اسم الكتاب: إدوارد سعيد والمؤثرات الدينية للثقافة
المؤلف: وليام د. هارت
المترجم: د. قصي أنور الذيبان
المراجع: د. أحمد خريس
الناشر: هيئة أبوظبي للثقافة والتراث - كلمة
سنة النشر: 2011م
عرض: أسامة عباس
* في عام 1985 دار سجال بين مايكل فالزر اليهودي الأمريكي وإدوارد سعيد الفلسطيني الأمريكي، حول كتاب الأول عن قصة خروج العبرانيين/ اليهود من مصر وغزوهم لأرض كنعان/ فلسطين، لكن سعيد لم يقبل قراءة فالزر لذلك الخروج بأنه كان قصة حول الثورة، فشن مايسميه وليام هارت هجوما بالستياً على الكتاب. بيد أن مارأه هارت في ذلك السجال ومايحاول بسطه في هذا الكتاب، هو تمظهر ذلك الاشتباك الديني/العلماني لدن إدوارد سعيد الناقد العلماني، فيصيغ أربعة أسئلة لتحليل هذا الاشتباك: هل الدين وصفة جيدة للتضامن الإثني والعرقي والقومي ولماذا تتحول النقاشات المتعلقة بها الى نقاشات متعلقة بالدين؟. هل الوعي الديني والوعى النقدي غير متوافقين ليصبح الالتزام الديني تسوية للنقد الراديكالي؟. هل اكتمل نقد الدين كما قال ماركس وهل سيكتمل مستقبلا؟. ما هي نوع العلاقات الملائمة التي يمكن أن تربط النقاد العلمانيين مع الدين؟.
* يتضامن المؤلف مع إدوارد سعيد في ذلك السجال، لكنه يضع مسافة بينهما ليفحص هذا الاشتباك من خلال ما أنتجه سعيد، قائلا إنه خلافاً لمعظم النقاد العلمانيين حمل طوعاً عبء سؤال الدين، كما نظر إلى الثقافة كـ "مظلة مقدسة تَحوي وتُقصي في الوقت ذاته". لينطلق من خلال مايسميه بالمؤثرات الدينية للثقافة، أو التديّن الثقافي، للنظر في مفاهيم الثقافة والقومية والاستشراق والامبريالية عند سعيد وغيره من المفكرين، مناقشاً ما بداخل تلك المفاهيم، من تصورات عن الإيدلوجيا والطبقة والعرق، في إرتباطها مع الدين، وكمعميات أصبحت قارة، لتكون بالتالي محل نقد إدوارد سعيد، لما فيها من أشكال وعي زائف وإدراك خاطئ، ولأنها صارت نظام من التمثيلات يعمل على تعمية العلاقات الاجتماعية، ولأنها أصبحت الأوثان الجديدة للتبجيل.
* للنظر في رأي إدوارد سعيد حول التزام المثقف بقول الحقيقة للسلطة، يعود المؤلف لمناقشة حوار دار في سبيعنات القرن الماضي حول "الطبيعة الانسانية: العدالة أو القوة؟" بين نعوم تشومسكي وميشيل فوكو الذي يرى إن الحقيقة والسلطة هما الشئ نفسه، فيقول هارت إن الفرق بين فوكو المتأثر بنيتشه وتشومسكي الذي يناصره سعيد، يكمن في أن فوكو راديكالي معرفي "مهووس بنوع مستحيل من أنواع الذات الثقافية أكثر من هوسه بمجتمع جيد .." وإنه محبط تحكمه معايير الحالم المثالي، في حين تشومسكي راديكالي سياسي، يخضع لمعايير المحارب السياسي. ثم يقول إن فوكو يرى في موت الإله موتا للإنسان، ليكون إدوارد سعيد بالتالي ربما أقرب إلى نيتشه الذي يعتقد في قول الحقيقة وإن لم تكن للسلطة، من فوكو وريث نيتشه المفترض.
* يوافق هارت إدوارد سعيد في رؤيته لمفاهيم مشيل فوكو وجاك دريدا وتيارات مابعد الحداثة ومابعد البينيوية بكونها أخروية مسيحية وعودة للتدين المكبوت، لكنه يرفض عد العلمانية أنها الآخر للدين، إذ لايمكن برأيه فهم العلمانية دون الدين، فماركس ونيتشه لا وجود لهم لولا اليهودية والمسيحية، ولا وجود لإدوارد سعيد لولا الأخرويات الدينية المتنازِعة في فلسطين، ولا المسيح الدجال لولا المسيح. كما يرى أن التمايز بين العلمانية والدين لا أهمية له في النقد الراديكالي، فالمهم هو نقد تلك الاشياء المشتركة بينهما: الدوغمائية والتقيد الفكري وإلقاء المسوؤليات والسلطة المستبدة والسلطة المقيدة للحريات والرياء والكذب. ثم يقدم تصوره للبراغماتية و للتدين في معرض مناقشته لعدد من المفكرين الأمريكيين، ليقول إنه يمكن للمرء أن يكون علمانياً ومتديناً في آن، فالدين لا يشكل مشكلة إلا عندما يقوم بعلاج ما يمكن للسياسة أو الدواء أو التكنولوجيا ان تقوم به بشكل افضل.
* وفي ختام كتابه يعود وليام هارت لسجال سعيد ومايكل فالزر، رابطاً له بنزاع كان قد دار بين جان بول سارتر والبير كامو في خمسينات القرن الماضي حول الجزائر، ليتجدد ثانيةً بين فالزر وسعيد، قبل نزاعهما حول قصة الخروج، فالوضع في الجزائر، بحسب المؤلف، يماثل وضع فلسطين وإسرائيل المعاصر بالنسبة للاثنين.