).

* وفي محور أصول الارهاب يجيب على السؤال حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر قائلاً: "بوصفي نيويوركيا" إنها حادثة مروّعة تبعث على الصدمة، مشيراً إلى أن استهداف «مركز التجارة العالمي» قلب الرأسمالية الأميركية و«البنتاغون» مكاتب إدارة المؤسسة العسكرية الأميركية، كان مقصوداً، لكن الحادثة (لم تكن ترمي إلى إثارة أي جدل أو حوار، لم يكن ما تم جزءاً من أية مفاوضات ومن الواضح أن النية لم تكن تتجه إلى ابلاغ اية رسالة عبر العملية، لقد تحدث الحدث عن نفسه وهو أمر غير عادي). لكنه يقول إن الحادثة جاءت عقب جدل طويل حول تورّط الولايات المتحدة الأميركية في التدخل في شؤون العالم الإسلامي، والدول المنتجة للبترول والعالم العربي والشرق الأوسط. ليزيد في القول إن هناك عالمين، الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وليس بينهما الكثير من التماس، إضافة لحاجز اللغة والدين. كما يشير لرؤية العرب والمسلمين ذات المنظورين للولايات المتحدة، نظرة إلى الولايات المتحدة الأميركية الرسمية صاحبة الجيوش والتي تتدخل باستمرار وتدعم حكام الكثير من مناطق العرب والمسلمين واقفة بذلك ضد تطلعات شعوبها. ونظرة أخرى يبدون فيها اهتماماً بالغاً بالولايات المتحدة الأميركية. بل ويرسلون أبناءهم للدراسة فيها، إلى ان يقول: (والآن مع وجود هذه الصورة التي هي أقرب إلى مزيج متهور من ممارسة العنف والسياسات التي لا تتمتع بأي قبول جماهيري على الإطلاق، فإنه ليس صعباً على الديماجوجيين، خاصة أولئك الذين يزعمون التحدث باسم الدين - وهو الإسلام في هذه الحالة - ان يشنو حملة عنيفة ضد الولايات المتحدة..).

* وفي المحور الأخير (على موعد مع النصر) يسأله بارساميان ما الذي بعث هذه الجرأة في الامبرياليين اليوم؟ أو الظالمين، يقول إدوارد سعيد (أحد الأسباب هو غياب حركة مضادة معبّأة بدأب ومنظمة بقوة، إنني لا أظن القول كافياً بأن ذلك يحدث بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي إنني أظنه أيضاً فشلاً للطبقة المثقفة.. لقد اختفت فكرة المعارضة من مشهد السياسة الرسمية وتم ايداعها الآن في مكان آخر.. ولا أظن بأي شكل من الأشكال أن المعارضة شيء يجب أن يضطلع به المثقفون النجوم أو أناس من القمة، بل على العكس تماماً).


17/3/2009

الأحد، 27 أغسطس 2017

حوارات ومصرع الإنسان الممتاز







 
* يمثل عبد الله أحمد البشير (بولا) في سماء الثقافة والتنوير في السودان أيقونة ناصعة ومشعة، بما قدمه من مساهمة عالية وكاشفة في حركة النقد والكتابة التي تحمل هم أسئلة الفن والتشكيل في اشتباكهما مع أسئلة الحقوق والمجتمع، كما يحفظ له تلاميذه/أصدقاؤه، وقد عمل عبدالله بولا مُدرّساً للفنون في المدارس الثانوية، ثم في كلية الفنون الجميلة بالخرطوم، يحفظون له حرارة صداقته واشعاع تنويريته، وفي هذين الكتابين اللذين قامت رفيقة دربه بتحريرهما والتقديم لهما تظهر هذه التنويرية، وجاء الكتاب الأول ضاماً مقالات كانت نشرت متسلسلة بجريدة الأيام في صفحة ألوان الفن والأدب تحت عنوان (بداية مشهد مصرع الإنسان الممتاز) والإنسان الممتاز الذي تنظر المقالات لنهايته، هو ذلك الذي يتمتع بالحقوق اعتباراً لمايمتاز من صفات معطاة له وليس باعتباره انساناً، بيد أن المقالات تدور حول التشكيل ومقارعة أراء مجموعة من التشكيليين السودانيين بغرض تحليل وتفكيك بنية/مؤسسة الامتيار القامعة للبشر والمؤبدة لاستمرار اللامساواة بينهم، أما الكتاب الثاني فضم إثني عشر حواراً، نشرت معظمها في صحف ومجلات سودانية، ستة منها أجريت مع المؤلف والستة الأخرى أجراها المؤلف مع فنانين وكتاب هم محمد وردي ومحمد الأمين والفنان التشكيلي عبد الباسط الخاتم والموسيقي أنس العاقب والناقد والكاتب السوري منير العكش، وقد صدر الكتابان في 2017 الأول مصرع الإنسان الممتاز الذي كانت صدرت منه طبعة خاصة محدودة عن مؤسسة الشارقة للفنون قبل ثلاثة أعوام، وصدر الكتاب الثاني (حوارات) عن مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي-أمدرمان.

السبت، 26 أغسطس 2017

تاريخ أمريكا الشعبي

المؤلف: هوارد زين
المترجم: شعبان مكاوي
الناشر: المركز القومي للترجمة-القاهرة
تاريخ النشر: 2009




* في هذا المجلد يُقدم هوارد زن رواية أخرى لتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، تسلط الضوء على الهنود الحُمر والعبيد الأفارقة والخدم البيض، متبنياً وجهة نظرهم في رؤية هذا التاريخ، قائلاً بإن تاريخ الولايات المتحدة يخفي صراعاً حاداً بين المنتصرين والمهزومين وبين الضحايا والجلادين، مُخالفاً بذلك الرواية الرسمية التي تقول إن أمريكا هي أرض النعيم وطليعة العالم الحر، ورافضاً النظر لما يسمونهم بالأباء المؤسسين لدستور الولايات المتحدة وكأنهم يمثلون الجميع وأن هناك بالفعل شيئاً اسمه "الولايات المتحدة"، ناظراً للمستوطنين الإنجليز كورثة لذات مافعله كولومبس والاسبان بحق الهنود الحُمر في أمريكا اللاتينية، بإبادتهم لهنود (بواتن) و (بيكوت) في أمريكا الشمالية، وقمعهم للفقراء من الأفارقة والبيض، ومقدماً تاريخاً جديداً لـ "الثورة الأميركية" قوامه أولئك الفقراء والفلاحين الذين أشعلوا التمرد تلو التمرد رفضاً للضرائب ومصادرة الأراضي وظلم الأغنياء، مجبرين الأغنياء وقادة المستعمرات على خوض الحرب ضد إنجلترة التي كانوا خاصعين لها، كما يتحدث عن الحرب ضد فيتنام التي خاضتها الولايات المتحدة، وكانت فيها الغلبة للبشر  المنظمين على التكنولوجيا الحديثة المنظمة التي كانت بيد الأميركيين، كما يقول، ثم يتابع في تأريخه المضاد حتى العام 2000 حيث الحرب ضد "الإرهاب". ولد هوارد زن مؤلف هذا الكتاب بالولايات المتحدة/نيويورك في 1922 وتوفي في 2010، من مؤلفاته: فنانون في زمن الحرب، العصيان والديمقراطية، هيروشيما نهاية الصمت، ماركس في سوهو.

موت فوضوي صدفة


المؤلف: درايو فو
المترجم: توفيق الأسدي
الناشر: دار المدى للثقافة والنشر-دمشق
الطبعة الثانية: 1999




* في ميلانو انفجرت قنبلة فتم القبض على عامل سكة حديد "فوضوي" خضع لاستنطاق وحشي دام لثلاثة أيام، فسقط من غرفة التحقيق في الطابق الرابع على الأرض، ثم استمرت بعد ذلك التحقيقات لتطال 1400 شخص، تتضح لاحقا براءتهم وضلوع رسميين ورجال من سلك الشرطة في تلك الفوضى، بغرض تكبيل حركة الاحتجاجات الواسعة التي انطلقت في جميع أنحاء إيطاليا سنة 1969. على خلفية هذه الأحداث تقوم المسرحية، التي لعبت أدوارها سبع شخصيات، خمسة من رجال الشرطة برتب متفاوتة وصحفية وأبله يظهر في عدة شخصيات، مجنون وقاضي ونقيب وأسقف، يمثل الشخصية الرئيسية في المسرحية، وهو في غاية الذكاء والنزق، يدير حوارات طريفة تبدو مختلة من غير معني، لكنها تجئ في سياق مايقع في المسرحية من أحداث وماحدث بالفعل في الواقع، فيصبح محاوره ضيق الصدر ومشلولا غير قادر على التركيز والانتباه، ويقدم ما يريده الأبله من معلومات، تكشف بالتالي لقارئ/مشاهد المسرحية مايقع من مفارقات. داريو فو ممثل ومخرج وكاتب مسرحي إيطالي يدمج (في تهريجه الملحمي القضايا التاريخية والدينية والاجتماعية والسياسية معا، منتجا عرضا كوميديا ذا جاذبية شعبية وفكرية) نال في عام 1997 جائزة نوبل في الآداب، كأحد المهرجين/المسرحيين القلائل الذين نالوا هذه الجائزة.


الجمعة، 25 أغسطس 2017

الكوشي التائه


المؤلف: ميرغني أبشر
الناشر: المصورات للنشر والطباعة والتوزيع-الخرطوم
تاريخ النشر: 2017





* يفتح هذا الكتاب الصغير أكثر من كوة للنظر في غوامض تاريخ السودان الوسيط، بما يتبعه من مناهج لهذا النظر، وفي نظرته لأصل الفونج مؤسسي مملكة سنار (1504-1821) الذي تتنازعه عدة روايات، كأنهم من أصل أموي أو أصل شلكاوي ورواية ثالثة من البرنو ورابعة تنسبهم الى النوبة، لكن المؤلف لايقبل بكل هذه الروايات، قائلا بارتباط نسبهم لملوك الشمس الكوشيين، معتمدا في ذلك على تحليل لغوي وثقافي لعدد من الوثائق والحكايات، وقد وضع المؤلف كمدخل لكتابه الآية (20) من سورة المائدة (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ) ثم يسأل: متى كان قوم النبي موسى ملوكا قبل سليمان وداؤود؟ وأين؟ قائلا بقراءته في "وثيقة اللغة والمنقول الثقافي" أن معنى بلاد الواوات، الاسم القديم للسودان، هو: أرض التأمل والإلهام، حيث اجتماع آلهة الأولمب السنوي، كما جاء في موسوعة هوميروس، ثم يقول بإن كل المعارف والمعلومات الأركيولوجية التي جمعت وتراكمت على مر السنين، حول مملكة سليمان، أكدت صعوبة ملائمتها مع الرواية التوراتية القائلة بان أصول إسرائيل في كنعان/فلسطين، مما يدفع بإمكان أن تكون هذه الأصول في عمائر حوض النيل الكوشية، ويقول كذلك بلا إسلامية سلطنة الفونج، أو صورية الإسلام فيها، إذ لم يوجد في سنار مسجد جامع إلا بعد مرور مائة وواحد وأربعين عاما من قيام السلطنة، وان الكثير من العادات والطقوس غير الإسلامية ظلت باقية بعد ذلك التاريخ

---------------------------

* ميرغني أبشر مؤلف هذا الكتاب باحث وكاتب درامي من مواليد منطقة فتوار/بربر في 1970م.

الخميس، 17 أغسطس 2017

أطفال منتصف الليل



   * بعيدا عن الضجة المُضَلِلة التي صاحبت اسم سلمان رشدي في العالم العربي والإسلامي، تُمثل رواية (أطفال منتصف الليل) عملا ممتعا وكاشفا بامتياز، وقد صدرت ترجمتها العربية عن دار التكوين ومنشورات الجمل في 2009، لمترجمها عبد الكريم ناصيف، وكانت صدرت قبلاً ترجمة ناصيف لها في 1985 في دمشق، لكن بعد أن انتشرت ضجة التحريم والتكفير، اختفت الرواية وقل الحديث عن الروائي، ليظهر بدلاً عن ذلك، عاليا، اسم سلمان رشدي الروائي، كمرتد، وهي الرواية التي أظهرت جليا اسم مؤلفها في العالم الأدبي، عندما صدرت أول مرة عن دار نشر إنجليزية، وكانت الاوساط الأدبية البريطانية بشرت به قبل ذلك الصدور ضمن (معالم نثر بريطاني مغاير بفضل أسماء جديدة انحدرت من عوالم الهجرة والمستعمرات السابقة خاصة الهند وباكستان والبنغلاديش..) كما نشرت له غرانتا، المجلة البريطانية الأدبية العريقة التي تأسست عام 1889، مقاطع من ذات الرواية في 1979.








عرض: أسامة عباس 

  
   * كتب الشاعر عباس بيضون: ( كنت من الذين قرأوا "أطفال منتصف الليل" من ترجمة عبد الكريم ناصيف السوري، الصادرة يومذاك عن وزارة الثقافة السورية بعد أن وقعت في يدي بالصدفة.. لا أعرف من قرأ من الروائيين رواية رشدي. لكني أحدس أنهم لم يكونوا قليلين. لا أعرف كيف كان تأثير رواية رشدي في الرواية العربية. هذا سؤال صعب، لكن أظنه كان ملحوظاً على بعض النتاجات، أذهب إلى أن عمل رشدي هذا ليس مما يمر مرور الكرام، إنه عمل صادم ومثير ومذهل ولا أحسب أن في وسع من يقرأه أن يتحرر بسهولة منه، لست أريد أن أتتبع ذلك لكن عن نفسي أقول إن روايتي الوحيدة المنشورة "تحليل دم" تحمل كثيراً أو قليلاً طابع الأسلوب الرشدوي).
                                                                       
    * وفي الرواية، يُمثل سليم الخيط الأساس الذي يشكل نسيجها وحوله تلتقي أحداثها وترتبط بلا فكاك حياته مع تاريخ الهند، ويُطلع باداما على الصحفات المنجزة من روايته التي يقوم بكتابتها، لنقرأ نحن في ذات الآن رواية (أطفال منتصف الليل) حكاية الهند واستقلالها وانفصال باكستان، أو رواية سلمان رشدي المولود في 1947 عام استقلال الهند وعام ولادة سليم أحمد سينا، بطل الرواية، الذي ولد عقب إعلان جريدة التايمز الهندية عن تقديم جائزة لمواليد صبيحة الاستقلال، ومعه يولد ألف طفل لم ينجُ منهم سوى خمسمائة وواحد وثمانين طفلاً، سوف تجهز على بعضهم لاحقاً أجهزة الدولة المختلفة، بواسطة جهاز نزع الأمل، ويحكي سليم لباداما كيف كان أولئك الألف طفل يلتقون في رأسه، ولهم في ذات الوقت حيواتهم وحكاياتهم التي تحدث في الرواية، مثل شيفا عدوه اللدود والساحرة بارفاتى، زوجته في ما بعد، ورغم أن الإخبار بمولد سليم يجيء عند منتصف الرواية، إلاّ أنه يتولى منذ الصفحة الأولى رواية حكاية (أطفال منتصف الليل).

*  ويحكي عائداً إلى جده لأمه، آدم عزيز الذي أكمل دراسته في الطب بألمانيا ورجع ليصدم بحال الحياة في الهند، حتى يلتقي بزوجته، في مشهد فريد يخبر عن براعة سلمان رشدي الأدبية وحدة سخريته وتهكمه، وقوة العادات والتقاليد وقدرتها على سحق الحياة وكتم أنفاس الإنسان، فقد مرضت ابنة الإقطاعي وتم استدعاء الدكتور آدم عزيز لمعاينة المريضة، فوجد مجموعة من النسوة العاملات بالمنزل وهن يحملن ملاءة كبيرة في وسطها ثقب قطره سبع بوصات، فلم يفهم عزيز في بداية الأمر ماذا يحدث، وسأل: أين المريضة؟! ويجيبه والدها، إنها هناك.. فتقدم عزيز وإذا بالنسوة حاملات الملاءة يتوجهن نحو الفراش الذي فوقه تستلقي المريضة، فسأل مرة أخرى مشيراً إلى النسوة والملاءة: ما هذا؟! فيجيبه الوالد: إنك رجل أجنبي، أتظن أنه يمكنك أن تجري فحصك مباشرة على جسد ابنتي، عليك أن تحدد الموضع الذي تريد فحصه، لتقوم النسوة بتوجيه ثقب الملاءة نحو الموضع المراد فحصه.

* وهكذا وجد الدكتور آدم عزيز العائد من ألمانيا نفسه منصاعاً لرغبة والد مريضته، وأصبح في كل مرة يعود فيها المريضة يجد النسوة والملاءة المثقوبة، وصار بمستطاعه عبر الثقب ذي السبع بوصات أن يطوف بعينيه على كامل جسد المريضة، بل ووقع في الحب، ومثله مثل مريضته صار أشد شوقاً لتلك الزيارت ومنتظراً لذلك اليوم الذي سوف يتم فيه استدعاؤه لمرض يمكن أن يصيب الوجه، فقد كان ذلك هو الجزء الوحيد الذي لم يره من جسدها.. أما الوالد فقد بدأ يغض الطرف عن هذه الزيارات وراح ينظر لتلك العلاقة العاطفية التي نمت وتطورت من خلف الحجاب. وعلى امتداد الرواية نجد الكثير من هذه الإستعارات الأدبية والمجازات الذكية، التي تخبر في ذات الوقت، عن ضغط الواقع في مفارقاته الموجعة والساخرة وسريان أحداثه اليومية على بني الهند أو كافة بني الإنسان.


26/4/2010

الأربعاء، 16 أغسطس 2017

ماركس شاعر الجدل



    
* ينظر كثيرون لكارل ماركس باعتباره فيلسوفا اجتماعيا وحسب، تدور أفكاره ونظرياته حول الاقتصاد السياسي كما جاءت في كتابه الشهير (رأس المال). ولكن فرانسيس وين في كتابه هذا، يُحاجج ليُظهر أبعادا أدبية لماركس ولكتابه رأس المال، إذ يسأل: (ماهو عدد الأشخاص الذين خطر لهم أن يدرجوا كارل ماركس في قائمة الكُتَاب والفنانين العظماء؟) ليقول إن كثيرين من قراء رأس المال اليوم وفي (حقبتنا مابعد الحداثية هذه) ربما يرون في سرده المتشظ وتقطعه الجذري (ضربا من الشواش والاستغلاق).  








عرض: أسامة عباس


* صدرت النسخة العربية لهذا الكتاب عن مكتبة العبيكان بالمملكة العربية السعودية في 2007 لمترجمها ثائر ديب، ينقسم الكتاب الذي جاء في 159 صفحة إلى مدخل وثلاثة فصول هي (الحمل / الولادة / الحياة اللاحقة) وفي المدخل الذي جاء بعنوان ( التحفة المجهولة ) يُخبر المؤلف أن كارل ماركس كان قد طلب من صديقه فريدريك إنجلز قبيل تقديمه مخطوطة الجزء الأول من رأس المال للناشر في 1867، والتي كان من المفترض تقديمها منذ 1846، طلب منه أن يقرأ قصة التحفة المجهولة لبلزاك، قائلا عنها أنها قصة مفعمة بالسخرية المبهجة، والقصة عن رسام عظيم أمضى عشرة سنوات في رسم لوحة، أراد لها أن تكون ثورة في الفن بتقديم أكمل تمثيل للواقع، لكن زميلي الرسام لم تعجبهما اللوحة عند رؤيتها، الأمر الذي أزعج "فرنهوفر" الرسام ودفعه لحرق لوحاته وإلى الانتحار. ويتابع المؤلف قوله بأن المفارقة المبهجة هي: أن وصف بلزاك لتلك اللوحة هو وصف كامل للرسم التجريدي في القرن العشرين، أي أن بلزاك كان يُقدم في القرن التاسع عشر، للفن الذي عُرف وانتشر في القرن العشرين، وأن ماركس كما يقول فرانسيس مثل فرنهوفر كان حداثيا وما وصفه الشهير للانخلاع في (البيان الشيوعي) إلا استباق لما رسمه ت.س إليوت في رجال مجوفين ومدينة وهمية ، ولما قاله ييتس (عن الأشياء التي تتداعى وعن المركز الذي لايقوى على الثبات).

* ويجيء الفصل الأول ( الحمل) متابعا لسيرة ماركس ولسيرة كتابه، مشيرا إلي أن رأس المال يُصنف عادة كعمل في الاقتصاد، مع أن ماركس لم يلتفت لدراسة الاقتصاد السياسي إلا بعد سنوات كثيرة من اشتغاله في مجالي الأدب والفلسفة. وقد كانت له في حياته الباكرة مطامح أدبية، إذ كتب ديوان شعر ومسرحية شعرية ورواية بعنوان (سكوربيون وفيليكس) أنجزها مفتونا برواية لورنس ستيرن (ترايسترام شاندي). ولكن ماركس طرح تلك التجارب جانبا مُقرا بهزيمته (فجأة، كأنما بلمسة سحرية - بل كانت اللمسة في البداية ضربة ساحقة - وقع بصري على عالم الشعر الحقيقي النائي مثل أرض الجن النائية، وتقوضت إبداعاتي جميعا وتلاشت...) لذلك لم يكن غريبا، كما يري المؤلف، أن يتحدث المال نفسه في (رأس المال) كيما يُبرر استغلال عمل الأطفال في المصانع.

* ويمتد فصل (الحمل) متابعا لحياة ماركس وعائلته التي هدها الفقر والمرض، وتأثير ذلك على تأخر صدور رأس المال، مرة بسبب نقص معرفة ماركس، كما يشير ماركس بنفسه، في بعض حقول المعرفة، الشيء الذي دفعه ليجلس في قاعة المطالعة بالمتحف البريطاني ويقرأ في كتب الاقتصاد والأعداد القديمة من مجلة الأيكونومست، وتارة لانقطاعه عن الكتاب والدخول في سجالات صحفية وجدالات عنيفة، لأنه يرى، أن الكذبة من الاشتراكيين – إن لم يُفَضحوا – أشد جذبا للجمهور من الملوك الحقيقيين.

* أما في الفصل الثاني (الولادة) فيتحدث المؤلف مناقشا بعضا من أفكار واكتشافات ( رأس المال) حول السلعة وقيمتيها الاستعمالية والتبادلية والعمل، واصفا تأمل ماركس حولهما بالمسهب والمتخطى للواقع باطراد، محاكيا رواية (تريسترام شاندي) لصاحبها ستيرن رائد ذلك الأسلوب المهلهل والمفكك والممتلئ بالتناقضات وضروب السرد المتكسرة والأطوار الغريبة، كما هو الحال في(رأس المال) ليسأل: (ولكن ماذا عن مكانة رأس المال الأدبية ذاته؟) قائلا بأن أحد الموانع ربما يكون في بنية الكتاب المتعددة الطبقات والصعب التصنيف، ليناقش أراء بعض القليلين من الذين تحدثوا عن (رأس المال) كعمل من أعمال الأدب، مثل الناقد المكسيكي لود فيكو سيلفا الذي تحدث عن الرأسمالية فيه ، كمجاز واستعارة وأنها صيرورة اغتراب تبعد الحياة، من الذات إلى الموضوع، ومن القيمة الاستعمالية إلى القيمة التبادلية، من الإنساني إلي الوحشي. وطبقا لهذه القراءة كما يقول المؤلف، يصبح الأسلوب الأدبي الذي اتبعه ماركس في كتابه، ليس مجرد قشرة خارجية ( بل يغدو اللغة الملائمة الوحيدة التي يمكن التعبير من خلالها عن طبيعة الأشياء الخادعة. ومشروعا كيانيا " أنطولجيا " لايمكن تقييده بحدود وأعراف جنس قائم كالاقتصاد السياسي أو الانثروبولجيا أو التاريخ. باختصار، فإن رأس المال هو عمل" فذ ، نسيج وحده " بكل ما للكلمة من معنى. فليس ثمة مايشبهه من قريب قبله ولا بعده، وربما كان ذلك هو السبب وراء ما لاقاه على الدوام من إهمال أو إساءة تفسير).

* وجاء الفصل الثالث والأخير ( الحياة اللاحقة ) متحدثا عن الترجمات المختلفة التي ظهرت في اللغات الاوربية، مثل اللغة الروسية التي جاءت كأول ترجمة للغة أوربية في سنة 1872، أي بعد خمسة سنوات من صدور الكتاب في اللغة الألمانية، لتليها الترجمة الفرنسية التي جاءت على حلقات، وبعد أربعة محاولات لم يقبلها ماركس، ليرى المحاولة الخامسة حسنة بوجه عام، قائلاً :( وجدت نفسي مضطرا لأن أعيد كتابة مقاطع كاملة بالفرنسية، لجعلها مقبولة ومستساغة). أما الترجمة الانجليزية فقد جاءت بعد وفاة كارل ماركس. كما تناول الفصل ردود الفعل والمواقف والنظرات التي جاءت عقب صدور الكتاب، في حينه أو في زماننا هذا، والتي لم تنظر في معظمها، طيلة المائة وأربعين عاما التي أعقبت صدوره، بحسب محاججة فرانسيس وين في كتابه هذا، للجانب الأدبي منه، رغم أن كارل ماركس كان ( ينظر إلى نفسه على أنه فنان مبدع ، شاعر الديالكتيك . وقد كتب إلى إنجلز في تموز 1865 : " والآن ، فيما يتعلق بعملي ، سوف أفضي إليك بالحقيقة الواضحة. مهما تكن العيوب القائمة في كتاباتي ، فإن مزيتها تكمن في أنها كلٌ فنيٌ " . ولقد تطلع إلى الشعراء والروائيين أكثر مما تطلع إلى الفلاسفة أو المحللين السياسيين باحثا لديهم عن تبصرات في دوافع البشر ومصالحهم المادية...)


18/4/2010