الجمعة، 12 مارس 2021

مذكرات يوسف ميخائيل

اسم الكتاب: مذكرات يوسف ميخائيل التركية و المهدية و الحكم الثنائي في السودان
المؤلف: يوسف ميخائيل
تحقيق د. أحمد إبراهيم أبو شوك 
الناشر مركز عبد الكريم ميرغني- أم درمان 
الطبعة الثالثة: 2016 




 عرض: د. هشام مكي حنفي

 * "مذكرات يوسف ميخائيل، التركية و المهدية والحكم الثنائي في السودان" كتاب استثنائي و فريد يوثق لحقبة معقدة من تاريخ السودان في ظل ثلاثة أنظمة حكم مختلفة، وتأتي فرادة الكتاب من توثيقه للحياة اليومية للناس ولعمل دواوين السلطة ولطبيعة و تركيب المجتمع السوداني في ذاك الوقت من شخص عاش كل هذه الأحوال كمواطن عادي ثم ككاتب في دواوين الحكومة التركية، ثم كاتب لدى بعض شيوخ و أمراء المهدية وصولاً إلى كاتب خاص و مميز لدى الخليفة عبد الله التعايشي رأس الدولة المهدية، كما عمل فيما بعد، خلال الحكم الثنائي ككاتب تجاري لدى الشركات الاستعمارية شبه الرسمية مما أتاح له الاقتراب من بعض رموز الحكم. كذلك فإن الكتاب يختلف عن الكتب التي كُتبت عن تلك الفترة بواسطة رجال دولة و مسؤولين استعماريين لاختلاف طبيعة كاتبها، و بالتالي اختلاف موقعه و نظرته للإحداث التي كان مشاركاً في كثيرٍ منها من داخلها كمتفاعل و ليس كمراقب، تم تدوين الكتاب في مرحلة لاحقة كتسجيل للأحداث و الذكريات التي عاشها المؤلف و هو بذلك لم يكن مذكرات دُونت في وقتها ثم جمعت لاحقاً لذا يتحفظ المحقق عند وصفه بمذكرات لكنه يقبله بتحفظ. 

 * الكتاب في الأصل مخطوط باليد من قبل مؤلفه يوسف ميخائيل و مكتوب باللغة العربية العامية لشمال كردفان أو دارجة كردفان كما يصفها المحقق د. أبو شوك الذي يصف بدقة في مقدمته للكتاب حال المخطوط و المنهج الذي اتبعه في تحقيقه، و النسخ التي اعتمد عليها و ما أجراه من إضافة و تعديل و ضبط للنص بالإضافة للهوامش التي شرح فيها كثير من الأمور التي قد تغيب عن القارئ من أسماء أعلام و مواقع جغرافية و معارك و أحداث. 

 * وُلد كاتب المذكرات في مدينة الأبيض خلال الاستعمار التركي و ينتمي لأسرة قبطية مهاجرة من مصر إذ كان كاتب لدى الحكومة في السودان، و قد كان ميلاده خلال العالم 1865 كما يرجح المحقق بما يعني أن عمره كان في حدود 18 عام عندما حرر الأنصار الأبيض، يتناول الكتاب في فصله الأول حال الحياة في كردفان قبل المهدية و يستعرض الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي لذلك المجتمع، و يتناول الزيارات الباكرة التي قام بها المهدي للأبيض كرجل دين صوفي يتجول في البلاد و العلاقات التي أقامها و وثَقها مع رجال الدين في المدينة كالسيدين المكي و سوار الدهب و هو ما يعتبره المؤلف البدايات الأولى المُمَهدة للمهدية و هو في ذلك يتفق مع معظم المراجع التي وثقت لذلك. الفصل الثاني يتناول الانطلاق الفعلي للحركة المهدية و انتصاراتها العسكرية و انتشار الفكرة بين السودانيين و في هذا يشير الكاتب للمظالم و العسف الذي كان يتعرض له أهل البلاد مما جعل فكرة المهدي المنتظر تنتشر و تجد لها قبول وسط المواطنين قبل ظهور حركة المهدي و هو ما سهل إيمان الناس بالمهدي لاحقاً و سرّع انخراطهم في صفوف جيوشه. في هذا الفصل يتناول الكاتب طبقات المجتمع و طوائفه و يركز على فئة التجار الجلابة و علاقاتهم بالسطلة و صراعاتهم في ذلك.

 * يتناول الفصل الثالث فترة حكم الخليفة عبد الله و طريقة قيادته و أخيه يعقوب للدولة و الصراعات الداخلية العنيفة التي اتسمت بها تلك الفترة، و تفاصيل تصفية الخليفة و يعقوب لقيادات الجيش و رؤوس القبائل لا سيما قبائل البحر، و المؤامرات و الدسائس و مجمل عملية إدارة الدولة سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً. و يبين الكاتب كيف أدت جملة التناقضات التي اكتنفت تلك الفترة و سوء إدارة الخليفة إلى الهزيمة المحققة في كرري التي أنهت دولة المهدية. 

 * في الفصل الرابع يصف الكاتب حالة الفوضى و الاضطراب في أم درمان بعد هزيمة كرري و الأيام الثلاثة الصعبة التي استباح فيها كتشنر و جنوده المدينة ثم ما تلى من بسط السلطة الجديدة و قيام حكومة الحكم الثنائي و في هذا الفصل يستعرض الحركة التجارية المحمومة لنقل منتجات البلاد إلى الخارج بواسطة التجار الأوربيين و الأتراك و الأرمن و السوريين و المصريين و غيرهم من جنسيات و في هذا يصف نشاط ما أسماها "شركة استعمار السودان" المحمية بالسلطة و التي كانت تعمل بنهم في نقل تلك المنتجات. في رواية يوسف ميخائيل عن الأيام الأخيرة لدولة المهدية يحكي أن يعقوب أخ الخليفة عندما علم باقتراب جيش كتشنر من أم درمان جمع معظم المخزون من الأكل و أفضل الجمال و البغال و أخلى عوائلهم هو و الخليفة و كافة أهلهم التعايشة إلى شبشة على النيل الأبيض و من هنا بدأت (الكسرة) فعلياً قبل المعركة الفاصلة و ليس بعدها و يسجل كيف أن قوات كتشنر ضربت القبة و هدمتها مساء الخميس قبل المعركة الفاصلة الشيء الذي أثر كثيراً في معنويات الأنصار، و يذكر أن علي دينار اجتمع مع قمر الدين عبد الجبار أمين بيت المال و أخذا أفضل السلاح و الذخيرة و (كسروا) من أم درمان مع كافة البرتي. هذه الرواية تختلف عن معظم الروايات السائدة التي تقول أن القبة هُدمت بعد معركة كرري، كذلك في أن كسرة التعايشة و علي دينار و آخرين كانت قبل خوض المعركة في كرري و ليس بعدها. الكتاب يقدم رواية تبدو موضوعية و خالية من التحامل إلى حد كبير كما أنها كُتبت من داخل الأحداث و ليس خارجها إضافة إلى لغتها اللطيفة التي تذكر بلغة طبقات ود ضيف الله و هو جدير بالقراءة لهذا و لعدة أسباب أخر سيكتشفها القارئ عند قراءته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق