اسم الكتاب: أصوات في الثقافة السودانية
مجموعة مقالات
المؤلف: مكي أبو قرجة
الناشر: دار صفصافة للنشر والتوزيع والدراسات- القاهرة
الطبعة الثانية: 2014م
عرض: أسامة عباس
* في واحدة من مقالات هذا الكتاب يكتب المؤلف، ان خورخي لويس بورخيس في" مرآة الحبر" حكايته السحرية حول ذلك المريض الذي حكم السودان في منتصف القرن التاسع عشر، لم يأبه لتفاصيل التاريخ أو يتحرى دقته فذلك لايعنيه. ونعم لاتوجد في هذا الكتاب حكايات سحرية، بل مقالات صحفية حول نخب ثقافية ووقائع ومدن سودانية، لكن المؤلف توسل في كتابتها بقدرته العالية على الحكي والاسترسال السلس والمُتقطّع، دون أن يحفل كثيرا بتثبيت مَراجِعه، وإن فعل يجدها مُطالع الكتاب مبثوثة في ثنايا مقالته، المستندة على قراءاته وترجماته ومشاهداته ومارواه له شهود وعلى أحاديث ومراسلات شخصية بينه وبين أطراف أخرى.
* تظهر جليا في هذه المقالات، محبة المؤلف الكبيرة لكل ما يكتب عنه، يكتب في مقدمته: ( نفعل ذلك في دُجى ليلنا هذا الطويل، فنستدعي بمحبة واحتفاء وجوها عزيزة لنفر كريم من مبدعينا أدباء وفنانين ومؤرخين ومعلمين ومناضلين ونقابيين ومتصوفة وقديسين، رجالا ونساء وأشخاص عاديين من غمار الناس..). ويكتب عبد الجبار عبد الله في الغلاف الأخير من الكتاب ( ولئن كانت المحاذير والإلتباسات الفكرية العديدة، قد أحاطت بمصطلح "الثقافة السودانية" بحد ذاته، وأدخلت استخدامه السائب المطلق، في دائرة النقد والحذر لأسباب ثقافية تاريخية معلومة، فإن هذا الحذر ينتفي تماما مع تصفح هذا الكتاب، الذي يسهم إسهاما مقدرا في تقديم النموذج والمثال، لما تعنيه "الثقافة السودانية" ..).
* يحكي المؤلف في مقالة ( قصص ونودار مع "أصوات وحناجر") مستفيدا من نشرة ثقافية، باسم "أضواء" كان يكتبها الراحل عثمان حسن أحمد بخط يده وأحيانا بماكينة الطباعة، من واشطن حيث عمل مستشارا ثقافيا لسفارة السودان، يحكي عن متاعب الأخير عندما هَمَّ بجمع أوراق وترجمات أستاذه الرائد المسرحي وواضع المناهج ببخت الرضا الدكتور أحمد الطيب، ذاكرا إن عثمان أحمد كتب لأكثر من ستين شخصا من السودان، رد عليه أقل من ثلثهم. وراسل مؤسستين بريطانيتين وأربعة من الفرنجة ردوا عليه أجمعين. ليقول إن محاولاته لجمع مادة الكتاب وطبعه استغرقت أكثر من عشر سنوات، ليصبح ذلك الكتاب " أصوات وحناجر" الذي جاء في عشر فصول تناولت الأدب والمسرح والمجتمع والتعليم.
* وفي مقالة أخرى يكتب، في عام 1948 جاء الخبر الفاجع مات صلاح بشرى الطالب السوداني الشيوعي والسجين السياسي من جراء التعذيب في مصر زمان الخديوية، وخرج الطلاب من جامعة فؤاد في تظاهرة تندد بالاغتيال انضم لها عشرات الآلاف من العمال المصريين في ميدان التحرير، هاتفين ضد الاستعمار والسراي، ثم توجهت الحشود بعد ذلك لتصلي على جثمان الشهيد في مسجد الكخيا بميدان "الأوبرا". وكان القصر أعد طائرة خاصة لينقل الجثمان من القاهرة إلى عطبرة حيث تعيش أسرة الشهيد، وانتدب أحد الباشوات يمثله ليرافق الجثمان ويقدم واجب العزاء لأسرته وللشعب السوداني، لكن طلاب الجامعة أصروا أن يرافق الشهيد أحد قادة الطلاب فكان والقى هناك في عطبرة خطبة نارية هتفت "بسقوط الملك فاروق عدو الشعب وقاتل صلاح".
* ومما رواه له شهود في عائلته يكتب المؤلف في مقالته ( مأساة مؤرخ.. افترسته الذئاب ) عن إسماعيل عبد القادر الكردفاني الذي كتب " سعادة المستهدي بسيرة الإمام المهدي" وكتاب " الطراز المنقوش ببشرى مقتل يوحنا ملك الحبوش" وغيرها من المخطوطات الضائعة. وكان الخليفة عبد الله التعايشي قام بسجنه مع مجموعة من امراء وقادة الامام المهدي مثل محمد خالد زقل ومحمد عثمان أبو قرجة وإسماعيل شجر الخيري، في جزيرة على النيل الأبيض قرب جبل الرجاف البركاني في جنوب السودان، مليئة بالحيات والتماسيح والسلاحف، لتضاعف هزات الجبل البركانية من هول الرعب، لإولئك المسجونين السياسيين في أكواخ صغيرة أعدت كزنازين بعد أن قُيدت أرجلهم بالسلاسل، فاستطاع أحد الذئاب أن ينتاش في لحم الكردفاني حتى الموت وأصحابه يسمعون صراخه لكنهم عاجزين عن الوصول إليه بسبب السلاسل.
* نُشرت مقالات الكتاب قبلا بصحيفة الاتحاد بأبوظبي، عدا مقالتين، في الفترة (2000-2004) وبلغ عددها 91 مقالة جاءت في 492 صفحة من القطع الكبير، كتب المؤلف فيها عن أكثر من ستين شخصية سودانية وغير سودانية، مثل رابح فضل الله والقديسة جوزفينا بخيتة، مرورا بخليل فرح، محمد أحمد المحجوب، حمزة الملك طمبل، عبد الرحمن عبد الله، محمد المهدي المجذوب، جمال محمد أحمد، أحمد الطيب، التجاني الماحي، رينقو باولينو دينق، حاجة كاشف، فاطمة بابكر، أزماي توماس، إبراهيم زكريا، عبد الله رجب، إحسان عباس ورفاعة رافع الطهطاوي وغيرهم. وكتب عن مدن، مثل عطبرة وأمدرمان وكوستي والفاشر ومدرسة رمبيك الثانوية، ليصير الكتاب، إذا جاز هذا التوصيف، بمثابة تاريخ اجتماعي ثقافي لجزء ليس قليلا من حياتنا الثقافية في السودان.