إسم الكتاب: السياسة والنوع الاجتماعي (الجندر) في السودان
الإسلاموية، الاشتراكية، والدولة
المؤلفة: سوندرا هيل
ترجمة وتحرير: شمس الدين الأمين ضو البيت
الناشر: مركز سالمة لمصادر ودراسات المرأة/ الخرطوم
سنة النشر: 2011م
عرض: أسامة عباس
* بخلاف الرأي السائد عن امتلاك الشيوعيين والإسلاميين في السودان لرؤيتين متعارضتين تجاه النساء، ترى مؤلفة هذا الكتاب أن الحزبين كانت لهما نفس الرؤية أو ذات النظرة للنساء، إذ قام كلاهما، الحزب الشيوعي السوداني والجبهة الإسلامية القومية "المؤتمر الوطني" بمَوضَعة النساء لخدمة أهداف حركتيهما الذكوريتين. ولما كان فحصُ الباحثين في مجالات النوع الاجتماعي (الجندر) وجد، كما تقول المؤلفة، إن الدولة والأحزاب السياسية تخدم أجندتها الخاصة من خلال استغلالها للهويات الاجتماعية والثقافية للنساء، يصبح السؤال المركزي لخطاب النوع الاجتماعي (الجندر) هو: كيف تتجاوب النساء، يتأقلمن مع أو يتجاهلن، يَعَدن توجيه أو يُخربن، مشاريع الدولة والأحزاب السياسية لتشكيل سلوكهن وحياتهن وطرائق تفكيرهن؟ طالما هنَّ أيضاً فاعلات اجتماعيات ولسن متلقيات سلبيات.
* لا تخفي المؤلفة قلقها أو الكشف عن مآزقها الأخلاقية والمنهجية، المتمثلة في قضايا الثقافة والامبريالية والمركزية العرقية والطبقة، لكنها تتوقع أن تثير مآزقها/تجاربها هذه، وهي الأوروأميركية، الأسئلة القلقة حول القدرة التطبيقية للمنهجين الأنثربولوجي والنسوي، اللذين تتبعهما، عند عبورهما لحواجز العرق والطبقة والتخوم الثقافية. أما مآزقها الشخصية، وهي التي امتدت علاقتها بالسودان لخمسة وثلاثين عاماً، فتتمثل في الإخلاص والخيانة والهجران، لنجد نماذج هذا القلق/الكشف في نقدها للمركزية والنسوية الغربيتين وفي مناقشتها لعدد من النسويات الشرق أوسطيات، وفيما كتبته عن السودان واليسار السوداني الذي ارتبطت في علاقات شخصية مع بعضٍ من رجاله ونسائه، وفي مقابلاتها لعدد من النساء الإسلاميات، لتقول إنها في أحيان كثيرة لم تكن تعرف إن كان فيما تقدمه من وجهات نظر ناقدة بمثابة خيانة.
* صدرت الطبعة الانجليزية من هذا الكتاب سنة 1996م، لذلك تقوم المؤلفة في مقدمتها لهذه الطبعة العربية "المحررة" بالإخبار عما حدث من تغير في مسارها البحثي، كما قّدمت نقدها الذاتي للكتاب، ذاكرة عدداً من النقاط، كتركيزها على الإتحاد النسائي السوداني والحركة الإسلامية النسائية، غافلة بذلك عن غيرهما من المنظمات، ناظرة لذلك التركيز كقصور في التعريف لـ(السياسة) وكنعرة عنصرية، منعها مع غيرها من السودانيين عن النظر، لأنشطة أخرى ذات طابع تحرري وتنظيمي غير "السياسية" من التي تقوم بها النساء ولغير السودان الشمالي. كذلك تذكر إغفالها لنشاط النساء البارز بين الجماعات الداعية للسلام في مناطق الصراعات الدموية في جنوب السودان وجبال النوبة وفي دارفور، ولنشاط النساء في المنفى من الجنوبيات والشماليات.
* بالنسبة للمؤلفة يشترك الشيوعيون مع الإسلاميين بوضع المرأة في مكان الصدارة من "التغيير" وكمستودع للثقافة، باعتبار تحرير المرأة كان في واجهة النضال السياسي للشيوعيين، كما وضع الإسلاميون النساء والأسرة في المركز من الثقافة كأداة لإحياء الثقافة الإسلامية "الأصيلة"، لتقول إنه وفي سياق "سياسات التأصيل" هذه، اقترب كل من العلمانيين والاسلاميين من الجوهرانية، ببحثهما عن الجماهير السودانية "الحقيقية" والجذور "الأصلية" للإسلام السوداني. أيضا قامت المؤلفة بالنظر والتحليل في علاقة الحزب الشيوعي السوداني بالاتحاد النسائي رفيقة السفر كما سمته، قائلة إنها كانت علاقة استخدام للنساء كاحتياطي عمالة للثورة أو كـ (كورس إغريقي) لها، فالحزب لم يناصر أو ينخرط في أي نشاط تغييري جذري يهدف لإيجاد حلول للأدوار الاجتماعية النوعية الجندرية، حتى في داخل منظماته الخاصة، مع أنه كان أول من فتح عضويته للنساء في السودان.
* لا تنظر المؤلفة للإسلاميين أو الإسلاموية، في السودان، باعتبار أولئك المدافعين عنها في الجبهة الإسلامية القومية "المؤتمر الوطني" وحسب، فهي تضم إليهم مَنْ في حزب الأمة، عائدة لنهاية ثمانينات القرن الماضي، حينما تحالف الصادق المهدي وحسن الترابي زعيم الإسلاميين يومها، في حكومة "الوفاق الوطني" التي كانت بمثابة توجه إسلامي بدا ينطلق، يدعمه النشاط التجاري لحزب الإسلاميين. لتصير هذه العلاقة المتطورة بين الإسلام والتجارة، هي الوسيلة لإعداد البنية التحتية للطبقة الوسطى الجديدة من الإسلاميين، لتجد فيها النساء الإسلاميات بانيات الثقافة الإسلامية "الأصيلة" حظهن من الرفاه الاجتماعي، مع تحكم الحزب/الدولة في سياسات وصول النساء للمزايا والنفوذ على المستويين الخاص والعام.