اسم الكتاب: الرسم على الهامش
المؤلف: عبد الله محمد الطيب
الناشر: دارسيبويه للنشر / بيرمنغهام-بريطانيا
تاريخ النشر: 2014م
عرض: أسامة عباس
* منذ سنوات طويلة كان عبد الله م الطيب، وهو بعد طفل، يرسم على هامش كتاب المدرسة، واليوم وقد تجاوز الستين من عمره يرسم في ذلك الهامش الذي إنسحبت إليه حياتنا الثقافية. وإذا ما استطاع هذا الهامش أن يبتلع ما كان يمكن أن يكون مؤسسة ثقافية في السودان، فإنه لم يستطع أن يُطفئ شغف هذا الفنان وعذوبته أو يُخفف من عناده، مثله مثل ذلك الطفل الذي يذكره في هذا الكتاب، طفل دفع أمه، بسسب إزعاجه وضجيجه، أن تقرر ذات صباح: (أسمع! بعدين لمن يفِكُوكُم من المدرسة، تمشي دكان جدك تنتظر أبوك وترجعوا سَوَا) ولم يَسَلَّم جده ولا دكانه من شغب الطفل وبحثه، ليحصل في ذلك الدكان على مجموعته الأولى من المجلات المصورة والكتب غير المدرسية وغيرها من اللقِيات.
* لا يحكي هذا الكتاب سيرة المؤلف، فهو يُخبر منذ البداية، إنها ليست سيرة ذاتية، لكنه استعان بلمحات كثيرة من سيرته، لإضاءة مشهد علاقته بالرسم والتشكيل وانخراطه في العمل الثقافي العام، منذ أن كان طالباً في المرحلة الثانوية، لينقل عبر هذه الإضاءة، العتمة التي يعمل فيها التشكيلي وتأملاته في الواقع الثقافي متقاطعاً مع السياسي في الفترة من أواخر السبعينات والثمانينات في السودان، متمنياً أن يتصدي أخرون، من مواقع مغايرة للرؤية، لتقديم شهاداتهم عن بعض ماذكر. أيضا شملت هذه التأملات/الشهادة، بعضاً من تجاربه في تدريس الرسم وعرض لوحاته، في كل من مصر وليبيا والسعودية، وأخباراً عن نشاطه التشكيلي في السودان وفي دول أخرى مثل الكويت وتيشكوسلفاكيا السابقة واليابان وألمانيا وفرنسا.
* يحكي عن علاقة أمه بالرسم على الملاءات والمفارش ومراقبته وهو طفل لما تفعل، ويكتب عن مدينة طفولته القضارف واصفاً صيفها وألعابهم فيه ومايصنعونه من البقايا والمخلفات، ناظراً لأطفال هذا الزمان الذين حرمتهم أفلام الكرتون وألعاب الفيديو من أن يصنعوا بأنفسهم شخصياتهم ومغامراتهم. وبعين الرسام يحكي عن الحريق وتركه اللعب مع أقرانه، ليركضوا في إتجاه الدخان، حيث مشهد ألسنة اللهب المتدرجة ألوانها وصخب حركة الجموع الدرامية ورذاذ الماء المندفع من عربة المطافي، ويكتب عن الخريف وسُحُبه المُتشكِلة وزهوره وخروجهم في المرحلة الثانوية برفقة أستاذهم لرسم التلال المحيطة بمدينة القضارف، ليسأل:(أين ثورة التعليم من هذا؟!.. في جمعية الفنون بالثانوي تعلمنا الكثير).
* من خلال تجربته الشخصية، متنقلا بين الحاضر والماضي، ينظر المؤلف لمعاناة التشكيلي في السودان، ليقول لم تكن كلية الفنون في السبيعنات تشبه أيا من المؤسسات التعليمية الأخرى، فهي كما سمتها إحدي قريباته يوم قبوله بها (كلية العلوم المختلفة) بما أتاحته من حرية لطلابها القادمين من مشارب مختلفة، مقارنا ذلك بما يحدث اليوم في الكلية. ويكتب عن قلة أو عدم وجود صالات عرض يؤبه لها، تتيح الفرصة لعرض أعمال التشكيليين، متحدثا عن تجربته الفاشلة مع صالة المركز الثقافي الفرنسي لعرض أعماله المتراكمة لديه منذ سنوات، ليقول بشروعهم، مجموعة من التشكيلين، في انشاء جمعية ثقافية حتي تقوم صالة عرض لتعفي من هذا الهوان. كما يخبر عن انجازهم لصالة عرض، طواها اليوم التغول والاهمال، بالمجلس القومي للثقافة بواسطة لجنة الفنون التشكيلية والمعمار، ابان عمله بالمجلس في الثمانينات.
* لا يوفر المؤلف توجيه سهام نقده عن أحد، لا مؤسسات ثقافية ولا تنطيمات سياسية، اشتبكت مسيرة حياته ورؤاه بمسيرتها ورؤاها وتأثيرها في السودان، ليقول، وقد عمل مصمما بجريدتي الصحافة والأيام في السبيعنات والثمانينات من القرن الماضي، إنه شهد كيف يتم اعداد كادرها المطيع في زمن الشمولية. وعن اضمحلال دور الثقافة ومؤسستها يحكي تجارب من عمله بالمجلس القومي للثقافة. حتي "الجبهة الديمقراطية" التنظيم الطلابي الذي كان طبيعيا أن ينضم إليه، كما يقول، لم ينج من نقده ليسأل (هل كانت ديمقراطية حقاً؟). أما التنظيم الآخر "الاخوان المسلمون" الذي لم يكن خياره إذ نفر منهم منذ أن كان في المرحلة المتوسطة، كما يقول، وقد اتخذ بعض منسوبيهم من المدرسين من الحصص الدراسية ونشاط الطلاب ساحة للتبشير الايديولجي، ليقول، اليوم مع استلام المتأسلمين لمقاليد الحكم، صار ذلك التبشير غير الأخلاقي، منهجاً في كافة المدارس، يتم عبره إعداد النشء ليصيروا كوادراً للحركة الاسلامية.
* جاءت بالكتاب مستنسخات لقرابة الخمسين لوحة تشكيلية من أعمال المؤلف الجديدة، لكن الطباعة الرديئة لهذه الأعمال، وإزدحام الصفحة الواحدة، ذات القطع الصغير، بأكثر من عمل، يصل في بعضها أن توجد في الصفحة ثلاثة أعمال، أضاع فرصة أن يكون هذا الكتاب متعة مبهجة أكثر للنظر وللعقل، لكنه مع ذلك يُشكل إضافة مُعتبرة للمكتبة التشكيلية السودانية الفقيرة أصلا لهذه الكتب.
الناشر: دارسيبويه للنشر / بيرمنغهام-بريطانيا
تاريخ النشر: 2014م
عرض: أسامة عباس
* منذ سنوات طويلة كان عبد الله م الطيب، وهو بعد طفل، يرسم على هامش كتاب المدرسة، واليوم وقد تجاوز الستين من عمره يرسم في ذلك الهامش الذي إنسحبت إليه حياتنا الثقافية. وإذا ما استطاع هذا الهامش أن يبتلع ما كان يمكن أن يكون مؤسسة ثقافية في السودان، فإنه لم يستطع أن يُطفئ شغف هذا الفنان وعذوبته أو يُخفف من عناده، مثله مثل ذلك الطفل الذي يذكره في هذا الكتاب، طفل دفع أمه، بسسب إزعاجه وضجيجه، أن تقرر ذات صباح: (أسمع! بعدين لمن يفِكُوكُم من المدرسة، تمشي دكان جدك تنتظر أبوك وترجعوا سَوَا) ولم يَسَلَّم جده ولا دكانه من شغب الطفل وبحثه، ليحصل في ذلك الدكان على مجموعته الأولى من المجلات المصورة والكتب غير المدرسية وغيرها من اللقِيات.
* لا يحكي هذا الكتاب سيرة المؤلف، فهو يُخبر منذ البداية، إنها ليست سيرة ذاتية، لكنه استعان بلمحات كثيرة من سيرته، لإضاءة مشهد علاقته بالرسم والتشكيل وانخراطه في العمل الثقافي العام، منذ أن كان طالباً في المرحلة الثانوية، لينقل عبر هذه الإضاءة، العتمة التي يعمل فيها التشكيلي وتأملاته في الواقع الثقافي متقاطعاً مع السياسي في الفترة من أواخر السبعينات والثمانينات في السودان، متمنياً أن يتصدي أخرون، من مواقع مغايرة للرؤية، لتقديم شهاداتهم عن بعض ماذكر. أيضا شملت هذه التأملات/الشهادة، بعضاً من تجاربه في تدريس الرسم وعرض لوحاته، في كل من مصر وليبيا والسعودية، وأخباراً عن نشاطه التشكيلي في السودان وفي دول أخرى مثل الكويت وتيشكوسلفاكيا السابقة واليابان وألمانيا وفرنسا.
من أعمال المؤلف |
* من خلال تجربته الشخصية، متنقلا بين الحاضر والماضي، ينظر المؤلف لمعاناة التشكيلي في السودان، ليقول لم تكن كلية الفنون في السبيعنات تشبه أيا من المؤسسات التعليمية الأخرى، فهي كما سمتها إحدي قريباته يوم قبوله بها (كلية العلوم المختلفة) بما أتاحته من حرية لطلابها القادمين من مشارب مختلفة، مقارنا ذلك بما يحدث اليوم في الكلية. ويكتب عن قلة أو عدم وجود صالات عرض يؤبه لها، تتيح الفرصة لعرض أعمال التشكيليين، متحدثا عن تجربته الفاشلة مع صالة المركز الثقافي الفرنسي لعرض أعماله المتراكمة لديه منذ سنوات، ليقول بشروعهم، مجموعة من التشكيلين، في انشاء جمعية ثقافية حتي تقوم صالة عرض لتعفي من هذا الهوان. كما يخبر عن انجازهم لصالة عرض، طواها اليوم التغول والاهمال، بالمجلس القومي للثقافة بواسطة لجنة الفنون التشكيلية والمعمار، ابان عمله بالمجلس في الثمانينات.
* لا يوفر المؤلف توجيه سهام نقده عن أحد، لا مؤسسات ثقافية ولا تنطيمات سياسية، اشتبكت مسيرة حياته ورؤاه بمسيرتها ورؤاها وتأثيرها في السودان، ليقول، وقد عمل مصمما بجريدتي الصحافة والأيام في السبيعنات والثمانينات من القرن الماضي، إنه شهد كيف يتم اعداد كادرها المطيع في زمن الشمولية. وعن اضمحلال دور الثقافة ومؤسستها يحكي تجارب من عمله بالمجلس القومي للثقافة. حتي "الجبهة الديمقراطية" التنظيم الطلابي الذي كان طبيعيا أن ينضم إليه، كما يقول، لم ينج من نقده ليسأل (هل كانت ديمقراطية حقاً؟). أما التنظيم الآخر "الاخوان المسلمون" الذي لم يكن خياره إذ نفر منهم منذ أن كان في المرحلة المتوسطة، كما يقول، وقد اتخذ بعض منسوبيهم من المدرسين من الحصص الدراسية ونشاط الطلاب ساحة للتبشير الايديولجي، ليقول، اليوم مع استلام المتأسلمين لمقاليد الحكم، صار ذلك التبشير غير الأخلاقي، منهجاً في كافة المدارس، يتم عبره إعداد النشء ليصيروا كوادراً للحركة الاسلامية.
* جاءت بالكتاب مستنسخات لقرابة الخمسين لوحة تشكيلية من أعمال المؤلف الجديدة، لكن الطباعة الرديئة لهذه الأعمال، وإزدحام الصفحة الواحدة، ذات القطع الصغير، بأكثر من عمل، يصل في بعضها أن توجد في الصفحة ثلاثة أعمال، أضاع فرصة أن يكون هذا الكتاب متعة مبهجة أكثر للنظر وللعقل، لكنه مع ذلك يُشكل إضافة مُعتبرة للمكتبة التشكيلية السودانية الفقيرة أصلا لهذه الكتب.