الخميس، 17 أغسطس 2017

أطفال منتصف الليل



   * بعيدا عن الضجة المُضَلِلة التي صاحبت اسم سلمان رشدي في العالم العربي والإسلامي، تُمثل رواية (أطفال منتصف الليل) عملا ممتعا وكاشفا بامتياز، وقد صدرت ترجمتها العربية عن دار التكوين ومنشورات الجمل في 2009، لمترجمها عبد الكريم ناصيف، وكانت صدرت قبلاً ترجمة ناصيف لها في 1985 في دمشق، لكن بعد أن انتشرت ضجة التحريم والتكفير، اختفت الرواية وقل الحديث عن الروائي، ليظهر بدلاً عن ذلك، عاليا، اسم سلمان رشدي الروائي، كمرتد، وهي الرواية التي أظهرت جليا اسم مؤلفها في العالم الأدبي، عندما صدرت أول مرة عن دار نشر إنجليزية، وكانت الاوساط الأدبية البريطانية بشرت به قبل ذلك الصدور ضمن (معالم نثر بريطاني مغاير بفضل أسماء جديدة انحدرت من عوالم الهجرة والمستعمرات السابقة خاصة الهند وباكستان والبنغلاديش..) كما نشرت له غرانتا، المجلة البريطانية الأدبية العريقة التي تأسست عام 1889، مقاطع من ذات الرواية في 1979.








عرض: أسامة عباس 

  
   * كتب الشاعر عباس بيضون: ( كنت من الذين قرأوا "أطفال منتصف الليل" من ترجمة عبد الكريم ناصيف السوري، الصادرة يومذاك عن وزارة الثقافة السورية بعد أن وقعت في يدي بالصدفة.. لا أعرف من قرأ من الروائيين رواية رشدي. لكني أحدس أنهم لم يكونوا قليلين. لا أعرف كيف كان تأثير رواية رشدي في الرواية العربية. هذا سؤال صعب، لكن أظنه كان ملحوظاً على بعض النتاجات، أذهب إلى أن عمل رشدي هذا ليس مما يمر مرور الكرام، إنه عمل صادم ومثير ومذهل ولا أحسب أن في وسع من يقرأه أن يتحرر بسهولة منه، لست أريد أن أتتبع ذلك لكن عن نفسي أقول إن روايتي الوحيدة المنشورة "تحليل دم" تحمل كثيراً أو قليلاً طابع الأسلوب الرشدوي).
                                                                       
    * وفي الرواية، يُمثل سليم الخيط الأساس الذي يشكل نسيجها وحوله تلتقي أحداثها وترتبط بلا فكاك حياته مع تاريخ الهند، ويُطلع باداما على الصحفات المنجزة من روايته التي يقوم بكتابتها، لنقرأ نحن في ذات الآن رواية (أطفال منتصف الليل) حكاية الهند واستقلالها وانفصال باكستان، أو رواية سلمان رشدي المولود في 1947 عام استقلال الهند وعام ولادة سليم أحمد سينا، بطل الرواية، الذي ولد عقب إعلان جريدة التايمز الهندية عن تقديم جائزة لمواليد صبيحة الاستقلال، ومعه يولد ألف طفل لم ينجُ منهم سوى خمسمائة وواحد وثمانين طفلاً، سوف تجهز على بعضهم لاحقاً أجهزة الدولة المختلفة، بواسطة جهاز نزع الأمل، ويحكي سليم لباداما كيف كان أولئك الألف طفل يلتقون في رأسه، ولهم في ذات الوقت حيواتهم وحكاياتهم التي تحدث في الرواية، مثل شيفا عدوه اللدود والساحرة بارفاتى، زوجته في ما بعد، ورغم أن الإخبار بمولد سليم يجيء عند منتصف الرواية، إلاّ أنه يتولى منذ الصفحة الأولى رواية حكاية (أطفال منتصف الليل).

*  ويحكي عائداً إلى جده لأمه، آدم عزيز الذي أكمل دراسته في الطب بألمانيا ورجع ليصدم بحال الحياة في الهند، حتى يلتقي بزوجته، في مشهد فريد يخبر عن براعة سلمان رشدي الأدبية وحدة سخريته وتهكمه، وقوة العادات والتقاليد وقدرتها على سحق الحياة وكتم أنفاس الإنسان، فقد مرضت ابنة الإقطاعي وتم استدعاء الدكتور آدم عزيز لمعاينة المريضة، فوجد مجموعة من النسوة العاملات بالمنزل وهن يحملن ملاءة كبيرة في وسطها ثقب قطره سبع بوصات، فلم يفهم عزيز في بداية الأمر ماذا يحدث، وسأل: أين المريضة؟! ويجيبه والدها، إنها هناك.. فتقدم عزيز وإذا بالنسوة حاملات الملاءة يتوجهن نحو الفراش الذي فوقه تستلقي المريضة، فسأل مرة أخرى مشيراً إلى النسوة والملاءة: ما هذا؟! فيجيبه الوالد: إنك رجل أجنبي، أتظن أنه يمكنك أن تجري فحصك مباشرة على جسد ابنتي، عليك أن تحدد الموضع الذي تريد فحصه، لتقوم النسوة بتوجيه ثقب الملاءة نحو الموضع المراد فحصه.

* وهكذا وجد الدكتور آدم عزيز العائد من ألمانيا نفسه منصاعاً لرغبة والد مريضته، وأصبح في كل مرة يعود فيها المريضة يجد النسوة والملاءة المثقوبة، وصار بمستطاعه عبر الثقب ذي السبع بوصات أن يطوف بعينيه على كامل جسد المريضة، بل ووقع في الحب، ومثله مثل مريضته صار أشد شوقاً لتلك الزيارت ومنتظراً لذلك اليوم الذي سوف يتم فيه استدعاؤه لمرض يمكن أن يصيب الوجه، فقد كان ذلك هو الجزء الوحيد الذي لم يره من جسدها.. أما الوالد فقد بدأ يغض الطرف عن هذه الزيارات وراح ينظر لتلك العلاقة العاطفية التي نمت وتطورت من خلف الحجاب. وعلى امتداد الرواية نجد الكثير من هذه الإستعارات الأدبية والمجازات الذكية، التي تخبر في ذات الوقت، عن ضغط الواقع في مفارقاته الموجعة والساخرة وسريان أحداثه اليومية على بني الهند أو كافة بني الإنسان.


26/4/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق