الأربعاء، 16 أغسطس 2017

ماركس شاعر الجدل



    
* ينظر كثيرون لكارل ماركس باعتباره فيلسوفا اجتماعيا وحسب، تدور أفكاره ونظرياته حول الاقتصاد السياسي كما جاءت في كتابه الشهير (رأس المال). ولكن فرانسيس وين في كتابه هذا، يُحاجج ليُظهر أبعادا أدبية لماركس ولكتابه رأس المال، إذ يسأل: (ماهو عدد الأشخاص الذين خطر لهم أن يدرجوا كارل ماركس في قائمة الكُتَاب والفنانين العظماء؟) ليقول إن كثيرين من قراء رأس المال اليوم وفي (حقبتنا مابعد الحداثية هذه) ربما يرون في سرده المتشظ وتقطعه الجذري (ضربا من الشواش والاستغلاق).  








عرض: أسامة عباس


* صدرت النسخة العربية لهذا الكتاب عن مكتبة العبيكان بالمملكة العربية السعودية في 2007 لمترجمها ثائر ديب، ينقسم الكتاب الذي جاء في 159 صفحة إلى مدخل وثلاثة فصول هي (الحمل / الولادة / الحياة اللاحقة) وفي المدخل الذي جاء بعنوان ( التحفة المجهولة ) يُخبر المؤلف أن كارل ماركس كان قد طلب من صديقه فريدريك إنجلز قبيل تقديمه مخطوطة الجزء الأول من رأس المال للناشر في 1867، والتي كان من المفترض تقديمها منذ 1846، طلب منه أن يقرأ قصة التحفة المجهولة لبلزاك، قائلا عنها أنها قصة مفعمة بالسخرية المبهجة، والقصة عن رسام عظيم أمضى عشرة سنوات في رسم لوحة، أراد لها أن تكون ثورة في الفن بتقديم أكمل تمثيل للواقع، لكن زميلي الرسام لم تعجبهما اللوحة عند رؤيتها، الأمر الذي أزعج "فرنهوفر" الرسام ودفعه لحرق لوحاته وإلى الانتحار. ويتابع المؤلف قوله بأن المفارقة المبهجة هي: أن وصف بلزاك لتلك اللوحة هو وصف كامل للرسم التجريدي في القرن العشرين، أي أن بلزاك كان يُقدم في القرن التاسع عشر، للفن الذي عُرف وانتشر في القرن العشرين، وأن ماركس كما يقول فرانسيس مثل فرنهوفر كان حداثيا وما وصفه الشهير للانخلاع في (البيان الشيوعي) إلا استباق لما رسمه ت.س إليوت في رجال مجوفين ومدينة وهمية ، ولما قاله ييتس (عن الأشياء التي تتداعى وعن المركز الذي لايقوى على الثبات).

* ويجيء الفصل الأول ( الحمل) متابعا لسيرة ماركس ولسيرة كتابه، مشيرا إلي أن رأس المال يُصنف عادة كعمل في الاقتصاد، مع أن ماركس لم يلتفت لدراسة الاقتصاد السياسي إلا بعد سنوات كثيرة من اشتغاله في مجالي الأدب والفلسفة. وقد كانت له في حياته الباكرة مطامح أدبية، إذ كتب ديوان شعر ومسرحية شعرية ورواية بعنوان (سكوربيون وفيليكس) أنجزها مفتونا برواية لورنس ستيرن (ترايسترام شاندي). ولكن ماركس طرح تلك التجارب جانبا مُقرا بهزيمته (فجأة، كأنما بلمسة سحرية - بل كانت اللمسة في البداية ضربة ساحقة - وقع بصري على عالم الشعر الحقيقي النائي مثل أرض الجن النائية، وتقوضت إبداعاتي جميعا وتلاشت...) لذلك لم يكن غريبا، كما يري المؤلف، أن يتحدث المال نفسه في (رأس المال) كيما يُبرر استغلال عمل الأطفال في المصانع.

* ويمتد فصل (الحمل) متابعا لحياة ماركس وعائلته التي هدها الفقر والمرض، وتأثير ذلك على تأخر صدور رأس المال، مرة بسبب نقص معرفة ماركس، كما يشير ماركس بنفسه، في بعض حقول المعرفة، الشيء الذي دفعه ليجلس في قاعة المطالعة بالمتحف البريطاني ويقرأ في كتب الاقتصاد والأعداد القديمة من مجلة الأيكونومست، وتارة لانقطاعه عن الكتاب والدخول في سجالات صحفية وجدالات عنيفة، لأنه يرى، أن الكذبة من الاشتراكيين – إن لم يُفَضحوا – أشد جذبا للجمهور من الملوك الحقيقيين.

* أما في الفصل الثاني (الولادة) فيتحدث المؤلف مناقشا بعضا من أفكار واكتشافات ( رأس المال) حول السلعة وقيمتيها الاستعمالية والتبادلية والعمل، واصفا تأمل ماركس حولهما بالمسهب والمتخطى للواقع باطراد، محاكيا رواية (تريسترام شاندي) لصاحبها ستيرن رائد ذلك الأسلوب المهلهل والمفكك والممتلئ بالتناقضات وضروب السرد المتكسرة والأطوار الغريبة، كما هو الحال في(رأس المال) ليسأل: (ولكن ماذا عن مكانة رأس المال الأدبية ذاته؟) قائلا بأن أحد الموانع ربما يكون في بنية الكتاب المتعددة الطبقات والصعب التصنيف، ليناقش أراء بعض القليلين من الذين تحدثوا عن (رأس المال) كعمل من أعمال الأدب، مثل الناقد المكسيكي لود فيكو سيلفا الذي تحدث عن الرأسمالية فيه ، كمجاز واستعارة وأنها صيرورة اغتراب تبعد الحياة، من الذات إلى الموضوع، ومن القيمة الاستعمالية إلى القيمة التبادلية، من الإنساني إلي الوحشي. وطبقا لهذه القراءة كما يقول المؤلف، يصبح الأسلوب الأدبي الذي اتبعه ماركس في كتابه، ليس مجرد قشرة خارجية ( بل يغدو اللغة الملائمة الوحيدة التي يمكن التعبير من خلالها عن طبيعة الأشياء الخادعة. ومشروعا كيانيا " أنطولجيا " لايمكن تقييده بحدود وأعراف جنس قائم كالاقتصاد السياسي أو الانثروبولجيا أو التاريخ. باختصار، فإن رأس المال هو عمل" فذ ، نسيج وحده " بكل ما للكلمة من معنى. فليس ثمة مايشبهه من قريب قبله ولا بعده، وربما كان ذلك هو السبب وراء ما لاقاه على الدوام من إهمال أو إساءة تفسير).

* وجاء الفصل الثالث والأخير ( الحياة اللاحقة ) متحدثا عن الترجمات المختلفة التي ظهرت في اللغات الاوربية، مثل اللغة الروسية التي جاءت كأول ترجمة للغة أوربية في سنة 1872، أي بعد خمسة سنوات من صدور الكتاب في اللغة الألمانية، لتليها الترجمة الفرنسية التي جاءت على حلقات، وبعد أربعة محاولات لم يقبلها ماركس، ليرى المحاولة الخامسة حسنة بوجه عام، قائلاً :( وجدت نفسي مضطرا لأن أعيد كتابة مقاطع كاملة بالفرنسية، لجعلها مقبولة ومستساغة). أما الترجمة الانجليزية فقد جاءت بعد وفاة كارل ماركس. كما تناول الفصل ردود الفعل والمواقف والنظرات التي جاءت عقب صدور الكتاب، في حينه أو في زماننا هذا، والتي لم تنظر في معظمها، طيلة المائة وأربعين عاما التي أعقبت صدوره، بحسب محاججة فرانسيس وين في كتابه هذا، للجانب الأدبي منه، رغم أن كارل ماركس كان ( ينظر إلى نفسه على أنه فنان مبدع ، شاعر الديالكتيك . وقد كتب إلى إنجلز في تموز 1865 : " والآن ، فيما يتعلق بعملي ، سوف أفضي إليك بالحقيقة الواضحة. مهما تكن العيوب القائمة في كتاباتي ، فإن مزيتها تكمن في أنها كلٌ فنيٌ " . ولقد تطلع إلى الشعراء والروائيين أكثر مما تطلع إلى الفلاسفة أو المحللين السياسيين باحثا لديهم عن تبصرات في دوافع البشر ومصالحهم المادية...)


18/4/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق