اسم الكتاب: فتيان الزنك-رواية وثائقية
المؤلفة: سفيتلانا أليكسييفيتش
المترجم: عبد الله حبه
الناشر: دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع-دمشق
تاريخ النشر: 2016
عرض: أسامة عباس
* حينما فازت سفيتلانا أليكسييفيتش بجائزة نوبل للآداب في العام الماضي ثارت الضجة، فقد ربط بعضهم فوزها بمعارضتها لكل من الرئيسين البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو والروسي فلاديمير بوتين، وربما كان ذلك الربط صحيحاً وتلك واحدة من رسائل لجنة نوبل، لكن لجنة نوبل صَدَقت حين سَمّت أدبها شاهداً على المعاناة والشجاعة، ويظهر ذلك جلياً في هذا الكتاب، الذي تعرضت المؤلفة بسببه للمحاكمة، وكذلك في كتابها (صلاة تشرنوبل). ورأى آخرون أن المؤلفة لاتمثل "حقيقة" الأدب الروسي أو البيلاروسي، وأنه لايمكن وضعها في خانة واحدة مع بوريس باسترناك الذي فاز بالجائزة في (1958) وألكسندر سولجنتسين الذي فاز بها في (1970)، وربما كان ذلك أيضا صحيحاً، في حال قَبِلنا بإرث نوبل المعلوم، وحده المعيار للفوز بالجائزة، لأن المؤلفة تكتب أدباً يستمد وجوده من الوقائع التاريخية ويعتمد على التحقيق الصحافي الاستقصائي، خلافاً لذلك الإرث.
* وفي هذا الكتاب أصوات كثيرة تتحدث وليست ثمة حبكة روائية، اذ أفسحت المؤلفة المجال/السرد وتركته لجنود وأمهات وزوجات يخبرون تجربتهم مع الحرب السوفيتية في أفغانستان (1979-1989) فتنفتح بشهاداتهم أبواب للألم والتمزق ويظهر ذلك الواقع المخفي للحرب. أما (فتيان الزنك) فهُم أولئك الخمسة عشرة ألف قتيل، الذين كانت السلطات السوفيتية تعيدهم إلى بلادهم في توابيت صُعنت من الزنك. تقول المؤلفة إنها لم ترغب في الكتابة عن الحرب، لكننا في خضمها ورجالها في كل مكان، سألتْ أحد الجنود: لماذا؟ فرد: (هذا أمر يهمني، سأقول كنت عند نفق سالانغ) تقول يكتب الشاعر أبولينير: (آه، كم الحرب جميلة). تقول شاهدتْ معركة قُتل فيها ثلاثة جنود وفي المساء كان الجميع يتناولون عشاءهم، ولم يتذكر أحد المعركة والجثامين ترقد قريبة من المكان. تقول يلومها بعضهم بأنها لم تطلق رصاصة وتريد أن تكتب عن الحرب، ترد ربما كان ذلك أمراً حسناً، وتسأل أين ذلك الإنسان الذي يتألم لمجرد طرح فكرة الحرب؟ إنها لا تجده، لكنها رأت الجنود يتجمعون حول طائر ميت يحاولون معرفة فصيلته مُظهرين عليه الشفقة.
* يستهل الكتاب دخوله في زمن الحرب بمناجاة/شهادة أم نجا ابنها في أفغانستان، لكنه قَتَل أحدهم بسكين المطبخ فأودع السجن، فتطوف وتسال كل من تجده من الذين كانوا في الحرب، لماذا استطاع ابنها قتل إنسان؟ تجئ إجابتهم الباردة كما التالي: (معنى ذلك أنه وجد سبباً لذلك) وبعد سنوات يكتب لها ابنها من السجن أنه يكره ذلك الميت وتعرف أن الميت كذب بشأن حديثه حول أفغانستان. تقول لقد وُصِف أبناءنا بالأبطال لكن ابني (قاتل لأنه فعل هنا ماكانوا يفعلونه هناك، لماذا منحوهم الميداليات والأوسمة هناك، ولماذا حاكموه وحده ولم يحاكموا من أرسله هناك وعلَّمه كيفية القتل؟! أنا لم أعلّمه ذلك...) لقد أصبحتْ أم قاتل تقول إنها تحسد الأم التي عاد ابنها بلا ساقين، بل وتحسد إولئك الأمهات اللواتي يرقد أبناؤهن في القبور، إذ كانت ستجلس إلي جانب قبره سعيدة حاملة إليه الزهور.
* لايتذكر جندي شيئا بشكل منفرد، لكنه يتذكر وصايا عريفه وتعليماته، يقول: (عند تسلق الجبل إذا سقطت لا تصرخ. بل يجب أن تسقط صامتاً مثل حجر "حي". وبهذه الصورة يمكن أن تنقذ رفاقك) يقول لقد عاد من الحرب ودفن نفسه في الأحلام، لكنه يستقيظ أحيانا مرعوباً ولا يجد سلاحاً يطلق به النار على نفسه. وتُخبر إمراة كيف تعبت حتى تستلم جثمان زوجها، إذ كانت تتنقل من منطقة إلي أخرى بسبب خطأ في إرسال التابوت. تقول إنها عاشت بعد ذلك مع الذكريات، ثم رحلت مع إبنتها إلى مكان آخر، لكنها كانت تستيقظ في الصباح غارقة في العرق بسبب الرعب: (سيأتي بيتيا، بينما أنا وأوليتشكا نعيش في مكان آخر) طيلة ثمانية أعوام كان زوجها يأتيها في الأحلام وتقول له: (تزوجني مرة أخرى) تقول إنها أحبت زوجها حياً خمسة أعوام، بينما أحبته ميتاً ثمانية أعوام، تقول: (ربما أنا مجنونة..أنا أحبه).
* وفي نهاية الكتاب يُثبِّت المترجم عدداً من الوثائق حول المحاكمة التي تمت للمؤلفة، بعد أن قامت مجموعة من أمهات الجنود الذين قتلوا في افغانستان برفع دعوة قضائية ضدها، لأنها قدمت أولئك الجنود بخلاف مايعرف عنهم كأبطال، لكن المحكمة لم تثبت الإدانة بشكل كلي، بحجة أن الوقائع المنشورة لاتطابق الواقع. وفي كلمتها بخصوص المحاكمة تقول سفيتلانا أليكسييفتش إنها لم تكن تصدق بأنها سوف تتم، لكنها جاءت لتتبادل الحديث مع الأمهات وطلب المغفرة منهن، لأنه لا يمكن إيجاد الحقيقة بلا ألم، وتسأل (من نحن؟ ولماذا يمكن أن يفعلوا بنا أي شيء؟ إعادة الابن إلى الأم في تابوت من الزنك، ومن ثم إقناعها بأن تقيم الدعوي ضد الكاتبة التي كتبت كيف أنها - أي الأم - لم تستطع تقبيل ابنها في آخر مرة وغسله بالأعشاب... فمن نحن؟).
اسم الكتاب: زمن المذلولين-باثولوجيا العلاقات الدولية
المؤلف: برتران بديع
المترجم: جان ماجد جبور
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات-الدوحة
تاريخ النشر: 2015م
عرض: أسامة عباس
* من الميسور أن نرى الإذلال ورد الإذلال في العلاقة الاجتماعية التي تربط بين فرد وآخر، أو بين جماعة وأخرى، غير أننا في هذا الكتاب نراه ناشباً بين الدول والكيانات السياسية، فهو موجود بينها، لكنه بدءاً من القرن التاسع عشر أصبح يسم علاقاتها الدولية، ليتفاقم بعد نهاية الثنائية القطبية الأميركية السوفيتية، فيصير الناظم الأبرز لهذه العلاقات بين الدول، التي باتت تتحرك بين (الاعتراف المنشود والإذلال المفروض). وينظر المؤلف لهذا الإذلال باعتباره اختلالاً يحيق بالنظام الدولي، أو مرضاً اجتماعياً يمسك بخناق الحياة الدولية، التي صارت في زمان العولمة وانخراط المجتمعات والراي العام فيها "قضية اجتماعية"، حيث لم يعد مفتاح اللعبة الدولية بيد تلك النخبة "المنفصلة" والمخفية صراعاتها/مفاوضاتها عن المجتمعات، كما كان في السابق.
* تَشَكَّل مفهوم المجتمع الدولي، المنخرطة فيه اليوم كأفة أمم العالم، تحت وطأة حروب أوروبا التي دامت لقرون بين ممالكها المتصارعة، ولم تكن هناك حاجة للإذلال، فالحرب أو القوة وحدها كانت تُحَدد مَن الوضيع بين الأمراء المتنافسين والمرتبطين في ذات الوقت بأواصر القربي. وقد صنعت هذه القوة مبدأً تأسيسياً للعلاقات الدولية داخل أوروبا، لكن هذا المبدأ فَسَدَ، خاصةً خارج أوروبا، بدفع من ثلاثة عوامل هي: مفهوم الحرب العادلة غير العادل، وظهور قوى اجتماعية جديدة متنوعة الرؤى ومتعددة القوى تريد إعادة تقسيم السلطة/القوة، ثم في اكتشاف الأخر البعيد غير الأوروبي، فتزعزعت بسبب هذه العوامل هيبة تلك القوة وقدرتها لأن تكون مبدأ/آلية للتوازن بين القوى المختلفة، ليُستعاض عن ذلك بالإذلال، الذي يتم عبر أربعة نماذج هي كما التالي: الإذلال بواسطة الانتقاص/ إنكار المساواة/ الإقصاء/ الوصم.
* تعود جذور الإذلال الموجود في النظام الدولي الحالي إلى فترة الاستعمار، حيث رسخت لامساواة تأسيسية في بلدان عديدة، على المستوى القانوني والاقتصادي والاجتماعي، تمثلت في سن قوانين استثنائية لاعلاقة لها بالقانون، طالت الحياة اليومية للأشخاص وكرست اللامساواة بينهم، مثل تلك اللائحة، غير المسبوقة، للمخالفات، كـ "تصرف قليل الأدب" و"اجتماع من دون تصريح" و"إذن سفر غير صالح" و"تصريحات مهينة"، لتكون النتيجة تشويه صورة القانون والتصرف كيفما اتفق تجاه قيمة احترام الفرد، واللامساوة الناشبة إلى اليوم في جسد أنظمة حكم تلك الدول. أيضا شمل الإذلال الكثير من قادة هذه الدول، الذين كان معظمهم في بداية حياتهم مشدودين الي الغرب وقيم الحداثة والعلم، كما يرد في سيرهم التي قدمها المؤلف، لكنهم جميعاً عانوا من الصد، فاختاروا أن يقودوا النضال في بلادهم، التي عادت مرة أخرى ترزح تحت نير الإذلال، بدخولها في علاقات زبونية لا سيادة فيها مع الدول الكبرى.
* يطال الإذلال دولاً في أوروبا كانت تتوقع ان يتعاظم دورها بعد نهاية الثنائية القطبية، لكن دورها أصبح أضعف مما كان، إذ صارت تحت عباءة الأحادية القطبية الأمريكية تعاني الأقصاء، لتكون أوروبا بذلك ولأول مرة في العصر الحديث، ليست ساحة معركة العالم. ويشترك معها في تجرع كأس الإذلال، كل من تركيا والبرازيل والهند والصين وروسيا وجنوب أفريقيا، المُصنفة بـ "القوى الناهضة" في أشارة تحمل شيئاً من الازدراء والمفارقة، لأن الصين صاحبة أقدم نظام سياسي عرفه العالم، وروسيا كانت قوة عظمى، لذلك كان رد تلك الدول عنيفا على هذا الإذلال، كعبارات وزير خارجية تركيا للاتحاد الاوروبي بعد تنديده بالعنف ضد متظاهري ساحة تقسيم. أو رد الصين ذي الدلالة، حين جعلت جنودها يسيرون 169 خطوة، في الاستعراض العسكري للذكرى الستين لتأسيس الصين الشعبية في 2009م، لتُطابق خطواتهم عدد تلك السنوات التي تفصل الصين عن حرب الأفيون الأولى التي شنتها ضدها بريطانيا في عام 1840م.
* دفع الإذلال لظهور نمط دبلوماسية رد "خارجة عن النظام" تَتَدرج من الاعتراض إلى الجنوح، تقودها بعضاً من دول الجنوب. كما ساهم الإذلال في اطلاق القومية الجديدة والاصولية والانتفاضات، كالتي انطلقت في العالم العربي، في تأكيد على شيوع الاذلال واشارة على انخراط المجتمعات في اللعبة الدولية، ليقوم ذات الإذلال الذي ساهم في قيام تلك الحركات بتكبيلها، إذ جعلها تتحرك متراوحة، بين الرغبة في تقليد "الغرب المُذل" والارادة في التصدي له، ليتمدد العنف أو الصراع، الذي لم يعد كما كان في السابق، ينشب بين دول ذات جيوش منظمة متساوية، بل صراع المجتمعات وقد دخلت في الساحة الدولية، فأصبح لابد من (تكوين معرفة جديدة لطرائق بناء السلام) كما يقول المؤلف.
المؤلفان: أنطونيو نيغري و مايكل هارت
المترجم: حيدر حاج اسماعيل
* الجمهور في هذا الكتاب، ليس لتحليله سيكولوجياً أو عبر غيره من المناهج لمعرفة ماهيته، بل ينظر الكتاب للجمهور، كأمكانية يجب أن تكون وهي مما يلزم، ليصير قوة ضد (القوة الشبكية) المسيطرة اليوم، والتي لاتمثلها دولة قومية بعينها، وإن تعاظمت درجات سلطة بعض الدول أو انعدمت عند أخرى. والجمهور بحسب المفهوم الذي يقدمه الكتاب: هم جميع من يعملون تحت حكم الرأسمال، وفي ضمنه بالتالي تلك الطبقة من من يرفضون حكم الرأسمال وسيطرته، وانه بخلاف مفهوم الطبقة العاملة يتسع الجمهور للطبقات المستغَلة جميعها، دون حيازة طبقة معينة لحق أمتياز النضال، فجميع تلك الطبقات تشترك في مقاومة سيطرة الرأسمال، وأنه أي المفهوم/الجمهور قائم على سؤال ماذا يمكن أن يصير الجمهور؟ وليس ماهو الجمهور؟. ولتعيين فرص ذلك الجمهور المتنوع والذي لا يمكن اختزاله، ينظر الكتاب، في الحرب الدائمة المستعرة اليوم، بغرض دوام قوة الشبكة وليس من أجل السلم. وينظر للديمقراطية التي لم تعد نسبتها إلى دولة أو نظام ممكنة، بعد انتهاء "الحرب الباردة" بين المعسكرين "الاشتركي" و الرأسمالي، لتصير الديمقراطية بالتالي، ذلك الأمل الطليق الذي يجب اكتسابه. أما مؤلفا هذا الكتاب فأحدهما إيطالي (أنطونيو نيغري) من مواليد 1933م والآخر أمريكي (مايكل هارت) من مواليد 1960م، وقد كتب الأول أكثر كتبه تأثيراً من وراء القضبان، إذ سُجن ثلاثة عشرة عاماً، بسبب اتهامه بأنه الرأس المخطط للألوية الحمراء الإيطالية، تلك المنظمة اليسارية (1970-1988) التي تبنت الكفاح المسلح منهجاً لها. ويشترك المؤلفان في تبنيهما للماركسية كموقف ينطلقان منه للنظر في موضوعات هذا الكتاب، الذي صدر في اللغة الانجليزية عام 2004م، وصدرت ترجمته العربية بفضل من حيدر حاج اسماعيل، عن المنظمة العربية للترجمة ببيروت في 590 صفحة عام 2015م.
المؤلف: جان مارسيل بروللر
المترجم: وحيد النقاش
* كُتبت هذه القصة أو الرواية القصيرة قبل أكثر من 70 عاما، إبان فترة الاحتلال الألماني/ النازي لفرنسا (1940-1944) وكان مؤلفها جان مارسيل بروللر (فيركور) الروائي وفنان الحفر الغرافيكي (1902-1991) يومذاك أحد أولئك الذين انخرطوا في حركة المقاومة. وتدور القصة حول ثلاثة شخصيات، ضابط ألماني موسيقي في الأصل، ورجل فرنسي وإبنة أخيه، جعلهم الاحتلال مجبرين على استضافة ذلك الضابط بمنزلهما، فيقيم به لفترة ستة أشهر، كان يتحدث خلالها عن فرنسا وكُتّابها والمانيا والموسيقى، دون أن يأتيه رد من أيا منهما، إلا في اليوم الأخير عندما طرق الباب ليدخل حيث يجلسان، فرد الرجل بعد تردد: "أدخل ياسيدي" وقالت إبنة أخيه رداً علي عبارات وداعه: "وداعاً" حينما غادر. وفي تقديمه لهذه الطبعة، الخامسة في اللغة العربية، كتب إلياس فركوح صاحب دار أزمنة الأردنية وناشر الرواية التي صدرت في عام 2015م، أن الصمت (.. بمقدوره أن يكون "مُخترِقاً" و"قاتلاً" في وقت ما، ومكانا ما، وظرفاً ما، وحيال شخص ما" لتصير (صمت البحر) بتلك القدرة "من أشهر كتابات المقاومة في تاريخ الأدب الحديث".
المؤلف: إريك هوبزباوم
المترجم: حيدر حاج اسماعيل
* يقع هذا الكتاب في 461 صفحة من القطع الكبير، وهو كتاب ممتع ومفيد حول ماركس والماركسية، وفيه تظهر معرفة إريك هوبزباوم المعروفة كمؤرخ موسوعي وكاتب يمتلك ناصية السرد والتحليل، ناقلا في الكتاب وقائع وأحداث تمتد في الزمن طيلة المائة والستين سنة الماضية، أي منذ صدور "البيان الشيوعي" في سنة 1848م، وملابسات كتابته ونشره ولغات طبعه، إلى أيامنا هذه، مرورا بانطونيو غرامشي (1881-1937) الشيوعي الايطالي الذي يراه هوبزباوم كآخر مفكر ماركسي ظهر في أوربا منذ 1917م. ولا يكتفي الكتاب بذلك إذ يتابع تاريخ الأفكار والمفاهيم وتطورها، كالاشتراكية والاقتصاد السياسي وفائض القيمة وغيرها، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ، ليزيد هوبزباوم بالحديث عن الماركسية وتأثيرها في القرن العشرين وانحسارها عنه، والالتفات الشعبي للكراسة الصغيرة -يقصد البيان الشيوعي- بمناسبة الذكرى السنوية المائة والخمسين لنشره، التي صادفت الثوران الدراماتيكي للاقتصاد العالمي في 1998م وانتباه الرأسماليين لا الاشتراكيين، لإعادة اكتشاف كارل ماركس من جديد، فالاشتراكيين كانوا فاقدين للهمة ومحبطين، كما يقول. ويقول المترجم حيدر حاج اسماعيل في مقدمته الطويلة لهذا الكتاب، الذي صدر أول مرة في الانجليزية سنة 2010م وفي العربية سنة 2015م، إن الـ 16 فصلا/بحثاً التي شملها الكتاب، يصلح كل واحد منها لأن يصير بمفرده كتاباً قائماً بذاته، بعد التوسع فيه بمقدار مناسب.
المؤلف: إيريك هوبزباوم
المترجمة: سهام عبد السلام
* من خلال 22 مقالة/محاضرة يتحدث هذا الكتاب عن تصدع الثقافة والمجتمع، أو عن التراجع والاندثار لأساليب فنية وطرق معمار وعادات ثقافية ومهرجانات ظهرت في أوربا في الفترة الممتدة طوال القرن العشرين، ناعيا قدرة مايسميها الثقافة البرجوازية الرفيعة أو غير الرفيعة، على الاشعاع والاستمرار وبعث الهيبة. وهوبزباوم مؤرخ ماركسي قدم أكثر من كتاب موسوعي، مثل عصر الثورة/ عصر رأس المال/ عصر التطرفات. لكنه في هذا الكتاب لايُظهر تلك السمة الانتقادية، كالتي نراها مثلا في كتابه "كيفية تغيير العالم - حكايات عن ماركس والماركسية" إلا من خلال عقده للمقارنات وتتبعه لمسار هذا النمط من الثقافة أو من تلك، طيلة مائة عام القرن العشرين، بل انه حتى بين الفينة والأخرى يقول لا لا أريد بهذا الحديث بث الفزع، رغم ان وقائع الكتاب وتحليلاته القليلة المقتضبة تقود إلي ذلك، ولا يبدو المؤلف في الكتاب متحسراً او متباكياً، هو فقط يقدم واقع ماكان وماصار، تاركا لقرائه ماسيصير، والكتاب بالفعل صدر بعد عام من موت إيريك هوبزباوم في عام 2012م عن 95 عاماً.
* كذلك أحتشد الكتاب بفضل من المترجمة المصرية سهام عبد السلام على ثبتين تعريفيين اقتربا من المائة صفحة، شملا الكثير من المصطلحات واسماء الاعلام التي جاءت بالكتاب، اضافة لهوامش مفيدة ومتنوعة، تكاد لا تخلو منها صفحة من صفحات الكتاب، يحتاج بالفعل إليها الكثير من قراء هذا الكتاب في اللغة العربية.
تأليف: نايجل رودجرز وميل ثومبثون
ترجمة: متيم الضايع
الناشر: دار الحوار للنشر والتوزيع - اللاذقية
تاريخ النشر: 2015م
* (جان جاك روسو، أرثر شوبنهاور، فريدريك نيتشة، بيرتراند رسل، لودفيغ وتغنشتاين، مارتن هايدجر، جان بول سارتر وميشيل فوكو) هؤلاء هم الفلاسفة الذين يدور حولهم هذا الكتاب، والجنون أو الحماقات الذي يتحدث عنها، هي تناقضات رأها المؤلفان تشوب مواقفهم، أو بالأحرى أرادا النظر في درجة التطابق، بين ما كتبوا فيه ونادوا به وبين سلوكهم في حياتهم الخاصة. كـ "جان جاك روسو" الذي ألف كتاباً عن التربية، لكنه أودع أطفاله الخمسة بدار للأيتام، لأنه غير قادر على تحمل مسئوليته كأب، ولأنه رأى أن تلك الدار قادرة أكثر منه لتفيد أولئك الأطفال، خلافاً لـ "مشيل فوكو" الذي يقدمه الكتاب متسقاً إلى ذلك الحد الذي ربما كان السبب في موته. والمؤلفان، كما يكتبان، لايريدان بتسليطهم هذا الضوء، الدفع بتقييم أخلاقي لهؤلاء الفلاسفة، إنما: عرض حماقات الحكماء، كي لا تُقدس ذكراهم بشكل مُحرج. وفي المجمل يمكن القول أنه كتاب لطيف وشيق، اعتمد فيه المؤلفيّن على مؤلفات مبحوثِيهم وسيرهم الذاتية وماتم توثيقه عنهم، لقياس درجات ذلك التناقص أو التطابق عند أولئك الفلاسفة، وليس لسبر غور فلسفاتهم.
المؤلف: جون يونغ
المترجم: أحمد جمال أبو الليل
* ينظر جون يونغ لكتابه هذا كصرخة ونداء للسودانيين، شماليين وجنوبيين، ليطرحوا ثقتهم بعيداً عن المجتمع الدولي وعن أولئك الزعماء غير الجديرين بالولاء في السودان جنوبه وشماله، عليه يدعو السودانيين ليقوموا بالإمساك بمقاليد مصائرهم الجمعية. والكتاب كما يصفه مؤلفه يقع في الخط الممتد بين التاريخ والصحافة، وفيه يطرح كاطار نظري، النظرية الدولية المعتمدة اليوم فيما يخص عملية السلام، التي يرفضها يونغ، كتلك التي اتبعت في السودان (2005-2011) وأدت لانقسامه كما كان منتظر!، والتي تأتي، أي تلك النظرية، كمقايضة مابين السلام والديمقراطية، تاركة اسباب الصراع الحقيقية ومفضلة للمقاربات التقنية والادارية، لصالح "السلام" عوضاً عن دعم اليات التحول الديمقراطي. ليقول ان جهود المجتمع الدولي جاءت داعمة لرؤى شريكي السلام "المؤتمر الوطني والحركة الشعبية" في ابعاد القوى الاخرى في الشمال والجنوب، على حد سواء، عن المساهمة في هذا "السلام". كما تم الدخول في "اتفاقية السلام الشاملة" وكأن جميع صراعات السودان منفصلة لا يربطها رابط واحد، أي اعداد غفيرة من الاهالي المهمشين الذين يناضلون في وجة دولة مركزية قمعية، اذ تم النظر لصراعات السودان كصراع شمال جنوب، وجاءت جنوب النيل الازرق وجبال النوبة كملحق لتلك الاتفاقية/العملية. كما جرت عمليتي سلام منفصلتين لشرق السودان ودارفور. لتلي هذا الإطار النظري فصول الكتاب الستة ( المناصرون وشركاء السلام : حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان/ نهج معيب لعملية إحلال السلام/ الاستغناء عن الديمقراطية: انتخابات نسيان - ابريل 2010م/ إقرار ما لا مفر منه استفتاء كانون الثاني - يناير2011م/ المناطق الثلاثة: النيل الأزرق، جنوب كردفان، أبيي/ تقلبات المشهد: تحولات سياسية في جنوب السودان وشماله) اضافة للاحقة وتذييل في نهاية الكتاب، الذي جاء في 517 صفحة وصدر في عام 2014م عن اصدرات سطور الجديدة المصرية. أما المؤلف جون يونغ فهو باحث وصحافي وأكاديمي كندي قدم إلى السودان في عام 1986م ليعمل في صحيفة سودان نيوز وله عدد من المؤلفات عن السودان وأثيوبيا، حيث عمل في البلدين، كورقة (المجموعات المسلحة استعراض وتحليلات - المعهد العالي للدراسات الدولية - جنيف 2007م) حول السودان، اضافة لهذا الكتاب، وكتاب (ثورة الفلاحين في أثيوبيا - مطبوعات جامعة كامبيردج 1996م).
اسم الكتاب: ماذا لو غيَّرت الأعمال الإبداعية مؤلفِّيها
المؤلف: بيير بيارد
المترجم: محمد أحمد صبح
الناشر: دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع-دمشق
تاريخ النشر: 2015م
عرض: أسامة عباس
* تفتح " لو" في الثقافة العربية الاسلامية الباب واسعاً أمام الشيطان، لكنها في هذا الكتاب تفتحه رحباً لعمل الخيال، حيث يقوم المؤلف في قراءته لعدد من الاعمال الإبداعية المُعتَمَدة، باستبدال زمن الصدور من زمن إلى زمن آخر ونسبة التأليف من مؤلفيها لمؤلفين آخرين، مستفيدا من الأراء الواردة في نظرية "موت المؤلف" ومتكئاً على خوض كُتّاب آخرين في هذا الاستبدال، كـ صموئيل بتلر الذي قال بنسبة "الأدويسة" لإمرأة وليس لـ هوميروس، أو قبول فرويد ودفاعه عن الرأي القائل بأن كاتب أعمال شكسبير ليس إبن سترانفورد ذاك، بل هو شخص آخر. ويزيد بايارد بأن اسم المؤلف عادة ما يتكّون في مخيلة قراءه مما تصوروه عنه، ليوجد بالتالي بحسب رأيه ثلاثة أنواع من المؤلفين، الانسان الحقيقي والمبدع/المؤلف الداخلي والمؤلف الخيالي أي صاحب تلك الصورة المُتكونة عنه، وهو الذي يستحق برأيه الاهتمام، لأن القراءة أصلا فعل يقوم على النشاط التخييلي الذي هو قوام العلاقة مع الأعمال الأدبية ومؤلفيها.
* يبدأ المؤلف بتطبيق نظريته حول هذا الاستبدال بقسم "تغييرات جزئية للمؤلفين" عن رواية نشرها مؤلفها في فرنسا تحت اسم أميل جار، ليس اسمه الحقيقي، لتعقبها روايات أخرى لاقت النجاح وحققت الشهرة لمؤلفها، الذي قام فيما بعد بنشر سيرة ذاتية تحت اسم ثالث، عن حياة وموت إميل أجار. ثم يتحدث عن كاتب آخر قدم روايته في الفرنسية كمترجم لها عن اللغة الانجليزية. وأخيراً يقول ماذا لو نظرنا لـ "أليس في بلاد العجائب" كرواية في القرن العشرين ولمؤلفها لويس كارول ككاتب سريالي. ليقدم من خلال تلك الاستبدالات، قراءاته حول المؤلف الخيالي وأهميته في العملية الابداعية وفي التلقي، ومايمكن أن تقدمه حالة لويس كارول، من نظرة جديدة أو تذوق صحيح لأعماله كـ "أليس في بلاد العجائب" أو "الجانب الآخر من المرآة".
* وفي قسم "تغييرات تامة لمؤلفين" يقوم بايارد بنسبة أعمال ابداعية لمؤلفين ليسوا مؤلفيها، كأن يكتب "الغريب لفرانز كافكا" ناظراً لموضوع القضاء الحاضر دوماً في روايات كافكا ولـ ميرسو بطل رواية الغريب لـ البير كامو الذي ينوء تحت عبء قانون يتجاوزه وجريمة قتل ارتكبها، ولا يعرف كيف يتعامل معهما، ليقول بإن هذا التبديل يمنح الرواية الفرصة لرؤية البعد السياسي لها، كما يمد العبث الذي ابرزه كافكا إلي سياقات أخرى منفتحة عكس المجتمعات المغلقة التي حُصر فيها. ثم يتابع ذات الاستبدال مع عمل الروائية الأمريكية مارغريت ميتشل مانحاً روايتها "ذهب مع الريح" للروائي الروسي ليو تولستوي. كذلك بَدّل بين الكاتبين البريطانيين د. هـ. لورنس و ت. ي. لورنس، بأن منح الأول كتاب "أعمدة الحكمة السبعة" والثاني رواية "عشيق الليدي تشاترلي".
* يمد المؤلف في القسم الأخير من كتابه "إعادة النسبة في الفنون الأخرى" تبديله لأعمال تقع في حقول أخرى، مثل كتاب "الأخلاق" لـ باروخ سبينوزا مانحا سيجموند فرويد حق تأليفه ليقوم بمناقشة أراءه على ضوء أفكار كتاب "الأخلاق". ثم ينتقل لفيلم "المدرعة بوتيمكين" للروسي إيزينشتاين مانحاً حق إخراجه لـلإنجليزي الفريد هيتشكوك، رافضا النظر للأخير كمنفصل عن التاريخ كما توحي الفكرة المغلوطة عن أفلامه، أو أن همه الأساس نسج قصص بوليسية بمهارة، ليزيد بان فيلم "المدرعة بوتيمكين" يبرز فيه الترقب الذي يعتبر هيتشكوك مصورا عظيما له. ويختم بنسبة لوحة الصرخة لـلنرويجي إدفار مونك إلى الموسيقي الألماني روبيرت شومان.
* يختم بايارد كتابه قائلاً بإن التعديلات التي اقترحها لا تمثل إلا جزءاً بسيطاُ من من الامكانات الهائلة التي يمكن ان تنفتح أمام الابداع، عندما يتجاوز المحظور الضمني حول اسم المؤلف، الذي أضر بالدراسات الأدبية والفنية كما يقول. ليقول إن هذا الاستبدال أو مايسميه الخطأ السعيد (يعني تقدير كل العوالم الممكنة التي تلتقي في عمل، وكل المؤلفين الذين يمكن لهم كتابته، كما يعني عقد صلات جديدة من دون توقف بين الكُتّاب والنصوص).