* في أعقاب التمرد العسكري أو الانقلاب الجزئي الذي وقع في إسبانيا في 1936 اندلعت ماتُعرف بـ"الحرب الأهلية الإسبانية" التي استمرت لثلاث سنوات، وقد انخرط الآلاف من المتطوعين الأوروبيين في المقاومة الشعبية التي انتظمت، بين عدة أحزاب وتيارات سياسية إسبانية، وجاء تدفق أولئك المتطوعين لنُصرة قيم الديمقراطية والإشتراكية التي كانت تُمثلها حكومة الجمهورية الثانية المنتخبة، والتي أراد فرانثيسكو فرانكو أحد قادة الانقلاب أن يقطع الطريق أمام مسيرتها، ليتمكن بعد هزيمة الجمهورية واضعاف المقاومة الشعبية، أن ينجح في مسعاه ذاك ويُصبِح حاكماً لمدة 36 عاماً. وكان جورج أورويل (1903-1950) أحد أولئك المتطوعين، بالرغم من أنه قدم لإسبانيا ليكتب تقاريراً صحفية، لكنه انضم لواحدة من ميليشيات المقاومة، وقد بدأ له ذلك هو الفعل المتاح أو الأمر الصحيح، ويصف في كتابه هذا، وهو تقرير صحفي اتخذ قالب السرد الروائي، يصف برشلونة بأنها كانت مدينة يمسك فيها العمال بمقاليد الأمور، والجميع كانوا يتخاطبون فيما بينهم بكلمة يارفيق، لا سيد ولا مَسُود ولا غني ولا فقير، إذ انمحت الفوارق بين الناس، حتى ليصِّف وجوده أو ماعَرِفه بين الإسبان في المناطق المدنية أو في جبهات القتال، بمثابة تجربة أو حالة أولية لحياة الإشتراكية، بالرغم انها كانت شهوراً صعبة في ظل العوز والبرد القارس الذي ضاعفته الملابس المهلهلة لقوات الميليشيات، كما يصف الافتقار المريع للتدريب وللسلاح لدن هذه الميليشيات، التي كانت تأسست سريعاً من قبل الأحزاب والنقابات المهنية لمواجهة التمرد العسكري، ناقلاً قول أحدهم: (هذه ليست حرباً، إنها مسرحية هزلية تتخللها بعض الوفيات أحياناً). ثم يقول إنه حينما قدم إلى إسبانيا لم يكن مهتماً بالوضع السياسي، وكان كل مايعرفه أن هناك حرباً ضد الفاشية وأنه كان يدافع عن الكرامة الإنسانية، ثم يبسط خريطة الصراع السياسي المكونة من جمهوريين ذوي ميول يسارية وشيوعيين يشكلون الحكومة ونقابات عمالية وأناركيون لم يصوتوا في الانتخابات، ولكنهم اشتركوا في الحرب ضد فرانكو، وكانت أضلاع الصراع أو الحرب في ثلاثة جوانب، حرب ضد فرانكو واخرتين خفية تسعى فيهما الحكومة لتحجيم سلطة النقابات العمالية، والثالثة لتصفية الميليشيات المقاومة بذريعة ضعف الكفاءة العسكرية، ثم يبسط بعد ذلك تحليله لمواقف حكومات دول مختلفة وصحف أوروبية يسارية ويمينية اشتركت، رغم تباين وجهات نظرها، في خذلان المقاومة الإسبانية، ليقول في ختام كتابه إنه يحمل أسوأ الذكريات عن إسبانيا وأجملها عن الإسبان ذوي العرق النبيل الذين لا ينتمون للقرن العشرين، لجهة أناركيتهم الفطرية أو مقتهم الغريزي للسلطة، متمنياً أن تدحر صفاتهم هذه وطأة الفاشية المقبلة، إذ كان كتابه هذا قد نُشر قبل عام من استيلاء فرانكو على الحكم.
-----------------
الناشر: آفاق للنشر-الكويت
تاريخ النشر: 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق