اسم الكتاب: الانتفاضات المدنية في السودان الحديث
المؤلفة: ويللو بيريدج*
الناشر: منشورات بلومسبري- لندن/نيويورك
تاريخ النشر: 2015
عرض: أحمد آدم**
* مثلت ثورة أكتوبر 1964 في السودان حدثاً فريداً، إذ تحدت فرضيتين كانتا مهيمنتين وسط الباحثين، الفرضية الأولي أن الأنظمة في الشرق الأوسط وأفريقيا لا يمكن ازاحتها سوى بانقلاب عسكري، والفرضية الثانية أن الأحزاب السياسية بهذه الدول لم يكن لها دوراً مؤثراً في النصف الثاني من القرن العشرين، كما تقول المؤلفة، لتقدم في كتابها هذا تحليلاً دقيقاً للظروف التي جعلت السودان قادراً على انتاج هاتين الظاهرتين السياسيتين الفريدتين، أي ثورتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985، مُشيرة لسلمية المظاهرات في أكتوبر، وقائلة بإن ما يثير الاهتمام هو، هتافات الثورة غير الدينية، رغم وجود قيادات ضمن الثورة أصبحوا فيما بعد في قيادة الإسلام السياسي في السودان، وذهبت لتحليل هذه الظاهرة، بالنظر للكيفية التي فسرت بها النخبة المتعلمة ثورة أكتوبر كحدث قومي، ولذلك تم تجاوز الفروقات الأيديولوجية بين المتظاهرين مؤقتا، من أجل الهدف الرئيسي وهو اسقاط نظام عبود.
* بدأ نظام إبراهيم عبود، لأول مرة في السودان، الاعتقال التحفظي ومنع أي أنشطة سياسية لا تدعم توجهاته، كما تقول الكاتبة، وإن عبود لجأ لدرجة من الاكراه والقمع للبقاء، بسبب ضعف قاعدته الجماهيرية، إذ تم اعدام مجموعة من سلاح المشاة في ديسمبر 1959 لمحاولتهم الانقلاب على النظام، وحُلت في عام 1961 نقابة السكة حديد السودانية وتم اغلاق جامعة الخرطوم نتيجة للمظاهرات التي قام بها الطلبة، لتقول إن المقارنة بين ما فعله عبود وما فعله نميري والبشير من بعده تكاد تكون معدومة، لكن تلك الأحداث كانت بدعة سياسية في زمنها، فإطلاق الرصاص على الطالب أحمد القرشي، والذي أتى كجزء من مواجهات طويلة بين طلاب جامعة الخرطوم والعسكر، كان حدثا محفزا، سرعان ما قاد للمظاهرات التي أدت في النهاية لاقتلاع النظام، وتقول إن هناك وجهات نظر مختلفة تم تقديمها لتفسير السقوط السريع لنظام عبود، فثمة من يقول إنه ورغم المظاهرات الضخمة جدا التي أعقبت استشهاد القرشي، لم يكن سقوط النظام مضمونا، ولكن الشيء الذي عجل بنهاية النظام هو اعلان العصيان العام. وثمة من ذهب الى أن سقوط النظام بسبب الضغط الذي قوبل به عبود من "الضباط الأحرار"، في الوقت الذي يعتقد فيه اخرون أن الجنرال العجوز قرر الاستقالة من تلقاء نفسه لزهده في السلطة، لكن الكاتبة تقول إنه يجب أن نضع في الاعتبار أن عبود لم يستسلم مباشرة، فالقرار الأول الذي قام به كان القاء القبض على اثنين من القضاة الذين شاركوا في المظاهرات التي أدت لإعلان العصيان المدني، وتعلق على سلمية الثورة بقولها أن ثورة أكتوبر نجحت وبشكل كبير في تبني استراتيجية غير عنيفة، ولكن من الصعب تصنيفها كثورة سلمية بشكل مطلق، إذ أخذت الثورة طابعا عنيفا في منعطفات رئيسية، ولكن لا يمكن أن نقول أن العنف هو الذي لعب الدور الحاسم في اجبار النظام على التنازل عن السلطة، فقيادات الثورة من الأحزاب السياسية، النقابات، والمهنيين لم يشجعوا استخدام العنف ضد النظام ومنسوبيه، وربما يعود ذلك الى أنهم يأتون من نفس الخلفيات الاجتماعية ذات الامتيازات التي أتى منها نظام عبود، وليس من مصلحتهم تشجيع أي نوع من أنواع الفوضى التي تؤدي الى العنف.
* في الفصل الثاني المعنون (انتفاضة 1985: هل دمر نميري نفسه؟) تعود الكاتبة لبدايات ثورة مايو، ناظرة لإنقلاب جعفر محمد نميري في 1969 كنتيجة لإخفاقات ثورة أكتوبر، وفشل النظام البرلماني الذي تم تأسيسه في تبني أي استراتيجيات سياسية تقدمية، بالإضافة لعدم قدرته على تحقيق السلام في الجنوب، ثم تستعرض التاريخ الدموي لنظام نميري في سنوات السبعينات، والذي تمثل في الاعدامات السياسية، وأحداث الجزيرة أبا وغيرها، قائلة بإن الطبيعة الدموية للنظام ساهمت في تأخير الانتفاضة عليه. وتعزو الكاتبة الانتفاضة للأزمات المتلاحقة التي حاقت بالنظام منذ بداية الى منتصف الثمانينيات. وقد كانت الأزمات الاقتصادية في جزء منها نتيجة لعوامل خارجية، مثل ارتفاع أسعار النفط، وانخفاض الطلب على موارد السودان الخام، بالإضافة لضغوطات صندوق النقد الدولي لاجبار الدول الأفريقية ودول الشرق الأوسط على تبني سياسات اقتصادية تقشفية. ولكن التدهور كان أيضا بسبب عوامل داخلية، مثل الفساد والسياسات الاقتصادية الخاطئة التي ركزت على انشاء مشاريع تنموية ضخمة وطموحة، دون وجود رأس المال الكافي لتسييرها، وفي نفس الوقت تَجاهُل المشاريع الزراعية الموجودة أصلا، ليمنع هذا التدهور الاقتصادي الحكومة من القدرة على التعامل مع المجاعة التي حدثت بين 83 و85 إذ رفض نميري الاعتراف بها، وقد مات بسببها الالاف ونزح الالاف للخرطوم، ليواجهوا بـ(كشات) أمن نميري لإجبارهم على العودة لمناطقهم.
* تَخَلُص الكاتبة الى أن التدهور الاقتصادي هو الذي أشعل شرارة الانتفاضة التي أدت لسقوط النظام، يضاف الى ذلك عدم قدرة نميري على التعامل مع ثورة الجماهير، وأيضا فقدانه لكل حلفاءه السياسيين، بعد أن أصبح نظام نميري نظام الرجل الواحد، بالإضافة لتدهور صحته، والذي جعله غير قادر على اتخاذ قرارات سليمة، على سبيل المثال اعلان الشريعة وما صاحبها من أحداث، كإعدام الأستاذ محمود محمد طه، لتقول ربما يكون نميري هو الذي ساهم في اسقاط نفسه، ولكن الأحزاب السياسية، النقابات المهنية، والاتحادات الطلابية هي التي حددت الطريقة التي سقط بها، بعد أن قامت في التنسيق فيما بينها لاستعادة الديمقراطية. تلاحظ الكاتبة أن الخطاب الديني ظهر بصورة أوسع في انتفاضة أبريل 1985 مقارنة باكتوبر 1964، بعد أن وضع نميري الدين في مركز الحياة السياسية وذلك بإعلانه الشريعة الإسلامية، الشيء الذي أجبر المعارضين على انتقاده من وجهة نظر دينية.
* وفي تحليلها للبنية الاجتماعية لقوى الانتفاضة ترى الكاتبة أن الانتفاضة احتضنت أعداد كبيرة من الطبقات الاجتماعية التي تأثرت بشريعة نميري، مع الوضع في الاعتبار أن الخرطوم شهدت درجة كبيرة من النزوح خلال الـ21 سنة التي تلت ثورة أكتوبر، فمجموعة من شهداء الانتفاضة كانوا من مناطق مهمشة في الخرطوم، مثل مايو والحاج يوسف، وهي الأحياء التي شهدت، في غالبها، هجرات من الهوامش السودانية نتيجة للجفاف والمجاعة، والحرب في مناطقهم، وكانت النخبة الحاكمة أطلقت تسميات تحقيرية لوصف سكان المناطق "العشوائية" بالقول انهم (شماسة) كما استهدفتهم حكومة مايو بشكل منظم في سنواتها الأخيرة، عبر ماسموها حملة (الانضباط العام) للقبض على "العطالى" في مناطق الخرطوم الطرفية وارسالهم لمناطق الزراعة، وقد خرج هؤلاء بأعداد كبيرة خلال الانتفاضة، وساهموا في سقوط نميري، لكن لم يكن هناك أي تمثيل لهذه الفئة الاجتماعية المدينية الجديدة في قيادة الانتفاضة، بالرغم من أن بعض قادة الانتفاضة كانوا متعاطفين بصدق مع مأزق سكان "العشوائيات" لكنهم لم يستطيعوا أن يخلقوا تضامن صادق معهم، وأن الشيوعيين السودانيين كانوا ماركسيين كلاسيكيين، ولم يكن بمقدورهم قبول أن هذه الكتلة البروليتارية المدينية المحرومة، يمكن أن تكون طبقة ثورية محتملة، ولم يكن قادة الانتفاضة من الطبقة الوسطى قادرين على ردم الهوة بينهم وبين ثوار "العشوائيات" سوى بشكل سطحي فقط، بهذا المعنى وبالرغم من أن الانتفاضة قد احتضنت أناس من خلفيات اجتماعية ومناطق جغرافية متباينة أكثر من ثورة أكتوبر 1964 لكن الانتفاضة أعادت انتاج عدد من إخفاقات أكتوبر.
* في الفصل الثالث المعنون (الشيوعيون، الإسلاميون، البعثيون، والطائفيون: الأحزاب السياسية في 1964 و 1985) تتناول الكاتبة دور الأحزاب السياسية، قائلة بإن الباحثين في شئون الشرق الاوسط يجادلون بأنه لم يكن هناك دورا مؤثرا للأحزاب السياسية في النصف الثاني من القرن العشرين على مستوى دول الاقليم، وينطبق نفس الحال على المحللين في الشئون الأفريقية، الذين يقولون إن الأحزاب السياسية كظاهرة لم تحدث سوى بعد الموجة الليبرالية في 1990 لكن الكاتبة ترى ان ثمة عوامل يجب وضعها في الاعتبار قبل أن نقلل من دور الأحزاب السياسية في السودان، مثل أن الانتفاضتين نجحتا في إعادة ديمقراطية حزبية تعددية، ولو أنها كانت لفترة قصيرة، وهذا يعني أن الأحزاب السودانية لم تغب لفترة طويلة من الممارسة السياسية كرصفائها من دول الاقليم، بالإضافة الى أن النظامين العسكريين اختارا في فترات من حكمهم أن يشركوا بعض من الأحزاب السياسية في السلطة، مما جعلها مواصلة في التأثير في الحياة السياسية، وتقول إن التحليل الدقيق لانتفاضة 64 و85 يوضح الفرضية الخاطئة أن اليسار، وخصوصا الحزب الشيوعي، كان القوة الأكثر تأثيرا، فهو لم يكن الحزب الأكثر تأثيرا في جامعة الخرطوم، وهي المؤسسة التي احتضنت ثورة أكتوبر، كما تفند ادعاءات بعض مناوئ الحزب الشيوعي في أنه كان ضد أكتوبر، وهو قد وضع دعمه الثقيل خلف الثورة عندما اندلعت المظاهرات، فكان ضمن مجموعة متنوعة من الأحزاب والقوى الاجتماعية المختلفة التي دفعت الانتفاضة الى الأمام، لتضيف بإن قوة الحزب الشيوعي في 1964 كانت أكبر منها في 1985 لأنه كان لا يزال يعاني من ضربات نميري المتلاحقة، بينما كان البعث هو الحزب العلماني الذي ساعد في تحريك المعارضة بشكل كبير في 1985 وذلك لأن الحزب كان مدعوما بشكل مباشر من حزب البعث العراقي.
* وبالنسبة للأحزاب المحافظة التي تبني شرعيتها على شكل أو اخر من الإسلام السياسي، سواء كان اسلاما متجذرا تاريخيا مثل الختمية والانصار، أو اسلام حديث مثل الأخوان المسلمين، ترى الكاتبة أن هذه الأحزاب ساهمت بدرجات مختلفة في تحريك المعارضة في الانتفاضتين. وتقول الكاتبة بالرغم من دور الأخوان المسلمين في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في أكتوبر 1964 ولكن لا يمكن أن نقول أن أي من هذه الأحزاب خلق ثورة أكتوبر، لكنها كلها، كما في حالة الحزب الشيوعي، لعبت دورا مهما في دعم المظاهرات عند اندلاعها. وتشير الى انه في أكتوبر 64 تحالفت قوى سياسية مختلفة حتى تمت الاطاحة بالنظام، على العكس من أبريل 1985عندما كانت هناك دلائل كثيرة تشير الى الانقسام بين القوى السياسية، خصوصا أن تنظيم الجبهة الإسلامية القومية كان حليفا أساسيا لنميري قبل سقوطه بأسابيع.
* في الفصل الرابع المعنون (’القوى الحديثة‘: الطلاب، المهنيين، والنقابات العمالية في 1964 و1985) تقوم الكاتبة بتحليل المؤسسات المختلفة المرتبطة بالقوى الحديثة، قائلة بإن طلاب الجامعات والمدارس الثانوية هم من أشعلوا شرارة الثورة، ولكن الخريجين المهنيين هم من أعطى الثورة شكلها، بمشاركة نقابات العمال التي جاءت متأخرة نسبيا في الحراك، وتعزو ذلك الى أن نقابات العمال الرئيسية كنقابة السكة حديد وتجمع مزارعي مشروع الجزيرة كانوا في المدن الإقليمية كعطبرة وبعيدين عن مكان اندلاع الثورة، في حين أن دور المهنيين فرضه وجودهم في حيز الحدث فالمحاضرين في الجامعة كانوا قريبين من الطلاب عند اندلاع الثورة، والدكاترة انضموا في لحظة وصول القرشي للمستشفى، والقضاة والمحامين كانت مراكزهم في الخرطوم، لتقول إن التمثيل المكثف للمهنيين لايعطي صورة عادلة عن مشاركة العمال في المدن، أو مساهمتهم في النضال ضد عبود خلال الست سنوات التي كان فيها في السلطة، في حين أن المهنيين كان لهم دور مميز في الثورة نفسها، ولكن اتحادات العمال كانت أكثر الأجسام التي لها سجل مستمر في النضال ضد نظام عبود، وأيضا النضال ضد الاستعمار والنظام البرلماني الذي خلفه. وتخلص الكاتبة الى أنه ليس هناك حزبا سياسيا وحيدا احتكر القوى الحديثة خلال الثورة، وترى الكاتبة أن وضعية النقابات العمالية داخل القوى المعارضة للنظام كانت محدودة مقارنة بالمهنيين. وهذا يذكرنا بأن الثورة كانت قيادتها محتكرة في نطاق ضيق وهو نطاق المهنيين، المنحدرين من خلفيات شمالية نيلية، الشئ يشير برأيها الى أن مفهوم "القوى الحديثة" يستبعد أعداد كبيرة من السودانيين، ليبقى الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة القاضي عبد المجيد امام، الذي تعود خلفيته الى جبال النوبة في جنوب كردفان، فهو الذي قاد مظاهرات القضاة في أكتوبر 1964 ولكن بابكر عوض الله هو الذي أصبح رئيسا للقضاء بعد الثورة بدلا عن عبدالمجيد امام الذي كان في طليعة المظاهرات.
* الفصل الخامس (القوات المسلحة: هل كانت في حماية الشعب) تتناول فيه الكاتبة دور القوات المسلحة وتقوم بتصنيف ثلاث مجموعات مهمة داخل الجيش، الأولى هي قيادة الجيش الموالية للنظام، والمجموعة الثانية تتكون من صغار الضباط الراديكاليين المنضوين لخلايا سياسية داخل الجيش، والثالثة تكونت من الضباط الكبار أو الرتب الوسيطة، والذين لم يكونوا جزءا من قيادات الجيش ولعبوا دور الوسيط بين المجموعة الأولى والثانية، وتشير لدور الفئة الوسيطة وليس الفئة الراديكالية، هي التي حددت الدور الذي لعبه الجيش في الثورة، إذ كانت هذه الفئة تفهم دور الجيش كمؤسسة قومية، فلم ترضخ لضغوطات النظام أو ضغوطات الحزبيين، سواء من اليمين أو اليسار، لتقول بإن هناك تشابه، الى حد ما كان، بين تدخل العسكر في الانتفاضتين. في الحالتين لم تكن التنظيمات السياسية داخل الجيش – الضباط الأحرار في 64 والإسلاميين في 85 قادرين أو راغبين في القيام بانقلاب عسكري. ولكن استخدموا الانتفاضتين في التهيئة لانقلاباتهم بعد سنوات قليلة. قام الضباط الاحرار بانقلاب مايو 69 والاسلاميون بانقلاب 89 لتخلص الكاتبة في هذا الفصل الى أنه لا يمكن أن نقول بأن الجيش أو الشرطة قاموا بصناعة أكتوبر أو أبريل، وان كان الأسلوب الذي تعاملوا به مع المظاهرات حدد النتيجة النهائية.
* الفصل السادس (النظام الانتقالي 1964-1965: هل كان فرصة ضائعة؟) ترى الكاتبة في هذا الفصل أن تحديات الفترة الانتقالية أظهرت الصدوع داخل الجسد السياسي السوداني، بسبب أن النخبة الراديكالية المدينية فشلت في أن تربط الغالبية العظمى من سكان الريف بأجندتها، وقد ساعد ذلك حزب الأمة أن يطرح رؤية بديلة للقومية السودانية وبالتأكيد للثورة نفسها، رغم أن أنصاره لم يلعبوا أدوار مهمة في أحداث أكتوبر الحاسمة، ولكن هجراتهم الكبيرة في فبراير غيرت طبيعة ما نظر اليه كثورة مدينية، كما فشلت النخبة الراديكالية المدينية في تقديم أي رؤية ثورية جاذبة للجنوبيين، الذين أسسوا جبهة الجنوب، ممايعني ضمنيا أنهم مفصولين من اتحاد النقابات وجبهة الهيئات، وهذا يوضح النواقص الاجتماعية والإقليمية للمؤسسات المرتبطة بثورة أكتوبر والتي لم تستطع تحويل شعاراتها لحقائق على أرض الواقع.
* في الفصل السابع (الفترة الانتقالية 1985-1986 وعناد الإسلام السياسي) ترى الكاتبة أن الفترة الانتقالية كانت مليئة بالخلافات، من جهة كان هناك خلاف بين الجيش والمهنيين، ومن جهة أخرى كان هناك خلاف بين المهنيين والأحزاب، بالإضافة لخلافات المهنيين فيما بينهم، لتقول إنه وبعد سماع كلمة سوار الدهب في 6أبريل بانحياز الجيش للشعب، تجاهل ممثلي حزب الأمة والاتحادي الاجتماع المزمع عقده مع المهنيين وذهبوا لزيارة قيادة الجيش لمباركة خطوتهم في الاستيلاء على السلطة، مما وفر سياقاً ملائماً للعسكر ليحلوا محلهم كقيادات للفترة الانتقالية، وقبل ذلك كانت أكثر نقاط الخلاف اثارة للجدل بين الأحزاب والمهنيين كانت حول مدة الفترة الانتقالية، فممثلو اتحاد المهنيين طالبوا بمدة خمسة سنوات للفترة الانتقالية، وكان رأيهم أن هذه المدة ضرورية لكنس كل الاثار السالبة للنظام السابق، ولتأسيس قاعدة لسودان حر ديمقراطي تعددي، وممثلو الأحزاب السياسية رفضوا هذه المدة، وبعد مفاوضات مضنية قبل المهنيون بتقليل المدة، وتقول الكاتبة أن المهنيين تعلموا من درس أكتوبر أن عودة سريعة للانتخابات تعني أن تأثيرهم في الحياة السياسية سيختفي سريعا.
* الفصل الثامن المعنون (انتقام مايو: ثورة الانقاذ، يونيو 1989) تقدم فيه الكاتبة تحليلا وافيا لبنية نظام الانقاذ، وتقول إن أكثر سبب لاستمرار نظام الانقاذ هو التعامل القاسي مع "القوى الحديثة"، فمباشرة بعد الانقلاب قامت حكومة الانقاذ بحل النقابات العمالية الرئيسية واتحادات المهنيين واعتقال قياداتهم، ليصل عدد العمال الحكوميين الذين تم فصلهم من عملهم منذ وصول الانقاذ للسلطة 73,640 وهو ضعف عدد المفصولين في الفترة من 1904حتى 1989 وفي تحليلها لدور الطلاب في مناهضة النظام، ترى الكاتبة أن القطاع الطلابي هو الفرع الوحيد من فروع "القوى الحديثة" الذي لم يستطع النظام السيطرة عليه.
* في خاتمة الكتاب تطرح الكاتبة تساؤلات عن إمكانية نجاح انتفاضة في المستقبل وتقول أنه بالتأكيد يمكن أن تنجح انتفاضة، دون حتى أن يتم حل الصراع بين المهمشين والأقاليم المركزية، وأيضا الصراع بين من ينادون بتطبيق الشريعة ومن يرفضونها، وهذا ما حدث في انتفاضتي 1964 و 1985 لكنها ترى إنه دون القدرة على تأسيس أرضية سياسية مشتركة تستوعب هذه المجموعات المتنافسة، فان الانتفاضة الثالثة من المحتمل أن تعيد انتاج إخفاقات الانتفاضتين السابقتين، وتؤسس ديمقراطية هشة، يمكن اسقاطها بنظام سلطوي يشبه نظام عبود، نميري، والبشير. لذلك يجب أن يتعلم أصحاب الحنين لاكتوبر وأبريل من اخفاقاتهما، وفي نفس الوقت أن يحاولوا إعادة ايجابياتهما، كما تقول الكاتبة.
---------------------------------
* أستاذة للتاريخ بجامعة نيوكاسل ببريطانيا
** كاتب سوداني