الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

الظلم في العالم العربي


اسم الكتاب: الظلم في العالم العربي والطريق إلى العدل
المؤلفين: عمل جماعي
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت
تاريخ النشر: 2018




 عرض: أسامة عباس

(إن غياب العدل عن مكان ما، تهديد بغيابه عن كل مكان)
مارتن لوثر كينغ

* في ديسمبر 2016 قامت منظمة (الإسكوا) التابعة للأمم المتحدة بنشر تقريرها (الظلم في العالم العربي والطريق إلى العدل) في موقعها الإلكتروني، ولكنها عادت بعد يوم واحد من نشره لحجبه من الموقع، بسبب الضغوط التي قيل أنها مُورست عليها، من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومصر، كما رشح يومها في الأخبار، وقامت المنظمة بالتبرؤ من نسبة التقرير لها، بيد أنها تَركتْ لمُعديه الحق في نشره، على ألا يصدر ممهوراً بشعار المنظمة، ليكون الظلم الذي يُندد به التقرير قد وقع على التقرير نفسه، في تأكيد لا يحتاجه أحد، على فداحة الظلم المزدوج الذي يقع في العالم العربي، مرة في وقوعه ومرة ثانية في حجب كل مايشير إليه، لكن نشر التقرير بإسم منظمة الأمم المتحدة كان ليكون سابقة، للمنظمة، في الإدانة أو الجهر، بفساد التعاون أو علاقة الإرتهان القائمة بين الحكومات العربية والقوى الخارجية، وبعدم مشروعية وجود دولة إسرائيل، التي تقوم على أساس ديني، إذ تُمكِّن أي يهودي من أي مكان من الحصول على جنسيتها والتمتع بالحقوق الكاملة، خلافاً لغير اليهود الموجودين أصلاً في إسرائيل/فلسطين الذين يُعتبرون، وفق القانون، مواطنون من الدرجة الثانية، في انتهاك صريح لأحكام ميثاق الأمم المتحدة المُحرِمة للتمييز، وخروج شاذ عن شكل الدولة الوطنية/القومية القائمة اليوم.

* يُبين التقرير أن اللامساواة بين الناس في الدخل وفي الثروة، هي واقع قاتم يرخي بسدوله على معظم بلدان العالم العربي، مقدماً إحصاءات عديدة، وفق معايير متنوعة، حول خدمات الصحة والتعليم والحق في العمل، تكشف عن التفاوت، في انتشار هذه الخدمات وفي الحصول عليها، بين المدن والأرياف وبين الفقراء والأغنياء، مع ازدياد حدة أثر هذا التفاوت، بسبب التجاهل أو التواطؤ، على النساء والأطفال والشباب والمسنون والأشخاص ذوو الإعاقة واللاجئون والوافدون، ويزيد نقص المشاركة السياسية في السلطة من تفاقم هذا التفاوت/الظلم، ليصل إلى حد الاضطهاد السياسي والقيود على الحريات الدينية والعنف ضد الفئات المختلفة، كالشيعة في الخليج والأكراد في العراق وسوريا والأقباط والأخوان المسلمون في مصر، مع عدم حصولهم على المناصرة اللازمة من المجتمع أو حتى من نخبه التي تخاف غضب السلطات، بالرغم من أن المجتمعات العربية حافلة بالتنوع، كما يقول التقرير، لكن الحكومات لم تعمل على إشاعة ثقافة التنوع ليكون ضمن مفهوم المواطنة، بل لقد عمدت لتصوير هذه الاختلافات أو هذا التنوع كتهديد أمني يستوجب القمع وذريعة تبرر الاضطهاد.

* لم تفلح الدولة العربية التي نشأت بعد خروج المستعمر، في بناء أنظمة حكم تكفل العدالة وتحقق المساواة وتحمي الناس من الظلم والحرمان، وقد ورثت ذات جهاز الحكم الاستعماري بمؤسساته الإدارية والأمنية والعسكرية، وأصبحت بعض الدول/النخب التي حكمت وكأنها وسيط بين الشعب الذي يريد التحرر والرفاه الاقتصادي وبين المستعمر الذي خرج ويريد الحفاظ على مصالحه، بينما آلت الدول التي قاومت الإستعمار، بسبب خوفها من الانقلابات ودسائس القوى الأجنبية، إلى دولة بوليسية تخاف الديمقراطية، لتصير النتيجة الماثلة دولاً عربية مستبدة فاقدة للشرعية، بعد أن ضيعت حقوق المواطن وغيبت مفهوم المواطنة الذي يرتكز على تحقيق العدل وعلى حماية حقوق الإنسان الإقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والمدنية، وفشلت في الدفع بعجلة التنمية من أجل الرفاه العام، وتحول هم الدولة أو النخب التي تسيطر على جهاز الحكم، باختلاف عقائدها السياسية أو الدينية، إلى السعي بكل السبل لإدامة فترة حكمها، بعد أن جمعت بين السلطة والمال والفساد، الأمر الذي يعد اليوم السبب الرئيسي في ضعف النمو الاقتصادي وفي سوء توزيع الدخل والثروة في العالم العربي، صاحب المعدلات العليا للفساد في العالم.

* يرتبط وجود الظلم وغياب العدالة في العالم العربي بعوامل خارجية، يرى التقرير إنه يصعب فصلها عن العوامل الداخلية، وقد كانت الأوضاع الداخلية في بلدان العالم العربي، في كثير من الأحيان، من صنع التدخل الاستعماري، فينظر التقرير عائداً لنشأة منظمة الأمم المتحدة ولمحكمة العدل الدولية، وقد كانت المناقشات التي دارت يوم إنشاء المنظمة في 1945 أن توجد مؤسسة بمعايير موحدة للعدالة تنطبق على مختلف الشعوب وتحقق المساواة بين جميع دول العالم، لكن ومنذ البداية، انتصرت رؤى الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية التي أرادت مؤسسة بنظام تراتبي هرمي، غير عابئة برؤى الدول المتوسطة والصغيرة التي كانت تريد منظمة أو نظاماً دولياً يحمي سيادتها ومصالحها، فاستمر ذلك التصور المتعالي أو المتجبر الذي خيم على المؤتمر التأسيسي يومذاك إلى يومنا هذا، ليرافق مسيرة المنظمة ومؤسستي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في نظرتهم إلى الدول الضعيفة، وأصبحت هذه المؤسسات تحت سيطرة الولايات المتحدة الأميركية مؤسسات ضغط وتطويق أقتصادي وافقار، مثلهما مثل المحكمة الجنائية التي أنشئت حديثاً في 2002، وتواجه اليوم الإتهامات بعدم حياديتها، خاصة تجاه العالم العربي وأفريقيا، وقد كان الغرض من إنشاء تلك المؤسسات تقديم النصح والدعم للدول الضعيفة، ونشر الأمن وحفظ السلام في العالم وبين بلدانه، لكنها صارت مؤسسات/وسائل للسيطرة وليس لتقديم العون.

* ويختم التقرير/الكتاب فصوله بتقديم أربعة أهداف استراتيجية متداخلة، يصعب تحقيق أحدها دون الآخر، وتُمثل غاية وسبيل لاسترداد الكرامة، وهي: (عقد اجتماعي جديد يحترم كرامة الإنسان) تتوافق على صوغه كل الأطراف، ولايفرضه طرف على طرف، عقد يعيد صياغة العلاقة بين السلطة والشعب، وفقاً لاختيار الشعوب لشكل الحكم، وثانياً في (استقلال حقيقي لاشكلي) يتم بوجود هياكل ومؤسسات وطبقة سياسية تضع مصلحة الوطن والمواطن فوق أي اعتبار خارجي، ثم في تحقيق (العدل في فلسطين) لأن عدم تحقق العدالة فيها سيبقي المنطقة في مهب الحروب، كما أن إسرائيل بسعيها لتفتيت العالم العربي وامتلاكها للسلاح النووي، لاتشكل خطراً على الفلسطينيين وحدهم، بل على أمن كل العرب، واخيراً في (النمو والرفاة الاقتصادي) إذ لايكتمل تحقيق العدالة إلا بتحرير كل الناس من الخوف والعوز وإتاحة الفرص المتكافئة لهم جميعاً، ليساهموا في بناء وتنمية اقتصادات بلدانهم ويجنوا ثمار هذه التنمية، ولتحقيق هذه الأهداف/الغايات يقدم التقرير ستة شروط يُفصِّلها تحت عناوين: إنهاء النزاعات والحروب الأهلية/ إصلاح ثقافي/ إصلاح عسكري وسياسي واقتصادي/ التكامل العربي/ علاقات سليمة مع دول الجوار والتكتلات الإقليمية/ إصلاح منظومة العلاقات الدولية.