الأحد، 28 ديسمبر 2014

الحداثة الممكنة





اسم الكتاب: الحداثة الممكنة
المؤلفة: رضوى عاشور
الناشر: دار الشروق المصرية
سنة النشر: الطبعة الثانية 2012







عرض: أسامة عباس



*  تتناول رضوى عاشور في هذا الكتاب بالبحث والدراسة كتاب (الساق على الساق فيما هو الفارياق) المنشور في سنة 1885 لأحمد فارس الشدياق، فهي تراه الرواية العربية الأولى والأهم، لكن هذا الاستحقاق أو اثبات ريادة "الساق على الساق" غرض ثانوي في كتابها هذا، إذ تنظر إلى ماترتب على منح الريادة لأعمال أخرى وعلى تهميش ماكتبه الشدياق، قائلة إن هذا التهميش وذلك المنح، يُشير إلى ( أن شرط كتابة الرواية يفترض أمرين: القطيعة مع الموروث "الابتعاد عن فن المقامة والسرديات"، وثانيهما الكتابة "وفق النموذج الأوربي"). وتسأل: لماذا أُسقط إنجاز الشدياق؟ ولماذا لم يُعتبر الرائد الأول للنهضة وقد طرح من موقع متقدم كافة القصايا الأساسية...؟ وتدفع بغير ذلك من الأسئلة.

* شمل الكتاب 15عنوانا/فصلا،عَرّفت بكتاب الشدياق وتناولت بنيته وملامح جمال وقوة الكتاب، وذلك في فصول (عنوان/ بنية الكتاب/ المقامة/ الشريك المعلن/ قبل أن يُوقدوا النار لحرق الكتاب). وتقول المؤلفة ان "الساق على الساق" نص روائي، و"الفارياق" فيه، شخصية أتوبيوجرافية "سيرذاتية" يدور حولها النص، بواسطة راوي يتتبع مراحل حياته منذ ولادته وطفولته في لبنان وترحاله واقامته في عدة بلدان أوربية وعربية، وأنه اسم نحته المؤلف من المقطع الاول من اسمه، فارس، والمقطع الاخير من اسم عائلته، الشدياق. أما عن اسم الكتاب "الساق على الساق" فتدفع المؤلفة بعدة تفسيرات/تأويلات تشير لدلالات مختلفة ومتنوعة ينفتح عليها العنوان ومن ثم الكتاب.

* وتتابع المؤلفة مكامن تلك القوة والجمال في فصول (أراك تقدر النساء ولاتبخسهن حقهن/ فاعلم أني قد خرجت من السلسلة/ الكتابة الساخرة 1-2) لتقول أن حضور المرأة في "الساق على الساق" لايقتصر علي ماتحتله من موضوع الكتاب، فالشدياق يقول أن المرأة واللغة هما موضوع كتابه، بل في مُخاطبتها كقارئة مُوعيّ بغيابها. وفي الحوارات التي تدور بين "الفارياق" و"الفارياقية" يبرز هذا الانشغال، لترى عاشور أن ماطرحه الشدياق حول المرأة لم يستطع "قاسم أمين" بعد ما يقرب من نصف قرن أن يتجاوزه، بل كان دونه. وأن ما طرحه الشدياق في منتصف القرن التاسع عشر، عن ذكورية اللغة وذكورية التراث، بدأت الكتابات النسوية الأوربية والأمريكية بتناوله في ستينات القرن العشرين.


* تتحدث المؤلفة عن الأثر الواضح للرحلة الكلاسيكية في الأدب العربي المرتبطة بالسيرة، في نص الشدياق، لكن "الساق" تزيد، عن الوصف والمعاينة، في التعبير عن الانا وغربتها ومشاعرها في المنفى، وهو مايجعلها تختلف عن السيرة القديمة في الادب العربي، التى تتناول الشخص العام، فالشدياق يوزع ذاته بين شخصيتين الراوي أو الشدياق نفسه، والفارياق الشخصية المتخيلة وإن ارتكزت على وقائع حياة المؤلف. لتقول عاشور أن الشدياق نفسه كان يعي هذا الاختلاف، إذ يكتب علي لسان الرواي/المؤلف (قيّدوا أنفسهم بسلسلة من التأليف واحدة) أما هو فيعلن (خرجت من السلسلة).

* تشير المؤلفة قبل تقديمها لنماذج عدة من سخرية الشدياق وأنواعها، إلى ان العامل الأساس لتطور توجهه الساخر، يعود لعِظم موهبته وقدرته على التحصيل العلمي الواسع بما يفوق كل أقرانه، وأيضا لوجوده، بموهبته هذه، في وسط قمع حريته وقمطه قيمته، ان في طفولته أو في كهولته. ومن نماذج سخريته التي توردها، تلك المحاكاة الساخرة لخُطب المُبشرين الاوربيين الذين كانوا لا يجيدون اللغة العربية ويتجولون في مناطق الشام للتبشير، فيكتب (يا أولادي المباركين الهادرين هنا لسماء هُتبيي وكبول نسيهني وموهزتي) وهو يريد أن يقول (... الحاضرين لسماع خطبتي وقبول نصيحتي وموعظتي) وكذلك (اهترموا كسيسكم وأساكفتكم ووكروهم واكتدوا بهم).


* وفي فصلي (حوار النصوص/غواية اللغة) تُخبر المؤلفة عن اكتناز "الساق على الساق" بالاشارات المباشرة والضمنية لكُتاب سابقين عرب وأوربيين وإلى أساليبهم في الكتابة، ويجئ ذلك إما لتأكيد اختلافه عنهم أو لتعزيز ما اتبعه من أساليب. ومن العرب تُذكر بن حجاج وابن صريع والدلاء وصاحب الف ليلة وليلة وغيرهم، ومن الاوربيين سويفيت ورابليه ولورانس ستيرن صاحب "الاسلوب المهلهل" الذي ابتدعه في "تريسترام شاندي". أما عن غواية الشدياق باللغة، فتقول المؤلفة انها لا تملك ما يكفي من العلم والتدريب في حقل الدراسات اللغوية والمعجمية، لتحيط بالانجاز اللغوي للشدياق وآرائه في هذا المجال، لكنها تقدم مجموعة من النقاط حول ولعه باللغة العربية واحساسه بتهديد يحيق بها وحول رأيه في علاقة اللغة باللغات الأخرى.


* كما ناقشت المؤلفة في فصول كتابها (الشدياق والمؤسسة النقدية 1-2) بعضا من الاراء النقدية المعاصرة التي جاءت حول ماكتبه الشدياق، كالاب لويس شيخو الذي كان رأيه في الشدياق سلبيا، وجورجي زيدان الذي أشاد بانجازه اللغوي، ثم لويس عوض الذي تستغرب المؤلفة خلطه في الفهم لبعض ماجاء بـ "الساق على الساق" ليضل بالتالي في الحكم علي الشدياق، لتسأل هل هذا الارتباك من قبل عوض جاء لأسباب طائفية شوفينية مصرية؟ أم لاختلاف في التصور للطريق الذي يجب أن تسير فيه النهضة؟. لتنتقل في فصل (القطيعة) لحديث نقاد عرب عن "الساق على الساق" وعن عدم رؤيتهم لها كعمل روائي، لتكون النتيجة - كما ترى- ان يَسهُل على الاجيال التالية تجاوزها، إذ كان البحث عن "روايات" تتوفر فيها الشروط المبكرة لنموذج الرواية الأوربية، هو المقصد.


*  وفي (فصل الختام) تقول رضوى عاشور بعد الإشارة والتحليل لظرف وقصيدة الشدياق التي دبجها للملكة فكتوريا في تهنئة مولد الامير آرثر، وبعد مناقشة لرأي "يحي حقي" القائل بثنائية الافندي والشيخ، تقول أن حداثة الشدياق في "الساق على الساق" كانت حداثة مناقضة للحداثة الكولونيالية القائمة على قطيعة تاريخية وثقافية مع الموروث، وأن "الساق على الساق" تحمِل (بذور حداثة ممكنة لاتملك مقومات الحياة فحسب بل تملك طاقة هائلة من الحيوية، تفتح آفاقا تغنينا وتغني البشر، عموم البشر لا العرب وحدهم، في مسعاهم للإحاطة بتجاربهم عبر صنوف البيان).



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق