الخميس، 5 أكتوبر 2017

تفاوض بلا مفاوضين


اسم الكتاب: أوسلو 2  سلام بلا أرض
المؤلف: إدوارد سعيد
الناشر: دار المستقبل العربي-القاهرة
تاريخ النشر: 1995




عرض: أسامة عباس

* مرت أكثر من عشرين عاماً على صدور هذا الكتاب، لكن ملاحظاته حول ذلك التفاوض الفلسطيني الاسرائيلي لاتزال ثاقبة، ليس للفلسطينيين وحدهم، بل لغيرهم، إذ يمكن النظر إليها ككشاف ولإثارة الأسئلة حول التفاوض أو النضال من أجل وطن يسع الجميع، وفي البال أن تلك "الحكومات" التى تحكمنا لاتستحق وصف أقل من أنها محتلة، مثلها مثل الكيان الصهيوني، إضافة لوقوع جلها رهينة سلطة الولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة الذراع الطويلة في فلسطين وفي مجمل صراعات الشرق الأوسط. والمعروف أن إدوارد سعيد كان قد نفض يده باكرا من ذلك التفاوض، رغم ايمانه بضرورة التعايش السلمي وألا سبيل غير التفاوض بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وقد دعى منذ ثمانينات القرن الماضي لحل الدولة الواحدة لهم، ولكن أي دولة أو أي تفاوض هذا الذي يجب أن يكون؟! ذلك مايخوض فيه هذا الكتاب.

* في سنة 1991 انطلقت في أوسلو النرويجية المحادثات السرية ليتمخض عنها في 13سبتمبر 1993 اعلان المبادئ الاسرائيلي الفلسطيني، لكن سعيد يصفه أو يصف الاحتفال الذي جرى له في واشطن بالعرض المسرحي، الذي أُريد له أن يوحي بأن السلام قد حل، في أحد أشهر بؤر الصراع المستعصية في العالم، بينما كانت نتيجته ضرراً ليس فقط بالنسبة للفلسطينيين، الذين زادت معاناتهم على ماكانت عليه، بل وبالنسبة للاسرائيليين -كشعب- على المدى الطويل، إذ أن القادة الذين شاركوا في الاتفاق تحت إمرة الولايات المتحدة الأمريكية من الفلسطينيين أو الاسرائيليين أو الأوربيين، شاركوا دون مبادئ حقيقية ودون رؤية أمينة وشجاعة لما يحدث في الواقع، وتبعتهم في التهليل لما حدث وسائل الإعلام، ليقول إن الأسوأ من كل ذلك أن عدداً من المثقفين والباحثين خانوا رسالتهم وخبرتهم ومعرفتهم، حين أحجموا عن اتخاذ موقف يتجاوز التسبيح بحمد "عملية السلام".

* يُعيب إدوارد سعيد على المفاوض الفلسطيني قلة خبرته ومعرفته، إذ لايمتلك معلومات دقيقة ومفصلة لما يريد التفاوض حوله أو وثائق وخرائط حول التغييرات التي أحدثتها اسرائيل في فلسطين، ليكون بالتالي مشلولا في حجاج المفاوضات، واصفا اسلوب فريق التفاوض بسوء التنظيم والافتقار إلى خبراء حقيقيين، هذا غير وقوع الفريق تحت قبضة ياسر عرفات، حيث لا يستطيع البت في كل تفصيلة، أثناء التفاوض، دون الرجوع اليه. قائلا بإن الفريق المفاوض لم يكن يمثل كافة المصالح الوطنية للفلسطينيين، في الداخل والخارج، إذ اقتصر على المصالح البلدية أو المحلية، أي اطلاق يد ياسر عرفات، المغلولة أصلا، لحكم قطاع غزة والضفة، مقارناً بما لم يحصل عليه الفلسطينيون من تعويضات، منذ بدء الاحتلال الاسرائيلي، بتلك التعويضات التي دُفعت بعد احتلال الكويت، الذي دام سبعة أشهر، من قبل العراق.

* ظلت سياسات الولايات المتحدة الرسمية تجاه الشرق الأوسط، كما هي، لم تتغير طيلة الخمسين عاما الماضية، أو السبعين بتاريخ اليوم، فما يهم أولئك القادة هو التدفق الآمن للبترول وسلامة وأمن اسرائيل، كما يقول سعيد، ليقول بخطل ذلك الظن الذي يعشعش في أذهان كثير من القادة والمثقفيين الليبراليين العرب، من أن غرض تلك السياسات بالفعل هو السلام، داعيا لرفض هذه الصيغة الامريكية للسلام ولضرورة اتخاذ مواقف شجاعة، مثلما فعل الفيتناميون والكوبيون ومثلما صمد المؤتمر الافريقي بقيادة نيلسون مانديلا، بيد أنه يدعو للنظر في أمريكا أخرى ليست تلكم التي يمثلها الطاقم الحاكم في واشطن، عائباً على العرب ضعف معرفتهم بالولايات المتحدة، إذ لاتوجد في جامعاتهم كراسي علمية أو دراسات أكاديمية حول الولايات المتحدة، كما تفعل هي أو اسرائيل حول العرب، ليتكون في الأذهان الجمعية للعرب، بسبب هذا الافتقار للمعرفة، ذلكم الرأي الشائع عن كون أمريكا محض شر مطلق.

* ليقول نتيجة ذلك الضعف كان حصاد هذه المفاوضات، حصول الفلسطينيين علي صلاحيات حكم محدودة على مناطق معزولة، تتحكم فيها اسرائيل، التي حصلت، باقرار فلسطيني، على احتلال الأراضي الفلسطينية، قائلا إن هذه الاتقافية الملفقة هي كارثة حقيقية، تجعل من الأفضل لو لم يدخل الفلسطينيون في التفاوض، لأن اسرائيل لم تكن تستطيع القول أنها حققت السلام مع الفلسطينيين، لو لم يقم شخص مثل عرفات على توقيع وثيقة سلام، ليقول إن الفلسطينيين لم يعرفوا تقاليد الحكم الملكي في العصر الحديث، لكن الخضوع والتعظيم الذي يتلقاه ياسر عرفات يجعله يشك في ذلك، الأمر الذي يدفع ليس للقول بإن هذا عرفات زعيمنا ولابد من الولاء له، أو حتى المطالبة باستقالته لعدم كفاءته، بل العمل بكأفة السبل لأن لا تتكرر في المستقبل، مثل هذه المأساة، والاصرار على أن يتمتع أي زعيم لنا، بصفة احترام الذات، إضافة لمعرفته الحقيقية باسرائيل وبالولايات المتحدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق