اسم
الكتاب: أساتذة اليأس
النزعة العدمية في الأدب الأوربي
النزعة العدمية في الأدب الأوربي
المؤلفة:
نانسي هيوتسن
المترجم:
وليد السويركي
الناشر:
هيئة أبوظبي للثقافة والتراث- كلمة
سنة
الطبع: 2012
عرض: أسامة عباس
* في اسلوب بسيط عامر بالسخرية والتحليل والمعلومات، تُحاجج المؤلفة أفكاراً مثل العدمية والمعنى والدفاع عن المجتمع والانصراف عنه، مُتناولة كُتابا وكاتبات تراهم مملثون لذلك اليأس وتلك العدمية، وهي لاتُنكر حبها بعضهم أو عُلو صيتهم في العالم الأدبي، لكنها تريد كما تقول، استخلاص الرسالة الفلسفية التي يحملها هؤلاء الكُتاب، ولماذا تمارس رسالتهم كل هذا السحر في أوربا المعاصرة، وذلك من خلال ثلاثة أجيال من الكتاب الاوربيين، ولدوا في القرن العشرين، كصموئيل بيكيت وإميل سيوران وإمري كيريتش وميلان كونديرا وألفريدا يلينيك وميشيل ويلبيك وغيرهم.
" معرفة الإنسان
لا تكفي لاحتقاره "
بنجامين
كونستان
* في اسلوب بسيط عامر بالسخرية والتحليل والمعلومات، تُحاجج المؤلفة أفكاراً مثل العدمية والمعنى والدفاع عن المجتمع والانصراف عنه، مُتناولة كُتابا وكاتبات تراهم مملثون لذلك اليأس وتلك العدمية، وهي لاتُنكر حبها بعضهم أو عُلو صيتهم في العالم الأدبي، لكنها تريد كما تقول، استخلاص الرسالة الفلسفية التي يحملها هؤلاء الكُتاب، ولماذا تمارس رسالتهم كل هذا السحر في أوربا المعاصرة، وذلك من خلال ثلاثة أجيال من الكتاب الاوربيين، ولدوا في القرن العشرين، كصموئيل بيكيت وإميل سيوران وإمري كيريتش وميلان كونديرا وألفريدا يلينيك وميشيل ويلبيك وغيرهم.
* منذ قرنين سار تطور الفكر الأوربي
في طريقين يبدوآن متضادين هما: الطوباوية والعدمية أو الثورية والكلبية، ليكون رأي
أصحاب الطريق الأُول، الطوباويين/الثوريين (لخيار هو) أن يضع المثقف ذكاءه في خدمة
الثورة ولأجل عالم أفضل، بينما يري العدميون/الكلبيون أنه (ما من خيار) لأن أفعال
البشر عبثية وكل الآمال محكومة بالفشل، لتقول هيوتسن إن بنية الطريقين واحدة، بسبب
هذا الاطلاق الذي كان السبب في نجاحهما لدى الجمهور، بيد أن العدمية في أوربا
المعاصرة، بدت وكأنها حقيقة الشرط الانساني وليست مجرد موضة أدبية وفلسفية.
* ترى المؤلفة أن العدمية إرتكزت على
ثلاث مُسَلّمات هي، النخبوية والانانة، إذ يسير البشر في كتلة متجانسة يتزوجون
وينجبون ويتسلون بحماقة، لكن أستاذ اليأس الحقيقي يحيا متوحدا ويحتمل عزلته.
والمُسَلّمَة الثانية هي الاشمئزاز من الانثوي. والثالثة احتقار الحياة الأرضية
وجميع نشاطات البشر الفانين المعتادة، لذلك ينأى العدمي غالبا عن السياسة. وتسأل
هيوتسن متى بدأ هذا الشعور بالانفصال بين الذات والعالم؟ لتجيب أن لحظة ميلاده
كانت في القرن السابع عشر، عندما تبدلت النظرة إلى العالم، من المُؤسَس على الإلهي
والخارق للطبيعة، إلى الطبيعي والبشري، وحينما تَكشَفَ أن كوكبنا مجرد كوكب بين
الكواكب الأخرى. ولتبدأ بعض الأصوات الأدبية المعزولة، يومها، في التعبير عن هذا
المصير التراجيدي للانسان.
* تُخبر المؤلف عن عرض مسرحي لتوماس
بيرنهارد كانت حضرته في 2003 حيث امتلأت القاعة بالمتفرجين، وقد استغربت إنجذابهم
لذلك الحوار الدائر بين شقيقتين محافظتين وشقيقهم الساخط عليهما وعلى كل شئ،
الشقيق الذي كان سيطرد من البيت على الفور في الحياة "الواقعية". لتسأل
إلام يعود هذا التباعد الذي يتسع، بين ما نرغبه من تضامن وعطاء وديمقراطية، وبين مانستهلكه
ك"ثقافة" من انتهاك وعنف وعزلة ويأس؟!. لتقول إن نزعة التحديث وسيطرة
الانسان على عالمه، بدل أن تتقدم ساءت الأمور، لنشهد بالتالي ولادة العدمية
الحديثة مع بودلير، الذي كان في السابعة والعشرين من عمره عند فشل ثورة 1848
في فرنسا، ثم تتالت الحروب وأصوات الرجال الكاتبين، لتستقر العدمية، في
موقعها الذي لم تغادره، منذ شوبنهاور (1788- 1860) كأقوى مدرسة فكرية في أوربا
الغربية.
* وتضيف ماتقول أنها كانت تود ألا
تقوله: (ثمّة فرق بين النساء والرجال)، فمعظم النساء ينجبن ويمضين زمنا مع
الأطفال، بينما لايمضي الرجال ذلك الزمن معهم، ليتبع هذا امتلاك النساء لعلاقة
مختلفة، بالزمن وعلاقته بقابلية الانسان للفناء والموت. ولما كان معظم الذين كتبوا
من الرجال أو من النساء اللواتي يشبهنهم، فقد وُجِدت أنساق الفلسفة الموجودة
اليوم، والتي تأسست على نسيان الطفولة والطفل والولادة، ولم تُتح لخبرات النساء
تلك، لتصير إلى إنشاء خطاب وبناء أنساق فلسفية ودينية. ولتصبح بالتالي (الذات التي
يتحدث عنها الخطاب الفلسفي، ليست بلا جنس محدد فحسب، بل بلا عمر كذلك. انها ذات
راشدة دائما، كآدم وحواء خُلقا للتو...).
* تفتتح هيوتسن قراءتها للكُتاب
الذين تراهم ممثلين للعدمية، بالحديث عن أرثر شوبنهاور الذي تُسميّه (بابا عدم)
فهي تراه الأب الروحي لإولئك الكُتاب، وتبدأ بهذه الجملة (لايولد المرء عدميا ولكنه يصبح كذلك)
وتكتب تحليلا ساخرا لأفكاره زاخراً بالمعلومات عن طفولته وشبابه وكهولته، وتتبع
ذات الاسلوب مع صموئيل بيكيت الذي ذكر أنه يملك ذكريات عن حياته حينما كان في بطن
أمه، ولاتُكذّب هيوتسن ذلك، لكنها تسأل ساخرة ماهي تلك الحياة؟! وتقول إننا لانكاد
نجرؤ على الاعتراض أن هذه الصورة، هي بالضرورة، إعادة تركيب لاحقة، وتتابع كاتبة،
لكن الرعب من الأماكن المغلقة ظل يلازم بيكيت، وسنعثر عليه في أكثر من عمل من
أعماله المنذورة للشهرة.
* وتكتب عن إميل سيوران (المتشائم
الأوربي الأشهر) إبن رومانيا وتذكر يوجين يونسكو الذي كان مثله، إبن أم مكتئبة،
لتسأل (ترى، لماذا الأمهات الرومانيات سوداويات إلى هذا الحد؟!) ولما كان نصف
الكُتاب الذين تتناولهم ينتمون لفضاء الامبراطورية النمساوية-المجرية، كسيوران
وبيرنهارد وكيرتيش وكونديرا وألفريدا يلينيك، فانها تشرع في رسم صورة لذلك الفضاء،
ثم تذكر قول سيوران حول احساسه بالضجر منذ أن كان طفلا، لتسأل ( هل هناك ماهو غير
عادي أكثر من أن يشعر طفل في الخامسة بالضجر؟) إذن هو طفل نابغة من أطفال العدمية،
وستكون مهمته طيلة العقود الثمانية، التي عاشها سيوران، الانتباه الدائم لهذا
العدم.
* وعلى هذا المنوال تتابع هيوتسن
كِتابها في قراءة كُتابها المختارين، مستفيدة من مؤلفاتهم وسيرهم الذاتية
ومراسلاتهم وبعض كتبهم التي حرص بعضا منهم ممن يكتبون بأكثر من لغة، بألا
يُعاد نشرها في لغة ثانية، وتختم، أن جزءا كبيرا من هذه السوداوية هو (ادعاء أدبي)
لأن أغلب هؤلاء الكُتاب أقل كرهاً للبشر في حياتهم مما هم عليه في كتبهم، كذلك نرى
بذل ذلك الجهد والوقت الهائلين في تجويد أعمالهم، كما أن اليائس بحق لايُبشر بشئ،
فقط يغرق في الصمت تاركا نفسه تنزلق نحو الموت، لتقول (ان الشكل يستخدم كترياق ضد
سُم الرسالة الظاهرة. وفيما يتبنى الكاتب موقفا يزدري الجموع، فانه يُقدِم في الآن
نفسه ثمرة عمله لتلك الجموع نفسها " ومن غيرها يمكن تقديمها إليه؟").
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق