اسم الكتاب: الفيروس الليبرالي
الحرب الدائمة وأمركة العالم
المؤلف: سمير أمين
المترجم: سعد الطويل
الناشر: دار الفارابي- بيروت
سنة النشر: 2004
عرض:
أسامة عباس
* يبدأ سمير أمين كُتيبه هذا بحكاية يُقارب فيها الرؤية الليبرالية للمجتمع بمرض غامض، ظهر في أوروبا أول مرة في القرن السادس عشر، لكن تمت مقاومته هناك وتكونت الأجسام المضادة المناسبة، فانتقل عابرا الأطلنطي، ليعود مرة أخرى في نهاية القرن العشرين إلى أوروبا، قادما من الولايات المتحدة الأمريكية ذات المقاومة الضعيفة. ويُجمل أمين هذه الرؤية أو المرض بحسب مقاربته، في أربعة أفكار عامة هي: ارتباط الفاعلية الاجتماعية بالكفاءة الاقتصادية/ التوسع الكامل في السوق بقدر قليل من التقنين، مع التوسع في الديمقراطية دون الاهتمام بقضية الصراع بين المصالح الاجتماعية/ أمريكا هي نموذج البلد التى يجب أن يُحتذى/ لا بديل للنموذج الاقتصادوي الذي يُطابق بين السوق والديمقراطية وتكون فيه السياسة لخدمة الاقتصاد، وأن البديل الاشتراكي جُرب وفشل.
* تمثل الرأسمالية الخيالية و"مابعد الحداثة" خطابا الليبرالية الاقتصادي والايديولجي، بحسب المؤلف الذي يقول، إن الرأسمالية أو شبه نظرية الاقتصاد (المجرد) لا تقوم على مفهوم السوق وحسب، إنما على السلطة التي وراءه، لكن التحليلات السائدة للرأسمالية تترك الواقع الناتج عن الرأسمالية، والقائم على صراع الطبقات والسياسة والدولة ومنطق التراكم الراسمالي، لتنظر في نظام خيالي- يُسبَق عليه صفة العلم- يحكُمه السوق، ويُراد له الثبات باعتباره قانون لايمكن أن يتجاوزه البشر. أما مابعد الحداثة التي يدافع خطابها عن الخيار الليبرالي، فتعتمد على المُرقعات من خطاب الحداثة، الحداثة التي بدأت في أوروبا ولكنها لم تنجز أبداً لا في أوروبا ولا في أي مكان آخر، وانه خطاب يتغذي من التراجعات في خطاب التنوير، مُعتمِداً تقديم المديح للتنوع الموروث، دون تقديم النقد والجهد اللازم لتجاوز حدود العالمية البرجوازية، أو نقد محدودية خطاب التنوير.
* ويقول سمير أمين إن ماتُخَلِفه الليبرالية المعولمة القائمة هو الافقار الشديد لدول التخوم، ليعقب هذا الافقار، ذلك الخطاب السائد اليوم عن الحد من الفقر، وهو خطاب إحسان لايتصدى للسؤال عن الآليات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتج الفقر. وفي دول المركز تسود ديمقراطية هشة، لاتستطيع السيطرة الاجتماعية على التحول الذي تحدثه الليبرالية. ليقول إن الديمقراطية هي إحدى الشروط الحتمية للتقدم، وهي مفهوم حديث مثلها مثل الحداثة التي نشأت مع الرأسمالية، ولم تصل لنهاية تتطورها الممكن، مُفضلا الحديث عن المقرطة بدلا عن الديمقراطية التي توحي بان هناك وصفة نهائية تعبر عنها. ويضيف إن التوسع في نيل الحقوق لم يتم لتطور الرأسمالية التلقائي، إنما بسبب النضال، عليه جَعَلَ الانخفاض في الانتقاد الاجتماعي، الديمقراطية فارغة من مضمونها الضار والمُهدد للسوق، لتصير إلى (ديمقراطية منخفضة المستوى).
* ويتحدث في جذور الليبرالية عن الحداثة، قائلاً إنها نشأت مواكبة للرأسمالية خلال الانقطاع الذي حدث عن أساليب الحياة والإنتاج القائمة على اساس ميتافيزقي، لكن الحداثة، ظلت ملتبسة بشان قضية السلطة/الثروة، إذ قبِلت بالفصل الاعتباطي بين إدارة الاقتصاد (الملكية الخاصة/حرية المشروع/المنافسة) وبين إدارة الدولة بواسطة الديمقراطية، لتصبح الحداثة، بقبولها لهذا الفصل، فارغة من الممضون التحريري الذي تتدعيه، وتُقدم بالتالي وهي واقعة تحت قيود الرأسمالية، وعوداً لا تستطيع تحقيقها وتخلق آمالا محبطة. أما عن (الأيديلوجيا الأمريكية: الليبرالية بلا منازع) فالمؤلف يقارن بين الثقافة السياسية في كل من أوروبا وأمريكا، ليقول إن الثورة الفرنسية صنعت في أوروبا الأرض الصلبة للتفسيرات السياسية الحديثة، بينما في أمريكا لم يسمح التدين الذي يتميز به مجتمعها، بمستوى قوي من العلمانية، كما أن موجات الهجرات المتتالية جاءت مرتبطة بفكرة النجاح الفردي الذي يحبذه النموذح الأمريكي، ومنفصلة بالتالي عن النضال الجماعي في بلدان أولئك المهاجرون. ليقول إن الثورة الأمريكية التي يكيلون لها المديح، لم تكن سوى حرب استقلال محدودة بلا نتائج اجتماعية، لأن المستعمرون الأمريكان لم يكن يريدون إحداث أي تغيير في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، بل كان غرضهم الانفصال عن العرش الانجليزي، لذلك لايوجد حزب عمالي في الولايات المتحدة وأن النقابات لم تنتج في غياب هذا الحزب اية ايديولوجيا اشتراكية، بل ان هذه النقابات تشارك المجتمع في الايديلوجيا الليبرالية، في حين كان الشعب في فرنسا، حول كومونة باريس، يستعد للهجوم على السماء.
* ويقارن المؤلف كذلك بين الدولة في أوروبا وبين الدولة الأمريكية التي يراها مخصصة لخدمة الاقتصاد، أي من أجل رأس المال ولا تهتم بأية مصالح اجتماعية أخرى، خلافاً للدولة التي كانت في أوروبا، خاضعة للمصالح الاجتماعية، كما يتحدث عن هيمنة الولايات المتحدة المعتمدة على تفوقها الكاسح في السلاح، وليس لمزايا نظامها الاقتصادي، الذي يعيش عالة على شركائه في النظام العالمي، ليقول إن النضال ضد امبريالية الولايات المتحدة، هو معركة كل الشعوب.
* ويقترح سمير أمين في الفصل الأخير من كُتيبه عدداً من الفروض، للمناقشة، لإعادة بناء التضامن الدولي بين الشعوب، كدراسة واقع الامبرالية التي صارت جماعية، خلافاً للامبريالية ذات المراكز المتعددة التي كانت في السابق. والفرض الثاني أن الولايات المتحدة ليست صاحبة الأفضلية الاقتصادية الحاسمة وأن مشروع التحكم العسكري في الكوكب انما يجئ للتعويض عن النقص في اقتصادها. أما الفرض الرابع فيتمثل في ضرورة تحرر دول الجنوب من أوهام الليبرالية والبدء في أشكال تنمية معتمدة على الذات.
* ويجي الفرض الخامس في أن اختيار الولايات المتحدة للعسكرة الغرض منه أن يضرب في مقتل مصالح أوروبا واليابان، لذلك على أوروبا، وهذا هو الفرض السادس، أن تتخلص من الفيروس الليبرالي، ولن يتم ذلك إلا عبر شعوبها. أما السابع فهو بناء جبهة متماسكة للجنوب باشتراك شعوبه. والفرض الثامن هو قيام تضامن دولي بين شعوب أوربا وآسيا وأفريقيا وأمريكا. وأخير يختم سمير أمين فروضه التسعة، بضرورة مناقشة القضايا المتعلقة بالتنوع الثقافي، الذي يراه حقيقة واقعة لكنها مركبة وملتبسة، لأن التنوع الموروث من الماضي رغم شرعيته ليس بالضروة هو التنوع الذي سيحكم بناء المستقبل، اذ لايكفي الاعتراف بهذا التنوع، انما مايجب، هو البحث عنه، ليقول إن تقديم تصورات عالمية حقا، يشترك الجميع في إثرائها، هو الجدل الذي لايمكن إغفاله بعد اليوم.